اللحوم النباتية.. هل تضـاهي نظيرتها الحيوانية؟

أقراص ناغتس مقلية، شطائر برغر، وسجق مشوي.. لقد تذوقتُ كل هذه المنتجات المصنوعة من مواد نباتية وصرتُ من المعجبين بها. لكن اللحوم الحيوانية تخفي خلفها سحرًا لا يقاوَم.

ما إن لامسَت قِطَع فطر "البورتوبيلو" قَعرَ المِقلاةَ، حتى بدأ أزيز القلي. أضفتُ إلى ذلك الكراث والبصل والجزر. وبعد ساعات من الطهي في إناء مغطى على نار هادئة، تحول الخليط إلى صلصة مكثفة فشرعتُ في صبّه على الفطر بالملعقة مرارًا وتكرارًا حتى صار صقيلا مثل الكعك الحلقي.

ونظرًا لأن طبَق الأضلاع القصيرة الذي يعده الطاهي "توماس كيلر" على نار هادئة كان طبق اللحم المفضل لدي، فقد كنت واثقًا من قدرتي على تكييف هذه الوصفة مع فطر "البورتوبيلو" في أول "عيد شكر" أتّبع فيه نظامًا غذائيا نباتيا. لكن عندما وضعتُ الفطر على أطباق ضيوفي -وكانوا من أقرب أقربائي- شعرت بأنني قد ارتكبت خطأ ما. فلم يكن لون الفطر بجاذبية اللحوم العضوية. عندما تناولته بعد قطعه، لم يكن مذاقه سيئًا، بل كان طعمه ببساطة مثل طعم "البورتوبيلو" ولا يختلف عن أي "بورتوبيلو" أكلته من قبل وتَعرضه كل قائمة أطعمة نباتية في أي مكان آخر. ولا زلت أتذكر ذلك اليوم إلى الآن بوصفه "عيد الشكر" الذي لم ينبس فيه أي أحد ببنت شفة.

لم يسبق لي أن كنت من الممجِّدين للخضراوات. فقد كنت من أَكَلة اللحم ولا أتوانى في تناول كل قطعة منه، إلى أن أُرغمتُ -عقب اكتشافي ارتفاع نسبة الكوليسترول في دمي- على اتّباع نظام غذائي تغلب عليه النباتات. لم أكن لأتصور في ذلك العيد أنّي سأصير بعد عقد من الزمن أحد الصحافيين الرئيسين بالولايات المتحدة الذين يكتبون عن موجة البروتينات النباتية الجديدة. في أميركا حاليًا، تُمثل بدائل اللحوم التي تحمل علامات تجارية من قبيل (Impossible) و(Awesome) وغيرها سوقًا بمليارات الدولارات يمكن أن يتوسع نطاقها بنحو 20 مرة في أفق عام 2030. ومع ذلك، لا يتغير سؤالي الوحيد بشأن كل منتج جديد، وهو: حسنًا، ما طعمه؟ هل طعمه..  مشابه لطعم اللحم؟ في كثير من الأحيان، يكون الأمر كذلك. فقد صُممت هذه الأطعمة الجديدة لمحاكاة اللحوم؛ لتضاهي ما يميزها من إحساس المضغ واللون "الأحمر الدموي" والمذاق اللذيذ. ولا يتجسد هذا الإنجاز بصورة أوضح إلا لدى مختبر "بيوند ميت" في لوس أنجلوس. ففي ذلك المكان، تضع الشركة عيّنات من لحوم البقر والدجاج تحت المجهر لفهم الكيفية التي تندمج بها البروتينات والدهون. ثم تستخدم جميع أعاجيب الإنتاج الصناعي الحديثة؛ بما في ذلك التسخين والتبريد وعملية البثق نفسها المستخدمة في صنع رقائق ذرة "تشيتوس"، لتكوين أشباه حيوانية من بروتين البازلاء وزيت جوز الهند ومكونات أخرى من غير اللحوم.

لقد اعتاد الناس اللحوم بوصفها مادة غذائية شائعة تمامًا. فنحن نتناول اللحوم حاليًا في الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى: ما مجموعه 120 كيلوجرامًا من لحوم البقر والعجل والخنزير والدجاج لكل شخص سنويًا. وعلى الرغم من أننا كبحنا عشقنا للحوم البقر على مر الأربعين عامًا الماضية، فقد عَظُم اهتمامنا بالدواجن. قبل ثمانية أعوام، عمدتُ إلى اتباع نظام غذائي يحوي 85 بالمئة من النباتات والأطعمة النباتية حتى لا أضطر لتناول الأدوية لتعديل ارتفاع نسبة الكوليسترول لدي (والنتائج مُرضية حتى الآن). ومع استهلاكي كميات أقل من اللحوم، بدأتُ أتبيَّن ما تقوم به الشركات المنتجة لهذه المادة لشق طريقها عبر كل وسيلة إعلانية للتسلل إلى وعيي. فشطيرة هامبرغر هي بكل المقاييس منتج غير مستدام، وتتطلب 2500 لترًا من الماء لإعدادها، بما في ذلك الخس والطماطم والخبز. ومع ذلك، صرنا نتوقع هذا الترف المدعوم، وهو نتيجة تعويضات أميركية سنوية بعشرات المليارات من الدولارات لصناعات اللحوم والألبان على مدار العقد الماضي (مقابل جزء بسيط من ذلك الدعم للفواكه والخضراوات). وقد أخبرني مسؤول تنفيذي في أحد مطاعم الوجبات السريعة في عام 2019 أن الكلفة الحقيقية للحوم -سواء الكلفة الأخلاقية أو البيئية الغذائية- لا تحظى بأي اهتمام لدى معظم الناس. وتَعهد أيضًا بألّا تبيع شركتُه اللحوم النباتية أبدًا لأنه كان يرى أن "الناس لن تدفع أكثر لقاء شيء ذي طعم أسوأ".

وقبل سنوات من تلك المحادثة، وكنت حينها قد اتّبعت أول مرة ما أسميه نظامي الغذائي "النباتي في معظمه"، سعيتُ وراء أجود أنواع اللحوم النباتية التي كان الطهاة الأميركيون يعرضونها. وكانت جميعها لذيذة، ولا يمكن من الناحية العملية محاكاتها في حياتي اليومية كطبق الأضلاع القصيرة لتوماس كيلر. ومع ذلك، لم يكن لها مذاق اللحوم الحيوانية وقوامها نفسه. لذلك توجهت إلى آلات التصنيع التي أنتجت على مدار العقد الماضي وفرة هائلة من البدائل النباتية الموجهة للأميركيين المُحبين للحوم. فعندما تكون لدى الشركات منتجات جديدة يريدونني أن أختبرها، فإنهم يعبئونها بالثلج الجاف ويرسلونها إليَ ليلًا (الأكوام الناتجة عن مبردات الرغوة البلاستيكية في مرآبي هي السر المشين الذي أخفيه). وقد تذوقت العشرات من أصناف اللحوم النباتية: البرغر، والنقانق، ولحم الخنزير المقدد، والشوريزو، ولحم التاكو، والنقانق الإيطالية، ونقانق الإفطار، وكرات اللحم، وأصابع الدجاج، وقطع الدجاج المشوي، ولحم البقر المقدد. وبعد أن تناولت معظم هذه المنتجات المعروضة في الأسواق، فإنني أستطيب كل منتج لِما يولِّده من أحاسيس مميزة. وصارت تراودني أمنية المزج والتوفيق بين سماتها لاستحداث نوع خارق من أنواع اللحم.. لحم نباتي واحد يسود على الجميع.

وكانت أكبر مفاجأة سارة تلقيتها مؤخرًا هي صدر دجاج مصنوع من الغزل الفطري، وهو قلب الفطر تحت الأرض. وكان يبدو كأنه ريشة قيثارة عملاقة مغطاة بالبقسماط، لكن كان من الصعب تمييز نكهته عن الدجاج المخبوز بالبقسماط إلى درجة أنني تساءلت -من وجهة نظر عملية- عن جدوى استمرارنا في الاهتمام بتربية الدجاج (أو زراعة فطر البورتوبيلو لهذا الغرض). ومع ذلك، لا وجود لشركة تَبرع في صنع كل شيء. وعندما تذوقت شريحة اللحم التي تعدها الشركة نفسها من الغزل الفطري نفسه، وجدت ملمسها شبيهًا بملمس شريحة اللحم اللينة، لكن رائحتها مثل رائحة عمود مترو الأنفاق.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

اللحوم النباتية.. هل تضـاهي نظيرتها الحيوانية؟

أقراص ناغتس مقلية، شطائر برغر، وسجق مشوي.. لقد تذوقتُ كل هذه المنتجات المصنوعة من مواد نباتية وصرتُ من المعجبين بها. لكن اللحوم الحيوانية تخفي خلفها سحرًا لا يقاوَم.

ما إن لامسَت قِطَع فطر "البورتوبيلو" قَعرَ المِقلاةَ، حتى بدأ أزيز القلي. أضفتُ إلى ذلك الكراث والبصل والجزر. وبعد ساعات من الطهي في إناء مغطى على نار هادئة، تحول الخليط إلى صلصة مكثفة فشرعتُ في صبّه على الفطر بالملعقة مرارًا وتكرارًا حتى صار صقيلا مثل الكعك الحلقي.

ونظرًا لأن طبَق الأضلاع القصيرة الذي يعده الطاهي "توماس كيلر" على نار هادئة كان طبق اللحم المفضل لدي، فقد كنت واثقًا من قدرتي على تكييف هذه الوصفة مع فطر "البورتوبيلو" في أول "عيد شكر" أتّبع فيه نظامًا غذائيا نباتيا. لكن عندما وضعتُ الفطر على أطباق ضيوفي -وكانوا من أقرب أقربائي- شعرت بأنني قد ارتكبت خطأ ما. فلم يكن لون الفطر بجاذبية اللحوم العضوية. عندما تناولته بعد قطعه، لم يكن مذاقه سيئًا، بل كان طعمه ببساطة مثل طعم "البورتوبيلو" ولا يختلف عن أي "بورتوبيلو" أكلته من قبل وتَعرضه كل قائمة أطعمة نباتية في أي مكان آخر. ولا زلت أتذكر ذلك اليوم إلى الآن بوصفه "عيد الشكر" الذي لم ينبس فيه أي أحد ببنت شفة.

لم يسبق لي أن كنت من الممجِّدين للخضراوات. فقد كنت من أَكَلة اللحم ولا أتوانى في تناول كل قطعة منه، إلى أن أُرغمتُ -عقب اكتشافي ارتفاع نسبة الكوليسترول في دمي- على اتّباع نظام غذائي تغلب عليه النباتات. لم أكن لأتصور في ذلك العيد أنّي سأصير بعد عقد من الزمن أحد الصحافيين الرئيسين بالولايات المتحدة الذين يكتبون عن موجة البروتينات النباتية الجديدة. في أميركا حاليًا، تُمثل بدائل اللحوم التي تحمل علامات تجارية من قبيل (Impossible) و(Awesome) وغيرها سوقًا بمليارات الدولارات يمكن أن يتوسع نطاقها بنحو 20 مرة في أفق عام 2030. ومع ذلك، لا يتغير سؤالي الوحيد بشأن كل منتج جديد، وهو: حسنًا، ما طعمه؟ هل طعمه..  مشابه لطعم اللحم؟ في كثير من الأحيان، يكون الأمر كذلك. فقد صُممت هذه الأطعمة الجديدة لمحاكاة اللحوم؛ لتضاهي ما يميزها من إحساس المضغ واللون "الأحمر الدموي" والمذاق اللذيذ. ولا يتجسد هذا الإنجاز بصورة أوضح إلا لدى مختبر "بيوند ميت" في لوس أنجلوس. ففي ذلك المكان، تضع الشركة عيّنات من لحوم البقر والدجاج تحت المجهر لفهم الكيفية التي تندمج بها البروتينات والدهون. ثم تستخدم جميع أعاجيب الإنتاج الصناعي الحديثة؛ بما في ذلك التسخين والتبريد وعملية البثق نفسها المستخدمة في صنع رقائق ذرة "تشيتوس"، لتكوين أشباه حيوانية من بروتين البازلاء وزيت جوز الهند ومكونات أخرى من غير اللحوم.

لقد اعتاد الناس اللحوم بوصفها مادة غذائية شائعة تمامًا. فنحن نتناول اللحوم حاليًا في الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى: ما مجموعه 120 كيلوجرامًا من لحوم البقر والعجل والخنزير والدجاج لكل شخص سنويًا. وعلى الرغم من أننا كبحنا عشقنا للحوم البقر على مر الأربعين عامًا الماضية، فقد عَظُم اهتمامنا بالدواجن. قبل ثمانية أعوام، عمدتُ إلى اتباع نظام غذائي يحوي 85 بالمئة من النباتات والأطعمة النباتية حتى لا أضطر لتناول الأدوية لتعديل ارتفاع نسبة الكوليسترول لدي (والنتائج مُرضية حتى الآن). ومع استهلاكي كميات أقل من اللحوم، بدأتُ أتبيَّن ما تقوم به الشركات المنتجة لهذه المادة لشق طريقها عبر كل وسيلة إعلانية للتسلل إلى وعيي. فشطيرة هامبرغر هي بكل المقاييس منتج غير مستدام، وتتطلب 2500 لترًا من الماء لإعدادها، بما في ذلك الخس والطماطم والخبز. ومع ذلك، صرنا نتوقع هذا الترف المدعوم، وهو نتيجة تعويضات أميركية سنوية بعشرات المليارات من الدولارات لصناعات اللحوم والألبان على مدار العقد الماضي (مقابل جزء بسيط من ذلك الدعم للفواكه والخضراوات). وقد أخبرني مسؤول تنفيذي في أحد مطاعم الوجبات السريعة في عام 2019 أن الكلفة الحقيقية للحوم -سواء الكلفة الأخلاقية أو البيئية الغذائية- لا تحظى بأي اهتمام لدى معظم الناس. وتَعهد أيضًا بألّا تبيع شركتُه اللحوم النباتية أبدًا لأنه كان يرى أن "الناس لن تدفع أكثر لقاء شيء ذي طعم أسوأ".

وقبل سنوات من تلك المحادثة، وكنت حينها قد اتّبعت أول مرة ما أسميه نظامي الغذائي "النباتي في معظمه"، سعيتُ وراء أجود أنواع اللحوم النباتية التي كان الطهاة الأميركيون يعرضونها. وكانت جميعها لذيذة، ولا يمكن من الناحية العملية محاكاتها في حياتي اليومية كطبق الأضلاع القصيرة لتوماس كيلر. ومع ذلك، لم يكن لها مذاق اللحوم الحيوانية وقوامها نفسه. لذلك توجهت إلى آلات التصنيع التي أنتجت على مدار العقد الماضي وفرة هائلة من البدائل النباتية الموجهة للأميركيين المُحبين للحوم. فعندما تكون لدى الشركات منتجات جديدة يريدونني أن أختبرها، فإنهم يعبئونها بالثلج الجاف ويرسلونها إليَ ليلًا (الأكوام الناتجة عن مبردات الرغوة البلاستيكية في مرآبي هي السر المشين الذي أخفيه). وقد تذوقت العشرات من أصناف اللحوم النباتية: البرغر، والنقانق، ولحم الخنزير المقدد، والشوريزو، ولحم التاكو، والنقانق الإيطالية، ونقانق الإفطار، وكرات اللحم، وأصابع الدجاج، وقطع الدجاج المشوي، ولحم البقر المقدد. وبعد أن تناولت معظم هذه المنتجات المعروضة في الأسواق، فإنني أستطيب كل منتج لِما يولِّده من أحاسيس مميزة. وصارت تراودني أمنية المزج والتوفيق بين سماتها لاستحداث نوع خارق من أنواع اللحم.. لحم نباتي واحد يسود على الجميع.

وكانت أكبر مفاجأة سارة تلقيتها مؤخرًا هي صدر دجاج مصنوع من الغزل الفطري، وهو قلب الفطر تحت الأرض. وكان يبدو كأنه ريشة قيثارة عملاقة مغطاة بالبقسماط، لكن كان من الصعب تمييز نكهته عن الدجاج المخبوز بالبقسماط إلى درجة أنني تساءلت -من وجهة نظر عملية- عن جدوى استمرارنا في الاهتمام بتربية الدجاج (أو زراعة فطر البورتوبيلو لهذا الغرض). ومع ذلك، لا وجود لشركة تَبرع في صنع كل شيء. وعندما تذوقت شريحة اللحم التي تعدها الشركة نفسها من الغزل الفطري نفسه، وجدت ملمسها شبيهًا بملمس شريحة اللحم اللينة، لكن رائحتها مثل رائحة عمود مترو الأنفاق.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab