حين تلبس الطبيعة رداء التـحدي..

في "محمية جزر أبوسل الوطنية" لدى بحيرة "سوبيريور"، تتمتع الطبيعة بالقدرة على الخلق والتدمير.. والتجدد.

تُعد جزر "أبوسل"، الواقعـة ضمـن بحيـرة تشـتهـر بقسوتها على البشر، مكانًا محميًا نسبيًا. لكـن هـذا لا يعـني أنهـا آمنـة.

"هذا ليس مكانًا للهواة"، يقول "ديف كوبر" موجّهًا دفة "أرديا"، وهو مركب من الألمنيوم طوله 7.5 متر ومصنوع خصيصًا للإبحار في المحيط الهادي، عبر مياه "بحيرة سوبيريور" الهادرة في طريق العودة من جزيرة "ديفلز"، على بعد 26 كيلومترًا عن الشاطئ. في هذا اليوم، تهب الرياح من الشمال الشرقي بسرعة تتراوح بين 20 و25 عقدة، فيما يبلغ ارتفاع الأمواج 1.5 متر. وها هو كوبر، مدير الموارد الثقافية لدى "محمية جزر أبوسل الوطنية"، يخوض بالمَركب غمار البحر ويناور أمواجه العاتية. يقول: "يشبه الأمر ترويض حصان جموح؛ وأنا أحاول جعله سلس الانقياد". على مرّ ثلاثة عقود من عمل كوبر عالمَ آثار في بحيرة "سوبيريور"، شارك في العشرات من مَهمّات البحث والإنقاذ المروّعة. يقول كوبر إن أبوسل "سلسلة جزر تستقطب الناس للتجديف مسافات طويلة. وهي من الناحية النظرية، توفر حماية أكبر، ولكنها توفر أيضًا غواية للناس بالذهاب في مغامراتهم أبعد من قدراتهم".

وثمة تهديدات أخرى تلوح في الأفق. فمع تغير المناخ، ترتفع درجة حرارة البحيرة بمعدل ينذر بالخطر، قوامه 0.5 درجة مئوية على الأقل في كل عقد. وباتت العواصف أشرس فأشرس، مدمرةً البنى التحتية مثل الأرصفة، ومتسببة بتآكل السواحل وزيادة كمية الرواسب في البحيرة، التي يمكن أن تؤدي إلى تكاثر الطحالب. لكن أبوسل لديها هواتها ومناصروها؛ وأحدهم هو "توم إيرفاين"، المدير التنفيذي لدى "مؤسسة المنتزهات الوطنية لبحيرة سوبيريور". وقد عمل أبو جده مع جد جده معًا حارسَي منارة في "جزيرة آوتر". يقول إيرفاين: "تتملكك جزر أبوسل وتسكنك. هذا ما فعلت بعائلتي. إنها جزء من روحنا الجماعية".

في صيف عام 2020، استقدمَ إيرفاين إلى الجزر "ديفيد غاتنفيلدر"، مستكشفٌ لدى ناشيونال جيوغرافيك ومصور فوتوغرافي. قرر هذا الأخير، وهو مجدف زوارق كاياك محنّك، اختبار هذه المياه في رحلة مفعمة بالطموح مدتها 18 يومًا، خطط خلالها للتجديف عبر أكبر عدد ممكن من جزر هذا الأرخبيل البالغ عددها 22 جزيرة. يقول غاتنفيلدر: "تتمتع البحيرة بسلطان مذهل. وقد وقعتُ أسيرًا لهواها". وهكذا في أغسطس 2021، انضممتُ إلى غاتنفيلدر في جزء من رحلة تجديفه بالكاياك، وكذلك لاستكشاف جزر أخرى بمفردي. وعلى طول الرحلة، قابلت حماة بيئة وعلماء وأفراد مجتمع، عاش كثيرٌ منهم وعمل هنا منذ عقود. كانت خلفياتهم متنوعة، لكنهم كانوا جميعًا يُجمعون على تبجيل جزر أبوسل أيّما تبجيل.

"من السهل أن يتملكك شعور بالرهبة والتبجيل وأنت محاط بكل هذا الرونق"، كما يقول "نيل هاوك"، حارس غابات متقاعد عمل في هذه المحمية 35 عامًا. كنا في غابة بِكر عتيقة على جزيرة "آوتر" حيث أشجار "الشوكران" الشاهقة والصنوبر البيضاء والبتولا الصفراء والأَرز، كثيفة للغاية؛ حتى إن نور الشمس المتدفق خلال الطبقة الحرجية التحتية المتناثرة يبدو مثل أشعة نور عمودية في كاتدرائية. على بعد بضع مئات الأمتار، كانت أمواج بحيرة "سوبيريور" تتلاطم على الشاطئ. لكن الغابة كتمت ذلك الهدير فمنحتنا صمتًا شبه مطبق.

في وقت أبكرَ خلال عصر ذلك اليوم، كانت مجموعتنا قد هبطت بزوارق الكاياك في الطرف الشمالي من جزيرة "آوتر" ذات الـ3237 هكتارًا والتي تقع على بعد 45 كيلومترًا عن مركز بحيرة "سوبيريور" وهي من بين أقل جزر أبوسل استقبالًا للزوار. على الرغم من موقع "آوتر" القصي، فقد خضعت لاحتطاب جائر بدءًا من عام 1883 على وجه التقريب. فبين عامي 1942 و1963، وفد إليها الحطابون على متن الطائرات الخفيفة لقطع خشب أشجار البتولا الصفراء والقيقب السكري لتصنيع أسرّة الأطفال. وعندما فرغوا من ذلك، ظل مُعسكر قطع الأشجار مهجورًا. ومع ذلك، فقد نجت الأشجار الشاهقة التي كانت تحيط بنا ساعتها. قال هاوك واصفًا إيّاها: "لعل هذا هو الشكل نفسه الذي كانت عليه قبل 400 عام".

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية" أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

حين تلبس الطبيعة رداء التـحدي..

في "محمية جزر أبوسل الوطنية" لدى بحيرة "سوبيريور"، تتمتع الطبيعة بالقدرة على الخلق والتدمير.. والتجدد.

تُعد جزر "أبوسل"، الواقعـة ضمـن بحيـرة تشـتهـر بقسوتها على البشر، مكانًا محميًا نسبيًا. لكـن هـذا لا يعـني أنهـا آمنـة.

"هذا ليس مكانًا للهواة"، يقول "ديف كوبر" موجّهًا دفة "أرديا"، وهو مركب من الألمنيوم طوله 7.5 متر ومصنوع خصيصًا للإبحار في المحيط الهادي، عبر مياه "بحيرة سوبيريور" الهادرة في طريق العودة من جزيرة "ديفلز"، على بعد 26 كيلومترًا عن الشاطئ. في هذا اليوم، تهب الرياح من الشمال الشرقي بسرعة تتراوح بين 20 و25 عقدة، فيما يبلغ ارتفاع الأمواج 1.5 متر. وها هو كوبر، مدير الموارد الثقافية لدى "محمية جزر أبوسل الوطنية"، يخوض بالمَركب غمار البحر ويناور أمواجه العاتية. يقول: "يشبه الأمر ترويض حصان جموح؛ وأنا أحاول جعله سلس الانقياد". على مرّ ثلاثة عقود من عمل كوبر عالمَ آثار في بحيرة "سوبيريور"، شارك في العشرات من مَهمّات البحث والإنقاذ المروّعة. يقول كوبر إن أبوسل "سلسلة جزر تستقطب الناس للتجديف مسافات طويلة. وهي من الناحية النظرية، توفر حماية أكبر، ولكنها توفر أيضًا غواية للناس بالذهاب في مغامراتهم أبعد من قدراتهم".

وثمة تهديدات أخرى تلوح في الأفق. فمع تغير المناخ، ترتفع درجة حرارة البحيرة بمعدل ينذر بالخطر، قوامه 0.5 درجة مئوية على الأقل في كل عقد. وباتت العواصف أشرس فأشرس، مدمرةً البنى التحتية مثل الأرصفة، ومتسببة بتآكل السواحل وزيادة كمية الرواسب في البحيرة، التي يمكن أن تؤدي إلى تكاثر الطحالب. لكن أبوسل لديها هواتها ومناصروها؛ وأحدهم هو "توم إيرفاين"، المدير التنفيذي لدى "مؤسسة المنتزهات الوطنية لبحيرة سوبيريور". وقد عمل أبو جده مع جد جده معًا حارسَي منارة في "جزيرة آوتر". يقول إيرفاين: "تتملكك جزر أبوسل وتسكنك. هذا ما فعلت بعائلتي. إنها جزء من روحنا الجماعية".

في صيف عام 2020، استقدمَ إيرفاين إلى الجزر "ديفيد غاتنفيلدر"، مستكشفٌ لدى ناشيونال جيوغرافيك ومصور فوتوغرافي. قرر هذا الأخير، وهو مجدف زوارق كاياك محنّك، اختبار هذه المياه في رحلة مفعمة بالطموح مدتها 18 يومًا، خطط خلالها للتجديف عبر أكبر عدد ممكن من جزر هذا الأرخبيل البالغ عددها 22 جزيرة. يقول غاتنفيلدر: "تتمتع البحيرة بسلطان مذهل. وقد وقعتُ أسيرًا لهواها". وهكذا في أغسطس 2021، انضممتُ إلى غاتنفيلدر في جزء من رحلة تجديفه بالكاياك، وكذلك لاستكشاف جزر أخرى بمفردي. وعلى طول الرحلة، قابلت حماة بيئة وعلماء وأفراد مجتمع، عاش كثيرٌ منهم وعمل هنا منذ عقود. كانت خلفياتهم متنوعة، لكنهم كانوا جميعًا يُجمعون على تبجيل جزر أبوسل أيّما تبجيل.

"من السهل أن يتملكك شعور بالرهبة والتبجيل وأنت محاط بكل هذا الرونق"، كما يقول "نيل هاوك"، حارس غابات متقاعد عمل في هذه المحمية 35 عامًا. كنا في غابة بِكر عتيقة على جزيرة "آوتر" حيث أشجار "الشوكران" الشاهقة والصنوبر البيضاء والبتولا الصفراء والأَرز، كثيفة للغاية؛ حتى إن نور الشمس المتدفق خلال الطبقة الحرجية التحتية المتناثرة يبدو مثل أشعة نور عمودية في كاتدرائية. على بعد بضع مئات الأمتار، كانت أمواج بحيرة "سوبيريور" تتلاطم على الشاطئ. لكن الغابة كتمت ذلك الهدير فمنحتنا صمتًا شبه مطبق.

في وقت أبكرَ خلال عصر ذلك اليوم، كانت مجموعتنا قد هبطت بزوارق الكاياك في الطرف الشمالي من جزيرة "آوتر" ذات الـ3237 هكتارًا والتي تقع على بعد 45 كيلومترًا عن مركز بحيرة "سوبيريور" وهي من بين أقل جزر أبوسل استقبالًا للزوار. على الرغم من موقع "آوتر" القصي، فقد خضعت لاحتطاب جائر بدءًا من عام 1883 على وجه التقريب. فبين عامي 1942 و1963، وفد إليها الحطابون على متن الطائرات الخفيفة لقطع خشب أشجار البتولا الصفراء والقيقب السكري لتصنيع أسرّة الأطفال. وعندما فرغوا من ذلك، ظل مُعسكر قطع الأشجار مهجورًا. ومع ذلك، فقد نجت الأشجار الشاهقة التي كانت تحيط بنا ساعتها. قال هاوك واصفًا إيّاها: "لعل هذا هو الشكل نفسه الذي كانت عليه قبل 400 عام".

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية" أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab