من ذا الذي لا يحب القضـــاعـــة؟

تتنامى أعداد القضاعات البحرية في شكل تجمعات صغيرة على طول الساحل الممتد من كاليفورنيا إلى ألاسكا؛ ولكن هذا المشهد لا يحوز رضى الجميع.

كان وجه القضاعة البحرية رقم 820 المقطب ملتصقًا بقضبان قفصها المحمول، وكانت تُصــدر أصواتًا حادة، على غرار ما يصدر عن القضاعات البحرية حين ينتابها شعور بالذعر أو السخط أو عندما تنادي قريباتها (صوت أقرب إلى صرخة النورس، لكن بحِدّة أكبر). كان لديها عينان سوداوان، وفراء بني داكن، وجهاز إرسال لاسلكي مزروع في بطنها. وكانت تبلغ من العمر 16 شهرًا، أي قضاعة بحرية يافعة، وكانت أحداثٌ مقلقة قد أثرت حتى ذلك الوقت في مجرى حياتها بأكملها. فلقد تُركت هذه القضاعة لِحالها وهي لا تزال حديثة الولادة، ونقلها المنقذون على متن شاحنة، وأُطعمت بزجاجة رضاعة على أيدي أشخاص يرتدون عباءات سوداء، وتولت رعايتها قضاعةٌ أمٌّ حاضنة داخل حوض مائي بالهواء الطلق. وهكذا صارت جزءًا صغيرًا من تجربة بيئية طويلة.. شكل من أشكال التكفير عن مذبحة تعرض لها أبناء جنسها منذ أكثر من قرن.

لذلك كانت في قفص حُمل على متن زورق قابل للنفخ ومزوّد بمحرك. طفقت تخربش بكفيها على أرضية القفص وجوانبه. هنالك قال "كارل ماير": "سنرى كيف ستسير الأمور". كان ذلك في صبيحة يوم من أواخر الصيف، وكان ماير وزميلته "ساندرين هازان" متخصصين في رعاية الحيوانات لدى "حوض خليج مونتيري للأحياء المائية" بكاليفورنيا؛ وسرعان ما تبدد مظهر هذا الهيكل الرمادي وسط الضباب عندما أطلق ماير العنان للقارب في المياه الأعمق. أما داخل حوض الأحياء المائية، فقد كان حشد من الناس متحلقين حول حوض القضاعات البحرية ذي الجدران الزجاجية؛ فمن منظور ساكني هذا الحوض، يبدو النوع البشري في بعض الأحيان كصف لا نهاية له ولا تظهر منه سوى الابتسامات البلهاء والهواتف النقالة المرفوعة. ويبدو أن كل شيء يوفر في ذلك المكان قدرًا فائقًا من التسلية لذوي القدمين الواقفين على الجانب الآخر من الزجاج: بعض اللفات المتموجة، وأنف صغير تفركه الكفوف، وحصة ضرب سريعة لكرة بلاستيكية على الصخور. ويمكن لأي قضاعة أن تُخرج رأسها المشعَّر من الماء وتنتقي بعينيها من ينال من بين المتفرجين حظوة الظفر بنظراتها المغازِلة. فمن شأن ذلك أن يُحدث حالة من الفوضى الممزوجة بلحظات من السعادة والفرح.

ثمة تفسيرات شبه عقلانية لِما ينتاب الناس من حماسة عند رؤيتهم القضاعات البحرية، ويمكن للمرء معاينة إقرار الخبراء لها: 1. تبرَع القضاعات البحرية في استخدام الأدوات؛ فهي تمسك بالحجارة ذات الشكل المناسب، وتتدحرج فوقها، وتضع الحجارة على بطونها كأدوات لفتح المحاريات. 2. تُصنف القضاعات من بين أصغر الثدييات البحرية في العالم، وهي تسبح على ظهورها، وهو أمر مُسَل على نحو غريب عند مشاهدته. 3. يحدث الانجذاب بفعل النظر إلى وجوهها، وهي الحيوانات الصغيرة الفروية ذات الحركة الرشيقة في البحر..

ويميل الخبراء هنا إلى التسليم بما هو بديهي. فقد قالت لي هازان: "عندما يسألني الناس عنها، يجب أن أكون مهنية للغاية، مع تعابير وجه جدية. لكن عندما نكون وحدنا ولا أحد في الجوار، فإننا نستخدم بالتأكيد الكلمات التي تفيد معاني الجاذبية واللطف. فالقضاعات البحرية لا تتوقف عن إبراز لطفها إلى درجة أن الأشخاص الذين يعملون معها طوال اليوم قد يجدون ذلك مثيرًا للسخط؛ على أنهم ليسوا محصنين ضد جاذبيتها. وما يقال عن القضاعات البحرية من كونها تمسك في المياه البرية بكفي بعضها بعضًا -على سبيل المثال- للحيلولة دون أن تنجرف بعيدًا، هو تصور رائع ولكنه خاطئ (للأسف). فقبل بضعة أعوام، صُوِّرت قضاعتان بحريتان داخل حوض مائي وهما تطفوان فوق الماء "يدًا في يد"؛ وظلت تلك الصور تسجل حضورًا قويًا في شبكة الإنترنت؛ ولكن لا وجود لأي دليل موثوق يفيد بقيام القضاعات البحرية بهذا الأمر بانتظام في عرض البحر. وصحيحٌ أنها تعانق صغارها وهي تسبح على ظهرها. وصحيحٌ أيضًا أنها تحتشد في بعض الأحيان في شكل تجمعات، ما يعطي الانطباع بوجود رفاق متجمعين من أجل التمتع بعوم جماعي.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab 

من ذا الذي لا يحب القضـــاعـــة؟

تتنامى أعداد القضاعات البحرية في شكل تجمعات صغيرة على طول الساحل الممتد من كاليفورنيا إلى ألاسكا؛ ولكن هذا المشهد لا يحوز رضى الجميع.

