ثورة برية في إسكتلندا
في نهاية العصر الجليدي الأخير، كانت إسكتلندا منطقة برية بحق، حيث كانت غابات الصنوبر الكاليدونية تموج بقطعان بَبْر المرتفعات -قط بري بأشرطة مميزةــ والذئب والوشق والدب. وكان الرومان يطلقون على شمال هذا البلد اسم "غابة كاليدون الكبرى". لكن مع مرور الوقت، جرّد البشر تلك المرتفعات من خيراتها طلبًا للأخشاب والفحم والزراعة. واختفت الأنواع الأصلية كالخنازير البرية والظرابين والأيائل. وأصبحت الغابات حاليًا لا تغطي سوى 4 بالمئة من مساحة اليابسة في إسكتلندا. وفي الوقت الحالي، يقوم تحالف مكوَّن من مجموعات بيئية ووكالات حكومية بتجميع الموارد على نطاق أوسع من أي وقت مضى، في سعي منه لإعادة النظم البيئية الإسكتلندية إلى حالتها الأصلية. ومن أهداف هذا التحالف تخصيص ثلث الأراضي العامة لإعادة إحياء الطبيعة في أفق عام 2030، وتوسيع نطاق مشروعات غرس الأشجار، وإعادة توطين أنواع الوحيش الأساسية. فإذا نجحت هذه المبادرات في مساعيها، فمن الممكن أن تجعل من إسكتلندا أول دولة في العالم تستعيد الحياة البرية.
ويقول "بيتر كيرنز"، المدير التنفيذي للمنظمة غير الربحية (Scotland: The Big Picture): "تتمتع إسكتلندا بمناظر خلابة ووديان صغيرة رائعة، لكن منظومتها البيئية تضاءلت إلى حد كبير منذ زمن بعيد. ويُعد تدهور المناخ أحدَ الدوافع الرئيسة التي جعلت لعمليات إحياء البرية زخمًا متناميًا لأنها تُوحّد الجميع". فخلال ثمانينيات القرن الماضي، كان النهج المعتمَد في صون الطبيعة يميل إلى الانتقائية، بتركيزه على حِفظ أنواع بعينها وموائل محددة. لكن جهود الحفظ تغيرت اليوم إذ أضحت تركز على إعادة إحياء العمليات البيئية وفق نهج يشمل المشهد الطبيعي بأكمله. ويجري اليوم إحياء الحياة البرية في أكثر من 70 دولة. ومن بين أفضل المشروعات المعروفة (Peace Parks Foundation) في جنوب إفريقيا التي شارك في تأسيسها "نيلسون مانديلا" ومنظمة (Rewilding Europe) التي تنشط في أماكن تمتد من إقليم لابلاند السويدي إلى جبال "الكاربات" الجنوبية. ويَكمن سر تقدم إسكتلندا في كل من طموحها المثالي والنهج التعاوني الرامي إلى الربط بين الموائل وتنوع فصائل الوحيش.
في المرتفعات الإسكتلندية، تُعد مؤسسة (Trees for Life) الخيرية البيئية من أهم المؤيدين لإحياء الحياة البرية، إذ أمضت زُهاء عامين في تنفيذ خطة تدوم 30 عامًا وتروم تحويل "كانيتش" و"أفريك" و"موريستون" و"شيل" -وهي سلسلة متوالية من الوديان في المرتفعات الوسطى ــ إلى منطقة شاسعة لإحياء الطبيعة تُعرف باسم "مرتفعات أفريك". ويتضمن المشروع إحياء أراضي الخث المتدهورة، واستعادة مجاري الأنهار والغابات، وإعادة ربط ممرات الحياة البرية. ويُمكن للزوار أخذ لمحة عن هذا المشروع الطموح في "مركز داندريغان لإعادة الحياة البرية" الذي افتتح في ربيع العام الحالي لدى "وادي موريستون" على أرض صيد مَلَكية يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر. ويوفر فضاء هذا المشروع الذي تبلغ مساحته 4000 هكتار، مسارات للمشي وفصولا دراسية ومعروضات الثقافة "الغيلية" ومجمعًا يضم 40 سريرًا للباحثين والمتطوعين الراغبين في الانغماس الكامل في هذه الأجواء.
وسيجد المسافرون الذين يتوجهون إلى مرتفعات أفريك التي أُعيد إحياؤها، بعض أنواع النبات والوحيش المحلية البالغ عددها 4000 نوع؛ ومنها اليحمور الأوروبي والقواع الجبلي وفأر الماء والخفافيش البنية "طويلة الأذنين" وثعالب الماء والطيهوج الأسود. في عام 2020، صارت العُقبان الذهبية تعشش هناك أول مرة منذ ثمانينيات القرن الماضي. وأصبحت عودة الأنواع تمتد إلى أماكن أخرى، لا سيما في أحد مشروعات إعادة الحياة البرية الأكثر طموحًا في إسكتلندا، وهو (Cairngorms Connect). يقود هذه المنظمةَ مُلّاكُ أراض كثيرون وتركز نشاطها على هضبة شبه قطبية تبلغ مساحتها 60 ألف هكتار في "منتزه كيرنغورمز الوطني". إنها المنظمة الأكبر من نوعها في بريطانيا؛ وقد باشرت مشروعًا يدوم 200 عام بغرض استعادة الأنهار وإعادة زرع غابة الصنوبر في كاليدونيا القديمة. وخلال العام الحالي، ستُعيد "الجمعية الملكية لعِلم الحيوان" في إسكتلندا توطين زُهاء 20 قطًا بريًا.
اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab
ثورة برية في إسكتلندا
في نهاية العصر الجليدي الأخير، كانت إسكتلندا منطقة برية بحق، حيث كانت غابات الصنوبر الكاليدونية تموج بقطعان بَبْر المرتفعات -قط بري بأشرطة مميزةــ والذئب والوشق والدب. وكان الرومان يطلقون على شمال هذا البلد اسم "غابة كاليدون الكبرى". لكن مع مرور الوقت، جرّد البشر تلك المرتفعات من خيراتها طلبًا للأخشاب والفحم والزراعة. واختفت الأنواع الأصلية كالخنازير البرية والظرابين والأيائل. وأصبحت الغابات حاليًا لا تغطي سوى 4 بالمئة من مساحة اليابسة في إسكتلندا. وفي الوقت الحالي، يقوم تحالف مكوَّن من مجموعات بيئية ووكالات حكومية بتجميع الموارد على نطاق أوسع من أي وقت مضى، في سعي منه لإعادة النظم البيئية الإسكتلندية إلى حالتها الأصلية. ومن أهداف هذا التحالف تخصيص ثلث الأراضي العامة لإعادة إحياء الطبيعة في أفق عام 2030، وتوسيع نطاق مشروعات غرس الأشجار، وإعادة توطين أنواع الوحيش الأساسية. فإذا نجحت هذه المبادرات في مساعيها، فمن الممكن أن تجعل من إسكتلندا أول دولة في العالم تستعيد الحياة البرية.
ويقول "بيتر كيرنز"، المدير التنفيذي للمنظمة غير الربحية (Scotland: The Big Picture): "تتمتع إسكتلندا بمناظر خلابة ووديان صغيرة رائعة، لكن منظومتها البيئية تضاءلت إلى حد كبير منذ زمن بعيد. ويُعد تدهور المناخ أحدَ الدوافع الرئيسة التي جعلت لعمليات إحياء البرية زخمًا متناميًا لأنها تُوحّد الجميع". فخلال ثمانينيات القرن الماضي، كان النهج المعتمَد في صون الطبيعة يميل إلى الانتقائية، بتركيزه على حِفظ أنواع بعينها وموائل محددة. لكن جهود الحفظ تغيرت اليوم إذ أضحت تركز على إعادة إحياء العمليات البيئية وفق نهج يشمل المشهد الطبيعي بأكمله. ويجري اليوم إحياء الحياة البرية في أكثر من 70 دولة. ومن بين أفضل المشروعات المعروفة (Peace Parks Foundation) في جنوب إفريقيا التي شارك في تأسيسها "نيلسون مانديلا" ومنظمة (Rewilding Europe) التي تنشط في أماكن تمتد من إقليم لابلاند السويدي إلى جبال "الكاربات" الجنوبية. ويَكمن سر تقدم إسكتلندا في كل من طموحها المثالي والنهج التعاوني الرامي إلى الربط بين الموائل وتنوع فصائل الوحيش.
في المرتفعات الإسكتلندية، تُعد مؤسسة (Trees for Life) الخيرية البيئية من أهم المؤيدين لإحياء الحياة البرية، إذ أمضت زُهاء عامين في تنفيذ خطة تدوم 30 عامًا وتروم تحويل "كانيتش" و"أفريك" و"موريستون" و"شيل" -وهي سلسلة متوالية من الوديان في المرتفعات الوسطى ــ إلى منطقة شاسعة لإحياء الطبيعة تُعرف باسم "مرتفعات أفريك". ويتضمن المشروع إحياء أراضي الخث المتدهورة، واستعادة مجاري الأنهار والغابات، وإعادة ربط ممرات الحياة البرية. ويُمكن للزوار أخذ لمحة عن هذا المشروع الطموح في "مركز داندريغان لإعادة الحياة البرية" الذي افتتح في ربيع العام الحالي لدى "وادي موريستون" على أرض صيد مَلَكية يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر. ويوفر فضاء هذا المشروع الذي تبلغ مساحته 4000 هكتار، مسارات للمشي وفصولا دراسية ومعروضات الثقافة "الغيلية" ومجمعًا يضم 40 سريرًا للباحثين والمتطوعين الراغبين في الانغماس الكامل في هذه الأجواء.
وسيجد المسافرون الذين يتوجهون إلى مرتفعات أفريك التي أُعيد إحياؤها، بعض أنواع النبات والوحيش المحلية البالغ عددها 4000 نوع؛ ومنها اليحمور الأوروبي والقواع الجبلي وفأر الماء والخفافيش البنية "طويلة الأذنين" وثعالب الماء والطيهوج الأسود. في عام 2020، صارت العُقبان الذهبية تعشش هناك أول مرة منذ ثمانينيات القرن الماضي. وأصبحت عودة الأنواع تمتد إلى أماكن أخرى، لا سيما في أحد مشروعات إعادة الحياة البرية الأكثر طموحًا في إسكتلندا، وهو (Cairngorms Connect). يقود هذه المنظمةَ مُلّاكُ أراض كثيرون وتركز نشاطها على هضبة شبه قطبية تبلغ مساحتها 60 ألف هكتار في "منتزه كيرنغورمز الوطني". إنها المنظمة الأكبر من نوعها في بريطانيا؛ وقد باشرت مشروعًا يدوم 200 عام بغرض استعادة الأنهار وإعادة زرع غابة الصنوبر في كاليدونيا القديمة. وخلال العام الحالي، ستُعيد "الجمعية الملكية لعِلم الحيوان" في إسكتلندا توطين زُهاء 20 قطًا بريًا.