بماذا يخبرنا البالين عن هجرة الحيتان؟

يحتوي البالين الذي يتدلى من فكي بعض أنواع الحيتان على أدلة حول هجراتها ووجباتها الغذائية.

عندما تتغذى معظم الحيتان الكبيرة - مثل الحيتان الزرقاء وحيتان المنك والحيتان الحدباء - فإنها لا تمضغ طعامها بالأسنان. وبدلاً من ذلك، يستخدمون مئات الصفائح البالينية التي تتدلى من فكهم العلوي مثل الستائر الشائكة لتصفية الفريسة الصغيرة من المحيط. في البداية تبتلع الحيتان كميات هائلة من مياه البحر في حلقها الضخم. ثم،يغلقون فكيهم ويضغطون على الماء من خلال البالين مثل معصرة  ضخمة. مع هروب المياه، تعلق أسماك الكريل والأسماك الصغيرة بشعيرات البالين. هذه الطريقة تستخدمها بعض الحيتان لتناول نحو 20 طنًا من المأكولات البحرية يوميًا.

يقدم البالين أيضًا العديد من البيانات البيئية المفيدة، وفقًا لدراسة جديدة توضح كيف يمكن أن تساعد تركيبته الكيميائية العلماء في إعادة بناء التفاصيل بدءًا من طرق هجرة الحيتان وصولًا إلى وجباتهم الغذائية. لتتبع الحيتان. يستخدم الباحثون عمومًا علامات الأقمار الصناعية – ولكن غالبًا تلك العلامات لها مساوئ. إذ أن تثبيتها يتطلب دبابيس ضخمة قد تؤذي الحيتان. يقول "فيليب ريكنبيرج" المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الكيمياء الجيولوجية الحيوية في المعهد الملكي الهولندي لأبحاث البحار: "يعد البالين سجلًا أفضل للنظر في تاريخ الحياة لأنه جزء صلب تم الاحتفاظ به لفترة طويلة نسبيًا".

ويشبه البالين فرشاة التنظيف الخشنة البالية، لكنه مصنوع من الكيراتين - نفس مادة أظافر الإنسان. ويعتبر الكيراتين متينًا ومرنًا، ما جعل البلين منتجًا ثانويًا شهيرًا لصيد الحيتان خلال القرن التاسع عشر. ففي أثناء رحلات صيد الحيتان، التي كانت تستهدف الحصول على زيتها، عَمَد البعض إلى استخدام البالين في إنتاج فُرش الشعر والمشدات.

ويتم دمج البروتينات والهرمونات وعناصر آخرى مثل الكربون والنيتروجين التي تحصل عليها الحيتان من غذائها في الطبقات المتعاقبة من الكيراتين التي تنمو من اللثة. يقول " ريكنبيرج":"عندما ينمو البالين مثل أظافر الأصابع، فإنه يتراكم بداخله إشارات على ما تأكله الحيتان". وتستمر هذه العملية طوال حياة الحوت. إذ يُمكن أن يصل طول البالين لدى الحوت البالغ أكثر من 14 قدمًا. كما توثق المصادر الأخرى، ومنها شمع أذن الحوت، الظروف البيئية المحيطة بالحوت مثل الملوثات، لكن شعيرات البالين تقدم لمحة لا مثيل لها عما تأكله هذه الكائنات وهو بدوره ما يوضح لنا الأماكن التي ارتادتها. ولقياس مدى دقة سجل البالين قام "ريكنبيرج" وفريق من العلماء في هولندا بفحص خمسة حيتان: ثلاثة حيتان زعنفية صغيرة، وحوت أحدب بالغ، وحوت منكي غير محدد العمر.

على عكس عينات الجلد، يجب جمع عينات البالين بعد نفوق الحيتان. يقول ريكنبيرج: "لا يمكنك الاقتراب لأخذ عينات من البالين من حوت حي". لذا اتجه الفريق البحثي لأخذ عينات صفائح البالين من الحيتان النافقة التي تقطعت بها السبل على الشواطئ الهولندية أو اصطدمت بالقوارب. وبالعودة إلى المختبر، تم تجميد ألواح البالين وتنظيفها وقياسها. ثم قام العلماء بحفر ثقوب منتظمة في المادة للبحث عن مسحوق الكيراتين. وأظهرت النتائج والتي نُشرت مؤخرًا في "Royal Society Open Science"، إمكانات البالين باعتبارها كبسولة زمنية بيئية. على سبيل المثال، مستويات النيتروجين النظير 15 - مقياس مفيد لتحديد ما هو موجود في قائمة حوت معين -وتحديد نمط هجرة كل حوت.  على سبيل. المثال خلال فصل الصيف، تغرق هذه الحيتان في مياه القطب الشمالي الغنية، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات النيتروجين 15 في البالين. وفي الشتاء يصومون أثناء سفرهم جنوبًا للتكاثر في وسط المحيط الأطلسي، ما يتسبب في انخفاض مستويات النيتروجين لديهم 15. ولكن في الوقت نفسه هناك حدود لما يمكن لنظائر النيتروجين أن تخبر به الباحثين. إذ يمكن أن يحدث تقلب مماثل بسبب التحول الغذائي من تناول الكريل بشكل أساسي إلى التهام أسراب كاملة من الرنجة. ولحل هذه الإشكالية، قام الفريق بفحص مكونات عينات البالين، بالتركيز على الأحماض الأمينية التي تُعد النواة الأساسية لنشأة البروتينات في البالين، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بظروف بيئية محددة أو فريسة معينة، ومن هنا، اكتشف الفريق أن التفضيلات الغذائية لجميع أنواع الحيتان ظلت ثابتة في كل عينة من عينات البالين، ما رجح أن يكون التغير في مستويات النيتروجين نتيجة الرحلات السنوية التي كانت تخوضها الحيتان في أنحاء المحيط الأطلسي.

