هل تكسب الهند رهان الطاقة؟
في صباح دافئ ورطب بولاية ماديا براديش بوسط الهند في سبتمبر 2021، ترجّل "شيتان سينغ سولانكي" من الحافلة التي كان يعيش فيها خلال الأشهر العشرة الماضية، وسار إلى قاعة بالمدرسة الثانوية في بلدة رايسن الصغيرة، حيث تجمع 200 طالب ومعلم ومسؤول للاستماع إلى حديثه.
سولانكي أستاذ مادة الطاقة الشمسية لدى "المعهد الهندي للتقنية" (IIT) في مومباي، وهو رجل نحيف في منتصف الأربعينات من عمره، بمظهر طفولي وابتسامة جاهزة، وهما ميزتان مهمتان للمَهمة التي يضطلع بها. ففي أواخر عام 2020، أخذ إجازة للقيام برحلة على الطريق مدتها 11 عامًا حول الهند، لشحذ الهِمم من أجل مكافحة تغير المناخ.
تُعد حافلة سولانكي عرضًا متحركًا لمنافع الطاقة المتجددة: إذ تولِّد الألواح الشمسية ما يكفي من الكهرباء لتشغيل الأضواء والمراوح والحواسيب والموقد والتلفزيون على متنها. بعد أن تم تكليله بالزهور والترحيب به على المسرح، تقدم سولانكي إلى الجمهور بطلب غير معهود. قال: "أرى 15 مروحة سقف في هذه القاعة. نحن في منتصف النهار، وهناك قدر كبير من ضوء الشمس بالخارج، ومع ذلك لدينا مصابيح كثيرة ههنا. هل نحتاج حقًا إلى كل هذه المراوح والأضواء؟ دعونا نطفئ بعضها ونرى هل سيكون الأمر على ما يرام؟". قام اثنان من الطلاب لتنفيذ ما طلب. "لا بأس بترك بعضها في حالة تشغيل!"، هكذا قال سولانكي مازحًا حين تَحمَّسَ أحد الطالبين فطفق يطفئ الأنوار بلا هوادة.
بإطفاء نصف المصابيح والمراوح، بدت القاعة أدفأ وأكثر قتامة. ولكن، يتساءل سولانكي، هل كان ذلك مشكلةً حقًّا؟ خاطب الجمهور حينها قائلًا: "يمكننا أن نرى بعضنا بعضًا بما يكفي؛ ما يعني أن هناك إضاءة كافية في هذه القاعة. هل يشعر أيٌّ منكم بالضيق لأننا أوقفنا تشغيل بعض المراوح؟ هل سيقول قائلٌ منكم: يا إلهي، كيف سأتدبر الأمر؟". هنالك ضحك الجمهور. النقطة التي أثارها سولانكي هي إحدى نقطتين يأمل أن تُقنعا الهنود بتحقيق ما يسميه "طاقة سواراج"، أو الاكتفاء الذاتي من الطاقة. تتمثل إحدى الفكرتين في توفير الطاقة على نحو مباشر بتقليل الاستخدام وعلى نحو غير مباشر عن طريق استهلاك أشياء أقل. ومفاد الفكرة الثانية هو إنتاج الكهرباء محليًا من مصادر متجددة مثل الشمس، إذ تصبح كل بلدة ومدينة وقرية مكتفية ذاتيًا. خلال العقد المقبل، من المتوقع أن تزداد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الهند بحدة مع توسع الاقتصاد وبلوغ عدد السكان 1.5 مليار نسمة، متجاوزًا عدد سكان الصين.
وحَذَّر الرجلُ من أن "رغبة البشرية في النمو الاقتصادي الذي لا ينتهي أبدًا تعمل على تغيير مناخ كوكب الأرض بسرعة. إنّ غطرستنا تجعلنا نعتقد أنه يمكننا الاستمرار في زيادة الاستهلاك من دون عواقب. لكن العالم لديه موارد محدودة. وما لم نغير أساليبنا، سيتعين على الأجيال المقبلة أن تواجه معاناة كبيرة".
نشأ سولانكي في قرية صغيرة وكان أول فرد في عائلته يحصل على شهادة جامعية. في "المعهد الهندي للتقنية"، أسس الرجل مركزًا لتقنية الخلايا الشمسية. وبهدف إطلاق ثورة شمسية مسرَّعة على مستوى القاعدة الشعبية، أنشأ منظمة غير ربحية تسمى "مؤسسة سواراج للطاقة"، تُدرب النساء الريفيات على تجميع المصابيح الشمسية وألواح الأسطح وبيعها. قبل ثلاثة أعوام، بدأ يفكر في الكيفية التي ربما تصدى بها "موهاناداس غاندي"- مُلهم سولانكي- لأزمة المناخ. وهكذا توصل إلى فكرة الرحلة الطرقية: إذ يأمل إطلاق حركة جماهيرية، تمامًا كما فعل غاندي عندما قاد مسيرة تاريخية استمرت 25 يومًا على امتداد 388 كيلومترًا خلال نضال الهند من أجل الحرية ضد الحكم البريطاني. قد يبدو حَضُّ سولانكي على العيش ببساطة مفاجئًا في بلد به معدل استهلاك منخفض للفرد الواحد. ففي المتوسط، يستخدم الهنود سلعًا وخدمات تبلغ قيمتها نحو ألف دولار في العام الواحد؛ أي واحد من أربعين مقارنة بما يفعل الأميركيون. ومع ذلك، قد يكون نهج سولانكي حاسمًا في جهود الهند لتقليل إسهامها في ظاهرة الاحتباس الحراري. ووفقًا لمعدل النمو الاقتصادي الحالي في البلد، من المتوقع أن تتضاعف الطبقة الوسطى في أفق عام 2030، لتصل إلى 800 مليون نسمة؛ ما سيمثل تحولًا بارزًا وموضع ترحيب لدى الهند لأنه سينتشل مواطنين كثيرين من براثن الفقر. لكنه سيعني أيضًا نشوء "تسونامي" من المستهلكين الجدد الذين يريدون منازل فسيحة ومكيفات هواء وأجهزة وسيارات؛ مما يزيد بقدر كبير من البصمة الكربونية للبلد.
في 15 أغسطس الجاري، تحتفل الهند بمرور 75 عامًا على الاستقلال. وقد أحرزت الدولة تقدمًا هائلًا خلال تلك الفترة: تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء، وإنشاء برنامج فضائي أطلق مركبة مدارية إلى المريخ، وتوفير اللقاحات لنحو مئة دولة، والتحول إلى قوة تقنية وإلى الاقتصاد السادس كبرًا في العالم.
الآن وقد صارت الهند قوة عالمية ناشئة، ها هي ذي تسارع الخطى للتصدي لتغير المناخ. إذ تخطو الدولة خطوات عملاقة نحو "تخضير" مستقبلها.. ومستقبل العالم؛ وذلك بإنشاء 45 منتزهًا للطاقة الشمسية؛ وخطة لكهربة 40 بالمئة من الحافلات و30 بالمئة من السيارات الخاصة و80 بالمئة من المركبات ذات العجلتين وثلاثية العجلات، في أفق عام 2030؛ وعزمها على أن تصبح رائدة عالميًا في إنتاج الهيدروجين بديلًا للوقود الأحفوري.
ومع ذلك، تواجه الهند تحديات رهيبة أكثر من أي دولة أخرى. إذ سيؤدي التوسع السريع لطبقتها المتوسطة إلى زيادة استهلاك الطاقة خلال العقدين المقبلين أكثر من أي مكان آخر. ولتلبية ذلك الطلب، من المحتمل أن تظل الهند معتمدة بقدر كبير على الفحم -وهو مورد وفير- أعوامًا عديدة مع استمرارها في زيادة وارداتها النفطية. ولا مخاطر أكثر حدة من هذه. ويتوقف مستقبل الكوكب، من نواحٍ عديدة، على الكيفية التي تدبّر بها الهند مسارها نحو المستقبل، باحثةً عن موازنة سعيها لتحقيق نمو اقتصادي قوي مع حاجتها إلى الحد من الانبعاثات.
الهند هي رابع مُسبِّبٍ لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بعد الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتَعهَّد رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية في أفق 2070؛ أي 20 عامًا بعد الموعد النهائي الذي حددته الولايات المتحدة و10 أعوام بعد الصين. كما وعدت الهند بخفض كثافة انبعاثاتها -حجم الانبعاثات لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي- قبل نهاية العقد الحالي، بواقع 45 بالمئة أقل مما كانت عليه في عام 2005. ومع ذلك، من المتوقع أن يواصل إجمالي الانبعاثات في البلد ارتفاعه حتى عام 2045 على وجه التقريب. إن الأمد الطويل المطلوب لبلوغ الصافي الصفري والإصرار على استخدام كثافة الانبعاثات، بدلًا من الانبعاثات، لتتبع التقدم، خيّب أمل بعض النشطاء البيئيين؛ لكن المسؤولين الهنود يقولون إن البلد يفعل أكثر من نصيبه المفروض في نطاق دولة نامية. فإلى حدود 15 عامًا الماضية تقريبًا، كان موقف الهند، الذي لا يزال شائعًا بين البلدان النامية، يفيد أن تغير المناخ ينبغي أن تتصدى له الدول الصناعية، مثل الولايات المتحدة، لأنها ظلت تضخ ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي قبل زمن طويل من اكتساب الهند بصمة كربونية كبيرة.
ليس من الصعب رصد التفاوت في نصيب المسؤولية عن المشكلة. فما على المرء سوى مقارنة أنماط الحياة في الغرب حيث القاعدة هي المِلكية الشخصية للسيارات والمنازل مكيَّفة الهواء ووسائل الراحة الأخرى كثيفة الاستهلاك للطاقة، مع طريقة عيش جُلّ الهنود حتى اليوم.. حالة التقشف الشديد.
ولأن المناخ المتغير أثار قلقًا متزايدًا في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبحت الهند أكثر استعدادًا وإصرارًا على إيجاد حلول. يقول "آر. آر. راشمي"، موظف حكومي سابق مَثَّل الهند في مفاوضات المناخ على مرّ أعوام عديدة وهو الآن زميل لدى "معهد الطاقة والموارد" في نيودلهي: "كان هناك شعور متزايد بأننا بحاجة إلى تجاوز التراشق باللوم. إنها مشكلة عالمية؛ وينبغي للجميع تقاسم العبء". لدى الهند أسباب عديدة للقلق. إذ يتعرض ساحل البلد البالغ طوله 7520 كيلومترًا للخطر من ارتفاع مستوى سطح البحر، وخاصة الساحل الشرقي المنخفض، والذي قد يكون كارثيًا على عشرات الملايين من الناس. خلال ربيع عام 2022، في أعقاب شهر مارس الأسخن على الإطلاق، أدت موجة حر مطوَّلة إلى ارتفاع الحرارة التي فاقت 45 درجة مئوية في جُل أنحاء البلد؛ مما أدى إلى ذبول المحاصيل في الحقول. كما أضحت حالات القحط أشد فأشد. وتضرب الأعاصير السواحل بهيجان متزايد، فتغرق المناطق الحضرية.
يقول "سوروشي بهادوال"، باحث لدى معهد الطاقة والموارد: "قد يتخذ منخفض جوي عميق شكل عاصفة إعصارية، وقد تتحول العاصفة الإعصارية إلى عاصفة إعصارية شديدة، وقد تتحول هذه الأخيرة إلى عاصفة إعصارية شديدة للغاية. لذا فإن طبيعة هذه الأحداث في تغير". إن تعرض الهند للتغير المناخي دافع رئيس لصانعي القرار السياسي في البلد من أجل التحرك، لكن القلق بشأن أمن الطاقة في الهند -حيث ستنفق الدولة مئة مليار دولار هذا العام على واردات النفط- يُعدّ محركًا آخر. يقول "نيكلاس هون"، الباحث لدى "معهد المناخ الجديد" بألمانيا": "إن الهند بصمت على بداية جيدة حقًا"، مشيرًا على وجه الخصوص إلى توسع الطاقة المتجددة وتطوير أنظمة النقل التي لا تعتمد على الوقود الأحفوري. لكنه يستدرك قائلًا إن خطوات الهند ليست كلها في الاتجاه الصحيح. إذ تعتمد الدولة على 285 محطة تعمل بالفحم وتخطط لبناء 48 محطة أخرى بحلول نهاية العقد الحالي.
هل تكسب الهند رهان الطاقة؟
في صباح دافئ ورطب بولاية ماديا براديش بوسط الهند في سبتمبر 2021، ترجّل "شيتان سينغ سولانكي" من الحافلة التي كان يعيش فيها خلال الأشهر العشرة الماضية، وسار إلى قاعة بالمدرسة الثانوية في بلدة رايسن الصغيرة، حيث تجمع 200 طالب ومعلم ومسؤول للاستماع إلى حديثه.
سولانكي أستاذ مادة الطاقة الشمسية لدى "المعهد الهندي للتقنية" (IIT) في مومباي، وهو رجل نحيف في منتصف الأربعينات من عمره، بمظهر طفولي وابتسامة جاهزة، وهما ميزتان مهمتان للمَهمة التي يضطلع بها. ففي أواخر عام 2020، أخذ إجازة للقيام برحلة على الطريق مدتها 11 عامًا حول الهند، لشحذ الهِمم من أجل مكافحة تغير المناخ.
تُعد حافلة سولانكي عرضًا متحركًا لمنافع الطاقة المتجددة: إذ تولِّد الألواح الشمسية ما يكفي من الكهرباء لتشغيل الأضواء والمراوح والحواسيب والموقد والتلفزيون على متنها. بعد أن تم تكليله بالزهور والترحيب به على المسرح، تقدم سولانكي إلى الجمهور بطلب غير معهود. قال: "أرى 15 مروحة سقف في هذه القاعة. نحن في منتصف النهار، وهناك قدر كبير من ضوء الشمس بالخارج، ومع ذلك لدينا مصابيح كثيرة ههنا. هل نحتاج حقًا إلى كل هذه المراوح والأضواء؟ دعونا نطفئ بعضها ونرى هل سيكون الأمر على ما يرام؟". قام اثنان من الطلاب لتنفيذ ما طلب. "لا بأس بترك بعضها في حالة تشغيل!"، هكذا قال سولانكي مازحًا حين تَحمَّسَ أحد الطالبين فطفق يطفئ الأنوار بلا هوادة.
بإطفاء نصف المصابيح والمراوح، بدت القاعة أدفأ وأكثر قتامة. ولكن، يتساءل سولانكي، هل كان ذلك مشكلةً حقًّا؟ خاطب الجمهور حينها قائلًا: "يمكننا أن نرى بعضنا بعضًا بما يكفي؛ ما يعني أن هناك إضاءة كافية في هذه القاعة. هل يشعر أيٌّ منكم بالضيق لأننا أوقفنا تشغيل بعض المراوح؟ هل سيقول قائلٌ منكم: يا إلهي، كيف سأتدبر الأمر؟". هنالك ضحك الجمهور. النقطة التي أثارها سولانكي هي إحدى نقطتين يأمل أن تُقنعا الهنود بتحقيق ما يسميه "طاقة سواراج"، أو الاكتفاء الذاتي من الطاقة. تتمثل إحدى الفكرتين في توفير الطاقة على نحو مباشر بتقليل الاستخدام وعلى نحو غير مباشر عن طريق استهلاك أشياء أقل. ومفاد الفكرة الثانية هو إنتاج الكهرباء محليًا من مصادر متجددة مثل الشمس، إذ تصبح كل بلدة ومدينة وقرية مكتفية ذاتيًا. خلال العقد المقبل، من المتوقع أن تزداد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الهند بحدة مع توسع الاقتصاد وبلوغ عدد السكان 1.5 مليار نسمة، متجاوزًا عدد سكان الصين.
وحَذَّر الرجلُ من أن "رغبة البشرية في النمو الاقتصادي الذي لا ينتهي أبدًا تعمل على تغيير مناخ كوكب الأرض بسرعة. إنّ غطرستنا تجعلنا نعتقد أنه يمكننا الاستمرار في زيادة الاستهلاك من دون عواقب. لكن العالم لديه موارد محدودة. وما لم نغير أساليبنا، سيتعين على الأجيال المقبلة أن تواجه معاناة كبيرة".
نشأ سولانكي في قرية صغيرة وكان أول فرد في عائلته يحصل على شهادة جامعية. في "المعهد الهندي للتقنية"، أسس الرجل مركزًا لتقنية الخلايا الشمسية. وبهدف إطلاق ثورة شمسية مسرَّعة على مستوى القاعدة الشعبية، أنشأ منظمة غير ربحية تسمى "مؤسسة سواراج للطاقة"، تُدرب النساء الريفيات على تجميع المصابيح الشمسية وألواح الأسطح وبيعها. قبل ثلاثة أعوام، بدأ يفكر في الكيفية التي ربما تصدى بها "موهاناداس غاندي"- مُلهم سولانكي- لأزمة المناخ. وهكذا توصل إلى فكرة الرحلة الطرقية: إذ يأمل إطلاق حركة جماهيرية، تمامًا كما فعل غاندي عندما قاد مسيرة تاريخية استمرت 25 يومًا على امتداد 388 كيلومترًا خلال نضال الهند من أجل الحرية ضد الحكم البريطاني. قد يبدو حَضُّ سولانكي على العيش ببساطة مفاجئًا في بلد به معدل استهلاك منخفض للفرد الواحد. ففي المتوسط، يستخدم الهنود سلعًا وخدمات تبلغ قيمتها نحو ألف دولار في العام الواحد؛ أي واحد من أربعين مقارنة بما يفعل الأميركيون. ومع ذلك، قد يكون نهج سولانكي حاسمًا في جهود الهند لتقليل إسهامها في ظاهرة الاحتباس الحراري. ووفقًا لمعدل النمو الاقتصادي الحالي في البلد، من المتوقع أن تتضاعف الطبقة الوسطى في أفق عام 2030، لتصل إلى 800 مليون نسمة؛ ما سيمثل تحولًا بارزًا وموضع ترحيب لدى الهند لأنه سينتشل مواطنين كثيرين من براثن الفقر. لكنه سيعني أيضًا نشوء "تسونامي" من المستهلكين الجدد الذين يريدون منازل فسيحة ومكيفات هواء وأجهزة وسيارات؛ مما يزيد بقدر كبير من البصمة الكربونية للبلد.
في 15 أغسطس الجاري، تحتفل الهند بمرور 75 عامًا على الاستقلال. وقد أحرزت الدولة تقدمًا هائلًا خلال تلك الفترة: تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء، وإنشاء برنامج فضائي أطلق مركبة مدارية إلى المريخ، وتوفير اللقاحات لنحو مئة دولة، والتحول إلى قوة تقنية وإلى الاقتصاد السادس كبرًا في العالم.
الآن وقد صارت الهند قوة عالمية ناشئة، ها هي ذي تسارع الخطى للتصدي لتغير المناخ. إذ تخطو الدولة خطوات عملاقة نحو "تخضير" مستقبلها.. ومستقبل العالم؛ وذلك بإنشاء 45 منتزهًا للطاقة الشمسية؛ وخطة لكهربة 40 بالمئة من الحافلات و30 بالمئة من السيارات الخاصة و80 بالمئة من المركبات ذات العجلتين وثلاثية العجلات، في أفق عام 2030؛ وعزمها على أن تصبح رائدة عالميًا في إنتاج الهيدروجين بديلًا للوقود الأحفوري.
ومع ذلك، تواجه الهند تحديات رهيبة أكثر من أي دولة أخرى. إذ سيؤدي التوسع السريع لطبقتها المتوسطة إلى زيادة استهلاك الطاقة خلال العقدين المقبلين أكثر من أي مكان آخر. ولتلبية ذلك الطلب، من المحتمل أن تظل الهند معتمدة بقدر كبير على الفحم -وهو مورد وفير- أعوامًا عديدة مع استمرارها في زيادة وارداتها النفطية. ولا مخاطر أكثر حدة من هذه. ويتوقف مستقبل الكوكب، من نواحٍ عديدة، على الكيفية التي تدبّر بها الهند مسارها نحو المستقبل، باحثةً عن موازنة سعيها لتحقيق نمو اقتصادي قوي مع حاجتها إلى الحد من الانبعاثات.
الهند هي رابع مُسبِّبٍ لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بعد الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتَعهَّد رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية في أفق 2070؛ أي 20 عامًا بعد الموعد النهائي الذي حددته الولايات المتحدة و10 أعوام بعد الصين. كما وعدت الهند بخفض كثافة انبعاثاتها -حجم الانبعاثات لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي- قبل نهاية العقد الحالي، بواقع 45 بالمئة أقل مما كانت عليه في عام 2005. ومع ذلك، من المتوقع أن يواصل إجمالي الانبعاثات في البلد ارتفاعه حتى عام 2045 على وجه التقريب. إن الأمد الطويل المطلوب لبلوغ الصافي الصفري والإصرار على استخدام كثافة الانبعاثات، بدلًا من الانبعاثات، لتتبع التقدم، خيّب أمل بعض النشطاء البيئيين؛ لكن المسؤولين الهنود يقولون إن البلد يفعل أكثر من نصيبه المفروض في نطاق دولة نامية. فإلى حدود 15 عامًا الماضية تقريبًا، كان موقف الهند، الذي لا يزال شائعًا بين البلدان النامية، يفيد أن تغير المناخ ينبغي أن تتصدى له الدول الصناعية، مثل الولايات المتحدة، لأنها ظلت تضخ ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي قبل زمن طويل من اكتساب الهند بصمة كربونية كبيرة.
ليس من الصعب رصد التفاوت في نصيب المسؤولية عن المشكلة. فما على المرء سوى مقارنة أنماط الحياة في الغرب حيث القاعدة هي المِلكية الشخصية للسيارات والمنازل مكيَّفة الهواء ووسائل الراحة الأخرى كثيفة الاستهلاك للطاقة، مع طريقة عيش جُلّ الهنود حتى اليوم.. حالة التقشف الشديد.
ولأن المناخ المتغير أثار قلقًا متزايدًا في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبحت الهند أكثر استعدادًا وإصرارًا على إيجاد حلول. يقول "آر. آر. راشمي"، موظف حكومي سابق مَثَّل الهند في مفاوضات المناخ على مرّ أعوام عديدة وهو الآن زميل لدى "معهد الطاقة والموارد" في نيودلهي: "كان هناك شعور متزايد بأننا بحاجة إلى تجاوز التراشق باللوم. إنها مشكلة عالمية؛ وينبغي للجميع تقاسم العبء". لدى الهند أسباب عديدة للقلق. إذ يتعرض ساحل البلد البالغ طوله 7520 كيلومترًا للخطر من ارتفاع مستوى سطح البحر، وخاصة الساحل الشرقي المنخفض، والذي قد يكون كارثيًا على عشرات الملايين من الناس. خلال ربيع عام 2022، في أعقاب شهر مارس الأسخن على الإطلاق، أدت موجة حر مطوَّلة إلى ارتفاع الحرارة التي فاقت 45 درجة مئوية في جُل أنحاء البلد؛ مما أدى إلى ذبول المحاصيل في الحقول. كما أضحت حالات القحط أشد فأشد. وتضرب الأعاصير السواحل بهيجان متزايد، فتغرق المناطق الحضرية.
يقول "سوروشي بهادوال"، باحث لدى معهد الطاقة والموارد: "قد يتخذ منخفض جوي عميق شكل عاصفة إعصارية، وقد تتحول العاصفة الإعصارية إلى عاصفة إعصارية شديدة، وقد تتحول هذه الأخيرة إلى عاصفة إعصارية شديدة للغاية. لذا فإن طبيعة هذه الأحداث في تغير". إن تعرض الهند للتغير المناخي دافع رئيس لصانعي القرار السياسي في البلد من أجل التحرك، لكن القلق بشأن أمن الطاقة في الهند -حيث ستنفق الدولة مئة مليار دولار هذا العام على واردات النفط- يُعدّ محركًا آخر. يقول "نيكلاس هون"، الباحث لدى "معهد المناخ الجديد" بألمانيا": "إن الهند بصمت على بداية جيدة حقًا"، مشيرًا على وجه الخصوص إلى توسع الطاقة المتجددة وتطوير أنظمة النقل التي لا تعتمد على الوقود الأحفوري. لكنه يستدرك قائلًا إن خطوات الهند ليست كلها في الاتجاه الصحيح. إذ تعتمد الدولة على 285 محطة تعمل بالفحم وتخطط لبناء 48 محطة أخرى بحلول نهاية العقد الحالي.