عاصمة في الصحراء: هذه مصر الجديدة

بمزيج من الجرأة والطموح، تهدف مصر إلى التخفيف من الازدحام في القاهرة عبر تحويل الأراضي القاحلة إلى عاصمة متأنّقة تؤوي ستة ملايين نسمة.

عندما عُدت إلى مصر في يونيو 2022 أول مرة بعد زيارتي الأخيرة قبل 15 عامًا، وجدت صعوبة في معرفتها. في القاهرة، على طول نهر النيل، كان أول 1.5 كيلومتر من "ممشى أهل مصر" قد افتُتح للتو، مُتيحًا إطلالات شاملة على الكورنيش الشهير. كان الحي القريب مترامي الأطراف، المعروف باسم "مثلث ماسبيرو"، في منتصف عملية تجديد جذرية؛ حيث تم تجريف الأجزاء المتداعية لتحل محلها شقق سكنية فاخرة على ضفاف النهر؛ ضمن خطة لهدم 357 حيًّا سكنيًا بجميع أنحاء محافظات مصر البالغ عددها 27 محافظة. وجُرفت مئات المنازل المتهالكة أو العشوائية في "الوراق"، وهي جزيرة صغيرة في النيل، لإفساح المجال لتشييد مبانٍ عصرية مثل الفنادق وغيرها من المشروعات الحيوية. وجرى سحب أو تفكيك المراكب الشهيرة العائمة في النهر، تباعًا.

مدينة على رمال الصحراء: ثمة عاصمة جديدة قيد الإنشاء على بعد 45 كيلومترًا شرق القاهرة. يهدف هذا المشروع الطموح إلى إنشاء مدينة حديثة تؤوي أكثر من 6 ملايين نسمة. من الدوافع الرئيسة لذلك نقل الناس من "وادي النيل" المكتظ بالسكان.

غادرتُ المدينة على "جسر تحيا مصر" -أعرض جسر معلق في العالم، وافتُتح عام -2019 مسافرًا شمالًا عبر فيض أخضر بهيج من الأراضي الزراعية، قبل الوصول إلى الصحراء المحيطة بالإسكندرية. كانت الطرق جديدة للغاية إلى درجة أن الأسفلت كان لزجًا؛ فالمخارج الرئيسة للمدن قيد الإنشاء على الساحل لم تكتمل بعد. نشأت "مدينة العلمين الجديدة" على شاطئ البحر المتوسط قبل أربعة أعوام فقط، وهي منتجع شاطئي فاخر يقع غرب الإسكندرية. وبتكلفة متوقعة تبلغ 60 مليار دولار، ستشمل عند إتمامها ثلاث جامعات وقصرًا رئاسيًا. وثمة منطقة راقية تسمى "الحي اللاتيني" حيث تُعرض "شاليهات" ساحلية من أربع غرف نوم لا يقل سعرها عن ربع مليون دولار.

بالعودة إلى القاهرة، اتجهت شرقًا إلى مدينة في ضاحيتها تسمى "القاهرة الجديدة"، مليئة بأبراج المكاتب الفاخرة والمطاعم الفخمة، والتي نشأ معظمها منذ زيارتي السابقة مما كان يُعد في السابق خواء "الصحراء الشرقية". تنضح هذه المدينة بثراء وهدوء أقرب بكثير إلى ضواحي دالاس منه إلى صخب القاهرة التاريخية. وعلى بعد نصف ساعة أخرى بالسيارة شرقًا، على طول طريق سريعة غير ممهَّدة بالكامل، تمددَت أمام ناظري "العاصمةُ الإدارية الجديدة". تتموقع هذه المدينة، قيد التشييد، في قلب خطط التحديث الطموح بمصر؛ على أنها لم تُعطَ اسمًا نهائيًا بعدُ ولا يوجد بها سوى عدد قليل من سكانها المتوقع أن يبلغ تعدادهم ستة ملايين نسمة. خلال عام واحد، أو ربما أقل من ذلك، سوف يتلألأ ما كان صحراء بآلاف المساكن الجديدة. سيبدو مشهدها متناقضًا مع الفوضى اليومية التي تعيشها القاهرة. فهنا، سيكون كل شيء منظمًا ومصقولًا.. وعملاقًا: أطول مبنى إداري في إفريقيا؛ أكبر مسجد في القارة وأكبر كاتدرائية؛ ومنطقة تجمع عام يبلغ طولها ضعف طول حديقة "سنترال بارك" بمدينة نيويورك. وسيكون هناك كثير من مرافق الترفيه أيضًا: متاحف ومطاعم ومراكز تسوق ودار أوبرا رخامية فخمة ومكتبة تضم أكثر من خمسة ملايين كتاب. وستكون زيارة القاهرة والمنتجعات الشاطئية من هنا يسيرة بفضل نظام سككي حديث بقطارات فائقة السرعة.

في هذا المشهد المفعم بالفخامة والتحديث، يبرز مبنى فريد من نوعه وجاهز تمامًا، وهو "متحف عواصم مصر". كما يوحي بذلك اسمه، يحتفي المتحف بالمدن التي ظلت تشكل مقرًا للحكومة على مرّ الـ 5000 عام من تاريخ البلد. وتوخيًا للتبسيط، تركز معروضات المتحف على العواصم الست الأعلى شأنًا؛ وهي تباعًا: ممفيس، جنوب القاهرة مباشرة؛ طيبة، رمز الهيمنة القديمة للفراعنة؛ تل العمارنة، مَهد التوحيد في مصر؛ الإسكندرية، وتحمل الاسم نفسه للإسكندر الأكبر؛ القاهرة الإسلامية، رمز النفوذ الإسلامي؛ والقاهرة الخديوية، في العصر الحديث، وظلت تحت الحُكمين العثماني والبريطاني حتى الاستقلال في عام 1922. ويتضمن هذا السرد البصري للتاريخ المصري الحجة القائلة بأن نقل العاصمة يُعدّ تحولًا هائلًا في مجرى الأحداث، على أنه أيضًا أمرٌ مألوف إلى حد ما.
في الواقع، ليست مصر وحدها من نقلت عاصمتها في الآونة الأخيرة. ففي عام 1960، انتقلت الحكومة البرازيلية من ريو دي جانيرو على ساحل الجنوب الشرقي إلى موقع أكثر مركزية في قلب السافانا، حيث ثم إنشاء مدينة برازيليا من لا شيء في 41 شهرًا. بعد أربعة عقود على ذلك، ولتخفيف الازدحام في كوالالمبور، نقلت ماليزيا مكاتبها الإدارية والقضائية إلى بوتراجايا على بعد 40 كيلومترًا جنوبًا. وفي عام 2019، أعلن رئيس إندونيسيا نيتَه إنشاءَ عاصمة جديدة في بورنيو لتخفيف الضغط السكاني في جاكرتا، والتي تغرق ببطء لأن آبارها تضخ كثيرًا من المياه الجوفية. وقد راهن كلٌّ من هذه البلدان على نقل عاصمته ليخلق فرصة عرض حضري حداثي يسترعي اهتمام بقية العالم وينال إعجابهم.

أما عن سبب قيام مصر بذلك، فإن متحف العواصم يقدم أحد مفاتيح الإجابة. ففضلًا عن التماثيل الرخامية الضخمة لحكام مصر التاريخيين المعروضة بشكل بارز في الطابق الأول، يقف تمثال برونزي بالحجم الطبيعي للرئيس "عبد الفتاح السيسي" منعزلًا في الطابق الثاني. ومن السهل أن يغفل المرءُ عن وجود هذا التمثال، لأنه ليس موضوعًا على قاعدة كبيرة وبعيد عن حركة العابرين. ومع ذلك، فإن وجودَه مؤشرٌ إلى أن الزعيم المصري قد ربط إرثه بتأسيس عاصمة جديدة. ومن المَشاهد المعبِّرة أيضًا، موضع تمثال السيسي الموجّه إلى خارج المتحف، حيث يوجد صنيعُه، وهو يشرف باهتمام على كيفية تشكيل مصر المعاصرة وعلى طريقة سرد قصتها.

إن خطة السيسي الجريئة -التي أطلقها في عام -2015 لنقل مقر الحكومة والسفارات والحي المالي بأكمله إلى الصحراء على بعد نحو 45 كيلومترًا شرق القاهرة، قد دخلت حيز التنفيذ منذ مدة. فزُهاء عُشر القوى العاملة الحكومية يقيمون بالفعل في العاصمة الإدارية الجديدة؛ وقد ينتقل الرئيس إلى القصر الجديد هناك في نهاية العام المقبل. وهذه الهجرة الجماعية التي حثت عليها الحكومة هي جزء من إعادة تشكيل أكبر لمصر يقودها السيسي، والتي تتضمن نقل ملايين المواطنين إلى المدن المشيَّدة حديثًا، وإنشاء شبكة نقل متطورة من شأنها أن تربط سكانًا من القاهرة بالمناطق الزراعية في "دلتا النيل" ومن ثم جميع المناطق الممتدة عبر الطريق إلى ساحل المتوسط، على بعد 225 كيلومترًا.

من ناحية، نبع قرار السيسي بنقل العاصمة من القاهرة -مقر الحكومة منذ أكثر من ألف سنة- من الاعتراف الرصين بأن المدينة قنبلة موقوتة، بحكم أنها غير قادرة على استيعاب سكانها البالغ عددهم 20 مليون نسمة، من دون احتساب الأربعة ملايين الذين يتنقلون ذهابًا وإيابًا يوميًا. حدّثني "أحمد زكي عابدين"، الذي كان يشرف على أشغال التعمير يومَ زيارتي، وقد كنا جالسين في مكتبه الواقع بين الوزارات الحكومية بالعاصمة الجديدة، فقال: "كان هدفنا الأول هو تخفيف الازدحام وحركة المرور. إذ يتزايد عدد سكان مصر بمقدار مليوني نسمة كل عام. لذلك فإن البناء والتوسع في جميع أنحاء البلد أمر ضروري".  لكن عابدين ذكّرني أيضًا وهو يبتسم قائلًا: "نحن بناؤون، منذ العصور القديمة، 5000 سنة". فبناء الحضارة هو أساس هوية سكان مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة، كما تُذكّرنا بذلك عاصمتها الجديدة؛ وليس مرة واحدة فحسب بل مرات عديدة.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

 

 

عاصمة في الصحراء: هذه مصر الجديدة

بمزيج من الجرأة والطموح، تهدف مصر إلى التخفيف من الازدحام في القاهرة عبر تحويل الأراضي القاحلة إلى عاصمة متأنّقة تؤوي ستة ملايين نسمة.

عندما عُدت إلى مصر في يونيو 2022 أول مرة بعد زيارتي الأخيرة قبل 15 عامًا، وجدت صعوبة في معرفتها. في القاهرة، على طول نهر النيل، كان أول 1.5 كيلومتر من "ممشى أهل مصر" قد افتُتح للتو، مُتيحًا إطلالات شاملة على الكورنيش الشهير. كان الحي القريب مترامي الأطراف، المعروف باسم "مثلث ماسبيرو"، في منتصف عملية تجديد جذرية؛ حيث تم تجريف الأجزاء المتداعية لتحل محلها شقق سكنية فاخرة على ضفاف النهر؛ ضمن خطة لهدم 357 حيًّا سكنيًا بجميع أنحاء محافظات مصر البالغ عددها 27 محافظة. وجُرفت مئات المنازل المتهالكة أو العشوائية في "الوراق"، وهي جزيرة صغيرة في النيل، لإفساح المجال لتشييد مبانٍ عصرية مثل الفنادق وغيرها من المشروعات الحيوية. وجرى سحب أو تفكيك المراكب الشهيرة العائمة في النهر، تباعًا.

مدينة على رمال الصحراء: ثمة عاصمة جديدة قيد الإنشاء على بعد 45 كيلومترًا شرق القاهرة. يهدف هذا المشروع الطموح إلى إنشاء مدينة حديثة تؤوي أكثر من 6 ملايين نسمة. من الدوافع الرئيسة لذلك نقل الناس من "وادي النيل" المكتظ بالسكان.

غادرتُ المدينة على "جسر تحيا مصر" -أعرض جسر معلق في العالم، وافتُتح عام -2019 مسافرًا شمالًا عبر فيض أخضر بهيج من الأراضي الزراعية، قبل الوصول إلى الصحراء المحيطة بالإسكندرية. كانت الطرق جديدة للغاية إلى درجة أن الأسفلت كان لزجًا؛ فالمخارج الرئيسة للمدن قيد الإنشاء على الساحل لم تكتمل بعد. نشأت "مدينة العلمين الجديدة" على شاطئ البحر المتوسط قبل أربعة أعوام فقط، وهي منتجع شاطئي فاخر يقع غرب الإسكندرية. وبتكلفة متوقعة تبلغ 60 مليار دولار، ستشمل عند إتمامها ثلاث جامعات وقصرًا رئاسيًا. وثمة منطقة راقية تسمى "الحي اللاتيني" حيث تُعرض "شاليهات" ساحلية من أربع غرف نوم لا يقل سعرها عن ربع مليون دولار.

بالعودة إلى القاهرة، اتجهت شرقًا إلى مدينة في ضاحيتها تسمى "القاهرة الجديدة"، مليئة بأبراج المكاتب الفاخرة والمطاعم الفخمة، والتي نشأ معظمها منذ زيارتي السابقة مما كان يُعد في السابق خواء "الصحراء الشرقية". تنضح هذه المدينة بثراء وهدوء أقرب بكثير إلى ضواحي دالاس منه إلى صخب القاهرة التاريخية. وعلى بعد نصف ساعة أخرى بالسيارة شرقًا، على طول طريق سريعة غير ممهَّدة بالكامل، تمددَت أمام ناظري "العاصمةُ الإدارية الجديدة". تتموقع هذه المدينة، قيد التشييد، في قلب خطط التحديث الطموح بمصر؛ على أنها لم تُعطَ اسمًا نهائيًا بعدُ ولا يوجد بها سوى عدد قليل من سكانها المتوقع أن يبلغ تعدادهم ستة ملايين نسمة. خلال عام واحد، أو ربما أقل من ذلك، سوف يتلألأ ما كان صحراء بآلاف المساكن الجديدة. سيبدو مشهدها متناقضًا مع الفوضى اليومية التي تعيشها القاهرة. فهنا، سيكون كل شيء منظمًا ومصقولًا.. وعملاقًا: أطول مبنى إداري في إفريقيا؛ أكبر مسجد في القارة وأكبر كاتدرائية؛ ومنطقة تجمع عام يبلغ طولها ضعف طول حديقة "سنترال بارك" بمدينة نيويورك. وسيكون هناك كثير من مرافق الترفيه أيضًا: متاحف ومطاعم ومراكز تسوق ودار أوبرا رخامية فخمة ومكتبة تضم أكثر من خمسة ملايين كتاب. وستكون زيارة القاهرة والمنتجعات الشاطئية من هنا يسيرة بفضل نظام سككي حديث بقطارات فائقة السرعة.

في هذا المشهد المفعم بالفخامة والتحديث، يبرز مبنى فريد من نوعه وجاهز تمامًا، وهو "متحف عواصم مصر". كما يوحي بذلك اسمه، يحتفي المتحف بالمدن التي ظلت تشكل مقرًا للحكومة على مرّ الـ 5000 عام من تاريخ البلد. وتوخيًا للتبسيط، تركز معروضات المتحف على العواصم الست الأعلى شأنًا؛ وهي تباعًا: ممفيس، جنوب القاهرة مباشرة؛ طيبة، رمز الهيمنة القديمة للفراعنة؛ تل العمارنة، مَهد التوحيد في مصر؛ الإسكندرية، وتحمل الاسم نفسه للإسكندر الأكبر؛ القاهرة الإسلامية، رمز النفوذ الإسلامي؛ والقاهرة الخديوية، في العصر الحديث، وظلت تحت الحُكمين العثماني والبريطاني حتى الاستقلال في عام 1922. ويتضمن هذا السرد البصري للتاريخ المصري الحجة القائلة بأن نقل العاصمة يُعدّ تحولًا هائلًا في مجرى الأحداث، على أنه أيضًا أمرٌ مألوف إلى حد ما.
في الواقع، ليست مصر وحدها من نقلت عاصمتها في الآونة الأخيرة. ففي عام 1960، انتقلت الحكومة البرازيلية من ريو دي جانيرو على ساحل الجنوب الشرقي إلى موقع أكثر مركزية في قلب السافانا، حيث ثم إنشاء مدينة برازيليا من لا شيء في 41 شهرًا. بعد أربعة عقود على ذلك، ولتخفيف الازدحام في كوالالمبور، نقلت ماليزيا مكاتبها الإدارية والقضائية إلى بوتراجايا على بعد 40 كيلومترًا جنوبًا. وفي عام 2019، أعلن رئيس إندونيسيا نيتَه إنشاءَ عاصمة جديدة في بورنيو لتخفيف الضغط السكاني في جاكرتا، والتي تغرق ببطء لأن آبارها تضخ كثيرًا من المياه الجوفية. وقد راهن كلٌّ من هذه البلدان على نقل عاصمته ليخلق فرصة عرض حضري حداثي يسترعي اهتمام بقية العالم وينال إعجابهم.

أما عن سبب قيام مصر بذلك، فإن متحف العواصم يقدم أحد مفاتيح الإجابة. ففضلًا عن التماثيل الرخامية الضخمة لحكام مصر التاريخيين المعروضة بشكل بارز في الطابق الأول، يقف تمثال برونزي بالحجم الطبيعي للرئيس "عبد الفتاح السيسي" منعزلًا في الطابق الثاني. ومن السهل أن يغفل المرءُ عن وجود هذا التمثال، لأنه ليس موضوعًا على قاعدة كبيرة وبعيد عن حركة العابرين. ومع ذلك، فإن وجودَه مؤشرٌ إلى أن الزعيم المصري قد ربط إرثه بتأسيس عاصمة جديدة. ومن المَشاهد المعبِّرة أيضًا، موضع تمثال السيسي الموجّه إلى خارج المتحف، حيث يوجد صنيعُه، وهو يشرف باهتمام على كيفية تشكيل مصر المعاصرة وعلى طريقة سرد قصتها.

إن خطة السيسي الجريئة -التي أطلقها في عام -2015 لنقل مقر الحكومة والسفارات والحي المالي بأكمله إلى الصحراء على بعد نحو 45 كيلومترًا شرق القاهرة، قد دخلت حيز التنفيذ منذ مدة. فزُهاء عُشر القوى العاملة الحكومية يقيمون بالفعل في العاصمة الإدارية الجديدة؛ وقد ينتقل الرئيس إلى القصر الجديد هناك في نهاية العام المقبل. وهذه الهجرة الجماعية التي حثت عليها الحكومة هي جزء من إعادة تشكيل أكبر لمصر يقودها السيسي، والتي تتضمن نقل ملايين المواطنين إلى المدن المشيَّدة حديثًا، وإنشاء شبكة نقل متطورة من شأنها أن تربط سكانًا من القاهرة بالمناطق الزراعية في "دلتا النيل" ومن ثم جميع المناطق الممتدة عبر الطريق إلى ساحل المتوسط، على بعد 225 كيلومترًا.

من ناحية، نبع قرار السيسي بنقل العاصمة من القاهرة -مقر الحكومة منذ أكثر من ألف سنة- من الاعتراف الرصين بأن المدينة قنبلة موقوتة، بحكم أنها غير قادرة على استيعاب سكانها البالغ عددهم 20 مليون نسمة، من دون احتساب الأربعة ملايين الذين يتنقلون ذهابًا وإيابًا يوميًا. حدّثني "أحمد زكي عابدين"، الذي كان يشرف على أشغال التعمير يومَ زيارتي، وقد كنا جالسين في مكتبه الواقع بين الوزارات الحكومية بالعاصمة الجديدة، فقال: "كان هدفنا الأول هو تخفيف الازدحام وحركة المرور. إذ يتزايد عدد سكان مصر بمقدار مليوني نسمة كل عام. لذلك فإن البناء والتوسع في جميع أنحاء البلد أمر ضروري".  لكن عابدين ذكّرني أيضًا وهو يبتسم قائلًا: "نحن بناؤون، منذ العصور القديمة، 5000 سنة". فبناء الحضارة هو أساس هوية سكان مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة، كما تُذكّرنا بذلك عاصمتها الجديدة؛ وليس مرة واحدة فحسب بل مرات عديدة.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab