وحيش: إريكا لارسن

يستكشف عمَلُها الروابط بين الثقافات والأشخاص والطبيعة. وههنا مثال على ذلك، يتجسد في مخلوقات بحرية وديعة ومسكينة.

كنا نجلس لدى حافة المياه، على السور البحري أمام منزل عائلة "جينا ستيفنز".. ونصخي السمع؛ فما نلبث أن نجد ضالتنا: هبّات أنفاس تطلقها خراف بحر تبرز من السطح طلبًا للهواء قبل أن تغوص مرة أخرى في مياه خليج فلوريدا المرتوية من الينابيع. بدأت أسميها "أصوات المخلوقات القديمة"؛ إذ إن سلالة هذه الثدييات البحرية الوديعة تعود -حسب العلماء- إلى ثدييات آكلة للعشب عاشت في اليابسة منذ نحو 50 مليون سنة. ومع ذلك، تتعرض جماعات كثيرة من خراف البحر في موائل عيشها اليوم إلى خطر انقراض كبير.

كُلِّفْتُ و"جينا ستيفنز"، كاتبة ومصورة فوتوغرافية، بالعمل في برنامج إرشاد أَعدَّته ناشيونال جيوغرافيك في عام 2019؛ وكنا قد ناقشنا الاشتغال معًا في أحد المشروعات. كنت قد انتقلت إلى جنوب فلوريدا قبل بضعة أعوام فقط، وكانت جينا تعيش في كولومبيا. أمضت جينا أيامًا كثيرة من طفولتها بمدينة كريستال ريفر في ولاية فلوريدا -المعروفة باسم العاصمة العالمية لخراف البحر- بالمنزل الذي كان في الأصل منزل جدتها الكبرى، على الأرض المواجهة لمياه ملاذ لخراف البحر. خلال الجائحة، قررت المكوث في ذلك المنزل بضعة أسابيع؛ وفي إحدى زياراتي لها، شرعنا في مناقشة أفكار المشروع.

في عام 2021، قضى تدهور المياه على كثير من الأعشاب البحرية بولاية فلوريدا الأطلسية، وهي غذاء خراف البحر، فهلك منها أكثر من ألف، خلال ذلك العام الذي عُدَّ قاتلًا لهذه الثدييات. في العام نفسه، وافقت ناشيونال جيوغرافيك على اقتراحنا إنجاز تحقيق عن خراف البحر وعلاقتها الأساسية بالنظام البيئي الهش لفلوريدا ومواطن ازدهارها أو تعرضها للخطر. اتخذنا كريستال ريفر قاعدةَ بحثنا. كنت كلما خرجت من منزل جينا إلى نزهة صباحية مبكرة، أقابل هبّات الأنفاس تلك المنبثقة من المياه المحيطة. إنها أصوات المخلوقات القديمة مرة أخرى. كشفت الجذور العائلية لجينا في كريستال ريفر عن ولع طويل الأمد بخراف البحر، والتي سرعان ما صار قضاء الوقت في محيط عيشها مصدرَ إلهامٍ لي. شَدّ انتباهي عنوانٌ رئيس تَصَدَّر تقريرًا في مجلة "بلومبيرغ بيزنس ويك"، يقول: "لا أحد يعرف كيف يُبعد خراف البحر عن محطات الفحم". تحدث التقرير عن خراف البحر التي تؤوي إلى مياه التصريف الساخنة التي تطرحها محطات الطاقة العاملة بالفحم والنفط؛ إذ تناقصت موائل الينابيع الساخنة الطبيعية بسبب التنمية العمرانية على الساحل. أثناء بحثنا -في العلوم والتاريخ والبيئة ذات الصلة- وجدنا بمحض المصادفة عمل العالم والمستكشف لدى ناشيونال جيوغرافيك، "جيسون غالي"، الذي كان يبحث في القضايا المتعلقة بخراف البحر. بعد مناقشات مع محررة الصور، "كايا بيرن"، أضفنا جيسون إلى فريق البحث. ظل هذا العالم يلتقط صورًا جوية وأخرى تحت الماء للكشف عن الموئل الغرائبي لخراف البحر. في الآن ذاته، كنتُ وجينا كلما عُدنا إلى اليابسة، ننغمس في ثقافة هذا المخلوق الذي كاد يصبح أسطوريا.. مخلوق مهدد بالمخاطر البشرية من ناحية، وضخم جذّاب من ناحية أخرى.

خُضنا منعرجات عبر أنحاء فلوريدا وذرعنا امتداد سواحلها صعودًا وهبوطًا، فوجدنا شبكة معقدة من اللقاءات البشرية مع خراف البحر والمشاعر تجاهها. حشود من المعجبين تصفها باعتزاز بأنها ودود محبوبة طيبة. على أن حُماة البيئة البحرية المكرسين أنفسهم لرفاهية خراف البحر ينبّهون إلى أنها "طيور كناري في منجم فحم"؛ بمعنى أنها حيوانات معرضة لخطر كبير بحد ذاتها، وهي أيضًا نذير خطر قد يهدد محيطها. ويعود الفضل جزئيًا إلى شعبية خراف البحر في الدعم الواسع التي تحظى به اليوم جهود فلوريدا للحفاظ عليها؛ من حـدائـق الحيـوان، وأحـواض الأحـياء المائيــة، والمتاحــف، والهيـئة الأميـركية للمسـح الجيولـوجـي، وشـركات الطاقة، والجامعات، وغيرها. سيُنشَر التحقيق الرئيس الذي تعاونا عليه في صفحات ناشيونال جيوغرافيك عام 2023؛ وسيتخذ شكل سرد بصري مؤلف من الصور التي التقطها جيسون بمشقّة تحت الماء، فضلًا عن صوري على اليابسة. تُراوح هذه اللقطات بين الأسلوب الوثائقي الجاد والأسلوب الخفيف على غرار الصور التي نلتقط خلال الإجازات.

في نهاية الرحلة، وجدنا أنا وجينا نفسينا مرة أخرى جالستين على السور البحري نفكر في قصة خراف البحر وإلى أين يمكن أن تقودنا. بالنسبة إلي، أصبحت خراف البحر بمنزلة دليل يُريني طبقة بدائية جديدة من هذا المكان حيث أعيش. خلال عملنا على قصتها، كانت كمرايا للناس.. لأولئك الذين التقوها مصادفةً، وللأماكن التي تعيش فيها، ولعلاقتنا بالبيئة التي تدعمنا جميعًا. تحت السطح، هي مجموعة صغيرة وغير مألوفة من الثدييات العاشبة تؤدي دورًا أساسيًا في نظامنا البيئي؛ وفوق السطح، هي أيقونات جذابة لها القدرة على الإبهاج والسحر وإبراز أفضل ما في النفس البشرية. إنها مخلوقات قديمة.. تحفظ ذكريات تعود إلى غابر الأزمان.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

وحيش: إريكا لارسن

يستكشف عمَلُها الروابط بين الثقافات والأشخاص والطبيعة. وههنا مثال على ذلك، يتجسد في مخلوقات بحرية وديعة ومسكينة.

كنا نجلس لدى حافة المياه، على السور البحري أمام منزل عائلة "جينا ستيفنز".. ونصخي السمع؛ فما نلبث أن نجد ضالتنا: هبّات أنفاس تطلقها خراف بحر تبرز من السطح طلبًا للهواء قبل أن تغوص مرة أخرى في مياه خليج فلوريدا المرتوية من الينابيع. بدأت أسميها "أصوات المخلوقات القديمة"؛ إذ إن سلالة هذه الثدييات البحرية الوديعة تعود -حسب العلماء- إلى ثدييات آكلة للعشب عاشت في اليابسة منذ نحو 50 مليون سنة. ومع ذلك، تتعرض جماعات كثيرة من خراف البحر في موائل عيشها اليوم إلى خطر انقراض كبير.

كُلِّفْتُ و"جينا ستيفنز"، كاتبة ومصورة فوتوغرافية، بالعمل في برنامج إرشاد أَعدَّته ناشيونال جيوغرافيك في عام 2019؛ وكنا قد ناقشنا الاشتغال معًا في أحد المشروعات. كنت قد انتقلت إلى جنوب فلوريدا قبل بضعة أعوام فقط، وكانت جينا تعيش في كولومبيا. أمضت جينا أيامًا كثيرة من طفولتها بمدينة كريستال ريفر في ولاية فلوريدا -المعروفة باسم العاصمة العالمية لخراف البحر- بالمنزل الذي كان في الأصل منزل جدتها الكبرى، على الأرض المواجهة لمياه ملاذ لخراف البحر. خلال الجائحة، قررت المكوث في ذلك المنزل بضعة أسابيع؛ وفي إحدى زياراتي لها، شرعنا في مناقشة أفكار المشروع.

في عام 2021، قضى تدهور المياه على كثير من الأعشاب البحرية بولاية فلوريدا الأطلسية، وهي غذاء خراف البحر، فهلك منها أكثر من ألف، خلال ذلك العام الذي عُدَّ قاتلًا لهذه الثدييات. في العام نفسه، وافقت ناشيونال جيوغرافيك على اقتراحنا إنجاز تحقيق عن خراف البحر وعلاقتها الأساسية بالنظام البيئي الهش لفلوريدا ومواطن ازدهارها أو تعرضها للخطر. اتخذنا كريستال ريفر قاعدةَ بحثنا. كنت كلما خرجت من منزل جينا إلى نزهة صباحية مبكرة، أقابل هبّات الأنفاس تلك المنبثقة من المياه المحيطة. إنها أصوات المخلوقات القديمة مرة أخرى. كشفت الجذور العائلية لجينا في كريستال ريفر عن ولع طويل الأمد بخراف البحر، والتي سرعان ما صار قضاء الوقت في محيط عيشها مصدرَ إلهامٍ لي. شَدّ انتباهي عنوانٌ رئيس تَصَدَّر تقريرًا في مجلة "بلومبيرغ بيزنس ويك"، يقول: "لا أحد يعرف كيف يُبعد خراف البحر عن محطات الفحم". تحدث التقرير عن خراف البحر التي تؤوي إلى مياه التصريف الساخنة التي تطرحها محطات الطاقة العاملة بالفحم والنفط؛ إذ تناقصت موائل الينابيع الساخنة الطبيعية بسبب التنمية العمرانية على الساحل. أثناء بحثنا -في العلوم والتاريخ والبيئة ذات الصلة- وجدنا بمحض المصادفة عمل العالم والمستكشف لدى ناشيونال جيوغرافيك، "جيسون غالي"، الذي كان يبحث في القضايا المتعلقة بخراف البحر. بعد مناقشات مع محررة الصور، "كايا بيرن"، أضفنا جيسون إلى فريق البحث. ظل هذا العالم يلتقط صورًا جوية وأخرى تحت الماء للكشف عن الموئل الغرائبي لخراف البحر. في الآن ذاته، كنتُ وجينا كلما عُدنا إلى اليابسة، ننغمس في ثقافة هذا المخلوق الذي كاد يصبح أسطوريا.. مخلوق مهدد بالمخاطر البشرية من ناحية، وضخم جذّاب من ناحية أخرى.

خُضنا منعرجات عبر أنحاء فلوريدا وذرعنا امتداد سواحلها صعودًا وهبوطًا، فوجدنا شبكة معقدة من اللقاءات البشرية مع خراف البحر والمشاعر تجاهها. حشود من المعجبين تصفها باعتزاز بأنها ودود محبوبة طيبة. على أن حُماة البيئة البحرية المكرسين أنفسهم لرفاهية خراف البحر ينبّهون إلى أنها "طيور كناري في منجم فحم"؛ بمعنى أنها حيوانات معرضة لخطر كبير بحد ذاتها، وهي أيضًا نذير خطر قد يهدد محيطها. ويعود الفضل جزئيًا إلى شعبية خراف البحر في الدعم الواسع التي تحظى به اليوم جهود فلوريدا للحفاظ عليها؛ من حـدائـق الحيـوان، وأحـواض الأحـياء المائيــة، والمتاحــف، والهيـئة الأميـركية للمسـح الجيولـوجـي، وشـركات الطاقة، والجامعات، وغيرها. سيُنشَر التحقيق الرئيس الذي تعاونا عليه في صفحات ناشيونال جيوغرافيك عام 2023؛ وسيتخذ شكل سرد بصري مؤلف من الصور التي التقطها جيسون بمشقّة تحت الماء، فضلًا عن صوري على اليابسة. تُراوح هذه اللقطات بين الأسلوب الوثائقي الجاد والأسلوب الخفيف على غرار الصور التي نلتقط خلال الإجازات.

في نهاية الرحلة، وجدنا أنا وجينا نفسينا مرة أخرى جالستين على السور البحري نفكر في قصة خراف البحر وإلى أين يمكن أن تقودنا. بالنسبة إلي، أصبحت خراف البحر بمنزلة دليل يُريني طبقة بدائية جديدة من هذا المكان حيث أعيش. خلال عملنا على قصتها، كانت كمرايا للناس.. لأولئك الذين التقوها مصادفةً، وللأماكن التي تعيش فيها، ولعلاقتنا بالبيئة التي تدعمنا جميعًا. تحت السطح، هي مجموعة صغيرة وغير مألوفة من الثدييات العاشبة تؤدي دورًا أساسيًا في نظامنا البيئي؛ وفوق السطح، هي أيقونات جذابة لها القدرة على الإبهاج والسحر وإبراز أفضل ما في النفس البشرية. إنها مخلوقات قديمة.. تحفظ ذكريات تعود إلى غابر الأزمان.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab