حفظ الطبيعة

في خضم عام مليء بالصعوبات، كانت ثمة مكاسب مشجعة بشأن حِفظ الكنوز الطبيعية والثقافية. وأبرزت جهود إنقاذ الأنواع المعرضة للخطر وحماية المحيطات وتكريم الماضي.. آمالَنا وإنسانيتنا.

عندما شرعَت عائلةٌ مكونة من 16 فيلًا آسيويًا في التحرك شمالًا، لم يُعرَف إلى أين كانت تتجه أو لماذا. في البداية، لم يفكر أحدٌ في ذلك كثيرًا. فالأفيال تبتعد أحيانًا عن حدود "محمية شيشوانغبانا الطبيعية الوطنية" في إقليم يونّان بجنوب غرب الصين، لكنها دائمًا ما تعود.
لكن.. ليس هذه المرة. راحت الأفيال، على مرّ 16 شهرًا، تقتحم المحاصيل الزراعية، وتستحم في الوحل، وترتحل عبر الطرق مسافة 500 كيلومتر شمالًا إلى مدينة كونمينغ -عاصمة الإقليم- مترامية الأطراف التي يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة. وعلى طول رحلتها، صارت تنال شهرة عالمية.. وتشكل معضلة للمسؤولين الحكوميين. فلقد كانت الأفيال تُلحق أضرارًا بقيمة ناهزت نصف مليون دولار، وكان هناك خطر دائم يتمثل في إمكانية مهاجمة متفرج فضولي من قِبَل هذا الفيل أو ذاك.
كان الحل البسيط المطلوب هو تهدئة هذه الثدييات العملاقة وإعادتها إلى المحمية. لكن ذلك كان أمرًا محفوفًا بالمخاطر لدى مجموعة الأفيال هذه، وخاصة الثلاثة الرضيعة. بدلًا من ذلك، حشد المسؤولون فرقةَ طوارئ للحفاظ على سلامة الجميع، أفيالًا وبشرًا على حد سواء. وتتبعت درونات (طائرات مسيَّرة) حركات الأفيال وسكناتها؛ واستُخدمت أطنان من الذرة والأناناس والموز طُعمًا لاجتذابها بعيدًا عن المدن؛ إذ تم توجيهها نحو مسارات أكثر أمانًا باستخدام السياجات الكهربائية والحواجز الطرقية والمسارات الجديدة. شملت هذه الإجراءات مجتمعةً جهودَ عشرات الآلاف من الأشخاص بتكلفة عادلت مئات الآلاف من الدولارات.
في عام مزَّقهُ التغير المناخي والصراعات و"كوفيد19-"، قد يقول قائلٌ إن بذل الغالي والنفيس لأجل حِفظ سلامة عائلة من الأفيال كان إسرافًا وهدرًا للجهد. وقد يقول الشيءَ نفسَه بشأن البحث عن أنواع غير مكتشفة من الضفادع على جبال لم يسبق أن تسلقها أحد، أو تشييد متاحف جديدة، أو حشو الملاط في الشقوق المتآكلة لِـ"نُصب ستونهنج" الحجرية التي تعود إلى حقبة ما قبل التاريخ. لكن صون تراثنا الطبيعي والبشري -مثل جهودنا لعلاج الأمراض ووقف الحروب- أمرٌ يتعلق بتعزيز الخير ورعايته في العالم. نحن بحاجة إلى الحياة البرية والتحف العتيقة، تمامًا كمثل حاجتنا إلى الصحة والسلام. فهي تمثل مجتمعةً حجرَ الأساس لحياتنا، وتساعدنا في استخلاص العِبر من قصصنا الخاصة.. إنها ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
إنها ليست، بأي حال من الأحوال، لعبةً يخسر فيها طرفٌ بقدر ما يكسب الطرف الآخر. إذ يمكننا -مثالًا لا حصرًا- حماية الأفيال وصُنع اللقاحات. ويمكننا رأب صدوع "ستونهنج" وإغاثة منكوبي الكوارث. ولقد كان عام 2021 خيرَ دليل على ذلك. كانت جهود الحِفظ وما تزال نقاط ضوء ساطعة في سماء عامٍ مظلم. هذا لا يعني أن أزمة التنوع الحيوي قد مرت. فأنواع النبات والوحيش لا تزال تختفي بوتيرة تنذر بالخطر. والنُّظم البيئية ما انفكت تتهاوى. وينبغي أن نعترف بالضرر الذي نُحدِث، من التغير المناخي إلى قصف مواقع تاريخية يعود تاريخها إلى آلاف السنين. على أننا أيضًا فعلنا الشيءَ الكثير لحماية التراث العالمي. إذ حذفنا التونة "الأطلسية زرقاء الزعانف" من قائمة الأنواع المهددة بالانقراض. وأَعدنا النظر في خطط التنقيب عن النفط في محمية بالقطب الشمالي. وشهِدنا آلاف القطع الأثرية المنهوبة تُعاد إلى العراق وأغراضًا مقدسة تُعاد إلى شعب "أرينتي" في وسط أستراليا. ونجحنا في إقناع عائلة من الأفيال بالعودة إلى ديارها سالمةً من رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر. تقول مستكشفة ناشيونال جيوغرافيك، "غلاديس كاليما-زيكوسوكا"، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمنظمة "Conservation through Public Health" (حفظ الطبيعة عبر الصحة العامة): "مع دنو عام 2021 من نهايته، ينتابني تخوف إزاء حالة الطبيعة؛ ولكني متفائلة أيضًا". وتعمل هذه المنظمة الأوغندية غير الربحية على دعم حِفظ الغوريلا وصحة المجتمعات وسبُل عيش مستدامة للسكان الذين يعيشون على مقربة من المنتزهات والمحميات الوطنية. وتُضيف قائلةً: "أنا متخوفة لأن الأخطار التي تهدد الطبيعة لا تنفك تتنامى"، لكنني "متفائلة لأن أنماط الطقس الشديدة التي نَشهد وصدمة الجائحة تؤدي إلى تنامي الوعي بهذه المخاطر والحاجة إلى التصدي لها".  بحلول نوفمبر الماضي، كانت عائلة الأفيال في الصين قد قفلت عائدة إلى ديارها وهي بخير وعافية، على حدّ تعبير "الإدارة الوطنية للغابات والمراعي". وليس واضحًا حتى اليوم سبب مغادرتها في الأصل، على أن إحدى الفرضيات تقول إنه مع زيادة أعداد الأفيال في إقليم يونّان، ارتأت تلك العائلة توسيع حوزة أراضيها. يمكن عدّ ذلك خبرًا سارًّا لهذا النوع من الأفيال المهدد بالانقراض. لكن قصة رحلة تلك العائلة تُظهر شيئًا آخر أيضًا؛ وهو أنه ثمة عُروة وُثقى بين العالم الذي أنشأنا بأيدينا وعالم الطبيعة.. في السراء والضراء.

حفظ الطبيعة

في خضم عام مليء بالصعوبات، كانت ثمة مكاسب مشجعة بشأن حِفظ الكنوز الطبيعية والثقافية. وأبرزت جهود إنقاذ الأنواع المعرضة للخطر وحماية المحيطات وتكريم الماضي.. آمالَنا وإنسانيتنا.

عندما شرعَت عائلةٌ مكونة من 16 فيلًا آسيويًا في التحرك شمالًا، لم يُعرَف إلى أين كانت تتجه أو لماذا. في البداية، لم يفكر أحدٌ في ذلك كثيرًا. فالأفيال تبتعد أحيانًا عن حدود "محمية شيشوانغبانا الطبيعية الوطنية" في إقليم يونّان بجنوب غرب الصين، لكنها دائمًا ما تعود.
لكن.. ليس هذه المرة. راحت الأفيال، على مرّ 16 شهرًا، تقتحم المحاصيل الزراعية، وتستحم في الوحل، وترتحل عبر الطرق مسافة 500 كيلومتر شمالًا إلى مدينة كونمينغ -عاصمة الإقليم- مترامية الأطراف التي يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة. وعلى طول رحلتها، صارت تنال شهرة عالمية.. وتشكل معضلة للمسؤولين الحكوميين. فلقد كانت الأفيال تُلحق أضرارًا بقيمة ناهزت نصف مليون دولار، وكان هناك خطر دائم يتمثل في إمكانية مهاجمة متفرج فضولي من قِبَل هذا الفيل أو ذاك.
كان الحل البسيط المطلوب هو تهدئة هذه الثدييات العملاقة وإعادتها إلى المحمية. لكن ذلك كان أمرًا محفوفًا بالمخاطر لدى مجموعة الأفيال هذه، وخاصة الثلاثة الرضيعة. بدلًا من ذلك، حشد المسؤولون فرقةَ طوارئ للحفاظ على سلامة الجميع، أفيالًا وبشرًا على حد سواء. وتتبعت درونات (طائرات مسيَّرة) حركات الأفيال وسكناتها؛ واستُخدمت أطنان من الذرة والأناناس والموز طُعمًا لاجتذابها بعيدًا عن المدن؛ إذ تم توجيهها نحو مسارات أكثر أمانًا باستخدام السياجات الكهربائية والحواجز الطرقية والمسارات الجديدة. شملت هذه الإجراءات مجتمعةً جهودَ عشرات الآلاف من الأشخاص بتكلفة عادلت مئات الآلاف من الدولارات.
في عام مزَّقهُ التغير المناخي والصراعات و"كوفيد19-"، قد يقول قائلٌ إن بذل الغالي والنفيس لأجل حِفظ سلامة عائلة من الأفيال كان إسرافًا وهدرًا للجهد. وقد يقول الشيءَ نفسَه بشأن البحث عن أنواع غير مكتشفة من الضفادع على جبال لم يسبق أن تسلقها أحد، أو تشييد متاحف جديدة، أو حشو الملاط في الشقوق المتآكلة لِـ"نُصب ستونهنج" الحجرية التي تعود إلى حقبة ما قبل التاريخ. لكن صون تراثنا الطبيعي والبشري -مثل جهودنا لعلاج الأمراض ووقف الحروب- أمرٌ يتعلق بتعزيز الخير ورعايته في العالم. نحن بحاجة إلى الحياة البرية والتحف العتيقة، تمامًا كمثل حاجتنا إلى الصحة والسلام. فهي تمثل مجتمعةً حجرَ الأساس لحياتنا، وتساعدنا في استخلاص العِبر من قصصنا الخاصة.. إنها ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
إنها ليست، بأي حال من الأحوال، لعبةً يخسر فيها طرفٌ بقدر ما يكسب الطرف الآخر. إذ يمكننا -مثالًا لا حصرًا- حماية الأفيال وصُنع اللقاحات. ويمكننا رأب صدوع "ستونهنج" وإغاثة منكوبي الكوارث. ولقد كان عام 2021 خيرَ دليل على ذلك. كانت جهود الحِفظ وما تزال نقاط ضوء ساطعة في سماء عامٍ مظلم. هذا لا يعني أن أزمة التنوع الحيوي قد مرت. فأنواع النبات والوحيش لا تزال تختفي بوتيرة تنذر بالخطر. والنُّظم البيئية ما انفكت تتهاوى. وينبغي أن نعترف بالضرر الذي نُحدِث، من التغير المناخي إلى قصف مواقع تاريخية يعود تاريخها إلى آلاف السنين. على أننا أيضًا فعلنا الشيءَ الكثير لحماية التراث العالمي. إذ حذفنا التونة "الأطلسية زرقاء الزعانف" من قائمة الأنواع المهددة بالانقراض. وأَعدنا النظر في خطط التنقيب عن النفط في محمية بالقطب الشمالي. وشهِدنا آلاف القطع الأثرية المنهوبة تُعاد إلى العراق وأغراضًا مقدسة تُعاد إلى شعب "أرينتي" في وسط أستراليا. ونجحنا في إقناع عائلة من الأفيال بالعودة إلى ديارها سالمةً من رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر. تقول مستكشفة ناشيونال جيوغرافيك، "غلاديس كاليما-زيكوسوكا"، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمنظمة "Conservation through Public Health" (حفظ الطبيعة عبر الصحة العامة): "مع دنو عام 2021 من نهايته، ينتابني تخوف إزاء حالة الطبيعة؛ ولكني متفائلة أيضًا". وتعمل هذه المنظمة الأوغندية غير الربحية على دعم حِفظ الغوريلا وصحة المجتمعات وسبُل عيش مستدامة للسكان الذين يعيشون على مقربة من المنتزهات والمحميات الوطنية. وتُضيف قائلةً: "أنا متخوفة لأن الأخطار التي تهدد الطبيعة لا تنفك تتنامى"، لكنني "متفائلة لأن أنماط الطقس الشديدة التي نَشهد وصدمة الجائحة تؤدي إلى تنامي الوعي بهذه المخاطر والحاجة إلى التصدي لها".  بحلول نوفمبر الماضي، كانت عائلة الأفيال في الصين قد قفلت عائدة إلى ديارها وهي بخير وعافية، على حدّ تعبير "الإدارة الوطنية للغابات والمراعي". وليس واضحًا حتى اليوم سبب مغادرتها في الأصل، على أن إحدى الفرضيات تقول إنه مع زيادة أعداد الأفيال في إقليم يونّان، ارتأت تلك العائلة توسيع حوزة أراضيها. يمكن عدّ ذلك خبرًا سارًّا لهذا النوع من الأفيال المهدد بالانقراض. لكن قصة رحلة تلك العائلة تُظهر شيئًا آخر أيضًا؛ وهو أنه ثمة عُروة وُثقى بين العالم الذي أنشأنا بأيدينا وعالم الطبيعة.. في السراء والضراء.