علوم: ليــن جونسون

علوم - ليــن جونسون
تحقيق عن أهمية اللمس لدى البشر يمنح هذه المصورة المخضرمة دورًا مألوفًا لديها، ألا هو محاولة جعل ما خَفِي ظاهرًا.

ها أنا ذي في منتزه بمدينة كليفلاند، حيث تَصادَف أن كنت في زيارة لصديقةٍ لي، أبحث عن لمسة إنسانية. لا أقل، ولا أكثر. وههنا زوجان شابان مستلقيان على أرجوحة شبكية جنبًا إلى جنب. أرى كلًّا منهما يلاطف الآخر بلمسات الحنو والعطف، ولكني أيضًا أشعر بهذا التلامس.. باستجابة الزوجة له.. وبالسكينة البادية في عينيها الحالمتين.
علَيَ استجماع الشجاعة، دائمًا، ولا يهم المدة التي أستغرقها في ذلك، قبل أن أبادر بالقول: مرحبًا. اسمي "لين"، وأنا على وشك بدء مشروع لناشيونال جيوغرافيك عن أهمية اللمس. رأيتكما هنا، وارتأيتُ أنه ربما لديكما ما تودان الإدلاء به في هذا الشأن. هل لي أن التقط لكما صورة؟ سيُحتم عليَ ذلك أن أقتحم فضاءهما الشخصي؛ لذا فإنْ هما رفضا، فإني سأتفهم ذلك. لكنني في كثير من الأحيان أبحث في عملي عن الحقيقة الوجدانية.. سعيًا وراء تجسيد ما لا يُرى.  أتأهب للاقتراب للزوجين أكثر فأكثر (وقد ردّا بالإيجاب؛ والآن لا مانع في ذلك)، لذا سأُعطِّل "جهاز" التفكير لدي وأُطلق العنان للمشاعر. أَشرعُ في التحرك هنا وهناك، مختزلةً وجودي الفيزيائي في عدسة، ورغبة عميقة، وجهاز لجمع بيانات الحواس. أريد تلك اللحظة. أريد ذلك الضوء الجميل. أريد أن يحظى الشخص الموجود على الجانب الآخر من الكاميرا بالاحترام والفهم.
يتطلب التصوير الصحافي صبرًا كثيرًا. لعلكم تعرفون ذاك الصوت القديم في الأفلام عند محاولة ضبط الراديو على الموجة القصيرة، وتسمعون ما يصدره قرص التحكم من طنين ذبذبات أثناء البحث.. أنا أقوم بالأمر ذاته في أعماق نفسي، في محاولة لضبط مشاعري على طول موجي واحد مناسب.

إن مشروعًا كهذا -الكتابة عن "سلطان اللمس"، لعدد يونيو 2022 من المجلة- هو بمنزلة شراكة. فكلانا، أنا المصورة و"سينثيا غورني" الكاتبة، نسير في مسارين متوازيين. عندما بدأت بحثي الخاص بشأن المشروع، كنت أتحدث عن موضوع اللمس إلى الجميع؛ أعني الجميع.. حتى الغرباء في محل البقالة. كنت أريد أن أعرف ما يهتم الناس به. وخلال مطالعتي المقالات العلمية، أدركتُ أن اهتمامي مُنصَب حول الجانب الحميم للمس، أو الحاجة الشديدة للتواصل الإنساني عبر التلامس.

وعندما علم مُحرِّر الصور بوجود مزرعة فريدة بولاية أريزونا -مثالًا لا حصرًا- تؤوي حيوانات مستنقَذة توفر لأشخاص يعانون مشكلات عاطفية أو حسية الراحةَ والسلوى من خلال الملامسة اللطيفة، تساءلت في نفسي: اللمس.. شفاءٌ.. بلى. يُعنى التصوير الصحافي بكل ما هو خارجي، وتحديدًا بطريقة نقل الواقع للآخرين. لكن لا يمكننا الحفاظ على هذا السعي ما لم يشمل، عند مستوى معين، معرفة ذواتنا. وأعتقد أن هذا هو مناط العمل القوي المؤثر.. أنْ يقرّ المصور بأنه يقوم بذلك أيضًا من أجل نفسه. ففي مرحلة معينة من مسيرتي المهنية، عاينت مدى القرب الذي أحظى به خلال عملي إلى الأشخاص الذين يعانون حياة معقدة وصعبة. لا يتعدى طولي 1.52 متر وأستخدم كاميرا صغيرة وهادئة، لذا يمكنني إلى حد ما الحدّ من وجودي الفعلي. عندما كنت مصورة شابة، كنت أقول لكل شخص عند تصويره: "تظاهَر بأنني لست هنا"؛ لكن ذات يوم طاوعتُ نفسي -بسخافة- فصرتُ أقول: "هل يُزعجك وجودي؟"، وأواصل التحقق من هذا الأمر. فأنا أنتظر ردًّا صريحًا من الأشخاص... وها أنا ذي أقود السيارة إلى أريزونا، وقلبي حزين؛ فوالدتي توفيت قبل ذلك بوقت وجيز. وصلت إلى تلك المزرعة ورأيت بعض الحيوانات والغبار وأشعة الشمس الحارقة. كنت بحاجة إلى طريقة للانغماس في المشهد.. وفهمه. فالمرأة الرائعة التي تدير المزرعة هي إحدى الناجيات من الصدمات -الاغتصاب والإدمان- وكان الاستماع إلى قصتها هو ما أرشدني إلى الموضع حيث ينبغي أن أكون، والموضع حيث ينبغي أن أنتظر، وما سأحصل عليه. كانت طفلةٌ تعاني مشكلات حسية تقف عند مدخل إحدى الحظائر، ناظرةً بحذر إلى بقرة تقف غير بعيد عنها. جاءت إلى هناك لتشعر بدفء البقرة ولكن لكي تكون بأمان كان عليها الانتظار حتى تستلقي البقرة أرضًا.