وفقًا لـ "نادين ليسياك"، عالمة البيئة البحرية بجامعة سوفولك في بوسطن، والتي لم تشارك في الدراسة. فقد استخدمت تقنيات نظائر البالين المماثلة لتتبع حيتان شمال الأطلسي الصائبة المهددة بالانقراض، والتي غالبًا ما تصطدم بالقوارب أو تقع في شباك خطوط الصيد. تقول "ليسياك": "لدينا فهم جيد لسلوك الهجرة المعمم لديهم، ولكن لا تزال هناك ثغرات كبيرة في معرفتنا إلى أين تذهب هذه الحيتان على مدار العام، إذ أن النظائر المستقرة هي علامات طبيعية وعندما تقاس بشيء مثل البالين، فإنها توفر سجلاً مستمرًا لحركات الحيوان." في السياق ذاته يضيف "رايكنبرج" أن البالين يُمكن أن يساعد الباحثين في معالجة مجموعة من الأسئلة حول كيفية استجابة هؤلاء العمالقة لارتفاع درجات حرارة المحيطات، والتي تهدد بإلقاء شبكات الغذاء البحرية وأنماط الهجرة في حالة من الفوضى. هذا هو السبب في اعتقاده أن دراسة الحيتان على الشاطئ وتلك التي تصطدم بها السفن هي طريقة مهمة لمراقبة كيفية استجابة التمثيل الغذائي لها للبيئة المتغيرة. يقول: "هذه عينات انتهازية تكره رؤيتها، لكننا نستخدم مجموعة الحيوانات المؤرشفة لمعالجة ما يحدث لهذه الحيوانات قبل أن تجنح إلى الشاطئ".

المصدر: scientificamerican

 

بماذا يخبرنا البالين عن هجرة الحيتان؟

يحتوي البالين الذي يتدلى من فكي بعض أنواع الحيتان على أدلة حول هجراتها ووجباتها الغذائية.

عندما تتغذى معظم الحيتان الكبيرة - مثل الحيتان الزرقاء وحيتان المنك والحيتان الحدباء - فإنها لا تمضغ طعامها بالأسنان. وبدلاً من ذلك، يستخدمون مئات الصفائح البالينية التي تتدلى من فكهم العلوي مثل الستائر الشائكة لتصفية الفريسة الصغيرة من المحيط. في البداية تبتلع الحيتان كميات هائلة من مياه البحر في حلقها الضخم. ثم،يغلقون فكيهم ويضغطون على الماء من خلال البالين مثل معصرة  ضخمة. مع هروب المياه، تعلق أسماك الكريل والأسماك الصغيرة بشعيرات البالين. هذه الطريقة تستخدمها بعض الحيتان لتناول نحو 20 طنًا من المأكولات البحرية يوميًا.

يقدم البالين أيضًا العديد من البيانات البيئية المفيدة، وفقًا لدراسة جديدة توضح كيف يمكن أن تساعد تركيبته الكيميائية العلماء في إعادة بناء التفاصيل بدءًا من طرق هجرة الحيتان وصولًا إلى وجباتهم الغذائية. لتتبع الحيتان. يستخدم الباحثون عمومًا علامات الأقمار الصناعية – ولكن غالبًا تلك العلامات لها مساوئ. إذ أن تثبيتها يتطلب دبابيس ضخمة قد تؤذي الحيتان. يقول "فيليب ريكنبيرج" المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الكيمياء الجيولوجية الحيوية في المعهد الملكي الهولندي لأبحاث البحار: "يعد البالين سجلًا أفضل للنظر في تاريخ الحياة لأنه جزء صلب تم الاحتفاظ به لفترة طويلة نسبيًا".

ويشبه البالين فرشاة التنظيف الخشنة البالية، لكنه مصنوع من الكيراتين - نفس مادة أظافر الإنسان. ويعتبر الكيراتين متينًا ومرنًا، ما جعل البلين منتجًا ثانويًا شهيرًا لصيد الحيتان خلال القرن التاسع عشر. ففي أثناء رحلات صيد الحيتان، التي كانت تستهدف الحصول على زيتها، عَمَد البعض إلى استخدام البالين في إنتاج فُرش الشعر والمشدات.

ويتم دمج البروتينات والهرمونات وعناصر آخرى مثل الكربون والنيتروجين التي تحصل عليها الحيتان من غذائها في الطبقات المتعاقبة من الكيراتين التي تنمو من اللثة. يقول " ريكنبيرج":"عندما ينمو البالين مثل أظافر الأصابع، فإنه يتراكم بداخله إشارات على ما تأكله الحيتان". وتستمر هذه العملية طوال حياة الحوت. إذ يُمكن أن يصل طول البالين لدى الحوت البالغ أكثر من 14 قدمًا. كما توثق المصادر الأخرى، ومنها شمع أذن الحوت، الظروف البيئية المحيطة بالحوت مثل الملوثات، لكن شعيرات البالين تقدم لمحة لا مثيل لها عما تأكله هذه الكائنات وهو بدوره ما يوضح لنا الأماكن التي ارتادتها. ولقياس مدى دقة سجل البالين قام "ريكنبيرج" وفريق من العلماء في هولندا بفحص خمسة حيتان: ثلاثة حيتان زعنفية صغيرة، وحوت أحدب بالغ، وحوت منكي غير محدد العمر.

على عكس عينات الجلد، يجب جمع عينات البالين بعد نفوق الحيتان. يقول ريكنبيرج: "لا يمكنك الاقتراب لأخذ عينات من البالين من حوت حي". لذا اتجه الفريق البحثي لأخذ عينات صفائح البالين من الحيتان النافقة التي تقطعت بها السبل على الشواطئ الهولندية أو اصطدمت بالقوارب. وبالعودة إلى المختبر، تم تجميد ألواح البالين وتنظيفها وقياسها. ثم قام العلماء بحفر ثقوب منتظمة في المادة للبحث عن مسحوق الكيراتين. وأظهرت النتائج والتي نُشرت مؤخرًا في "Royal Society Open Science"، إمكانات البالين باعتبارها كبسولة زمنية بيئية. على سبيل المثال، مستويات النيتروجين النظير 15 - مقياس مفيد لتحديد ما هو موجود في قائمة حوت معين -وتحديد نمط هجرة كل حوت.  على سبيل. المثال خلال فصل الصيف، تغرق هذه الحيتان في مياه القطب الشمالي الغنية، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات النيتروجين 15 في البالين. وفي الشتاء يصومون أثناء سفرهم جنوبًا للتكاثر في وسط المحيط الأطلسي، ما يتسبب في انخفاض مستويات النيتروجين لديهم 15. ولكن في الوقت نفسه هناك حدود لما يمكن لنظائر النيتروجين أن تخبر به الباحثين. إذ يمكن أن يحدث تقلب مماثل بسبب التحول الغذائي من تناول الكريل بشكل أساسي إلى التهام أسراب كاملة من الرنجة. ولحل هذه الإشكالية، قام الفريق بفحص مكونات عينات البالين، بالتركيز على الأحماض الأمينية التي تُعد النواة الأساسية لنشأة البروتينات في البالين، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بظروف بيئية محددة أو فريسة معينة، ومن هنا، اكتشف الفريق أن التفضيلات الغذائية لجميع أنواع الحيتان ظلت ثابتة في كل عينة من عينات البالين، ما رجح أن يكون التغير في مستويات النيتروجين نتيجة الرحلات السنوية التي كانت تخوضها الحيتان في أنحاء المحيط الأطلسي.

وفقًا لـ "نادين ليسياك"، عالمة البيئة البحرية بجامعة سوفولك في بوسطن، والتي لم تشارك في الدراسة. فقد استخدمت تقنيات نظائر البالين المماثلة لتتبع حيتان شمال الأطلسي الصائبة المهددة بالانقراض، والتي غالبًا ما تصطدم بالقوارب أو تقع في شباك خطوط الصيد. تقول "ليسياك": "لدينا فهم جيد لسلوك الهجرة المعمم لديهم، ولكن لا تزال هناك ثغرات كبيرة في معرفتنا إلى أين تذهب هذه الحيتان على مدار العام، إذ أن النظائر المستقرة هي علامات طبيعية وعندما تقاس بشيء مثل البالين، فإنها توفر سجلاً مستمرًا لحركات الحيوان." في السياق ذاته يضيف "رايكنبرج" أن البالين يُمكن أن يساعد الباحثين في معالجة مجموعة من الأسئلة حول كيفية استجابة هؤلاء العمالقة لارتفاع درجات حرارة المحيطات، والتي تهدد بإلقاء شبكات الغذاء البحرية وأنماط الهجرة في حالة من الفوضى. هذا هو السبب في اعتقاده أن دراسة الحيتان على الشاطئ وتلك التي تصطدم بها السفن هي طريقة مهمة لمراقبة كيفية استجابة التمثيل الغذائي لها للبيئة المتغيرة. يقول: "هذه عينات انتهازية تكره رؤيتها، لكننا نستخدم مجموعة الحيوانات المؤرشفة لمعالجة ما يحدث لهذه الحيوانات قبل أن تجنح إلى الشاطئ".

المصدر: scientificamerican