لهذا ينبغي لنا استحياء الطفيليات..

بعض الطفيليات ضار ودخيل ومخيف ومقزّز؛ لكنها مهمة لتوازن النظم البيئية، والقضاء عليها يمكن أن يؤدي إلى القضاء على كوكبنا.

كانت "تشيلسي وود" في صباها تحلم بأن تصبح عالمة أحياء بحرية وتَدرس أسماك القرش أو الدلافين أو أي نوع من الحيوانات الكبيرة المثيرة التي يطلق عليها علماء الأحياء اسم الوحيش الضخم الجذّاب. ولكنها بدلا من ذلك، وخلال فترة تدريب جامعي، وجدَت نفسها تُحدّق من خلال مِجهر في أحشاء حلزون.  في طفولتها، كانت في كثير من الأحيان تنتزع حلزونات البحر هذه من الصخور بشواطئ "لونغ آيلاند" في ولاية نيويورك، فتجمعها في دلاء؛ لكنها لم تنظر قَط إلى أحشائها. لذلك كسرَت قوقعة ذلك الحلزون، فرأت تحت المجهر "آلاف الأشياء الصغيرة البيضاء على شكل نقانق تتساقط من جسم الحلزون".  كـانـــت تلك "النقـانــــق" يــرقــات الـدودة المسطحــة (Cryptocotyle lingua)، وهي طفيلي شائع لدى السمك. عند رؤيتها من خلال المجهر، كان لكل منها بقعتان داكنتان في العين؛ ما أضفى عليها مظهرًا في غاية البهاء والرونق. تقول وود، وهي اليوم تَدرس الطفيليات لدى "جامعة واشنطن": "لم أصدق أنني لطالما نظرت إلى الحلزونات من قَبل دونما انتباه لكل الأشياء الرائعة التي تحدث بداخلها. لقد وقعت في حبها تمامًا.. وأستطيع القول إن حبها بات يسري في أعماق بشرتي". أصبحت وود منذ ذلك الحين رائدةَ اتجاهٍ جديد في مجال حفظ الطبيعة يهدف إلى إنقاذ حيوانات العالَم الصغيرة غير الجذّابة. تقول وود إن ما يقرب من نصف جميع الحيوانات المعروفة، طفيليات. وتشير دراسةٌ إلى أن مصيرَ عُشرها قد يكون هو الانقراض في الأعوام الخمسين المقبلة بسبب تغير المناخ، ونُفوق مضَيِّفيها، والمحاولات المتعمدة للقضاء عليها؛ فيما تشير تقارير أخرى إلى أن ما يصل إلى ثلثها يمكن أن يختفي تمامًا. وما يزيد الطين بلّة هو أنه وحتى الآن، يبدو أن قلة قليلة فقط من الناس تهتم بالأمر.. أو حتى تلاحظه. فمن بين أكثر من 40 ألفًا من الأنواع المهددة، حسب "القائمة الحمراء" لدى "الاتحاد الدولي لصون الطبيعة"، لا تمثل الطفيليات سوى عدد قليل جدا. 
الطفيليات عناصر منبوذة في عالم الحيوان لأنها في مرحلةٍ ما من حياتها تعيش في كائن مضيِّف أو على حسابه وتأخذ شيئًا منه. لكن جل الطفيليات نشأ وتأقلم وتطور على نحو لا يؤهله لقتل مضيِّفيه، وليس جميعها يسبب ضررًا ملحوظًا. علاوة على ذلك، فإن نسبة صغيرة فقط تتسلط على البشر. ويُحذّر العلماء من عواقب وخيمة إنْ نحن واصلنا تجاهل محنة الطفيليات. ليس بعضها مفيدًا للبشر فقط (مثل العلقات الطبية، التي لا تزال تُستخدم في بعض العمليات الجراحية)، ولكننا بدأنا أيضًا نفهم أنها تؤدي دورًا مهمًا في النظم البيئية، بتقليصها أعداد بعض الكائنات الغزيرة وإسهامها في إطعام أخرى. ويقول بعض الخبراء إن هناك حُجّةً جمالية لإنقاذها أيضًا. فنحن إنْ صرفنا النظر عن عامل "الاشمئزاز" اللصيق بالطفيليات، فقد نجد فيها جرأة ساحرة إلى حد مخيف. فلقد طوّرَت وسائل بارعة للبقاء على قيد الحياة، من القشري الطفيلي الذي يصبح لسان سمكة إلى دبّور "الجواهر" الذي يتحكم في أدمغة الصراصير. تقول وود: " يتصور الناس الطفيليات على أنها مقززة ولزجة ورخوة ومتمعّجة، وهذا صحيح في بعض الأحيان. ولكن إنْ نظرنا إليها تحت المجهر، فسنرى جمالًا آسرًا مذهلًا".  تطورت الطفيليات بوصفها طريقة للحياة مرارًا وتكرارًا، على مرّ مليارات السنين، من أصغر الجراثيم وأبسطها إلى الفقريات الأشد تعقيدًا. فثمة نباتات طفيلية وطيور طفيلية ومجموعة مُحيِّرة من الديدان والحشرات الطفيلية بل حتى ثديي طفيلي؛ وهو الخفاش "مصاص الدماء" الذي يعيش على شرب دماء الأبقار والثدييات الأخرى. ومن بين 42 فرعًا رئيسًا على شجرة الحياة -وتسمى الشعبة- هناك 31 فرعًا هي في الغالب طفيليات. ومع ذلك، فقد بدأنا بالكاد حصر أنواع جميع الطفيليات، فما بالك بمعرفة أساليب حياتها أو مراقبة أعدادها؛ فذلك "أمر لم نعطه الأولوية على الإطلاق"، كما تقول "سكايلر هوبكنز"، عالمة البيئة لدى "جامعة ولاية كارولينا الشمالية". لذا قامت هوبكنز قبل بضعة أعوام بحشد مجموعة من العلماء المهتمين بصون الطفيليات، وشرعوا في تشارك معارفهم بشأنها. وفي عام 2020، نشروا أول خطة عالمية لإنقاذ الطفيليات في مجلة (Biological Conservation). وتتمثل إحدى المشكلات في ما يسمى بمفارقة الانقراض المشترك. فنظرًا لأن الطفيليات تعتمد فطريًا على أنواع أخرى، فهي معرضة لخطر الفناء على نحو خاص. لنأخذ على سبيل المثال، القملة "مصاصة الخنزير القزم" المهددة بالانقراض؛ فهي تعيش فقط على نوع آخر مهدد بالانقراض، وهو الخنزير القزم، الذي بات يختفي يومًا بعد يوم من موائله بالأراضي العشبية في سفوح جبال الهيمالايا. ثم هناك قمل "الكندور" في كاليفورنيا، والذي أصبح -بمحض مصادفة مثيرة للسخرية- أبرز مثال في مجال صون الطفيليات. ففي سبعينيات القرن الماضي، بذل علماء الأحياء جهدًا جبّارًا ومصيريًا لإنقاذ عُقاب كندور كاليفورنيا؛ إذ شرعوا في تربيته في الأسر. وقضى جزء من بروتوكول الإنقاذ ذاك بأن تُزال المبيدات الحشرية من كل كندور، على افتراض أن الطفيليات مُضرة بهذا العُقاب؛ والحال أنه لم يَتبيَّن بجلاء أنها كانت تفعل ذلك حقًّا. والنتيجة: لم يُرَ قمل كندور كاليفورنيا منذ ذلك الحين. وعلى نحو مماثل، لم تُرَ العلقة الدوائية في نيو إنغلاند منذ أكثر من عقد من الزمان؛ ومن المحتمل أن الصيد الجائر أفضى إلى انقراض الدودة البحرية "المثقوبة" (Stichocotyle nephropis)، والتي كانت تعيش عالة على أسماك الراي والسفَن. ويُفترض أن ديدانًا طفيلية أخرى لا تُعد ولا تُحصى، والحيوانات وحيدة الخلية، والحشرات قد غرقت بغرق الفُلك، إذا جاز التعبير، مع انقرض مضيّفيها. ولئن تبدو نهاية الطفيليات مشكلة ليست بالهيّنة، أو حتى أمرًا يستحق السعي إليه، فإن علماء البيئة يحذّرون من أن القضاء عليها جميعًا قد يؤدي على الأرجح إلى هلاك كوكب الأرض. فمن دون طفيليات تحافظ على استقرار أعداد بعض الكائنات، سوف تتضخم هذه الأعداد، تمامًا كما تفعل الأنواع الدخيلة حين تُنقَل بعيدًا عن مفترساتها الطبيعية. ومن الراجح أن أنواعًا أخرى ستدخل على خط التطفل في خضم ذلك.
وستعاني المفترسات الكبيرة ذات الشخصية الجذّابة عواقب وخيمة أيضًا. إذ تطور كثيرٌ من الطفيليات على نحو يمكّنه من الانتقال إلى مضيّف ثان من خلال التلاعب بالمضيّف الأول؛ وهو تكتيك عادةً ما يُفضي بهذا الأخير إلى الارتماء في فم أحد المفترسات. على سبيل المثال، تنضج ديدان "الشيقيات" (Nematomorph) داخل الصراصير ولكنها تحتاج بعدئذ إلى بلوغ المياه للتزاوج. لذا فهي تؤثر في أدمغة الصراصير، فتدفعها للقفز في الجداول المائية، حيث تصبح مصدرًا مهمًا لغذاء السلمون المرقط. وثمة ظواهر مماثلة تفيد في إطعام الطيور والقطط ومفترسات أخرى في أنحاء العالم. حتى صحة الإنسان لن تستفيد تمامًا من القضاء على الطفيليات. ففي بلدان كالولايات المتحدة، حيث قُضيَ على جل الطفيليات المعوية، ثمة أمراض مناعة ذاتية لا تُسجَّل إلا نادرًا في الأماكن التي لا يزال فيها جميع الناس يحتفظون بتلك الطفيليات في أجسامهم. وفقًا لإحدى النظريات، تطور جهاز المناعة البشري بوجود مجموعة من الديدان والطفيليات وحيدة الخلية في أحشائنا، وعندما قضينا عليها تمامًا، بدأت أجهزتنا المناعية في مهاجمة أجسامنا. ووصل الأمر إلى حدٍّ دفع بعض الأشخاص المصابين بمرض "كرون" إلى إصابة أنفسهم عمدًا بالديدان المعوية في محاولة لاستعادة التوازن البيئي لأمعائهم؛ مع تسجيل نتائج متباينة. ومع ذلك، فإن العلماء ليسوا متحمسين لإنقاذ جميع الطفيليات. فدودة غينيا، على سبيل المثال، لا تحصل على الاهتمام حتى من حُماة الطبيعة المتشددين. وهي تنمو حتى مرحلة البلوغ داخل بطن الشخص، فيبلغ طولهًا أحيانًا مترًا واحدًا، ثم تنتقل إلى ساقه وتخرج بألم من خلال قدمه. 
وقد بدأ "مركز جيمي كارتر" يشن حربًا ضد هذه الدودة إلى غاية انقراضها.. ويومئذ لن يحزن على فقدانها سوى قليل من الناس. وإن كان هناك من شخص يريد التخلص من جميع الطفيليات، فستكون على الأرجح "بوبي بريت". وبصفتها المديرة الطبية لدى مختبر علم الطفيليات البشري في "مايو كلينيك"، فهي تحصر أنواع الطفيليات الموجودة في كل ربوع الولايات المتحدة وفي كل جزء من أجزاء الجسم. فهي في كل يوم تقريبًا تتعامل مع دم يحمل طفيليات الملاريا، أو أنسجة مخ مليئة بالمقوّسة الغوندية، أو كشطة من أصابع قدم تحوي براغيث رمل التُقطت خلال المشي بقدمين حافيتين على شاطئ. ومع ذلك، فحتى بريت لديها ولع بالطفيليات. إذ تكتب مدوَّنةً بعنوان "طفيليات مخيفة خفية رائعة"، وتُمضي إجازات نهاية الأسبوع في دراسة القُراد خارج مقصورتها. وهي بصفتها طبيبة، تفضل القضاء على الطفيليات فقط حين تسبب المرض والمعاناة. تقول: "بصفتي عالمة أحياء، لا تناسبني إطلاقًا فكرة المحاولة المتعمدة لدفع كائنٍ ما للانقراض" في المحصّلة، ليس الهدف من صون الطفيليات جعل الجميع يحبونها. بل الأمر يتعلق فقط بدعوة إلى هدنة في حربنا ضدها جميعًا، لأن ثمة كثيرٌ بشأنها ما زلنا بحاجة إلى فهمه.

لهذا ينبغي لنا استحياء الطفيليات..

بعض الطفيليات ضار ودخيل ومخيف ومقزّز؛ لكنها مهمة لتوازن النظم البيئية، والقضاء عليها يمكن أن يؤدي إلى القضاء على كوكبنا.

كانت "تشيلسي وود" في صباها تحلم بأن تصبح عالمة أحياء بحرية وتَدرس أسماك القرش أو الدلافين أو أي نوع من الحيوانات الكبيرة المثيرة التي يطلق عليها علماء الأحياء اسم الوحيش الضخم الجذّاب. ولكنها بدلا من ذلك، وخلال فترة تدريب جامعي، وجدَت نفسها تُحدّق من خلال مِجهر في أحشاء حلزون.  في طفولتها، كانت في كثير من الأحيان تنتزع حلزونات البحر هذه من الصخور بشواطئ "لونغ آيلاند" في ولاية نيويورك، فتجمعها في دلاء؛ لكنها لم تنظر قَط إلى أحشائها. لذلك كسرَت قوقعة ذلك الحلزون، فرأت تحت المجهر "آلاف الأشياء الصغيرة البيضاء على شكل نقانق تتساقط من جسم الحلزون".  كـانـــت تلك "النقـانــــق" يــرقــات الـدودة المسطحــة (Cryptocotyle lingua)، وهي طفيلي شائع لدى السمك. عند رؤيتها من خلال المجهر، كان لكل منها بقعتان داكنتان في العين؛ ما أضفى عليها مظهرًا في غاية البهاء والرونق. تقول وود، وهي اليوم تَدرس الطفيليات لدى "جامعة واشنطن": "لم أصدق أنني لطالما نظرت إلى الحلزونات من قَبل دونما انتباه لكل الأشياء الرائعة التي تحدث بداخلها. لقد وقعت في حبها تمامًا.. وأستطيع القول إن حبها بات يسري في أعماق بشرتي". أصبحت وود منذ ذلك الحين رائدةَ اتجاهٍ جديد في مجال حفظ الطبيعة يهدف إلى إنقاذ حيوانات العالَم الصغيرة غير الجذّابة. تقول وود إن ما يقرب من نصف جميع الحيوانات المعروفة، طفيليات. وتشير دراسةٌ إلى أن مصيرَ عُشرها قد يكون هو الانقراض في الأعوام الخمسين المقبلة بسبب تغير المناخ، ونُفوق مضَيِّفيها، والمحاولات المتعمدة للقضاء عليها؛ فيما تشير تقارير أخرى إلى أن ما يصل إلى ثلثها يمكن أن يختفي تمامًا. وما يزيد الطين بلّة هو أنه وحتى الآن، يبدو أن قلة قليلة فقط من الناس تهتم بالأمر.. أو حتى تلاحظه. فمن بين أكثر من 40 ألفًا من الأنواع المهددة، حسب "القائمة الحمراء" لدى "الاتحاد الدولي لصون الطبيعة"، لا تمثل الطفيليات سوى عدد قليل جدا. 
الطفيليات عناصر منبوذة في عالم الحيوان لأنها في مرحلةٍ ما من حياتها تعيش في كائن مضيِّف أو على حسابه وتأخذ شيئًا منه. لكن جل الطفيليات نشأ وتأقلم وتطور على نحو لا يؤهله لقتل مضيِّفيه، وليس جميعها يسبب ضررًا ملحوظًا. علاوة على ذلك، فإن نسبة صغيرة فقط تتسلط على البشر. ويُحذّر العلماء من عواقب وخيمة إنْ نحن واصلنا تجاهل محنة الطفيليات. ليس بعضها مفيدًا للبشر فقط (مثل العلقات الطبية، التي لا تزال تُستخدم في بعض العمليات الجراحية)، ولكننا بدأنا أيضًا نفهم أنها تؤدي دورًا مهمًا في النظم البيئية، بتقليصها أعداد بعض الكائنات الغزيرة وإسهامها في إطعام أخرى. ويقول بعض الخبراء إن هناك حُجّةً جمالية لإنقاذها أيضًا. فنحن إنْ صرفنا النظر عن عامل "الاشمئزاز" اللصيق بالطفيليات، فقد نجد فيها جرأة ساحرة إلى حد مخيف. فلقد طوّرَت وسائل بارعة للبقاء على قيد الحياة، من القشري الطفيلي الذي يصبح لسان سمكة إلى دبّور "الجواهر" الذي يتحكم في أدمغة الصراصير. تقول وود: " يتصور الناس الطفيليات على أنها مقززة ولزجة ورخوة ومتمعّجة، وهذا صحيح في بعض الأحيان. ولكن إنْ نظرنا إليها تحت المجهر، فسنرى جمالًا آسرًا مذهلًا".  تطورت الطفيليات بوصفها طريقة للحياة مرارًا وتكرارًا، على مرّ مليارات السنين، من أصغر الجراثيم وأبسطها إلى الفقريات الأشد تعقيدًا. فثمة نباتات طفيلية وطيور طفيلية ومجموعة مُحيِّرة من الديدان والحشرات الطفيلية بل حتى ثديي طفيلي؛ وهو الخفاش "مصاص الدماء" الذي يعيش على شرب دماء الأبقار والثدييات الأخرى. ومن بين 42 فرعًا رئيسًا على شجرة الحياة -وتسمى الشعبة- هناك 31 فرعًا هي في الغالب طفيليات. ومع ذلك، فقد بدأنا بالكاد حصر أنواع جميع الطفيليات، فما بالك بمعرفة أساليب حياتها أو مراقبة أعدادها؛ فذلك "أمر لم نعطه الأولوية على الإطلاق"، كما تقول "سكايلر هوبكنز"، عالمة البيئة لدى "جامعة ولاية كارولينا الشمالية". لذا قامت هوبكنز قبل بضعة أعوام بحشد مجموعة من العلماء المهتمين بصون الطفيليات، وشرعوا في تشارك معارفهم بشأنها. وفي عام 2020، نشروا أول خطة عالمية لإنقاذ الطفيليات في مجلة (Biological Conservation). وتتمثل إحدى المشكلات في ما يسمى بمفارقة الانقراض المشترك. فنظرًا لأن الطفيليات تعتمد فطريًا على أنواع أخرى، فهي معرضة لخطر الفناء على نحو خاص. لنأخذ على سبيل المثال، القملة "مصاصة الخنزير القزم" المهددة بالانقراض؛ فهي تعيش فقط على نوع آخر مهدد بالانقراض، وهو الخنزير القزم، الذي بات يختفي يومًا بعد يوم من موائله بالأراضي العشبية في سفوح جبال الهيمالايا. ثم هناك قمل "الكندور" في كاليفورنيا، والذي أصبح -بمحض مصادفة مثيرة للسخرية- أبرز مثال في مجال صون الطفيليات. ففي سبعينيات القرن الماضي، بذل علماء الأحياء جهدًا جبّارًا ومصيريًا لإنقاذ عُقاب كندور كاليفورنيا؛ إذ شرعوا في تربيته في الأسر. وقضى جزء من بروتوكول الإنقاذ ذاك بأن تُزال المبيدات الحشرية من كل كندور، على افتراض أن الطفيليات مُضرة بهذا العُقاب؛ والحال أنه لم يَتبيَّن بجلاء أنها كانت تفعل ذلك حقًّا. والنتيجة: لم يُرَ قمل كندور كاليفورنيا منذ ذلك الحين. وعلى نحو مماثل، لم تُرَ العلقة الدوائية في نيو إنغلاند منذ أكثر من عقد من الزمان؛ ومن المحتمل أن الصيد الجائر أفضى إلى انقراض الدودة البحرية "المثقوبة" (Stichocotyle nephropis)، والتي كانت تعيش عالة على أسماك الراي والسفَن. ويُفترض أن ديدانًا طفيلية أخرى لا تُعد ولا تُحصى، والحيوانات وحيدة الخلية، والحشرات قد غرقت بغرق الفُلك، إذا جاز التعبير، مع انقرض مضيّفيها. ولئن تبدو نهاية الطفيليات مشكلة ليست بالهيّنة، أو حتى أمرًا يستحق السعي إليه، فإن علماء البيئة يحذّرون من أن القضاء عليها جميعًا قد يؤدي على الأرجح إلى هلاك كوكب الأرض. فمن دون طفيليات تحافظ على استقرار أعداد بعض الكائنات، سوف تتضخم هذه الأعداد، تمامًا كما تفعل الأنواع الدخيلة حين تُنقَل بعيدًا عن مفترساتها الطبيعية. ومن الراجح أن أنواعًا أخرى ستدخل على خط التطفل في خضم ذلك.
وستعاني المفترسات الكبيرة ذات الشخصية الجذّابة عواقب وخيمة أيضًا. إذ تطور كثيرٌ من الطفيليات على نحو يمكّنه من الانتقال إلى مضيّف ثان من خلال التلاعب بالمضيّف الأول؛ وهو تكتيك عادةً ما يُفضي بهذا الأخير إلى الارتماء في فم أحد المفترسات. على سبيل المثال، تنضج ديدان "الشيقيات" (Nematomorph) داخل الصراصير ولكنها تحتاج بعدئذ إلى بلوغ المياه للتزاوج. لذا فهي تؤثر في أدمغة الصراصير، فتدفعها للقفز في الجداول المائية، حيث تصبح مصدرًا مهمًا لغذاء السلمون المرقط. وثمة ظواهر مماثلة تفيد في إطعام الطيور والقطط ومفترسات أخرى في أنحاء العالم. حتى صحة الإنسان لن تستفيد تمامًا من القضاء على الطفيليات. ففي بلدان كالولايات المتحدة، حيث قُضيَ على جل الطفيليات المعوية، ثمة أمراض مناعة ذاتية لا تُسجَّل إلا نادرًا في الأماكن التي لا يزال فيها جميع الناس يحتفظون بتلك الطفيليات في أجسامهم. وفقًا لإحدى النظريات، تطور جهاز المناعة البشري بوجود مجموعة من الديدان والطفيليات وحيدة الخلية في أحشائنا، وعندما قضينا عليها تمامًا، بدأت أجهزتنا المناعية في مهاجمة أجسامنا. ووصل الأمر إلى حدٍّ دفع بعض الأشخاص المصابين بمرض "كرون" إلى إصابة أنفسهم عمدًا بالديدان المعوية في محاولة لاستعادة التوازن البيئي لأمعائهم؛ مع تسجيل نتائج متباينة. ومع ذلك، فإن العلماء ليسوا متحمسين لإنقاذ جميع الطفيليات. فدودة غينيا، على سبيل المثال، لا تحصل على الاهتمام حتى من حُماة الطبيعة المتشددين. وهي تنمو حتى مرحلة البلوغ داخل بطن الشخص، فيبلغ طولهًا أحيانًا مترًا واحدًا، ثم تنتقل إلى ساقه وتخرج بألم من خلال قدمه. 
وقد بدأ "مركز جيمي كارتر" يشن حربًا ضد هذه الدودة إلى غاية انقراضها.. ويومئذ لن يحزن على فقدانها سوى قليل من الناس. وإن كان هناك من شخص يريد التخلص من جميع الطفيليات، فستكون على الأرجح "بوبي بريت". وبصفتها المديرة الطبية لدى مختبر علم الطفيليات البشري في "مايو كلينيك"، فهي تحصر أنواع الطفيليات الموجودة في كل ربوع الولايات المتحدة وفي كل جزء من أجزاء الجسم. فهي في كل يوم تقريبًا تتعامل مع دم يحمل طفيليات الملاريا، أو أنسجة مخ مليئة بالمقوّسة الغوندية، أو كشطة من أصابع قدم تحوي براغيث رمل التُقطت خلال المشي بقدمين حافيتين على شاطئ. ومع ذلك، فحتى بريت لديها ولع بالطفيليات. إذ تكتب مدوَّنةً بعنوان "طفيليات مخيفة خفية رائعة"، وتُمضي إجازات نهاية الأسبوع في دراسة القُراد خارج مقصورتها. وهي بصفتها طبيبة، تفضل القضاء على الطفيليات فقط حين تسبب المرض والمعاناة. تقول: "بصفتي عالمة أحياء، لا تناسبني إطلاقًا فكرة المحاولة المتعمدة لدفع كائنٍ ما للانقراض" في المحصّلة، ليس الهدف من صون الطفيليات جعل الجميع يحبونها. بل الأمر يتعلق فقط بدعوة إلى هدنة في حربنا ضدها جميعًا، لأن ثمة كثيرٌ بشأنها ما زلنا بحاجة إلى فهمه.