متحف المستقبل.. ههنا تنطلق حضارتنا العربية من جديد

متحف المستقبل
يُبرز "متحف المستقبل" في دبي رؤية قائدها وملهمها الذي أراد لهذا الصرح أن يكون أفضل محطة لاستئناف حضارة العرب والسير في ركب الأمم المتقدمة.

على مقربة من المدخل الرئيس للمتحف، حجزتُ مكاني بين الحشود الإعلامية الغفيرة الحاضرة، ورحت أتأمل زواياه المنحنية، مشدوهًا بتفاصيل تصميمه المعماري الفريد والمثير للدهشة؛ وكأني أراه أول مرة. لم تكفّ عَيني عن تتبع رسم الحروف العربية التي نُقشت على طول جدران المتحف الخارجية الفضية والتي بدت متألقة مشعة وكأنها ترقص بنشوة في لحظة فرح. هنالك اغتنمت موقعي القريب إلى المتحف فشرعت في استكشاف العبارات الثلاث التي خُطت على الجدران، وهي مقولات خالدة وملهمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس وزرائها وحاكم دبي، تثير الحماس في النفوس وتستنهض الهمم لاستئناف دور الحضارة العربية من هنا.. والآن. تقول تلك الجُمل: "المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه، المستقبل لا يُنتظر، المستقبل يُمكن تصميمه وبناؤه اليوم"؛ "لن نعيش مئات السنين ولكن يمكن أن نبدع شيئًا يستمر لمئات السنين"؛ "سر تجدد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية هو في كلمة واحدة: الابتكار".

شهدتُ كل ذلك خلال افتتاح "متحف المستقبل"، يوم 22 فبراير الماضي، الذي شَدّ الأنظار إليه منذ لحظة الإعلان الرسمي عن فكرته عام 2015. فهذا المبنى، الذي شغَل الناس ببنائه الفريد ومحتواه الثري، يتألف من سبعة طوابق ولا تسنده أي أعمدة من الداخل؛ ما يمثل أيقونة معمارية نادرة قلمّا تُشاهَد في أي بقعة من أنحاء المعمورة. كما تُبرز أروقته التصورَ المتوقع للحياة في أفق عام 2071، وهو العام الذي ستحتفل فيه دولة الإمارات العربية المتحدة بمئويتها.

كنت في حالة من الدهشة والتفكير العميق وأنا أتساءل مع نفسي عمّا دار في خلد الشيخ محمد بن راشد حينما أراد تشييد هذه المَعلمة، وعن الفلسفة التي ابتغى تجسيدها عبر أرجاء المتحف. وتوالت الأسئلة إلى أن تناهى إلى مسمعي صوت "محمد عبدالله القرقاوي"، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس متحف المستقبل، وهو يلقي كلمة الافتتاح ملخصًا حديثه -على عجَل- في ذكر سبع قناعات راسخة لدى الشيخ محمد بن راشد يُبرزها هذا المتحف؛ ألا وهي: شغف سموه بالمستقبل؛ إيمانه بألّا شيء مستحيل؛ إيمانه بقوة الأفكار المتفردة؛ ثقته التامة في قدرة دولة الإمارات على أن تكون النموذج الملهم للمنطقة؛ تركيزه على أهمية دور المتحف في استئناف الحضارة العربية؛ إيمانه بأن الجمال الذي حولنا ينتقل إلينا ليتجسد فينا؛ تأكيده على أن المتحف سيكون منصة حية متجددة باستمرار. كما يُترجِم المتحف رهان سموه الكبير على التقنية فائقة التطور؛ إذ يُعدّ مختبرًا حقيقيًا لاستعراض التقنيات المتعلقة بالمدن والمجتمعات والحكومات في المستقبل.

ما إنْ تلج إلى بهو المتحف الفسيح حتى تُطالعك مجسَّمات طائرة تجوب الأرجاء، صُممت على هيأة كائنات بحرية، كالأسماك والدلافين. وفي إحدى الزوايا، يقف روبوتٌ ليرحب بزواره ويقدم لهم خدماته، قبل أن يسجل طلباتهم الخاصة بالمشروبات، ليحضرها بنفسه. ولن تمل عيناك النظر من إلى الجدران الداخلية التي تشع بياضًا وتنساب عليها الأحرف العربية لتضفي على المشهد حالة من البهاء، وتُثير في نفسك الهدوءَ رغم مشهد أفواج الزوار الذين ينتظرون دورهم للصعود إلى "رحلة المستقبل". في وسط المتحف، فُتحت بوابة "رحلة الرواد" حيث استقبلتني دليلةٌ رقمية للمستقبل تُدعى "آية"، لتقدم لمحة عن تفاصيل الرحلة المتوقعة. حينها كان الحماس قد بلغ مني مبلغه، وآية تسهب في حديثها عن المستقبل ورحلات البشر لاستيطان الفضاء الخارجي في عام 2071.

وما إن فرغت دليلتنا الرقمية من حديثها حتى انفتح باب آخر من ورائها. دلفت منه إلى داخل مكوك فضائي. أُغلق الباب، وما هي إلا ثوانٍ حتى انطلق المكوك -الذي يتسع لنحو 50 شخصًا- من "ميناء محمد بن راشد الفضائي" في دبي، والأدخنة تتصاعد من حولي باتجاه "المحطة الفضائية المدارية" المعروفة باسم "أمل". في هذه المحطة الواقعة في الطابق الخامس من المتحف، عشت تجربة مغايرة؛ كتلك التي سأعيشها -إن حييت أو أحفادي من بعدي- في حياة المستقبل. وتعرفتُ إلى الدور المهم الذي ستؤديه هذه المحطة في إمداد أمنّا الأرض بحاجتها من الطاقة الشمسية؛ فضلًا عن أبرز الاختراعات والابتكارات المعروضة والتي جرى تنفيذها في الفضاء مسبقًا، وقد أصبحت متداولة في الأرض حسب المعلومات المؤرشفة إلى جانب كل ابتكار. وهناك أيضا أنشطة تفاعلية أخرى تُبرز أهمية دورنا في صنع المستقبل.

بعدها، حططنا الرحال من الفضاء إلى "مختبر إعادة تأهيل الطبيعة" الذي يستوقف زوارَه بمشهد تخيّلي عن الحياة بمدينة دبي في عام 2071. يعمل هذا المختبر، عبر قاعاته الخمس، على توجيه الإنسان صوب القضايا البيئية في كوكبنا؛ منها النظام الإيكولوجي لدى غابة الأمازون الشاسعة التي تُوصف بأنها رئة الأرض، إذ تسهم في حفظ النظام البيئي للأرض باحتضانها أكبر تنوع بيولوجي بالعالم. هذا فضلًا عن قاعة كبيرة يُطلق عليها اسم "المكتبة"، تؤوي بين جنباتها أكثر من 2400 مجسَّم للنبات والوحيش وقد صُفَّت بعناية في ترتيب منهجي حسب الأنواع. فهذه العيّنات تمثل مستودعًا دائمًا يُوفر المعلومات الأساسية بشأن موائل الأنواع وحالتها في الطبيعة.

وقبل أن أختم زيارتي إلى عام 2071، ارتميتُ في أحضان "الواحة" التي توفر ملاذ راحة وسكينة، بوصفها المكان الذي يقربنا إلى أنفسنا عبر العلاج من خلال المشاعر باليدين والإحساس، والتناغم بالأصوات، والتواصل فيما بيننا. هنالك تنقلت بين الردهات التي أُنيرت بأضواء خافتة تُسهم في تعزيز الصحة النفسية للبشر. وقبل أن أنزل من تلك الطوابق البيضاء، كان لا بُد لي من المرور عبر التقنيات الحديثة المستخدمة في زمننا هذا، والتي تنوعت ما بين الطائرة المسيَّرة، والسيارات الكهربائية، ومحطات الطاقة المستدامة، بالإضافة إلى البذلات المبتكرة في شتى المجالات. بعدها وجدتُ نفسي أمام مبان صغيرة جدًا داخل المتحف، وقد احتشد فيها الأطفال وهم ينتظرون تجربة لعبة أو لغزٍ ما عبر مناطق خُصصت للترفيه التعليمي لهذه الفئة العمرية.

غادرت المتحف وقد بقيَت كل تفاصيله وزواياه في مخيلتي، على أن أُعيد تجربة السفر إلى عوالمه من جديد وكأني أكتشفه أول مرة.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

متحف المستقبل.. ههنا تنطلق حضارتنا العربية من جديد

متحف المستقبل
يُبرز "متحف المستقبل" في دبي رؤية قائدها وملهمها الذي أراد لهذا الصرح أن يكون أفضل محطة لاستئناف حضارة العرب والسير في ركب الأمم المتقدمة.

على مقربة من المدخل الرئيس للمتحف، حجزتُ مكاني بين الحشود الإعلامية الغفيرة الحاضرة، ورحت أتأمل زواياه المنحنية، مشدوهًا بتفاصيل تصميمه المعماري الفريد والمثير للدهشة؛ وكأني أراه أول مرة. لم تكفّ عَيني عن تتبع رسم الحروف العربية التي نُقشت على طول جدران المتحف الخارجية الفضية والتي بدت متألقة مشعة وكأنها ترقص بنشوة في لحظة فرح. هنالك اغتنمت موقعي القريب إلى المتحف فشرعت في استكشاف العبارات الثلاث التي خُطت على الجدران، وهي مقولات خالدة وملهمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس وزرائها وحاكم دبي، تثير الحماس في النفوس وتستنهض الهمم لاستئناف دور الحضارة العربية من هنا.. والآن. تقول تلك الجُمل: "المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه، المستقبل لا يُنتظر، المستقبل يُمكن تصميمه وبناؤه اليوم"؛ "لن نعيش مئات السنين ولكن يمكن أن نبدع شيئًا يستمر لمئات السنين"؛ "سر تجدد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية هو في كلمة واحدة: الابتكار".

شهدتُ كل ذلك خلال افتتاح "متحف المستقبل"، يوم 22 فبراير الماضي، الذي شَدّ الأنظار إليه منذ لحظة الإعلان الرسمي عن فكرته عام 2015. فهذا المبنى، الذي شغَل الناس ببنائه الفريد ومحتواه الثري، يتألف من سبعة طوابق ولا تسنده أي أعمدة من الداخل؛ ما يمثل أيقونة معمارية نادرة قلمّا تُشاهَد في أي بقعة من أنحاء المعمورة. كما تُبرز أروقته التصورَ المتوقع للحياة في أفق عام 2071، وهو العام الذي ستحتفل فيه دولة الإمارات العربية المتحدة بمئويتها.

كنت في حالة من الدهشة والتفكير العميق وأنا أتساءل مع نفسي عمّا دار في خلد الشيخ محمد بن راشد حينما أراد تشييد هذه المَعلمة، وعن الفلسفة التي ابتغى تجسيدها عبر أرجاء المتحف. وتوالت الأسئلة إلى أن تناهى إلى مسمعي صوت "محمد عبدالله القرقاوي"، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس متحف المستقبل، وهو يلقي كلمة الافتتاح ملخصًا حديثه -على عجَل- في ذكر سبع قناعات راسخة لدى الشيخ محمد بن راشد يُبرزها هذا المتحف؛ ألا وهي: شغف سموه بالمستقبل؛ إيمانه بألّا شيء مستحيل؛ إيمانه بقوة الأفكار المتفردة؛ ثقته التامة في قدرة دولة الإمارات على أن تكون النموذج الملهم للمنطقة؛ تركيزه على أهمية دور المتحف في استئناف الحضارة العربية؛ إيمانه بأن الجمال الذي حولنا ينتقل إلينا ليتجسد فينا؛ تأكيده على أن المتحف سيكون منصة حية متجددة باستمرار. كما يُترجِم المتحف رهان سموه الكبير على التقنية فائقة التطور؛ إذ يُعدّ مختبرًا حقيقيًا لاستعراض التقنيات المتعلقة بالمدن والمجتمعات والحكومات في المستقبل.

ما إنْ تلج إلى بهو المتحف الفسيح حتى تُطالعك مجسَّمات طائرة تجوب الأرجاء، صُممت على هيأة كائنات بحرية، كالأسماك والدلافين. وفي إحدى الزوايا، يقف روبوتٌ ليرحب بزواره ويقدم لهم خدماته، قبل أن يسجل طلباتهم الخاصة بالمشروبات، ليحضرها بنفسه. ولن تمل عيناك النظر من إلى الجدران الداخلية التي تشع بياضًا وتنساب عليها الأحرف العربية لتضفي على المشهد حالة من البهاء، وتُثير في نفسك الهدوءَ رغم مشهد أفواج الزوار الذين ينتظرون دورهم للصعود إلى "رحلة المستقبل". في وسط المتحف، فُتحت بوابة "رحلة الرواد" حيث استقبلتني دليلةٌ رقمية للمستقبل تُدعى "آية"، لتقدم لمحة عن تفاصيل الرحلة المتوقعة. حينها كان الحماس قد بلغ مني مبلغه، وآية تسهب في حديثها عن المستقبل ورحلات البشر لاستيطان الفضاء الخارجي في عام 2071.

وما إن فرغت دليلتنا الرقمية من حديثها حتى انفتح باب آخر من ورائها. دلفت منه إلى داخل مكوك فضائي. أُغلق الباب، وما هي إلا ثوانٍ حتى انطلق المكوك -الذي يتسع لنحو 50 شخصًا- من "ميناء محمد بن راشد الفضائي" في دبي، والأدخنة تتصاعد من حولي باتجاه "المحطة الفضائية المدارية" المعروفة باسم "أمل". في هذه المحطة الواقعة في الطابق الخامس من المتحف، عشت تجربة مغايرة؛ كتلك التي سأعيشها -إن حييت أو أحفادي من بعدي- في حياة المستقبل. وتعرفتُ إلى الدور المهم الذي ستؤديه هذه المحطة في إمداد أمنّا الأرض بحاجتها من الطاقة الشمسية؛ فضلًا عن أبرز الاختراعات والابتكارات المعروضة والتي جرى تنفيذها في الفضاء مسبقًا، وقد أصبحت متداولة في الأرض حسب المعلومات المؤرشفة إلى جانب كل ابتكار. وهناك أيضا أنشطة تفاعلية أخرى تُبرز أهمية دورنا في صنع المستقبل.

بعدها، حططنا الرحال من الفضاء إلى "مختبر إعادة تأهيل الطبيعة" الذي يستوقف زوارَه بمشهد تخيّلي عن الحياة بمدينة دبي في عام 2071. يعمل هذا المختبر، عبر قاعاته الخمس، على توجيه الإنسان صوب القضايا البيئية في كوكبنا؛ منها النظام الإيكولوجي لدى غابة الأمازون الشاسعة التي تُوصف بأنها رئة الأرض، إذ تسهم في حفظ النظام البيئي للأرض باحتضانها أكبر تنوع بيولوجي بالعالم. هذا فضلًا عن قاعة كبيرة يُطلق عليها اسم "المكتبة"، تؤوي بين جنباتها أكثر من 2400 مجسَّم للنبات والوحيش وقد صُفَّت بعناية في ترتيب منهجي حسب الأنواع. فهذه العيّنات تمثل مستودعًا دائمًا يُوفر المعلومات الأساسية بشأن موائل الأنواع وحالتها في الطبيعة.

وقبل أن أختم زيارتي إلى عام 2071، ارتميتُ في أحضان "الواحة" التي توفر ملاذ راحة وسكينة، بوصفها المكان الذي يقربنا إلى أنفسنا عبر العلاج من خلال المشاعر باليدين والإحساس، والتناغم بالأصوات، والتواصل فيما بيننا. هنالك تنقلت بين الردهات التي أُنيرت بأضواء خافتة تُسهم في تعزيز الصحة النفسية للبشر. وقبل أن أنزل من تلك الطوابق البيضاء، كان لا بُد لي من المرور عبر التقنيات الحديثة المستخدمة في زمننا هذا، والتي تنوعت ما بين الطائرة المسيَّرة، والسيارات الكهربائية، ومحطات الطاقة المستدامة، بالإضافة إلى البذلات المبتكرة في شتى المجالات. بعدها وجدتُ نفسي أمام مبان صغيرة جدًا داخل المتحف، وقد احتشد فيها الأطفال وهم ينتظرون تجربة لعبة أو لغزٍ ما عبر مناطق خُصصت للترفيه التعليمي لهذه الفئة العمرية.

غادرت المتحف وقد بقيَت كل تفاصيله وزواياه في مخيلتي، على أن أُعيد تجربة السفر إلى عوالمه من جديد وكأني أكتشفه أول مرة.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab