البحث عن بداية الكون
لا تعد شمسُنا نجمًا نموذجيًا، إذ أن معظم النجوم يبلغ حجمها عُشر كتلة الشمس وستعيش عمرًا أطول من الشمس مئات المرات، علاوة على ذلك، تشكلت معظم النجوم قبلها بمليارات السنين، بناءً على تاريخ تشكل النجوم منذ الانفجار الكبير .
يطرح "آفي لوب" الرئيس السابق لقسم علوم الفلك بجامعة "هارفارد" ومؤلف كتاب "خارج الأرض.. أول إشارة على وجود حياة ذكية خارج كوكبنا" تساؤل :لماذا نشأنا في وقت متأخر للغاية من التاريخ الكوني حول نجم ضخم نسبيًّا مثل الشمس؟. يقول" لوب":"من الناحية الإحصائية، وجودنا كان من المرجح أن يبدأ في وقت مبكر من ذلك، أو حول نجم ذي كتلة أقل".
يؤكد مبدأ "كوبرنيكوس" أننا لسنا في موقع خاص من الكون يمنحنا أفضلية على رصده، وهذا المبدأ نابع من اكتشاف "نيكولاس كوبرنيكوس" قبل 500 عام بأننا لسنا موجودين في المركز المادي للكون، كما كان يُعتقد في السابق، وإذا كان هذا المبدأ ينطبق على كل ظروفنا الكونية، فبالتأكيد هناك أسباب مادية جعلت الشكل المحدد لحياتنا الذكية لا ينشأ حول نجم مبكر أو قزم.
هناك تفسيران واضحان: أولهما أن المواد التي تجمعت لتكوين النجوم المبكرة كانت تفتقر إلى العناصر الثقيلة التي تُعد ضرورية لشكل الحياة الذي نعرفه، وهذا يتضمن العناصر الثقيلة التي تشكل الكواكب الصخرية مثل كوكب الأرض، والأوكسجين والكربون اللازمين للكيمياء العضوية القائمة على الماء، أما التفسير الثاني فهو أن النجوم القزمة أكثر خفوتًا، ما يجعل منطقتها الصالحة للسكن أقرب إلى بعضها، وبالنظر إلى هذا القرب فإن الغلاف الجوي للكواكب الشبيهة بالأرض قد تجرده الرياح النجمية أو سيصبح سطحها أجدب بفعل توهجات الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من هذه النجوم القزمة ومع ذلك، من المؤكد أن العديد من النجوم الشبيهة بالشمس وتحوي مثلها كمية وفيرة من العناصر الثقيلة قد تكونت قبل الشمس بوقت طويل، لأننا نرى نتاج موتها في صورة نجوم قزمة بيضاء، لذلك من الصعب أن نتخيل أننا أول حضارة متقدمة ظهرت في المشهد الكوني، فهل نستطيع أن نجد أدلة على الأبطال الأوائل الذين شاركوا في قصة حياة الكون؟.
أحد أوجه الإجابة عن هذا السؤال هو البحث عن بصمات للحياة حول النجوم الأقدم في مجرتنا، درب التبانة، ويمكن أن يستهدف هذا البحث العثور على بصمات حيوية، مثل الأوكسجين والميثان في الأغلفة الجوية للكواكب المحيطة بهذه النجوم، أو بصمات تقنية مثل الإرسال اللاسلكي أو الليزر، أو التلوث الصناعي أو أضواء المدن. أما الطريقة الثانية فتتمثل في البحث عن الحضارات التكنولوجية المبكرة التي أنتجت تقنيات إرشاد ضوئية قوية أو غيرت بيئتها بطرق يُمكن اكتشافها عبر المسافات الكونية، وإذا كان يمكن رؤية مثل هذه البصمات عبر امتداد الكون الشاسع، فهذا يعني أن هذه الحضارات كان لديها تطورات هائلة مقارنة بقدراتنا التكنولوجيا، حيث ما زلنا نكافح في استخلاص جزء ضئيل من الطاقة الشمسية التي تعترضها الأرض.
أما الطريقة الثالثة والأبسط، فهي البحث داخل نظامنا الشمسي عن حزم تكنولوجية شحنتها حضارات متقدمة إلى الفضاء بين النجوم منذ مليارات السنين، إذ يُمكن أن تصادف المركبة الجوالة "بيرسيفيرانس" بحطام أجسام كهذه على سطح المريخ، ويمكننا أيضًا أن نبحث في قمرنا -الذي يُعد مثل متحف لجمع القطع الأثرية القديمة التي اصطدمت به على مر الزمن- لأنه يفتقر إلى الغلاف الجوي الذي يحرقها قبل الاصطدام، وليس له نشاط جيولوجي يمزجها مع باطنه بعد الاصطدام.
يؤكد "لوب"أهمية استكشاف الحياة الكونية المبكرة بكل الطرق الممكنة للتعرف على من سبقونا وماذا يمكن أن نتعلم منهم. وقد كانت الحضارة الإغريقية القديمة في زمن هوميروس، صاحب ملحمة الإلياذة والأوديسة، تُقدر "كرم ضيافة الغرباء"، حتى إن الإله الإغريقي زيوس كان يُسمى "زيوس زينيوس" في دوره كحامي حمى الغرباء، وكان مفهوم "زينيا" يعبر عن كرم الضيافة. وكانت طقوس تعامل الإغريق القدماء مع ضيوفهم بحفاوة تعود عليهم بالنفع، لأنها كانت تُمكنهم من الاطلاع على معلومات جديدة من الزوار الذين توافدوا إلى بيوتهم من مناطق بعيدة، ومع ذلك، فإن تدفق المعلومات حول الحياة عبر الفضاء بين النجوم غير موجود حاليًا على الأقل بالنسبة لنا. في هذا السياق، يجب أن نحذو حذو الإغريق القدماء ونصادق على مفهوم إكرام الغرباء بلمسة عصرية.
يقترح مفهوم كرم الضيافة بين النجوم أننا ينبغي أن نحتفي بزوارنا الذين يحملون معلومات من عصور سابقة، حتى وإن أتوا في صورة أجهزة عتيقة لديها ذكاء اصطناعي وليس ذكاءً طبيعيًا، فيُمكن لنا أن تجني حضارتنا التكنولوجية استفادة عظيمة من المعرفة التي قد تتحصل عليها من مثل هذه اللقاءات، فنحن في النهاية نتشارك الجوار الكوني نفسه مع هؤلاء الغرباء.
إذ يمكن أن يكون عابرون قد زاروا جوارنا المجري على مدار عشرة مليارات سنة ماضية، وللعثور عليهم، يجب علينا مراقبة السماء والبحث عن أي أجرام غريبة بالقرب من كوكبنا الذي نعيش عليه، وهذا بالضبط هو الأساس المنطقي الذي قام عليه مشروع جاليليو المُعلن عنه مؤخرًا، والذي يهدف إلى التعرف على طبيعة الأجرام غير التقليدية بين النجوم على مقربة من كوكب الأرض. فإذا عثرنا على زوار قدامى، ربما يمنحوننا منظورًا جديدًا لنفهم من خلاله تاريخ الحياة في جوارنا الكوني، كما سيضيفون معنى أعمق إلى حياتنا في إطار الصداقة التاريخية المتينة التي ندين لهم بها في الفضاء الذي نتشاركه. وهكذا قد يكون مفهوم حُسن ضيافة الغرباء بين النجوم هو المفتاح لازدهار ثقافتنا، تمامًا كما أدى إلى الثراء الفكري للفلسفة اليونانية القديمة.
المصدر: scientificamerican
البحث عن بداية الكون
لا تعد شمسُنا نجمًا نموذجيًا، إذ أن معظم النجوم يبلغ حجمها عُشر كتلة الشمس وستعيش عمرًا أطول من الشمس مئات المرات، علاوة على ذلك، تشكلت معظم النجوم قبلها بمليارات السنين، بناءً على تاريخ تشكل النجوم منذ الانفجار الكبير .
يطرح "آفي لوب" الرئيس السابق لقسم علوم الفلك بجامعة "هارفارد" ومؤلف كتاب "خارج الأرض.. أول إشارة على وجود حياة ذكية خارج كوكبنا" تساؤل :لماذا نشأنا في وقت متأخر للغاية من التاريخ الكوني حول نجم ضخم نسبيًّا مثل الشمس؟. يقول" لوب":"من الناحية الإحصائية، وجودنا كان من المرجح أن يبدأ في وقت مبكر من ذلك، أو حول نجم ذي كتلة أقل".
يؤكد مبدأ "كوبرنيكوس" أننا لسنا في موقع خاص من الكون يمنحنا أفضلية على رصده، وهذا المبدأ نابع من اكتشاف "نيكولاس كوبرنيكوس" قبل 500 عام بأننا لسنا موجودين في المركز المادي للكون، كما كان يُعتقد في السابق، وإذا كان هذا المبدأ ينطبق على كل ظروفنا الكونية، فبالتأكيد هناك أسباب مادية جعلت الشكل المحدد لحياتنا الذكية لا ينشأ حول نجم مبكر أو قزم.
هناك تفسيران واضحان: أولهما أن المواد التي تجمعت لتكوين النجوم المبكرة كانت تفتقر إلى العناصر الثقيلة التي تُعد ضرورية لشكل الحياة الذي نعرفه، وهذا يتضمن العناصر الثقيلة التي تشكل الكواكب الصخرية مثل كوكب الأرض، والأوكسجين والكربون اللازمين للكيمياء العضوية القائمة على الماء، أما التفسير الثاني فهو أن النجوم القزمة أكثر خفوتًا، ما يجعل منطقتها الصالحة للسكن أقرب إلى بعضها، وبالنظر إلى هذا القرب فإن الغلاف الجوي للكواكب الشبيهة بالأرض قد تجرده الرياح النجمية أو سيصبح سطحها أجدب بفعل توهجات الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من هذه النجوم القزمة ومع ذلك، من المؤكد أن العديد من النجوم الشبيهة بالشمس وتحوي مثلها كمية وفيرة من العناصر الثقيلة قد تكونت قبل الشمس بوقت طويل، لأننا نرى نتاج موتها في صورة نجوم قزمة بيضاء، لذلك من الصعب أن نتخيل أننا أول حضارة متقدمة ظهرت في المشهد الكوني، فهل نستطيع أن نجد أدلة على الأبطال الأوائل الذين شاركوا في قصة حياة الكون؟.
أحد أوجه الإجابة عن هذا السؤال هو البحث عن بصمات للحياة حول النجوم الأقدم في مجرتنا، درب التبانة، ويمكن أن يستهدف هذا البحث العثور على بصمات حيوية، مثل الأوكسجين والميثان في الأغلفة الجوية للكواكب المحيطة بهذه النجوم، أو بصمات تقنية مثل الإرسال اللاسلكي أو الليزر، أو التلوث الصناعي أو أضواء المدن. أما الطريقة الثانية فتتمثل في البحث عن الحضارات التكنولوجية المبكرة التي أنتجت تقنيات إرشاد ضوئية قوية أو غيرت بيئتها بطرق يُمكن اكتشافها عبر المسافات الكونية، وإذا كان يمكن رؤية مثل هذه البصمات عبر امتداد الكون الشاسع، فهذا يعني أن هذه الحضارات كان لديها تطورات هائلة مقارنة بقدراتنا التكنولوجيا، حيث ما زلنا نكافح في استخلاص جزء ضئيل من الطاقة الشمسية التي تعترضها الأرض.
أما الطريقة الثالثة والأبسط، فهي البحث داخل نظامنا الشمسي عن حزم تكنولوجية شحنتها حضارات متقدمة إلى الفضاء بين النجوم منذ مليارات السنين، إذ يُمكن أن تصادف المركبة الجوالة "بيرسيفيرانس" بحطام أجسام كهذه على سطح المريخ، ويمكننا أيضًا أن نبحث في قمرنا -الذي يُعد مثل متحف لجمع القطع الأثرية القديمة التي اصطدمت به على مر الزمن- لأنه يفتقر إلى الغلاف الجوي الذي يحرقها قبل الاصطدام، وليس له نشاط جيولوجي يمزجها مع باطنه بعد الاصطدام.
يؤكد "لوب"أهمية استكشاف الحياة الكونية المبكرة بكل الطرق الممكنة للتعرف على من سبقونا وماذا يمكن أن نتعلم منهم. وقد كانت الحضارة الإغريقية القديمة في زمن هوميروس، صاحب ملحمة الإلياذة والأوديسة، تُقدر "كرم ضيافة الغرباء"، حتى إن الإله الإغريقي زيوس كان يُسمى "زيوس زينيوس" في دوره كحامي حمى الغرباء، وكان مفهوم "زينيا" يعبر عن كرم الضيافة. وكانت طقوس تعامل الإغريق القدماء مع ضيوفهم بحفاوة تعود عليهم بالنفع، لأنها كانت تُمكنهم من الاطلاع على معلومات جديدة من الزوار الذين توافدوا إلى بيوتهم من مناطق بعيدة، ومع ذلك، فإن تدفق المعلومات حول الحياة عبر الفضاء بين النجوم غير موجود حاليًا على الأقل بالنسبة لنا. في هذا السياق، يجب أن نحذو حذو الإغريق القدماء ونصادق على مفهوم إكرام الغرباء بلمسة عصرية.
يقترح مفهوم كرم الضيافة بين النجوم أننا ينبغي أن نحتفي بزوارنا الذين يحملون معلومات من عصور سابقة، حتى وإن أتوا في صورة أجهزة عتيقة لديها ذكاء اصطناعي وليس ذكاءً طبيعيًا، فيُمكن لنا أن تجني حضارتنا التكنولوجية استفادة عظيمة من المعرفة التي قد تتحصل عليها من مثل هذه اللقاءات، فنحن في النهاية نتشارك الجوار الكوني نفسه مع هؤلاء الغرباء.
إذ يمكن أن يكون عابرون قد زاروا جوارنا المجري على مدار عشرة مليارات سنة ماضية، وللعثور عليهم، يجب علينا مراقبة السماء والبحث عن أي أجرام غريبة بالقرب من كوكبنا الذي نعيش عليه، وهذا بالضبط هو الأساس المنطقي الذي قام عليه مشروع جاليليو المُعلن عنه مؤخرًا، والذي يهدف إلى التعرف على طبيعة الأجرام غير التقليدية بين النجوم على مقربة من كوكب الأرض. فإذا عثرنا على زوار قدامى، ربما يمنحوننا منظورًا جديدًا لنفهم من خلاله تاريخ الحياة في جوارنا الكوني، كما سيضيفون معنى أعمق إلى حياتنا في إطار الصداقة التاريخية المتينة التي ندين لهم بها في الفضاء الذي نتشاركه. وهكذا قد يكون مفهوم حُسن ضيافة الغرباء بين النجوم هو المفتاح لازدهار ثقافتنا، تمامًا كما أدى إلى الثراء الفكري للفلسفة اليونانية القديمة.
المصدر: scientificamerican