"ستان" يُستقبَل بالأحضان في منارة العرفان
لطالما أرَّق لغزٌ ضخمٌ ضخامةَ ديناصور بالَ العاملين بعلم الأحافير منذ 5 أكتوبر 2020: أين سيُعرض هيكل عظمي شهير لديناصور من نوع "تيرانوصور رِكس" يُعرف باسم "ستان" (Stan). واليوم كُشِف النقاب عن اللغز أخيرًا: سيكون "ستان" أحد النجوم البارزة لمتحف جديد يُعرف باسم "متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي" في دولة الإمارات العربية المتحدة. وأكدت "دائرة الثقافة والسياحة" في أبوظبي اليوم أن "ستان" سيقيم في "متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي"، وهو متحف قيد الإنشاء على مساحة 35 ألف متر في "جزيرة السعديات"، وهي منطقة ثقافية رفيعة المستوى في إمارة أبوظبي. ومن المقرر أن يكون المتحف جاهزًا في عام 2025؛ ولديه خطط طموح لسرد تاريخ الحياة على الأرض، مع التركيز على النبات والوحيش في شبه الجزيرة العربية، وكذا القصة الأشمل لكوننا هذا الذي يقول العلماء إن تاريخه يعود إلى 13.8 مليار سنة خلت. وتعليقًا على ذلك، قال "محمد خليفة المبارك"، رئيس "دائرة الثقافة والسياحة" في أبوظبي: "لقد صار للتاريخ الطبيعي موطن جديد هنا في أبوظبي، حيث سنروي قصة هذا الكون من خلال بعضٍ من أدهش النماذج التي عرفتها البشرية؛ وهي هِباتٌ نادرة جادت علينا بها الطبيعة وإننا لَنفخر بحمايتها ومشاركتها مع العالم".
أكدت "دائرة الثقافة والسياحة" في أبوظبي أن "ستان" سيقيم في "متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي"، وهو متحف قيد الإنشاء على مساحة 35 ألف متر في "جزيرة السعديات".
رحلة "ستان"
يُشكّل هذا الكشف المثير عن بيت "ستان" الجديد أحدث فصل في ملحمة أحد أشهر الهياكل العظمية لتيرانوصور رِكس في العالم. وقد اكتُشفَت هذه الأحفورة التي يبلغ عمرها 67 مليون سنة في باطن أرض خاصة لدى ولاية داكوتا الجنوبية بالولايات المتحدة في مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ وقد مكثت أكثر من عقدين من الزمان لدى "معهد بلاك هيلز للبحث الجيولوجي" بمدينة هيل في الولاية نفسها. ويبيع هذا المعهد الخاصُّ الأحافيرَ الأصلية ونُسخَها المقلَّدة، وغير ذلك من اللقى الأثرية للمتاحف والأشخاص جامعي التحف. لم يكن "معهد بلاك هيلز" يخطط لبيع هذا الديناصور الذي يبلغ طوله حوالى 12 مترًا؛ فقد كانت عظامه معروضة في المتحف الخاص بالمعهد، وقد تم الاستناد إليها في صُنع مئات النسخ المقلَّدة من تيرانوصور رِكس الموجودة حاليًا في المتاحف ودُور هواة جمع التحف في أرجاء العالم. ولكن بعد نزاع قانوني بين الأخوين "بِّيت" و"نيل لارسون"، وهما من كبار المساهمين في المعهد، أَصدر قاضٍ حُكمًا ببيع الأحفورة في عام 2018. في يناير 2022، أشار المعلقون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى وجود جمجمة يُشتبَه أنها تعود لـ "ستان"، في مكان خلف الممثل الأميركي "جونسون دواني دوغلاس" لدى ظهوره في أحد برامج قناة (ESPN)؛ لكنه سرعان ما أكد أنها نسخة مقلَّدة لا غير. وكتب في حسابه على "إنستغرام": لو كنت المالكَ الفخور لستان الحقيقي، لأبقيته في مكتبي بكل تأكيد. سأحتفظ به في متحف حتى يتمكن العالم من التمتع برؤيته ودراسته والتعلم منه." وذلك الإحساس تحديدًا -بضرورة أن تكون هذه التحفة الأثرية متاحةً للعلماء والجمهور معًا- هو ما كان يقضّ مضجع علماء الأحافير منذ مزاد ستان المذهل.. على أن عملية البيع قانونية ولا تشوبها شائبة. وقد شكّل "ستان" على مرّ أعوام عديدة مرجعًا رئيسًا يقدم للعلماء بيانات مهمة في دراستهم قوة العض الرهيبة التي كانت لدى التيرانوصور ركس، وكذا سرّ التئام عظام هذا الدينوصار حتى بعد إصاباتها الخطيرة. واليوم إذ كُشِف عن موقع هذا الديناصور وعن القيّمين عليه الجدد، يأمل العلماء أن يتمكنوا مرة أخرى من الوصول إليه، وأن يجتذب إليه مزيدًا من الناس ليكتشفوا عجائب عالم ما قبل التاريخ. وتعليقًا على ذلك، تقول "ليندسي زانو"، عالِمة الأحافير لدى "متحف كارولينا الشمالية للعلوم الطبيعية": "إن لِعلم الأحافير تأثيرًا قويًّا؛ ففيه نرى أنفسنا حلقةً في سلسلة متوالية مجيدة من الحياة على كوكب الأرض. وإذا كان بمقدور ستان إلهام جيل جديد حمايةَ الماضي والتشجيع على صون التنوع الحيوي لكوكبنا في المستقبل.. فتلك بعينها نهاية سعيدة".
حُرّاس التاريخ الطبيعي
لا يوجد بمنطقة الشرق الأوسط سوى بضعة متاحف للتاريخ الطبيعي؛ ما يجعل أي مجموعة جديدة من التحف نعمةً كبيرةً على الأوساط الأكاديمية والجمهور بوجه عام. وسينضم "متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي" إلى أخرى موجودة بالمنطقة، من قبيل "متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي" التابع لـ "جامعة بيت لحم"، و"متحف شتاينهارت للتاريخ الطبيعي" في تل أبيب بإسرائيل، و"المتحف المصري للجيولوجيا" في القاهرة، و"متحف الشارقة للتاريخ الطبيعي والنباتات" في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. إن متاحف التاريخ الطبيعي ليست مجرد صالات عرض عامة؛ بل إنها -في أفضل حالاتها- تشكل أيضًا عوامل تحفيز على صون الطبيعة واكتشاف مجاهلها. إذ تنشأ من الأحافير والعيّنات والتحف في مجموعات المتحف -والتي غالبًا ما تهيمن بعددها على باقي العناصر المعروضة- سجلّات للتنوع الحيوي والتاريخ البشري؛ ما يضمن وجود بيانات لا غنى لنا عنها ويمكن الرجوع إليها بوصفها مرجعًا موثوقًا بعد عقود أو حتى قرون من الزمان. ولدى "متحف أبوظبي للتاريخ الطبيعي" أهداف علمية نبيلة. إذ صرّح مسؤولون من المتحف أن هذا الأخير سيشيد ويجهِّزُ مرفقًا للبحث العلمي متخصص في علم الحيوان وعلم الأحافير، وعلم الأحياء البحرية، وعلوم الأرض، والبحوث الجزيئية، بما في ذلك دراسة الحمض النووي القديم. ويقول "ديفيد إيفانز"، عالم الأحافير لدى "متحف أونتاريو الملكي" في كندا، إنه إذا كان "ستان" عنصرًا مسقرًّا على نحو دائم في مجموعة المتحف -وليس على سبيل الإعارة المؤقتة من جامع تحف- فإن هذه الأحفورة يمكن أن تساعد في "زيادة الاهتمام العلمي بالديناصورات في هذا الجزء من العالم الذي يمتلك إمكانات كبيرة لاكتشافات أحافير جديدة".
ويجري تشييد متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي بالقرب من أحد أغنى مواقع الأحافير في شبه الجزيرة العربية، ويُعرَف باسم "تكوين بينونة"، ويتشكل من صخور يعود تاريخها إلى أواخر العصر الميوسيني، منذ ما يقرب من ثمانية ملايين إلى ستة ملايين سنة. ولا يزال هذا التكوين محافظًا على ما كان في السابق نوعًا من "سرنغيتي" عربية: نظام بيئي يموج بالأقارب القدامى لأفراس النهر والزرافات الحديثة، والتي عاشت جنبًا إلى جنب مع جميع الكائنات، من السلاحف البحرية إلى سمك السلور في نظام نهري دائم.
ودأبت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أعوام على استضافة عروض مؤقتة لأحافير ديناصورات من أميركا. ففي عام 2008، نظم مؤسس "معرض الاتحاد للفنون الحديثة" في أبوظبي عرضًا لهيكل عظمي لديناصور أباتوصيروس عمره 140 مليون سنة في المطار الرئيس لأبوظبي. وفي عام 2014، عرض المعرض نفسه هيكلًا عظميًا لتيرانوصور رِكس يافع جُلب من ولاية داكوتا الجنوبية. وقال "خالد صديق المطوع"، مؤسس المعرض، في مقابلة عام 2009 مع صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية: "ظللت أسمع الناس ولا سيما الأطفال يقولون إنه لا يوجد شيء اسمه ديناصور. لقد أزعجني ذلك حقًا، ولذا أحضرت ديناصورًا ليراه شعبنا.. لمعرفة المزيد عن هذا الجزء من تاريخنا العالمي". فضلًا عن قيمة الديناصورات من الناحية التعليمية، فإنها تخلق أيضًا الإثارة وتجتذب الزوار، وهي حقيقة لا تغيب عن رجال الأعمال الإماراتيين وقادة الحكومة، والذين لطالما عملوا بجد لاجتذاب السياح الأجانب بتوفير مراكز التسوق الفاخرة وتنظيم المعارض الفنية والفعاليات الثقافية وغيرها من عوامل الجذب السياحي.
جزيرة تغازل الإعمار
يأتي المتحف الجديد في وقت تسعى فيه أبوظبي وشقيقاتها الست لتنويع اقتصادها غير القائم على النفط. ففي الأعوام الأخيرة، نهضت الإمارات العربية المتحدة -القوة الاقتصادية الثانية في الخليج العربي- باستراتيجيتها الصناعية، وأنشأت وكالة فضاء للمساعدة في تنمية صناعاتها التكنولوجية. وتعد السياحة والسعي وراء القوة الدبلوماسية الناعمة من النقاط البارزة في خطة أبوظبي. فمنذ عام 2007، ضخت الإمارة مليارات الدولارات في الطرف الغربي لجزيرة السعديات لإنشاء منطقة ثقافية ووجهة سياحية رئيسة. ويهدف بعض مشاريع السعديات إلى سرد قصة تاريخ الإمارات العربية المتحدة؛ ومن ذلك "متحف زايد الوطني" الذي يجري إنجازه في الوقت الحالي وقد سُمي على اسم الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه. وأقيمت مشاريع أخرى على جزيرة السعديات بشراكات مع مؤسسات غربية رائدة؛ منها على سبيل المثال "جامعة نيويورك" التي افتتحت في عام 2014. وفي مكان غير بعيد، تم افتتاح "متحف اللوفر أبوظبي" عام 2017؛ ومن المقرر افتتاح "متحف غوغنهايم أبوظبي" في عام 2025.
وتعليقًا على ذلك، تقول "نيها فورا"، عالمة الأنثروبولوجيا لدى "كلية لافاييت" في بنسلفانيا، إن مشروعات السعديات ومثيلاتها تشكّل نقاط تحول فارقة في الاستثمار بمجال التعليم في المنطقة. توجد العديد من المؤسسات العلمية والتعليمية الكبرى في الدول الغربية التي يمكن زيارتها "لكن الزوار يمكن أن يجدوا صعوبات حتى في الحصول على تأشيرة لزيارتها"، كما تقول فورا، مستطردة بالقول: "أشعر أنه من الضروري للغاية أن يكون لدينا أماكن في جنوب العالم تتوفر على هذا النوع من المؤسسات العالمية." ويُرتقَب أن يوفر "متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي" لدى افتتاحه، فرصًا تعليمية وعلمية فريدة للمنطقة وللعالم. ومن المرجح أن يكون "ستان" سفيرًا شهيرًا لتاريخ الأرض الرائع.
"ستان" يُستقبَل بالأحضان في منارة العرفان
لطالما أرَّق لغزٌ ضخمٌ ضخامةَ ديناصور بالَ العاملين بعلم الأحافير منذ 5 أكتوبر 2020: أين سيُعرض هيكل عظمي شهير لديناصور من نوع "تيرانوصور رِكس" يُعرف باسم "ستان" (Stan). واليوم كُشِف النقاب عن اللغز أخيرًا: سيكون "ستان" أحد النجوم البارزة لمتحف جديد يُعرف باسم "متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي" في دولة الإمارات العربية المتحدة. وأكدت "دائرة الثقافة والسياحة" في أبوظبي اليوم أن "ستان" سيقيم في "متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي"، وهو متحف قيد الإنشاء على مساحة 35 ألف متر في "جزيرة السعديات"، وهي منطقة ثقافية رفيعة المستوى في إمارة أبوظبي. ومن المقرر أن يكون المتحف جاهزًا في عام 2025؛ ولديه خطط طموح لسرد تاريخ الحياة على الأرض، مع التركيز على النبات والوحيش في شبه الجزيرة العربية، وكذا القصة الأشمل لكوننا هذا الذي يقول العلماء إن تاريخه يعود إلى 13.8 مليار سنة خلت. وتعليقًا على ذلك، قال "محمد خليفة المبارك"، رئيس "دائرة الثقافة والسياحة" في أبوظبي: "لقد صار للتاريخ الطبيعي موطن جديد هنا في أبوظبي، حيث سنروي قصة هذا الكون من خلال بعضٍ من أدهش النماذج التي عرفتها البشرية؛ وهي هِباتٌ نادرة جادت علينا بها الطبيعة وإننا لَنفخر بحمايتها ومشاركتها مع العالم".
أكدت "دائرة الثقافة والسياحة" في أبوظبي أن "ستان" سيقيم في "متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي"، وهو متحف قيد الإنشاء على مساحة 35 ألف متر في "جزيرة السعديات".
رحلة "ستان"
يُشكّل هذا الكشف المثير عن بيت "ستان" الجديد أحدث فصل في ملحمة أحد أشهر الهياكل العظمية لتيرانوصور رِكس في العالم. وقد اكتُشفَت هذه الأحفورة التي يبلغ عمرها 67 مليون سنة في باطن أرض خاصة لدى ولاية داكوتا الجنوبية بالولايات المتحدة في مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ وقد مكثت أكثر من عقدين من الزمان لدى "معهد بلاك هيلز للبحث الجيولوجي" بمدينة هيل في الولاية نفسها. ويبيع هذا المعهد الخاصُّ الأحافيرَ الأصلية ونُسخَها المقلَّدة، وغير ذلك من اللقى الأثرية للمتاحف والأشخاص جامعي التحف. لم يكن "معهد بلاك هيلز" يخطط لبيع هذا الديناصور الذي يبلغ طوله حوالى 12 مترًا؛ فقد كانت عظامه معروضة في المتحف الخاص بالمعهد، وقد تم الاستناد إليها في صُنع مئات النسخ المقلَّدة من تيرانوصور رِكس الموجودة حاليًا في المتاحف ودُور هواة جمع التحف في أرجاء العالم. ولكن بعد نزاع قانوني بين الأخوين "بِّيت" و"نيل لارسون"، وهما من كبار المساهمين في المعهد، أَصدر قاضٍ حُكمًا ببيع الأحفورة في عام 2018. في يناير 2022، أشار المعلقون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى وجود جمجمة يُشتبَه أنها تعود لـ "ستان"، في مكان خلف الممثل الأميركي "جونسون دواني دوغلاس" لدى ظهوره في أحد برامج قناة (ESPN)؛ لكنه سرعان ما أكد أنها نسخة مقلَّدة لا غير. وكتب في حسابه على "إنستغرام": لو كنت المالكَ الفخور لستان الحقيقي، لأبقيته في مكتبي بكل تأكيد. سأحتفظ به في متحف حتى يتمكن العالم من التمتع برؤيته ودراسته والتعلم منه." وذلك الإحساس تحديدًا -بضرورة أن تكون هذه التحفة الأثرية متاحةً للعلماء والجمهور معًا- هو ما كان يقضّ مضجع علماء الأحافير منذ مزاد ستان المذهل.. على أن عملية البيع قانونية ولا تشوبها شائبة. وقد شكّل "ستان" على مرّ أعوام عديدة مرجعًا رئيسًا يقدم للعلماء بيانات مهمة في دراستهم قوة العض الرهيبة التي كانت لدى التيرانوصور ركس، وكذا سرّ التئام عظام هذا الدينوصار حتى بعد إصاباتها الخطيرة. واليوم إذ كُشِف عن موقع هذا الديناصور وعن القيّمين عليه الجدد، يأمل العلماء أن يتمكنوا مرة أخرى من الوصول إليه، وأن يجتذب إليه مزيدًا من الناس ليكتشفوا عجائب عالم ما قبل التاريخ. وتعليقًا على ذلك، تقول "ليندسي زانو"، عالِمة الأحافير لدى "متحف كارولينا الشمالية للعلوم الطبيعية": "إن لِعلم الأحافير تأثيرًا قويًّا؛ ففيه نرى أنفسنا حلقةً في سلسلة متوالية مجيدة من الحياة على كوكب الأرض. وإذا كان بمقدور ستان إلهام جيل جديد حمايةَ الماضي والتشجيع على صون التنوع الحيوي لكوكبنا في المستقبل.. فتلك بعينها نهاية سعيدة".
حُرّاس التاريخ الطبيعي
لا يوجد بمنطقة الشرق الأوسط سوى بضعة متاحف للتاريخ الطبيعي؛ ما يجعل أي مجموعة جديدة من التحف نعمةً كبيرةً على الأوساط الأكاديمية والجمهور بوجه عام. وسينضم "متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي" إلى أخرى موجودة بالمنطقة، من قبيل "متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي" التابع لـ "جامعة بيت لحم"، و"متحف شتاينهارت للتاريخ الطبيعي" في تل أبيب بإسرائيل، و"المتحف المصري للجيولوجيا" في القاهرة، و"متحف الشارقة للتاريخ الطبيعي والنباتات" في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. إن متاحف التاريخ الطبيعي ليست مجرد صالات عرض عامة؛ بل إنها -في أفضل حالاتها- تشكل أيضًا عوامل تحفيز على صون الطبيعة واكتشاف مجاهلها. إذ تنشأ من الأحافير والعيّنات والتحف في مجموعات المتحف -والتي غالبًا ما تهيمن بعددها على باقي العناصر المعروضة- سجلّات للتنوع الحيوي والتاريخ البشري؛ ما يضمن وجود بيانات لا غنى لنا عنها ويمكن الرجوع إليها بوصفها مرجعًا موثوقًا بعد عقود أو حتى قرون من الزمان. ولدى "متحف أبوظبي للتاريخ الطبيعي" أهداف علمية نبيلة. إذ صرّح مسؤولون من المتحف أن هذا الأخير سيشيد ويجهِّزُ مرفقًا للبحث العلمي متخصص في علم الحيوان وعلم الأحافير، وعلم الأحياء البحرية، وعلوم الأرض، والبحوث الجزيئية، بما في ذلك دراسة الحمض النووي القديم. ويقول "ديفيد إيفانز"، عالم الأحافير لدى "متحف أونتاريو الملكي" في كندا، إنه إذا كان "ستان" عنصرًا مسقرًّا على نحو دائم في مجموعة المتحف -وليس على سبيل الإعارة المؤقتة من جامع تحف- فإن هذه الأحفورة يمكن أن تساعد في "زيادة الاهتمام العلمي بالديناصورات في هذا الجزء من العالم الذي يمتلك إمكانات كبيرة لاكتشافات أحافير جديدة".
ويجري تشييد متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي بالقرب من أحد أغنى مواقع الأحافير في شبه الجزيرة العربية، ويُعرَف باسم "تكوين بينونة"، ويتشكل من صخور يعود تاريخها إلى أواخر العصر الميوسيني، منذ ما يقرب من ثمانية ملايين إلى ستة ملايين سنة. ولا يزال هذا التكوين محافظًا على ما كان في السابق نوعًا من "سرنغيتي" عربية: نظام بيئي يموج بالأقارب القدامى لأفراس النهر والزرافات الحديثة، والتي عاشت جنبًا إلى جنب مع جميع الكائنات، من السلاحف البحرية إلى سمك السلور في نظام نهري دائم.
ودأبت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أعوام على استضافة عروض مؤقتة لأحافير ديناصورات من أميركا. ففي عام 2008، نظم مؤسس "معرض الاتحاد للفنون الحديثة" في أبوظبي عرضًا لهيكل عظمي لديناصور أباتوصيروس عمره 140 مليون سنة في المطار الرئيس لأبوظبي. وفي عام 2014، عرض المعرض نفسه هيكلًا عظميًا لتيرانوصور رِكس يافع جُلب من ولاية داكوتا الجنوبية. وقال "خالد صديق المطوع"، مؤسس المعرض، في مقابلة عام 2009 مع صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية: "ظللت أسمع الناس ولا سيما الأطفال يقولون إنه لا يوجد شيء اسمه ديناصور. لقد أزعجني ذلك حقًا، ولذا أحضرت ديناصورًا ليراه شعبنا.. لمعرفة المزيد عن هذا الجزء من تاريخنا العالمي". فضلًا عن قيمة الديناصورات من الناحية التعليمية، فإنها تخلق أيضًا الإثارة وتجتذب الزوار، وهي حقيقة لا تغيب عن رجال الأعمال الإماراتيين وقادة الحكومة، والذين لطالما عملوا بجد لاجتذاب السياح الأجانب بتوفير مراكز التسوق الفاخرة وتنظيم المعارض الفنية والفعاليات الثقافية وغيرها من عوامل الجذب السياحي.
جزيرة تغازل الإعمار
يأتي المتحف الجديد في وقت تسعى فيه أبوظبي وشقيقاتها الست لتنويع اقتصادها غير القائم على النفط. ففي الأعوام الأخيرة، نهضت الإمارات العربية المتحدة -القوة الاقتصادية الثانية في الخليج العربي- باستراتيجيتها الصناعية، وأنشأت وكالة فضاء للمساعدة في تنمية صناعاتها التكنولوجية. وتعد السياحة والسعي وراء القوة الدبلوماسية الناعمة من النقاط البارزة في خطة أبوظبي. فمنذ عام 2007، ضخت الإمارة مليارات الدولارات في الطرف الغربي لجزيرة السعديات لإنشاء منطقة ثقافية ووجهة سياحية رئيسة. ويهدف بعض مشاريع السعديات إلى سرد قصة تاريخ الإمارات العربية المتحدة؛ ومن ذلك "متحف زايد الوطني" الذي يجري إنجازه في الوقت الحالي وقد سُمي على اسم الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه. وأقيمت مشاريع أخرى على جزيرة السعديات بشراكات مع مؤسسات غربية رائدة؛ منها على سبيل المثال "جامعة نيويورك" التي افتتحت في عام 2014. وفي مكان غير بعيد، تم افتتاح "متحف اللوفر أبوظبي" عام 2017؛ ومن المقرر افتتاح "متحف غوغنهايم أبوظبي" في عام 2025.
وتعليقًا على ذلك، تقول "نيها فورا"، عالمة الأنثروبولوجيا لدى "كلية لافاييت" في بنسلفانيا، إن مشروعات السعديات ومثيلاتها تشكّل نقاط تحول فارقة في الاستثمار بمجال التعليم في المنطقة. توجد العديد من المؤسسات العلمية والتعليمية الكبرى في الدول الغربية التي يمكن زيارتها "لكن الزوار يمكن أن يجدوا صعوبات حتى في الحصول على تأشيرة لزيارتها"، كما تقول فورا، مستطردة بالقول: "أشعر أنه من الضروري للغاية أن يكون لدينا أماكن في جنوب العالم تتوفر على هذا النوع من المؤسسات العالمية." ويُرتقَب أن يوفر "متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي" لدى افتتاحه، فرصًا تعليمية وعلمية فريدة للمنطقة وللعالم. ومن المرجح أن يكون "ستان" سفيرًا شهيرًا لتاريخ الأرض الرائع.