أجسام البشر متفردة.. وإصابات السرطان متفاوتة

"أكتوبر الوردي".. يحتفي شهر التوعية بسرطان الثدي جزئيًا بمدى فهمنا لطريقة عمل الخلايا السرطانية، ويبقى التحدي الأكبر أمام العلماء: للسرطان وجوه متعددة.

الجسم البشري آلة عجيبة بمواصفات مثالية إذ خُلق قويًا ليتحمل أصعب الظروف، يَشفي نفسه من الإصابات ويدفع عن صاحبه الأمراض، يحوي جهاز مناعة قوي يُرسل دوريات إلى جميع أنحاء الجسم بحثًا عن الأجسام المتسللة الضارة ويدمرها بفاعلية. تعمل أنظمة الجسم بتناغم مثالي معظم الوقت من دون أن نشعر بكل ما يحصل داخلنا، لكن لكل حصان كبوة، فأحيانًا يصيب خلل ما هذه الأنظمة الدفاعية.
يوضح الدكتور "جيد ولشوك"، طبيب الأورام الذي عالجني من السرطان، "هناك عدة مراحل للرقابة المناعية. الأولى هي الإقصاء: يظهر ورم، فيلحظه الجهاز المناعي ويقوم بالتخلص منه. الثانية هي التوازن: يظهر ورم، فيلحظه الجهاز المناعي؛ لكنه يفشل بالتخلص منه، ويتوقف الورم هنا عن النمو. الثالثة والأخيرة هي الهرب: وهي مرحلة تتطلب تدخلًا طبيًا؛ فهذه الخلايا السرطانية الماكرة تتعلم يومًا بعد يوم سبلًا وأساليب مبتكرة للتحايل على الجهاز المناعي". تبعث الخلايا السرطانية إشارة مثبطة تبعثر استجابة الجهاز المناعي، ثم تتكاثر وتزدهر في الجسم الذي لا يملك سلاحًا ناجحًا لمواجهتها.

التوصل إلى اكتشاف علمي واعد بشأن أحد أنواع السرطان لا يعني أننا على وشك العثور على علاج واعد لجميع أنواعه.

استهداف السرطان رسميًا
ما إن يتجاوز السرطان دفاعات الجهاز المناعي، تنتقل المعركة إلى مستوى جديد يتطلب تدخل الأساليب التقليدية التي لا تخلو من ضرر وأعراض جانبية مضنية. وما إن يختبر المريض معاناة السرطان حتى يدرك أنه سيعيش بقية حياته في وَجِل، علمًا أن هذا الضيف غير المرغوب به قد يعود في أي لحظة ليطرق الباب. لعقود من الزمن، لم يتطور علاج السرطان بعيدًا عن الجراحة والإشعاع والعلاج الكيميائي، المعروفة بثلاثي (القطع والحرق والتسميم). بالنسبة للعديد من المرضى فإن هذه الأساليب العلاجية فعّالة، لكن بالنظر إلى أن السرطان يتغلغل في الجسم على مستوى الخلية، فإن التأكد من إزالته كليًا يُعد أمرًا صعبًا للغاية. 

فحرق الخلايا السرطانية عن طريق الإشعاع بشكل متكرر يأتي على حساب الأعضاء السليمة في الجسم، والجراحة تتطلب إزالة أجزاء سليمة محيطة بالجزء الموبوء من الجسم؛ بينما العلاج الكيميائي يقتل الخلايا السليمة والمسرطنة على حد سواء دون استثناء.

في عام 1971، وقع الرئيس الأميركي آنذاك، "ريتشارد نيكسون"، قانونًا لمواجهة أمراض السرطان والقضاء عليها، ممولًا بذلك الأبحاث العلمية الرامية لإيجاد علاج نهائي له. وبعد نحو 40 عامًا، قامت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق،"باراك أوباما"، بإطلاق مبادرة مشابهة خصصت مليار دولار لدراسة المسببات الجينية للسرطان والعلاجات المحتملة له. مع ذلك لم يتغير بروتوكول علاج السرطان كثيرًا عن الحلول الثلاثة التقليدية، ورغم انخفاض أعداد الوفيات إثر الإصابة بالسرطان منذ ما أُطلق عليه "الحرب على السرطان" عام 1970، فإن التقدم البحثي ما يزال بطيئًا وغير مجدٍ.

هل يمكن إيجاد علاج للسرطان؟
أحد أكبر التحديات التي تواجه العلماء هو التنوع الهائل لأنواع السرطان وأساليب ظهوره، فهناك أكثر من 100 نوع سرطان يصيب الإنسان، سرطان الدم، والعظم والأعضاء. التوصل إلى اكتشاف علمي واعد بشأن أحد الأنواع لا يعني أننا على وشك العثور على علاج واعد لجميع أنواعه، فالورم العصبي الذي يصيب إحدى السيدات ليس كسرطان الثدي الذي أصاب تلك. وحتى عبارة "سرطان الثدي" بحد ذاتها قد تعني أشياء عديدة، فجينات الخلايا السرطانية وتحوراتها ليست متشابهة على الإطلاق. لذا فإن العثور على علاج للسرطان -بمعناه المفتوح- لن يحدث على الأرجح، فالسرطان ليس مرضًا واحدًا يمكن التعامل معه بجرعة سحرية، بل يجب التعامل معه بطرائق مختلفة تتناسب مع طبيعته. لذا حين تسمع بعض المنظمات المعنية بالأبحاث السرطانية تتحدث عن الاقتراب من علاج نهائي للسرطان، فاعلم أنها لا تقول الحقيقة.

قد لا يقود مسار البحث العلمي إلى علاج موحد، لكن مع تطور العلوم الطبية وتقدم الخبرات الفنية؛ سيكون هناك المزيد من المرضى المحظوظين بتلقي علاجات تتلاءم مع حالاتهم تحديدًا وتخلصهم من هذا الكابوس. نحن لم نصنع على خط إنتاج صناعي، فأجسامنا متفردة؛ وسرطاناتنا كذلك أيضًا.

أجسام البشر متفردة.. وإصابات السرطان متفاوتة

"أكتوبر الوردي".. يحتفي شهر التوعية بسرطان الثدي جزئيًا بمدى فهمنا لطريقة عمل الخلايا السرطانية، ويبقى التحدي الأكبر أمام العلماء: للسرطان وجوه متعددة.

الجسم البشري آلة عجيبة بمواصفات مثالية إذ خُلق قويًا ليتحمل أصعب الظروف، يَشفي نفسه من الإصابات ويدفع عن صاحبه الأمراض، يحوي جهاز مناعة قوي يُرسل دوريات إلى جميع أنحاء الجسم بحثًا عن الأجسام المتسللة الضارة ويدمرها بفاعلية. تعمل أنظمة الجسم بتناغم مثالي معظم الوقت من دون أن نشعر بكل ما يحصل داخلنا، لكن لكل حصان كبوة، فأحيانًا يصيب خلل ما هذه الأنظمة الدفاعية.
يوضح الدكتور "جيد ولشوك"، طبيب الأورام الذي عالجني من السرطان، "هناك عدة مراحل للرقابة المناعية. الأولى هي الإقصاء: يظهر ورم، فيلحظه الجهاز المناعي ويقوم بالتخلص منه. الثانية هي التوازن: يظهر ورم، فيلحظه الجهاز المناعي؛ لكنه يفشل بالتخلص منه، ويتوقف الورم هنا عن النمو. الثالثة والأخيرة هي الهرب: وهي مرحلة تتطلب تدخلًا طبيًا؛ فهذه الخلايا السرطانية الماكرة تتعلم يومًا بعد يوم سبلًا وأساليب مبتكرة للتحايل على الجهاز المناعي". تبعث الخلايا السرطانية إشارة مثبطة تبعثر استجابة الجهاز المناعي، ثم تتكاثر وتزدهر في الجسم الذي لا يملك سلاحًا ناجحًا لمواجهتها.

