المنـاخ

حرائق غابات هائلة، وموجات جفاف، وحرارة غير مسبوقة، وذوبان أنهار جليدية، وارتفاع منسوب البحار، وعواصف شديدة.. لقد ظلت أجراس الإنذار تدق منذ أعوام، لكن عام 2021 أظهر أن تغير المناخ موجود بين ظهرانينا ولا يمكن تجاهله.

كافحنا منذ عقود لكبح جماح التغير المناخي، كانت هناك لحظات بَدت لنا حينها مثل نقاط تحول إيجابية. ففي عام 1992، وقّعت دول العالم، وسط صخب إعلامي كبير، على معاهدة في مدينة ريو دي جانيرو حمَلت تباشير مرحلة جديدة من العمل. وفي عام 2015، تعهدت الدول في باريس، بعد مفاوضات أثارت كثيرًا من الجدل والخلاف، باعتماد خطط وطنية للحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحـراري. ومـع ذلك، استمــرت انبعـاثـات الكربون من الوقود الأحفوري في الارتفاع على الصعيد العالمي.. حتى عام 2020 إذ انخفضت بنسبة بلغت 7 بالمئة نتيجة لانخفاض استخدام الوقود الأحفوري أثناء عمليات الإغلاق بسبب "كوفيد19-". 
ولكن في عام 2021، بدأت الانبعاثات تتصاعد مجددًا، واستعر النقاش العام أيضًا بشأن التغير المناخي. ففي شهر سبتمبر، وبعد صيف حافل بالظواهر المناخية الشديدة التي تسببت بحالات من الدمار والموت، أظهر استطلاع للرأي أجرته "جامعة ييل" و"جامعة جورج مايسون" أول مرة أن غالبية الأميركيين باتوا يرون أنهم يتضررون من التغير المناخي.. حاليًا. فهل يمثل عام 2021 أخيرًا نقطة تحول في الرأي العام بشأن المناخ؟ لمعرفة ذلك، تحدثت أنا ومراسلة ناشيونال جيوغرافيك "أليخاندرا بوروندا" إلى المراقبتين الخبيرتين: "كاثرين هايهو"، عالمة المناخ لدى "جامعة تكساس للتقنية" وكبيرة العلماء في منظمة "صون الطبيعة" ومؤلفة كتاب "إنقاذنا" (Saving Us)؛ و"كاثَرين ويلكنسون"، كاتبة ذات مؤلفات رائجة ومدوِّنة صوتية ومحررة مشاركة لكتاب "كل ما يمكننا إنقاذه" (All We Can Save) الذي يحوي بين دفتيه مقالات عن المناخ بأقلام نسائية.

كونزيغ: أليخـانـدرا، لقـد واصـل الطقـس في هذا العام إيجاد طُرق جديدة لترويعنا.
بوروندا: إنـه استمـرار لمنـحى نحـو مـزيد من الظواهـر الشـديـدة غيـر المعهـودة. فهنـا في كاليفورنيا، اتضح في وقت جد مبكر [من عام 2021] أنه سيكون عام جفاف شديد وربما عام حرارة شديدة. فكنا نعاين نضوب مجاري المياه، ونفوق صغار السلمون، وجفاف الآبار. وعندما بدأ موسم الحرارة، عاينَّا موجات حر غير مسبوقة على الإطلاق في شمال غرب المحيط الهادي. ثم اندلعت الحرائق، وهو أمر آخر اعتدناه. والحال أننا لا نتحدث هنا إلا عن الغرب الأميركي، إذ إن أمورًا أخرى تقع في جميع أنحاء الكوكب: فيضانات مدمرة في أوروبا والصين أودت بحياة المئات وكذا في مناطق -خلال إعصار "إيدا"- تمتد من ساحل الخليج الأميركي وصولا إلى الشمال الشرقي. ففي كل عام، نقوم بصفتنا مراسلين لشؤون المناخ بفهرسة الكوارث.

هايهو: إن ما بدأنا نتمكن من عمله -نحن العلماء- هو وضع أرقام تمثل مقدار السوء الذي يضيفه التغير المناخي إلى أحداث بعينها. وهي أرقام تبعث على الرعب. فمع الفيضانات المميتة التي اجتاحت ألمانيا، أوضحت دراسة العَزْو السببي أن احتمال حدوثها قد ازداد بتسعة أضعاف نتيجة للتغير المناخي. ومع حرائق الغابات وانتشار موجات الحر الشديد في الغرب، فإن احتمال حدوثها فاق 150 مرة. وأرى أن أفضل طريقة لتوصيف ما يحدث لا تتلخص في الاحترار العالمي؛ بل في الغرابة العالمية. فمن الأكيد أن الأمور أضحت تزداد غرابة على غرابة.

كونزيغ: كاثرين ويلكينسون، لقد تحدثتِ في الماضي عن "صحوة كبيرة" للرأي العام. فهل يحدث ذلك فعلا؟

ويلكينسون: في الواقع، إن الزخم المتعاظم لأحداث الطقس الشديدة يتوازى مع ما نشهد من انخراط عامّ للناس على نطاق واسع. إذ أرى أن عددًا متزايدًا من الأفراد يسألون: ما الذي يمكنني فعله؟ كيف يمكنني أن أقدم المساعدة؟ لذا ينصَبُّ كثيرٌ من عملي حاليًا حول محاولة مساعدة الناس على المشاركة في هذا التحول العظيم.
كونزيغ: سبق لكِ أن كتبتِ ذات مرة جملة عن كل هذه الأمور استرعت انتباهي حقًا، وهي: "إنه لأمر رائع أن يظل المرء حيًا ليعايش لحظة مهمة للغاية". ولطالما تساءلت إنْ كنا ننقل هذه الإثارة بصفتنا صحافيين. كاثرين هايهو، هل تنشغلين بذلك؟

هايهو: أتابع هذا الأمر بانشغال كبير، حتى إنّي ألَّفت كتابًا مخصصًا بالكامل لهذا الموضوع، وهو " إنقاذنا". ففي خضم التغير المناخي، نشعر أن كاهلنا مثقل بالقصص المليئة بالموت والدمار والتي لا علاقة لها بنا، ومن ثم نقطع كل صلة بها. فنقول، "حسنًا، لا يمكنني فعل أي شيء لإنقاذ الدببة القطبية". والحال أننا نحتاج في الواقع إلى قصص عن كيفية تأثير التغير المناخي فينا بطرق تُشعرنا بصلتنا المباشرة به.. وقصص عن جميع الحلول الرائعة الموجودة.
لكن ذلك [حل التغير المناخي] لا يقتصر على الإعلام فحسب، بل إن الأمر متروك لنا جميعًا. فالسبب في اختفاء العبودية اليوم، والسبب الذي يمكِّن المرأة من التصويت، وسبب إقرار قانون الحقوق المدنية هو أن عامة الناس قرروا أن العالم يجب أن يتغير. ينبغي لنا أن نبث النشاط في كل فرد منا.

كونزيغ: ما الذي كان مصدر إلهامك في الآونة الأخيرة؟

بوروندا: إنها تقارير عن الظل في لوس أنجلوس. فلبعض المجتمعات عدد هائل من الأشجار، فيما مجتمعات أخرى ليس لديها سوى عدد قليل. وقد تسنّى لي قضاء بعض الوقت مع أشخاص يحاولون حل هذه المشكلة، شباب يزرعون الأشجار في مجتمعاتهم المحلية وكأنّ لسان حالهم يقول: سأنجز شيئًا هنا، في مكان يهمني، وللأشخاص الذين أهتم بهم.

هايهو: أقيم في عام 2021، خلال الجائحة، معرض افتراضي للعلوم. وفاز فريق من طلاب الصف السادس بولاية تكساس -حيث أعيش- في مسابقة وطنية لمشروع يُعنى بكيفية إعادة الكربون إلى التربة. فقد طوروا برنامجًا لتوعية المزارعين المحليين بشأن الزراعة بلا حراثة والممارسات الزراعية المتجددة. فلئن تمكن طلاب الصف السادس من إحداث الفارق وإذكاء الوعي ليجعلوا من المزارعين أبطالا في الحلول المناخية، ألا يستطيع الجميع القيام بذلك؟
وعندما ألقي نظرة إلى الصورة الأشمل، تتكشف حقيقة تفيد أن 90 بالمئة من الطاقة الجديدة المُركبة على مستوى العالم خلال تفشي الجائحة عام 2020، كانت طاقة نظيفة. ويُدرك المرء حينها أن التصدي للمناخ ليس كمثل صخرة عملاقة تقبع في أسفل تل شديد الانحدار، بل إنها في أعلى التل، وملايين السواعد تعمل على دفع تلك الصخرة إلى أسفل التل، في الاتجاه الصحيح. وكل ما نحن بحاجة إليه هو.. مزيد من السواعد.

المنـاخ

حرائق غابات هائلة، وموجات جفاف، وحرارة غير مسبوقة، وذوبان أنهار جليدية، وارتفاع منسوب البحار، وعواصف شديدة.. لقد ظلت أجراس الإنذار تدق منذ أعوام، لكن عام 2021 أظهر أن تغير المناخ موجود بين ظهرانينا ولا يمكن تجاهله.

كافحنا منذ عقود لكبح جماح التغير المناخي، كانت هناك لحظات بَدت لنا حينها مثل نقاط تحول إيجابية. ففي عام 1992، وقّعت دول العالم، وسط صخب إعلامي كبير، على معاهدة في مدينة ريو دي جانيرو حمَلت تباشير مرحلة جديدة من العمل. وفي عام 2015، تعهدت الدول في باريس، بعد مفاوضات أثارت كثيرًا من الجدل والخلاف، باعتماد خطط وطنية للحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحـراري. ومـع ذلك، استمــرت انبعـاثـات الكربون من الوقود الأحفوري في الارتفاع على الصعيد العالمي.. حتى عام 2020 إذ انخفضت بنسبة بلغت 7 بالمئة نتيجة لانخفاض استخدام الوقود الأحفوري أثناء عمليات الإغلاق بسبب "كوفيد19-". 
ولكن في عام 2021، بدأت الانبعاثات تتصاعد مجددًا، واستعر النقاش العام أيضًا بشأن التغير المناخي. ففي شهر سبتمبر، وبعد صيف حافل بالظواهر المناخية الشديدة التي تسببت بحالات من الدمار والموت، أظهر استطلاع للرأي أجرته "جامعة ييل" و"جامعة جورج مايسون" أول مرة أن غالبية الأميركيين باتوا يرون أنهم يتضررون من التغير المناخي.. حاليًا. فهل يمثل عام 2021 أخيرًا نقطة تحول في الرأي العام بشأن المناخ؟ لمعرفة ذلك، تحدثت أنا ومراسلة ناشيونال جيوغرافيك "أليخاندرا بوروندا" إلى المراقبتين الخبيرتين: "كاثرين هايهو"، عالمة المناخ لدى "جامعة تكساس للتقنية" وكبيرة العلماء في منظمة "صون الطبيعة" ومؤلفة كتاب "إنقاذنا" (Saving Us)؛ و"كاثَرين ويلكنسون"، كاتبة ذات مؤلفات رائجة ومدوِّنة صوتية ومحررة مشاركة لكتاب "كل ما يمكننا إنقاذه" (All We Can Save) الذي يحوي بين دفتيه مقالات عن المناخ بأقلام نسائية.

كونزيغ: أليخـانـدرا، لقـد واصـل الطقـس في هذا العام إيجاد طُرق جديدة لترويعنا.
بوروندا: إنـه استمـرار لمنـحى نحـو مـزيد من الظواهـر الشـديـدة غيـر المعهـودة. فهنـا في كاليفورنيا، اتضح في وقت جد مبكر [من عام 2021] أنه سيكون عام جفاف شديد وربما عام حرارة شديدة. فكنا نعاين نضوب مجاري المياه، ونفوق صغار السلمون، وجفاف الآبار. وعندما بدأ موسم الحرارة، عاينَّا موجات حر غير مسبوقة على الإطلاق في شمال غرب المحيط الهادي. ثم اندلعت الحرائق، وهو أمر آخر اعتدناه. والحال أننا لا نتحدث هنا إلا عن الغرب الأميركي، إذ إن أمورًا أخرى تقع في جميع أنحاء الكوكب: فيضانات مدمرة في أوروبا والصين أودت بحياة المئات وكذا في مناطق -خلال إعصار "إيدا"- تمتد من ساحل الخليج الأميركي وصولا إلى الشمال الشرقي. ففي كل عام، نقوم بصفتنا مراسلين لشؤون المناخ بفهرسة الكوارث.

هايهو: إن ما بدأنا نتمكن من عمله -نحن العلماء- هو وضع أرقام تمثل مقدار السوء الذي يضيفه التغير المناخي إلى أحداث بعينها. وهي أرقام تبعث على الرعب. فمع الفيضانات المميتة التي اجتاحت ألمانيا، أوضحت دراسة العَزْو السببي أن احتمال حدوثها قد ازداد بتسعة أضعاف نتيجة للتغير المناخي. ومع حرائق الغابات وانتشار موجات الحر الشديد في الغرب، فإن احتمال حدوثها فاق 150 مرة. وأرى أن أفضل طريقة لتوصيف ما يحدث لا تتلخص في الاحترار العالمي؛ بل في الغرابة العالمية. فمن الأكيد أن الأمور أضحت تزداد غرابة على غرابة.

كونزيغ: كاثرين ويلكينسون، لقد تحدثتِ في الماضي عن "صحوة كبيرة" للرأي العام. فهل يحدث ذلك فعلا؟

ويلكينسون: في الواقع، إن الزخم المتعاظم لأحداث الطقس الشديدة يتوازى مع ما نشهد من انخراط عامّ للناس على نطاق واسع. إذ أرى أن عددًا متزايدًا من الأفراد يسألون: ما الذي يمكنني فعله؟ كيف يمكنني أن أقدم المساعدة؟ لذا ينصَبُّ كثيرٌ من عملي حاليًا حول محاولة مساعدة الناس على المشاركة في هذا التحول العظيم.
كونزيغ: سبق لكِ أن كتبتِ ذات مرة جملة عن كل هذه الأمور استرعت انتباهي حقًا، وهي: "إنه لأمر رائع أن يظل المرء حيًا ليعايش لحظة مهمة للغاية". ولطالما تساءلت إنْ كنا ننقل هذه الإثارة بصفتنا صحافيين. كاثرين هايهو، هل تنشغلين بذلك؟

هايهو: أتابع هذا الأمر بانشغال كبير، حتى إنّي ألَّفت كتابًا مخصصًا بالكامل لهذا الموضوع، وهو " إنقاذنا". ففي خضم التغير المناخي، نشعر أن كاهلنا مثقل بالقصص المليئة بالموت والدمار والتي لا علاقة لها بنا، ومن ثم نقطع كل صلة بها. فنقول، "حسنًا، لا يمكنني فعل أي شيء لإنقاذ الدببة القطبية". والحال أننا نحتاج في الواقع إلى قصص عن كيفية تأثير التغير المناخي فينا بطرق تُشعرنا بصلتنا المباشرة به.. وقصص عن جميع الحلول الرائعة الموجودة.
لكن ذلك [حل التغير المناخي] لا يقتصر على الإعلام فحسب، بل إن الأمر متروك لنا جميعًا. فالسبب في اختفاء العبودية اليوم، والسبب الذي يمكِّن المرأة من التصويت، وسبب إقرار قانون الحقوق المدنية هو أن عامة الناس قرروا أن العالم يجب أن يتغير. ينبغي لنا أن نبث النشاط في كل فرد منا.

كونزيغ: ما الذي كان مصدر إلهامك في الآونة الأخيرة؟

بوروندا: إنها تقارير عن الظل في لوس أنجلوس. فلبعض المجتمعات عدد هائل من الأشجار، فيما مجتمعات أخرى ليس لديها سوى عدد قليل. وقد تسنّى لي قضاء بعض الوقت مع أشخاص يحاولون حل هذه المشكلة، شباب يزرعون الأشجار في مجتمعاتهم المحلية وكأنّ لسان حالهم يقول: سأنجز شيئًا هنا، في مكان يهمني، وللأشخاص الذين أهتم بهم.

هايهو: أقيم في عام 2021، خلال الجائحة، معرض افتراضي للعلوم. وفاز فريق من طلاب الصف السادس بولاية تكساس -حيث أعيش- في مسابقة وطنية لمشروع يُعنى بكيفية إعادة الكربون إلى التربة. فقد طوروا برنامجًا لتوعية المزارعين المحليين بشأن الزراعة بلا حراثة والممارسات الزراعية المتجددة. فلئن تمكن طلاب الصف السادس من إحداث الفارق وإذكاء الوعي ليجعلوا من المزارعين أبطالا في الحلول المناخية، ألا يستطيع الجميع القيام بذلك؟
وعندما ألقي نظرة إلى الصورة الأشمل، تتكشف حقيقة تفيد أن 90 بالمئة من الطاقة الجديدة المُركبة على مستوى العالم خلال تفشي الجائحة عام 2020، كانت طاقة نظيفة. ويُدرك المرء حينها أن التصدي للمناخ ليس كمثل صخرة عملاقة تقبع في أسفل تل شديد الانحدار، بل إنها في أعلى التل، وملايين السواعد تعمل على دفع تلك الصخرة إلى أسفل التل، في الاتجاه الصحيح. وكل ما نحن بحاجة إليه هو.. مزيد من السواعد.