كان وجه القضاعة البحرية رقم 820 المقطب ملتصقًا بقضبان قفصها المحمول، وكانت تُصــدر أصواتًا حادة، على غرار ما يصدر عن القضاعات البحرية حين ينتابها شعور بالذعر أو السخط أو عندما تنادي قريباتها (صوت أقرب إلى صرخة النورس، لكن بحِدّة أكبر). كان لديها عينان سوداوان، وفراء بني داكن، وجهاز إرسال لاسلكي مزروع في بطنها. وكانت تبلغ من العمر 16 شهرًا، أي قضاعة بحرية يافعة، وكانت أحداثٌ مقلقة قد أثرت حتى ذلك الوقت في مجرى حياتها بأكملها. فلقد تُركت هذه القضاعة لِحالها وهي لا تزال حديثة الولادة، ونقلها المنقذون على متن شاحنة، وأُطعمت بزجاجة رضاعة على أيدي أشخاص يرتدون عباءات سوداء، وتولت رعايتها قضاعةٌ أمٌّ حاضنة داخل حوض مائي بالهواء الطلق. وهكذا صارت جزءًا صغيرًا من تجربة بيئية طويلة.. شكل من أشكال التكفير عن مذبحة تعرض لها أبناء جنسها منذ أكثر من قرن.

لذلك كانت في قفص حُمل على متن زورق قابل للنفخ ومزوّد بمحرك. طفقت تخربش بكفيها على أرضية القفص وجوانبه. هنالك قال "كارل ماير": "سنرى كيف ستسير الأمور". كان ذلك في صبيحة يوم من أواخر الصيف، وكان ماير وزميلته "ساندرين هازان" متخصصين في رعاية الحيوانات لدى "حوض خليج مونتيري للأحياء المائية" بكاليفورنيا؛ وسرعان ما تبدد مظهر هذا الهيكل الرمادي وسط الضباب عندما أطلق ماير العنان للقارب في المياه الأعمق. أما داخل حوض الأحياء المائية، فقد كان حشد من الناس متحلقين حول حوض القضاعات البحرية ذي الجدران الزجاجية؛ فمن منظور ساكني هذا الحوض، يبدو النوع البشري في بعض الأحيان كصف لا نهاية له ولا تظهر منه سوى الابتسامات البلهاء والهواتف النقالة المرفوعة. ويبدو أن كل شيء يوفر في ذلك المكان قدرًا فائقًا من التسلية لذوي القدمين الواقفين على الجانب الآخر من الزجاج: بعض اللفات المتموجة، وأنف صغير تفركه الكفوف، وحصة ضرب سريعة لكرة بلاستيكية على الصخور. ويمكن لأي قضاعة أن تُخرج رأسها المشعَّر من الماء وتنتقي بعينيها من ينال من بين المتفرجين حظوة الظفر بنظراتها المغازِلة. فمن شأن ذلك أن يُحدث حالة من الفوضى الممزوجة بلحظات من السعادة والفرح.

ثمة تفسيرات شبه عقلانية لِما ينتاب الناس من حماسة عند رؤيتهم القضاعات البحرية، ويمكن للمرء معاينة إقرار الخبراء لها: 1. تبرَع القضاعات البحرية في استخدام الأدوات؛ فهي تمسك بالحجارة ذات الشكل المناسب، وتتدحرج فوقها، وتضع الحجارة على بطونها كأدوات لفتح المحاريات. 2. تُصنف القضاعات من بين أصغر الثدييات البحرية في العالم، وهي تسبح على ظهورها، وهو أمر مُسَل على نحو غريب عند مشاهدته. 3. يحدث الانجذاب بفعل النظر إلى وجوهها، وهي الحيوانات الصغيرة الفروية ذات الحركة الرشيقة في البحر..

ويميل الخبراء هنا إلى التسليم بما هو بديهي. فقد قالت لي هازان: "عندما يسألني الناس عنها، يجب أن أكون مهنية للغاية، مع تعابير وجه جدية. لكن عندما نكون وحدنا ولا أحد في الجوار، فإننا نستخدم بالتأكيد الكلمات التي تفيد معاني الجاذبية واللطف. فالقضاعات البحرية لا تتوقف عن إبراز لطفها إلى درجة أن الأشخاص الذين يعملون معها طوال اليوم قد يجدون ذلك مثيرًا للسخط؛ على أنهم ليسوا محصنين ضد جاذبيتها. وما يقال عن القضاعات البحرية من كونها تمسك في المياه البرية بكفي بعضها بعضًا -على سبيل المثال- للحيلولة دون أن تنجرف بعيدًا، هو تصور رائع ولكنه خاطئ (للأسف). فقبل بضعة أعوام، صُوِّرت قضاعتان بحريتان داخل حوض مائي وهما تطفوان فوق الماء "يدًا في يد"؛ وظلت تلك الصور تسجل حضورًا قويًا في شبكة الإنترنت؛ ولكن لا وجود لأي دليل موثوق يفيد بقيام القضاعات البحرية بهذا الأمر بانتظام في عرض البحر. وصحيحٌ أنها تعانق صغارها وهي تسبح على ظهرها. وصحيحٌ أيضًا أنها تحتشد في بعض الأحيان في شكل تجمعات، ما يعطي الانطباع بوجود رفاق متجمعين من أجل التمتع بعوم جماعي.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab