كوفيد

طوّح بنا الوباء عام 2021 في دوّامات من الألم والأمل. فما إن جاءت اللقاحات الجديدة لتبعثَ فينا الأمل وتعيد الحياة إلى طبيعتها، حتى اصطدمت جهود التطعيم بالمعلومات المغلوطة ونقص الإمدادات.

كان فرص ضائعة: أدت سلالات الفيروس الجديدة وميزان اللقاحات المختل إلى تأخير عودة الحياة إلى طبيعتها.
كان من المفترض أن يكون عام نصر مبين.. عام نهزم فيه "كوفيد19-". فاللقاحات الثورية–التي تم ابتكارها بسرعة فائقة بفضل التقنية الوراثية التي ما فتئت تتطور منذ عقود– كانت توزَّع على أوسع نطاق، معلنةً أكبر حملة تطعيم عالمية في التاريخ. وكان من شأن إجراءات الإغلاق والحجر المنزلي وارتداء الأقنعة الواقية والجنازات قليلة الحضور أن تفسح المجال لفتح الحدود الدولية، ولمّ شمل العائلات، وانتعاش الاقتصادات.. لتعود الحياة إلى طبيعتها في عام 2021. 
لكن ما لم نكن نعلمه هو أن حملة التطعيم سوف تتعثر. ففي الولايات المتحدة -مثلًا- رفض ملايين الأشخاص اللقاحات، على الرغم من موجة إصابات قاتلة في الشتاء أعقبتها أخرى في الصيف. وأثار العلماء الشكوك باكتشافاتهم المتكررة وتوصياتهم التي ما انفكت تخضع للمراجعة والتعديل. ثم سرعان ما انتشرت المعلومات المغلوطة والعلاجات الشعبية الزائفة سرعةَ انتشار الفيروس. وتم استنكار اللقاحات بوصفها شكلًا من أشكال الرقابة الحكومية؛ وعدّت الأقنعة الواقية انتهاكًا للحرية الشخصية. وللمفارقة، في كثير من أنحاء العالم، كانت اللقاحات بكل بساطة -ومأساوية- غير متوافرة.  
وبينمـا أهـدرنا الفرصـة لتحقيــق المــاعة الجماعيــة (أو مناعـــة القطيـــع)، استــغل الفيروس الوضع. إذ تكاثر "سارس-كوف2-"
(SARS-CoV-2، وهو الاسم العلمي للفيروس)، مما أسفر عن ظهور طفرات لا حصر لها. فقد منح كلُّ تغيّر وراثي (أي جيني)، فرصةً للفيروس كي يزداد فتكًا؛ لينفلت من جهاز المناعة، ويصيب الخلايا على نحو أسهل، ويُحدث مرضًا أخطر، وينتشر عبر الحدود. وفي المحصلة، غَدونا تحت رحمة انتقاء طبيعي فائق السرعة.  
وهكذا بدأ ظهور المتحورات الفيروسية: "ألْفا" في المملكة المتحدة و"بِيتا" في جنوب إفريقيا و"غاما" في البرازيل و"دلتا" في الهند ثم "أوميكرون" بجنوب إفريقيا.  
كان "دلتا" أكثر عدوى وربما أشد فتكًا من كل أسلافه، وقد اجتاح الهند -الثانية كبرًا من حيث عدد السكان في العالم- بشراسة لا هوادة فيها؛ إذ أرهق العاملين في المجال الصحي، وملأ المستشفيات بالمرضى المحمومين وناقصي الأوكسجين، وأرسل الجثث إلى محارق ظلت نيرانها متقدة بالجنائز على مدار الساعة. 
وفي متم أغسطس 2021، أصبح "دلتا" المتحورَ السائد في أنحاء العالم، وبحلول شهر سبتمبر، كان قد رفع حصيلة الوفيات في الولايات المتحدة إلى رقم تجاوز حصيلة الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918؛ مما جعل "كوفيد19-" الوباءَ الأشد فتكًا في تاريخ هذا البلد. فما إن حل شهر نوفمبر حتى تجاوز عدد وفيات الأميركيين 750 ألف شخص. لكن هذا الفيروس التاجي نزل بثقل أشد على مجتمعات بعينها أكثر من غيرها داخل أميركا؛ فقد مات بمعدلات هي الأعلى على الإطلاق: الهنود الأصليون، وذوو الأصول الإسبانية، والسود. 
وكشفت الجائحة عن تفاوت صحي صارخ آخر يخص فجوة اللقاحات على مستوى العالم: وفرة في البلدان حيث رفضها الناس، ونقص -أو غياب- في البلدان حيث احتاج الناس إليها. فبعد مُضي تسعة أشهر على اعتماد أول لقاح مضاد لـ "كوفيد19-"، تم استهلاك أكثر من 80 بالمئة من مجموع الحقنات في البلدان ذات الدخلين المرتفع والمتوسط. وبينما كان الناس في الدول الفقيرة بانتظار حقنتهم الأولى، كانت الدول الثرية تعتمد حقنات داعمة لمصلحة الأفراد المطعَّمين سلفًا. 
النتيجة: مات ملايين الأشخاص حول العالم من جرّاء مرض يمكن اتّقاؤه في معظم الحالات بحقنة لقاح واحدة أو اثنتين.  
ولكن حتى بتوزيع اللقاحات على أوسع نطاق، قد لا نتخلص تمامًا من هذا الفيروس مدى الحياة. فالفيروسات التاجية الأربعة المسببة لنزلات البرد متوطنة مزمنة، وكذلك شأن الفيروسات سليلة الفيروس الذي تسبب بالإنفلونزا الإسبانية التي أودت بحياة 50 مليون شخص عبر العالم.  
ويرجح الخبراء بقوة أن الفيروس التاجي "سارس-كوف2-" سيستمر ويتطور وينتشر على مرّ أعوام مقبلة. ولكن مع تطور المناعة لدى الناس، ستنحسر دائرة تفشي الفيروس وتخف حدة المرض الذي يتسبب به. لن نكون في ورطة بسبب الفيروس فحسب ولكن أيضًا بما خلّف من تركة مروّعة وعصيّة على الفهم؛ ذلك أن 10 إلى 30 بالمئة من مئات ملايين المصابين قد يعانون أعراضًا طويلة الأمد يُحتمَل أن تكون موهنة. إذ سيتطلب ما يسمى "كوفيد المديد" (والذي يشمل طائفة علل تتراوح بين ضبابية الدماغ وفقدان الذاكرة والتعب، وضعف الانتصاب وتغيرات الدورة الشهرية وفقدان الشم والذوق) علاجات جديدة. في غضون ذلك، طالما أن العديد مِنّا غير محصّن ضد الوباء، فلن يكون أيٌّ منا بمأمن. فالأشخاص غير المطعّمين يوفرون خزانًا لظهور طفرات جديدة. لذا من الضروري إقناع أولئك الذين يترددون في الحصول على اللقاح –والذي يمنح مناعة أكبر ضد الإصابة بمرض "كوفيد19-"– وكذا إيصال اللقاحات حتى إلى أقصى المجتمعات النائية. وتتوقع "كوفاكس" (COVAX)، وهي مبادرة متعددة الجنسيات تستهدف توفير اللقاحات في كل مكان، أن تصل إلى ملياري حقنة في وقت مبكر من عام 2022.إنها خطوة في الاتجاه الصحيح. ولكن كما أظهر لنا عام 2021، وكما عَلَّمنا متحور "دلتا"، فإن الفيروس لا يهتم بجدولنا الزمني أو إجراءاتنا وقوانيننا.

كوفيد

طوّح بنا الوباء عام 2021 في دوّامات من الألم والأمل. فما إن جاءت اللقاحات الجديدة لتبعثَ فينا الأمل وتعيد الحياة إلى طبيعتها، حتى اصطدمت جهود التطعيم بالمعلومات المغلوطة ونقص الإمدادات.

كان فرص ضائعة: أدت سلالات الفيروس الجديدة وميزان اللقاحات المختل إلى تأخير عودة الحياة إلى طبيعتها.
كان من المفترض أن يكون عام نصر مبين.. عام نهزم فيه "كوفيد19-". فاللقاحات الثورية–التي تم ابتكارها بسرعة فائقة بفضل التقنية الوراثية التي ما فتئت تتطور منذ عقود– كانت توزَّع على أوسع نطاق، معلنةً أكبر حملة تطعيم عالمية في التاريخ. وكان من شأن إجراءات الإغلاق والحجر المنزلي وارتداء الأقنعة الواقية والجنازات قليلة الحضور أن تفسح المجال لفتح الحدود الدولية، ولمّ شمل العائلات، وانتعاش الاقتصادات.. لتعود الحياة إلى طبيعتها في عام 2021. 
لكن ما لم نكن نعلمه هو أن حملة التطعيم سوف تتعثر. ففي الولايات المتحدة -مثلًا- رفض ملايين الأشخاص اللقاحات، على الرغم من موجة إصابات قاتلة في الشتاء أعقبتها أخرى في الصيف. وأثار العلماء الشكوك باكتشافاتهم المتكررة وتوصياتهم التي ما انفكت تخضع للمراجعة والتعديل. ثم سرعان ما انتشرت المعلومات المغلوطة والعلاجات الشعبية الزائفة سرعةَ انتشار الفيروس. وتم استنكار اللقاحات بوصفها شكلًا من أشكال الرقابة الحكومية؛ وعدّت الأقنعة الواقية انتهاكًا للحرية الشخصية. وللمفارقة، في كثير من أنحاء العالم، كانت اللقاحات بكل بساطة -ومأساوية- غير متوافرة.  
وبينمـا أهـدرنا الفرصـة لتحقيــق المــاعة الجماعيــة (أو مناعـــة القطيـــع)، استــغل الفيروس الوضع. إذ تكاثر "سارس-كوف2-"
(SARS-CoV-2، وهو الاسم العلمي للفيروس)، مما أسفر عن ظهور طفرات لا حصر لها. فقد منح كلُّ تغيّر وراثي (أي جيني)، فرصةً للفيروس كي يزداد فتكًا؛ لينفلت من جهاز المناعة، ويصيب الخلايا على نحو أسهل، ويُحدث مرضًا أخطر، وينتشر عبر الحدود. وفي المحصلة، غَدونا تحت رحمة انتقاء طبيعي فائق السرعة.  
وهكذا بدأ ظهور المتحورات الفيروسية: "ألْفا" في المملكة المتحدة و"بِيتا" في جنوب إفريقيا و"غاما" في البرازيل و"دلتا" في الهند ثم "أوميكرون" بجنوب إفريقيا.  
كان "دلتا" أكثر عدوى وربما أشد فتكًا من كل أسلافه، وقد اجتاح الهند -الثانية كبرًا من حيث عدد السكان في العالم- بشراسة لا هوادة فيها؛ إذ أرهق العاملين في المجال الصحي، وملأ المستشفيات بالمرضى المحمومين وناقصي الأوكسجين، وأرسل الجثث إلى محارق ظلت نيرانها متقدة بالجنائز على مدار الساعة. 
وفي متم أغسطس 2021، أصبح "دلتا" المتحورَ السائد في أنحاء العالم، وبحلول شهر سبتمبر، كان قد رفع حصيلة الوفيات في الولايات المتحدة إلى رقم تجاوز حصيلة الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918؛ مما جعل "كوفيد19-" الوباءَ الأشد فتكًا في تاريخ هذا البلد. فما إن حل شهر نوفمبر حتى تجاوز عدد وفيات الأميركيين 750 ألف شخص. لكن هذا الفيروس التاجي نزل بثقل أشد على مجتمعات بعينها أكثر من غيرها داخل أميركا؛ فقد مات بمعدلات هي الأعلى على الإطلاق: الهنود الأصليون، وذوو الأصول الإسبانية، والسود. 
وكشفت الجائحة عن تفاوت صحي صارخ آخر يخص فجوة اللقاحات على مستوى العالم: وفرة في البلدان حيث رفضها الناس، ونقص -أو غياب- في البلدان حيث احتاج الناس إليها. فبعد مُضي تسعة أشهر على اعتماد أول لقاح مضاد لـ "كوفيد19-"، تم استهلاك أكثر من 80 بالمئة من مجموع الحقنات في البلدان ذات الدخلين المرتفع والمتوسط. وبينما كان الناس في الدول الفقيرة بانتظار حقنتهم الأولى، كانت الدول الثرية تعتمد حقنات داعمة لمصلحة الأفراد المطعَّمين سلفًا. 
النتيجة: مات ملايين الأشخاص حول العالم من جرّاء مرض يمكن اتّقاؤه في معظم الحالات بحقنة لقاح واحدة أو اثنتين.  
ولكن حتى بتوزيع اللقاحات على أوسع نطاق، قد لا نتخلص تمامًا من هذا الفيروس مدى الحياة. فالفيروسات التاجية الأربعة المسببة لنزلات البرد متوطنة مزمنة، وكذلك شأن الفيروسات سليلة الفيروس الذي تسبب بالإنفلونزا الإسبانية التي أودت بحياة 50 مليون شخص عبر العالم.  
ويرجح الخبراء بقوة أن الفيروس التاجي "سارس-كوف2-" سيستمر ويتطور وينتشر على مرّ أعوام مقبلة. ولكن مع تطور المناعة لدى الناس، ستنحسر دائرة تفشي الفيروس وتخف حدة المرض الذي يتسبب به. لن نكون في ورطة بسبب الفيروس فحسب ولكن أيضًا بما خلّف من تركة مروّعة وعصيّة على الفهم؛ ذلك أن 10 إلى 30 بالمئة من مئات ملايين المصابين قد يعانون أعراضًا طويلة الأمد يُحتمَل أن تكون موهنة. إذ سيتطلب ما يسمى "كوفيد المديد" (والذي يشمل طائفة علل تتراوح بين ضبابية الدماغ وفقدان الذاكرة والتعب، وضعف الانتصاب وتغيرات الدورة الشهرية وفقدان الشم والذوق) علاجات جديدة. في غضون ذلك، طالما أن العديد مِنّا غير محصّن ضد الوباء، فلن يكون أيٌّ منا بمأمن. فالأشخاص غير المطعّمين يوفرون خزانًا لظهور طفرات جديدة. لذا من الضروري إقناع أولئك الذين يترددون في الحصول على اللقاح –والذي يمنح مناعة أكبر ضد الإصابة بمرض "كوفيد19-"– وكذا إيصال اللقاحات حتى إلى أقصى المجتمعات النائية. وتتوقع "كوفاكس" (COVAX)، وهي مبادرة متعددة الجنسيات تستهدف توفير اللقاحات في كل مكان، أن تصل إلى ملياري حقنة في وقت مبكر من عام 2022.إنها خطوة في الاتجاه الصحيح. ولكن كما أظهر لنا عام 2021، وكما عَلَّمنا متحور "دلتا"، فإن الفيروس لا يهتم بجدولنا الزمني أو إجراءاتنا وقوانيننا.