في بعض الأحيان، تأتيك لحظة مفصلية لاقتناص قصة على حين غرة؛ تمامًا كما هو شأن صورة الرضيع المشبك بالأسلاك في الصفحة (72). كان الرضيع جزءًا من دراسة لمستقبِلات اللمس في جلد الإنسان، وعندما نظر إلى الباحثة بابتسامته المشرقة، كانت تلك لحظتي المفصلية. حصل ذلك على نحو فجائي. ولكن في كثير من الأحيان، على المصور أن يسعى لإيجاد طريقه، والتحلي بالصبر. فلا البقرة ولا الفتاة اهتمتا بجدولنا الزمني؛ وما كان منا إلا أن وقفنا في الجوار.. ننتظر. في آخر المطاف، استلقت البقرة على جانبها، وبسطت الصبية اللحاف الذي كانت تحمله، ثم جلست. لقد قامت بذلك من قبل، كما لاحظتُ. وضعت البقرة رأسها على حجر الفتاة، التي وضعت راحة يدها على أنفها وأسندت خدها على جلدها خلف أذنها اليسرى. ثم أغمضت عينيها. وسرعان ما تلاشت نظرة الإجهاد والتوتر.
حينها توقفتُ عن التفكير.. وانصرفتُ إلى العمل. كما رُويت لسينثيا غورني

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

علوم: ليــن جونسون

علوم - ليــن جونسون
تحقيق عن أهمية اللمس لدى البشر يمنح هذه المصورة المخضرمة دورًا مألوفًا لديها، ألا هو محاولة جعل ما خَفِي ظاهرًا.

ها أنا ذي في منتزه بمدينة كليفلاند، حيث تَصادَف أن كنت في زيارة لصديقةٍ لي، أبحث عن لمسة إنسانية. لا أقل، ولا أكثر. وههنا زوجان شابان مستلقيان على أرجوحة شبكية جنبًا إلى جنب. أرى كلًّا منهما يلاطف الآخر بلمسات الحنو والعطف، ولكني أيضًا أشعر بهذا التلامس.. باستجابة الزوجة له.. وبالسكينة البادية في عينيها الحالمتين.
علَيَ استجماع الشجاعة، دائمًا، ولا يهم المدة التي أستغرقها في ذلك، قبل أن أبادر بالقول: مرحبًا. اسمي "لين"، وأنا على وشك بدء مشروع لناشيونال جيوغرافيك عن أهمية اللمس. رأيتكما هنا، وارتأيتُ أنه ربما لديكما ما تودان الإدلاء به في هذا الشأن. هل لي أن التقط لكما صورة؟ سيُحتم عليَ ذلك أن أقتحم فضاءهما الشخصي؛ لذا فإنْ هما رفضا، فإني سأتفهم ذلك. لكنني في كثير من الأحيان أبحث في عملي عن الحقيقة الوجدانية.. سعيًا وراء تجسيد ما لا يُرى.  أتأهب للاقتراب للزوجين أكثر فأكثر (وقد ردّا بالإيجاب؛ والآن لا مانع في ذلك)، لذا سأُعطِّل "جهاز" التفكير لدي وأُطلق العنان للمشاعر. أَشرعُ في التحرك هنا وهناك، مختزلةً وجودي الفيزيائي في عدسة، ورغبة عميقة، وجهاز لجمع بيانات الحواس. أريد تلك اللحظة. أريد ذلك الضوء الجميل. أريد أن يحظى الشخص الموجود على الجانب الآخر من الكاميرا بالاحترام والفهم.
يتطلب التصوير الصحافي صبرًا كثيرًا. لعلكم تعرفون ذاك الصوت القديم في الأفلام عند محاولة ضبط الراديو على الموجة القصيرة، وتسمعون ما يصدره قرص التحكم من طنين ذبذبات أثناء البحث.. أنا أقوم بالأمر ذاته في أعماق نفسي، في محاولة لضبط مشاعري على طول موجي واحد مناسب.

إن مشروعًا كهذا -الكتابة عن "سلطان اللمس"، لعدد يونيو 2022 من المجلة- هو بمنزلة شراكة. فكلانا، أنا المصورة و"سينثيا غورني" الكاتبة، نسير في مسارين متوازيين. عندما بدأت بحثي الخاص بشأن المشروع، كنت أتحدث عن موضوع اللمس إلى الجميع؛ أعني الجميع.. حتى الغرباء في محل البقالة. كنت أريد أن أعرف ما يهتم الناس به. وخلال مطالعتي المقالات العلمية، أدركتُ أن اهتمامي مُنصَب حول الجانب الحميم للمس، أو الحاجة الشديدة للتواصل الإنساني عبر التلامس.

وعندما علم مُحرِّر الصور بوجود مزرعة فريدة بولاية أريزونا -مثالًا لا حصرًا- تؤوي حيوانات مستنقَذة توفر لأشخاص يعانون مشكلات عاطفية أو حسية الراحةَ والسلوى من خلال الملامسة اللطيفة، تساءلت في نفسي: اللمس.. شفاءٌ.. بلى. يُعنى التصوير الصحافي بكل ما هو خارجي، وتحديدًا بطريقة نقل الواقع للآخرين. لكن لا يمكننا الحفاظ على هذا السعي ما لم يشمل، عند مستوى معين، معرفة ذواتنا. وأعتقد أن هذا هو مناط العمل القوي المؤثر.. أنْ يقرّ المصور بأنه يقوم بذلك أيضًا من أجل نفسه. ففي مرحلة معينة من مسيرتي المهنية، عاينت مدى القرب الذي أحظى به خلال عملي إلى الأشخاص الذين يعانون حياة معقدة وصعبة. لا يتعدى طولي 1.52 متر وأستخدم كاميرا صغيرة وهادئة، لذا يمكنني إلى حد ما الحدّ من وجودي الفعلي. عندما كنت مصورة شابة، كنت أقول لكل شخص عند تصويره: "تظاهَر بأنني لست هنا"؛ لكن ذات يوم طاوعتُ نفسي -بسخافة- فصرتُ أقول: "هل يُزعجك وجودي؟"، وأواصل التحقق من هذا الأمر. فأنا أنتظر ردًّا صريحًا من الأشخاص... وها أنا ذي أقود السيارة إلى أريزونا، وقلبي حزين؛ فوالدتي توفيت قبل ذلك بوقت وجيز. وصلت إلى تلك المزرعة ورأيت بعض الحيوانات والغبار وأشعة الشمس الحارقة. كنت بحاجة إلى طريقة للانغماس في المشهد.. وفهمه. فالمرأة الرائعة التي تدير المزرعة هي إحدى الناجيات من الصدمات -الاغتصاب والإدمان- وكان الاستماع إلى قصتها هو ما أرشدني إلى الموضع حيث ينبغي أن أكون، والموضع حيث ينبغي أن أنتظر، وما سأحصل عليه. كانت طفلةٌ تعاني مشكلات حسية تقف عند مدخل إحدى الحظائر، ناظرةً بحذر إلى بقرة تقف غير بعيد عنها. جاءت إلى هناك لتشعر بدفء البقرة ولكن لكي تكون بأمان كان عليها الانتظار حتى تستلقي البقرة أرضًا.

في بعض الأحيان، تأتيك لحظة مفصلية لاقتناص قصة على حين غرة؛ تمامًا كما هو شأن صورة الرضيع المشبك بالأسلاك في الصفحة (72). كان الرضيع جزءًا من دراسة لمستقبِلات اللمس في جلد الإنسان، وعندما نظر إلى الباحثة بابتسامته المشرقة، كانت تلك لحظتي المفصلية. حصل ذلك على نحو فجائي. ولكن في كثير من الأحيان، على المصور أن يسعى لإيجاد طريقه، والتحلي بالصبر. فلا البقرة ولا الفتاة اهتمتا بجدولنا الزمني؛ وما كان منا إلا أن وقفنا في الجوار.. ننتظر. في آخر المطاف، استلقت البقرة على جانبها، وبسطت الصبية اللحاف الذي كانت تحمله، ثم جلست. لقد قامت بذلك من قبل، كما لاحظتُ. وضعت البقرة رأسها على حجر الفتاة، التي وضعت راحة يدها على أنفها وأسندت خدها على جلدها خلف أذنها اليسرى. ثم أغمضت عينيها. وسرعان ما تلاشت نظرة الإجهاد والتوتر.
حينها توقفتُ عن التفكير.. وانصرفتُ إلى العمل. كما رُويت لسينثيا غورني

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab