ركوب جبال من ماء

كانت الأمواج التي تجتاح أكبر أخدود تحت الماء في أوروبا قد أدهشت وأرعبت مجتمع نازاري الساحلي الصغير منذ قرون عديدة. ولم ينجح أحد في ركوب أمواج فصل الشتاء العملاقة.. حتى جاء الأميركي "غاريت ماك نامارا" للنظر في هذا التحدي عام 2010.

التسامي والجموح.. ذاك هو الشعور بالمياه الممتدة إلى ما لانهاية. لا تستطيع "مايا غابيرا"، التي تمرست في ركوب الأمواج العالية، التعبير بكلمات بسيطة عن الأمواج العملاقة قبالة بلدة "نازاري" في البرتغال. من الصعب العثور على موضع انكسار قمة موجة واحدة؛ إذ تقول مايا: "إنها تأتي من كل مكان وحسب". وكادت إحدى هذه الموجات، التي تهشم العظام وتخطف الأنفاس، أن تجهز عليها. لكن موجة أخرى أهدت هذه المرأة البرازيلية الرقم القياسي العالمي للسيدات في ركوب أكبر موجة على الإطلاق؛ ثم ما لبثت أن سجلت رقمًا قياسيًا جديدًا بركوبها على موجة مرعبة بلغ طولها 22.4 متر. تتذكر مايا ذلك قائلة: "لقد غشي الماء كل شيء، وكان المشهد يتبدل من حولي كثيرًا، حتى عندما كنت داخله، وقد شعرت وكأنني أنحدر إلى الأبد، من على جبل".

كانت الأمواج التي تجتاح أكبر أخدود تحت الماء في أوروبا -إذ يناهز عمقه الخمسة كيلومترات ويمتد طوله زُهاء 200 كيلومتر- قد أدهشت وأرعبت في الوقت نفسه مجتمع نازاري الساحلي الصغير منذ قرون عديدة. ولم ينجح أحد في ركوب أمواج فصل الشتاء العملاقة.. على الأقل حتى جاء الأميركي "غاريت ماك نامارا"، بدعوة من السكان المحليين الشغوفين، للنظر في هذا التحدي، عام 2010. "ما إن صعدت إلى المنارة حتى رأيت أكبر الأمواج التي لم يسبق لي أن رأيت لها مثيلًا"، يقول ماك نامارا، لكن الظروف كانت مروعة. "حسنًا، قد يكون الأمر رائعًا إن كانت هناك رياح مواتية". درس ماك نامارا تلك الأمواج ثم ركب موجة عملاقة بلغ ارتفاعها 23.7 متر، محطمًا رقمًا قياسيًا في عام 2011. الآن بات من الشائع أن نسمع أن هذه المنطقة التي كانت قرية صيد هادئة في زمن مضى تُوصف بأنها قمة "إيفرست" في ركوب الأمواج، أو المَحَج الأقدس لمريدي الأمواج العملاقة. ركوب الأمواج هنا يعني الاقتراب إلى قوة الطبيعة وتقديم فروض الاحترام لها بلا نقاش. فالطبيعة تحت الماء تزيد من حجم الأمواج القاسية وسرعتها وعدم القدرة على التنبؤ بمآلها. هناك أيضًا كاسر أمواج على الشاطئ؛ إذ تتكسر الأمواج على الرمال المتحركة، لا على الصخور أو الشعاب المرجانية. ويقول راكب الأمواج البرتغالي "توني لوريانو"، وهو أحد أصغر راكبي الأمواج العملاقة هنا، بعمر 19 عامًا: "بسبب العواصف، وبسبب الرياح، وبسبب الأمواج العاتية، تتحرك الرمال دائمًا". غالبًا ما تكون الأمواج "وعرة"، ما يجعل ركوبها صعبًا ومليئًا بالمطبات التي تزيد من صعوبة التحدي. ويمكن للمرء محاولة التغلب عليها بالحيلة؛ فالموجة الأولى من سلسلة أمواج عديدة "قد تمهد المطبات بعض الشيء"، كما يقول لوريانو. لكن لا توجد قواعد ثابتة هنا، باستثناء أن المرء لا يمكنه التعامل مع أكبر الأمواج بمفرده.

يتم نقل راكبي الأمواج إلى هذه الجبال المتحركة بواسطة دراجة مائية "جيت سكي" يقودها رفيقٌ يقوم بسحب راكب الأمواج. وفي بعض الأحيان، يُقدم رفيقٌ آخر على دراجة "جيت سكي" ثانية الدعمَ في حال ساءت الظروف أو حدثت مشكلة كبيرة. في أعلى المنارة القريبة، يقوم المراقبون الذين يستخدمون أجهزة اتصال لاسلكي بالبحث عن سلسلة مناسبة من الأمواج الآتية. ويجتمع على الجرف والشاطئ في الأسفل مزيجٌ من سكان القرية والمسؤولين البحريين وفرق الإنقاذ والمسعفين والعائلات، وأعينهم تترقب الأحداث. يقول ماك نامارا: "هنا يمكنك المناداة على راكبي الأمواج، ويمكنهم سماعك". ويستطرد قائلًا: "يمكنك أن تشعر بالأرض تهتز، وقد يصل إليك فعليًا رذاذ الأمواج". إنْ كانت مشاهدة رياضة ركوب الأمواج مزيجًا من الأمل والرهبة، فإن قياسها يُعدّ مزيجًا من العلم و"الصداع". إذ لا يوجد خط أساس ثابت، ولا توجد نقطة مرجعية سهلة. "نحن نتحدث عن وضع ديناميكي، لذلك نحن أمام جزيئات الماء التي تتحرك طوال الوقت"، حسب قول "ميغيل موريرا"، الأستاذ المساعد في "كلية علم حركية الإنسان" لدى "جامعة لشبونة" وواحد من خبراء قِلّة يحاولون ابتكار حلول أفضل لقياس ما سجلته رياضة ركوب الأمواج.

وحتى ممارسيها أنفسهم لا يستطيعون معرفة الحجم الدقيق للموجة. إذ يقول لوريانو: "قد تعرف هل الموجة كبيرة أم لا، ولكنك لن تعرف مدى كِبَرها". عرفت غابيرا أن موجتها القياسية كانت "الأصعب" في تاريخها مع ركوب الأمواج.. بسبب صوت ارتطامها المدوي خلفها. بعد أن حطم ماك نامارا الرقم القياسي، تساءل، ما الذي يثير دهشتكم يا رفاق؟ معقبًا بالقول: "كنت أمارس ركوب الأمواج بكل جوارحي فحسب، وأستمتع بالمغامرة؛ لكن عيني كانت دائمًا على المخرج". لطالما بحث ممارسو هذه الرياضة عن أمواج عملاقة كتلك؛ إذ يقول راكب الأمواج البريطاني، "أندرو كوتون": "كان هذا دائمًا محور حديثنا: أين الموجة التي يبلغ ارتفاعها 30 مترًا؟". "ونازاري قرية، والأمواج تتكسر أمام المنارة مباشرة". ولكنه لا يزال متشككًا؛ إذ يستدرك قائلًا: "كيف كانت أكبر موجة في العالم مختبئة، طوال هذا الوقت، على مرأى من الجميع؟". ثمة أمر واحد مؤكد: لقد غيرت الأمواج هذه البلدة.. وغيرت من يركبونها. بالنسبة إلى غابيرا، التي تم انتشالها فاقدة الوعي عندما جرفتها الأمواج بشكل مروع في عام 2013، جعلتها هذه التجربة التي شارفت فيها على الموت، أكثر تواضعًا و"أكثر إنسانية". ولا يستطيع لوريانو شرح كيف ينجو هو أو غيره من راكبي الأمواج على الإطلاق؛ إذ يقول: "في بعض الأحيان، أشعر وكأن لدي قوى خارقة". 

ربما، ومن خلال عملية تناضح خارقة للطبيعة، قد يكون لراكبي الأمواج هؤلاء قوى خارقة. يقول لوريانو: "الطاقة والقوة التي تمتلكهما الأمواج شيء من عالم آخر. إنه شيء ساحر.. متسامٍ وجامح.

ركوب جبال من ماء

كانت الأمواج التي تجتاح أكبر أخدود تحت الماء في أوروبا قد أدهشت وأرعبت مجتمع نازاري الساحلي الصغير منذ قرون عديدة. ولم ينجح أحد في ركوب أمواج فصل الشتاء العملاقة.. حتى جاء الأميركي "غاريت ماك نامارا" للنظر في هذا التحدي عام 2010.

التسامي والجموح.. ذاك هو الشعور بالمياه الممتدة إلى ما لانهاية. لا تستطيع "مايا غابيرا"، التي تمرست في ركوب الأمواج العالية، التعبير بكلمات بسيطة عن الأمواج العملاقة قبالة بلدة "نازاري" في البرتغال. من الصعب العثور على موضع انكسار قمة موجة واحدة؛ إذ تقول مايا: "إنها تأتي من كل مكان وحسب". وكادت إحدى هذه الموجات، التي تهشم العظام وتخطف الأنفاس، أن تجهز عليها. لكن موجة أخرى أهدت هذه المرأة البرازيلية الرقم القياسي العالمي للسيدات في ركوب أكبر موجة على الإطلاق؛ ثم ما لبثت أن سجلت رقمًا قياسيًا جديدًا بركوبها على موجة مرعبة بلغ طولها 22.4 متر. تتذكر مايا ذلك قائلة: "لقد غشي الماء كل شيء، وكان المشهد يتبدل من حولي كثيرًا، حتى عندما كنت داخله، وقد شعرت وكأنني أنحدر إلى الأبد، من على جبل".

كانت الأمواج التي تجتاح أكبر أخدود تحت الماء في أوروبا -إذ يناهز عمقه الخمسة كيلومترات ويمتد طوله زُهاء 200 كيلومتر- قد أدهشت وأرعبت في الوقت نفسه مجتمع نازاري الساحلي الصغير منذ قرون عديدة. ولم ينجح أحد في ركوب أمواج فصل الشتاء العملاقة.. على الأقل حتى جاء الأميركي "غاريت ماك نامارا"، بدعوة من السكان المحليين الشغوفين، للنظر في هذا التحدي، عام 2010. "ما إن صعدت إلى المنارة حتى رأيت أكبر الأمواج التي لم يسبق لي أن رأيت لها مثيلًا"، يقول ماك نامارا، لكن الظروف كانت مروعة. "حسنًا، قد يكون الأمر رائعًا إن كانت هناك رياح مواتية". درس ماك نامارا تلك الأمواج ثم ركب موجة عملاقة بلغ ارتفاعها 23.7 متر، محطمًا رقمًا قياسيًا في عام 2011. الآن بات من الشائع أن نسمع أن هذه المنطقة التي كانت قرية صيد هادئة في زمن مضى تُوصف بأنها قمة "إيفرست" في ركوب الأمواج، أو المَحَج الأقدس لمريدي الأمواج العملاقة. ركوب الأمواج هنا يعني الاقتراب إلى قوة الطبيعة وتقديم فروض الاحترام لها بلا نقاش. فالطبيعة تحت الماء تزيد من حجم الأمواج القاسية وسرعتها وعدم القدرة على التنبؤ بمآلها. هناك أيضًا كاسر أمواج على الشاطئ؛ إذ تتكسر الأمواج على الرمال المتحركة، لا على الصخور أو الشعاب المرجانية. ويقول راكب الأمواج البرتغالي "توني لوريانو"، وهو أحد أصغر راكبي الأمواج العملاقة هنا، بعمر 19 عامًا: "بسبب العواصف، وبسبب الرياح، وبسبب الأمواج العاتية، تتحرك الرمال دائمًا". غالبًا ما تكون الأمواج "وعرة"، ما يجعل ركوبها صعبًا ومليئًا بالمطبات التي تزيد من صعوبة التحدي. ويمكن للمرء محاولة التغلب عليها بالحيلة؛ فالموجة الأولى من سلسلة أمواج عديدة "قد تمهد المطبات بعض الشيء"، كما يقول لوريانو. لكن لا توجد قواعد ثابتة هنا، باستثناء أن المرء لا يمكنه التعامل مع أكبر الأمواج بمفرده.

يتم نقل راكبي الأمواج إلى هذه الجبال المتحركة بواسطة دراجة مائية "جيت سكي" يقودها رفيقٌ يقوم بسحب راكب الأمواج. وفي بعض الأحيان، يُقدم رفيقٌ آخر على دراجة "جيت سكي" ثانية الدعمَ في حال ساءت الظروف أو حدثت مشكلة كبيرة. في أعلى المنارة القريبة، يقوم المراقبون الذين يستخدمون أجهزة اتصال لاسلكي بالبحث عن سلسلة مناسبة من الأمواج الآتية. ويجتمع على الجرف والشاطئ في الأسفل مزيجٌ من سكان القرية والمسؤولين البحريين وفرق الإنقاذ والمسعفين والعائلات، وأعينهم تترقب الأحداث. يقول ماك نامارا: "هنا يمكنك المناداة على راكبي الأمواج، ويمكنهم سماعك". ويستطرد قائلًا: "يمكنك أن تشعر بالأرض تهتز، وقد يصل إليك فعليًا رذاذ الأمواج". إنْ كانت مشاهدة رياضة ركوب الأمواج مزيجًا من الأمل والرهبة، فإن قياسها يُعدّ مزيجًا من العلم و"الصداع". إذ لا يوجد خط أساس ثابت، ولا توجد نقطة مرجعية سهلة. "نحن نتحدث عن وضع ديناميكي، لذلك نحن أمام جزيئات الماء التي تتحرك طوال الوقت"، حسب قول "ميغيل موريرا"، الأستاذ المساعد في "كلية علم حركية الإنسان" لدى "جامعة لشبونة" وواحد من خبراء قِلّة يحاولون ابتكار حلول أفضل لقياس ما سجلته رياضة ركوب الأمواج.

وحتى ممارسيها أنفسهم لا يستطيعون معرفة الحجم الدقيق للموجة. إذ يقول لوريانو: "قد تعرف هل الموجة كبيرة أم لا، ولكنك لن تعرف مدى كِبَرها". عرفت غابيرا أن موجتها القياسية كانت "الأصعب" في تاريخها مع ركوب الأمواج.. بسبب صوت ارتطامها المدوي خلفها. بعد أن حطم ماك نامارا الرقم القياسي، تساءل، ما الذي يثير دهشتكم يا رفاق؟ معقبًا بالقول: "كنت أمارس ركوب الأمواج بكل جوارحي فحسب، وأستمتع بالمغامرة؛ لكن عيني كانت دائمًا على المخرج". لطالما بحث ممارسو هذه الرياضة عن أمواج عملاقة كتلك؛ إذ يقول راكب الأمواج البريطاني، "أندرو كوتون": "كان هذا دائمًا محور حديثنا: أين الموجة التي يبلغ ارتفاعها 30 مترًا؟". "ونازاري قرية، والأمواج تتكسر أمام المنارة مباشرة". ولكنه لا يزال متشككًا؛ إذ يستدرك قائلًا: "كيف كانت أكبر موجة في العالم مختبئة، طوال هذا الوقت، على مرأى من الجميع؟". ثمة أمر واحد مؤكد: لقد غيرت الأمواج هذه البلدة.. وغيرت من يركبونها. بالنسبة إلى غابيرا، التي تم انتشالها فاقدة الوعي عندما جرفتها الأمواج بشكل مروع في عام 2013، جعلتها هذه التجربة التي شارفت فيها على الموت، أكثر تواضعًا و"أكثر إنسانية". ولا يستطيع لوريانو شرح كيف ينجو هو أو غيره من راكبي الأمواج على الإطلاق؛ إذ يقول: "في بعض الأحيان، أشعر وكأن لدي قوى خارقة". 

ربما، ومن خلال عملية تناضح خارقة للطبيعة، قد يكون لراكبي الأمواج هؤلاء قوى خارقة. يقول لوريانو: "الطاقة والقوة التي تمتلكهما الأمواج شيء من عالم آخر. إنه شيء ساحر.. متسامٍ وجامح.