التوصل إلى اكتشاف علمي واعد بشأن أحد أنواع السرطان لا يعني أننا على وشك العثور على علاج واعد لجميع أنواعه.

استهداف السرطان رسميًا
ما إن يتجاوز السرطان دفاعات الجهاز المناعي، تنتقل المعركة إلى مستوى جديد يتطلب تدخل الأساليب التقليدية التي لا تخلو من ضرر وأعراض جانبية مضنية. وما إن يختبر المريض معاناة السرطان حتى يدرك أنه سيعيش بقية حياته في وَجِل، علمًا أن هذا الضيف غير المرغوب به قد يعود في أي لحظة ليطرق الباب. لعقود من الزمن، لم يتطور علاج السرطان بعيدًا عن الجراحة والإشعاع والعلاج الكيميائي، المعروفة بثلاثي (القطع والحرق والتسميم). بالنسبة للعديد من المرضى فإن هذه الأساليب العلاجية فعّالة، لكن بالنظر إلى أن السرطان يتغلغل في الجسم على مستوى الخلية، فإن التأكد من إزالته كليًا يُعد أمرًا صعبًا للغاية. 

فحرق الخلايا السرطانية عن طريق الإشعاع بشكل متكرر يأتي على حساب الأعضاء السليمة في الجسم، والجراحة تتطلب إزالة أجزاء سليمة محيطة بالجزء الموبوء من الجسم؛ بينما العلاج الكيميائي يقتل الخلايا السليمة والمسرطنة على حد سواء دون استثناء.

في عام 1971، وقع الرئيس الأميركي آنذاك، "ريتشارد نيكسون"، قانونًا لمواجهة أمراض السرطان والقضاء عليها، ممولًا بذلك الأبحاث العلمية الرامية لإيجاد علاج نهائي له. وبعد نحو 40 عامًا، قامت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق،"باراك أوباما"، بإطلاق مبادرة مشابهة خصصت مليار دولار لدراسة المسببات الجينية للسرطان والعلاجات المحتملة له. مع ذلك لم يتغير بروتوكول علاج السرطان كثيرًا عن الحلول الثلاثة التقليدية، ورغم انخفاض أعداد الوفيات إثر الإصابة بالسرطان منذ ما أُطلق عليه "الحرب على السرطان" عام 1970، فإن التقدم البحثي ما يزال بطيئًا وغير مجدٍ.

هل يمكن إيجاد علاج للسرطان؟
أحد أكبر التحديات التي تواجه العلماء هو التنوع الهائل لأنواع السرطان وأساليب ظهوره، فهناك أكثر من 100 نوع سرطان يصيب الإنسان، سرطان الدم، والعظم والأعضاء. التوصل إلى اكتشاف علمي واعد بشأن أحد الأنواع لا يعني أننا على وشك العثور على علاج واعد لجميع أنواعه، فالورم العصبي الذي يصيب إحدى السيدات ليس كسرطان الثدي الذي أصاب تلك. وحتى عبارة "سرطان الثدي" بحد ذاتها قد تعني أشياء عديدة، فجينات الخلايا السرطانية وتحوراتها ليست متشابهة على الإطلاق. لذا فإن العثور على علاج للسرطان -بمعناه المفتوح- لن يحدث على الأرجح، فالسرطان ليس مرضًا واحدًا يمكن التعامل معه بجرعة سحرية، بل يجب التعامل معه بطرائق مختلفة تتناسب مع طبيعته. لذا حين تسمع بعض المنظمات المعنية بالأبحاث السرطانية تتحدث عن الاقتراب من علاج نهائي للسرطان، فاعلم أنها لا تقول الحقيقة.

قد لا يقود مسار البحث العلمي إلى علاج موحد، لكن مع تطور العلوم الطبية وتقدم الخبرات الفنية؛ سيكون هناك المزيد من المرضى المحظوظين بتلقي علاجات تتلاءم مع حالاتهم تحديدًا وتخلصهم من هذا الكابوس. نحن لم نصنع على خط إنتاج صناعي، فأجسامنا متفردة؛ وسرطاناتنا كذلك أيضًا.