ألـــوان

مصورٌ يُمضي يومًا طويلًا مذهلًا في ضيافة بركان. وثّق "ستيفن ويلكس" بعدسته ثوران بركان في آيسلندا مدة 21 ساعة متواصلة، حيث التقط صورًا للمشهد الملتهب بالنيران مع تحول النهار إلى ليل.

يمكن الإحســاس بألـوان البـركان بقــدر مشاهدتها. في بركان "فاغـرادالسفــال" بآيسلنــدا، الذي يبعد نحو 30 كيلومترًا عن العاصمة "ريكيافيك"، تشع الحِمم الأسخن باللون الأصفر الضارب إلى البياض، وعندما تبرد يتحول لونها إلى البرتقالي ثم الأحمر فالأسود الفاحم في نهاية المطاف. وهذا "النطاق النشط الهائل" هو إحدى الظواهر العديدة الغنية بالألوان والنابضة بالحياة التي يرصدها المصور "ستيفن ويلكس" في الصورة (إلى اليسار) التي التقطها لثوران هذا البركان في شهر مايو الماضي.
ومع اقتراب الشمس من المغيب في الأفق، هدأت ثورة البركان؛ وطفق ويلكس يشاهد ما يحدث بقلق متزايد، ثم قال: "بعد كل ما قمت به من تخطيط، أجد نفسي مجبرًا في نهاية اليوم على التفاعل مع ما يوجد أمامي". وفي الوقت الذي بدا فيه أن خططه قد أُحبطت، استعاد البركان نشاطه؛ فالتقط الصورة التي لطالما انتظرها. يقول ويلكس إن مشاهدتَهُ الألوانَ العميقة لغروب الشمس فوق الحمم الذهبية للبركان (وهو اتحاد بين القوى التي شكلت سطح كوكبنا منذ نشأته) بثت في نفسه شعورًا بالارتباط الروحي.. "فمن هنا بدأ كل شيء". 

 

"سولانغ دوهاميل" ظهرها للرياح التي كانت تضرب بسياطها بشكل جانبي تقريبًا على امتداد المشهد الطبيعي الآيسلندي الصخري في شهر أبريل الماضي. فقد كانت تحمي وجهها من كريات البرَد في انتظار أن تخبو العاصفة. ومع ذلك، لم تستطع منع نفسها من التحديق برهبة في المشهد الذي كان يتكشف أمامها.
كان تيار من الحمم البركانية المتوهجة يتدفق من فوهة بركان "فاغرادالسفال" القريب، الذي ظل يواصل ثورانه منذ أسابيع حتى كاد يملأ الوادي حيث وقفت دوهاميل لدى صخور سوداء فاحمة. كان البرد يتبخر فور ارتطامه بالسطح الملتهب لحقل الحمم البركانية، ليتصاعد في شكل خيوط من الضباب.
 دوهاميل خبيرة بيولوجيا مجهرية وكيمياء حيوية متخصصة في البيئة، وقد أتت إلى هنا لدراسة ميلاد الأرض الجديدة. لا يرى كثير من الناس في ثوران البراكين إلا قوى للموت والدمار تأتي انفجاراتها غير المتوقعة على الأخضر واليابس. لكن الانفجارات البركانية تشكل أيضًا سطح لوحة بكر وتفسح المجال لترتسم عليها ألوان الطيف النابضة بالحياة.
لقد أنتجت البراكين أكثر من 80 بالمئة من الصخور الموجودة حاليًا على سطح الأرض، سواء فوق الماء أو تحته، ما أسفر عن تفجير الفوهات ونشوء الجبال والجزر والهضاب. وتُخرج الانفجارات البركانية العناصر المغذية من أحشاء كوكبنا، وتنشرها في الصخر والرماد الذي يتحلل في نهاية المطاف -عندما يستقر على الأرض- إلى تربة خصبة. وتأتي مراحل إطلاق هذه العناصر المغذية من تضافر التفاعلات بين الرياح والماء والجراثيم؛ إذ تعمل مجتمعة على تحويل تدرجات اللون الرمادي الذي يهيمن على المشهد البركاني إلى تربة ذات لون أحمر صدئ وأصفر داكن سرعان ما تتفجر منها الحياة النباتية المخضرة.
وتدب الحياة إلى طيف من ألوان أكثر دقة تحت بعض الأسطح البركانية، إذ توفر التجاويف الجوفية هناك بيئات يمكن أن تنمو فيها الجراثيم وتزدهر، وربما تقتات فيها جزئيًا على المواد المغذية والعضوية التي تتسرب إلى الأسفل من الأعلى. وبإلقاء ضوء فوق بنفسجي على الجدران تحت الأرض، ستنبجس مجرة تفيض بالنشاط الجرثومي. إذ تقول "جين بلانك"، عالمة الأحياء الفلكية لدى "مركز أبحاث أميس" التابع لوكالة "ناسا": "يمكن للمرء رؤية مستعمرات فردية صغيرة وطبقات رقيقة تبرز بألوان زاهية".
أتاحت صحوة بركان "فاغرادالسفال" العنيفة في يوم 19 مارس الماضي لدوهاميل فرصة ذهبية لدراسة إحدى أولى مراحل تحول الحمم البركانية: ألا وهي الاستعمار الجرثومي للسطح المبرد. وهذه المرأة عالمة بيولوجيا مجهرية وكيمياء حيوية في مجال البيئة لدى "جامعة أريزونا" بالولايات المتحدة.

الحمم الصخرية الباردة تتسـم بالعقم في بادئ الأمر لأنها تخرج من باطن الأرض بدرجات حرارة تتجاوز 1100 درجة مئوية، ولا تسمح هذه الحرارة الشديدة للأحياء بالبقاء على قيد الحياة. وتأمل دوهاميل وزملاؤها، من خلال جمع عينات أسبوعية على السطح، اكتشاف ما يظهر هناك من نشاط جرثومي والأطوار التي وصل إليها. تقول: "من النادر للغاية أن يتمكن المرء من دراسة ثوران بركاني من البداية".
لا تشكل المساحات الطرية من صخور الحمم البركانية بيئة مضيافة لأشكال الحياة حتى عندما تبرد. فالرماد البركاني والصخور البركانية يزخران بالمغنيسيوم والحديد والكالسيوم والبوتاسيوم وغيرها، ولكن هذه المواد المغذية ليست متاحة للاستخدام بسهولة. وتندر أيضًا العديد من العناصر الضرورية للحياة كالنيتروجين؛ لذا يجب أن تكون طلائع هذه الجراثيم قادرة على تدبر أمورها بنفسها. وقد يكون بعض أوائل القادمين جراثيم تستهلك النيتروجين من الهواء، فتحول هذا الغاز إلى أشكال يسهل على الكائنات الأخرى استخدامها ومن ثم تمهد السبيل للوافدين في وقت لاحق. 
ومن ناحية أخرى، يبدأ الصخر والرماد في التحلل ببطء؛ ما يجعلهما بارزين من خلال التغيرات الكيميائية للمعادن المحتجزة بالداخل. ويكتسي الحديد أهمية خاصة إذ يتحول إلى أكاسيد الحديد التي عادة ما نسمي أحدها بالصدأ. وتؤثر الرياح والمياه جزئيًا في ما يحدث من تغيرات مادية وكيميائية. لكن يمكن لبعض الجراثيم أيضًا أن تحول المعادن في الصخور. "تقوم الجراثيم من نواح كثيرة بدور الرسامين هنا"، كما يقول "جيفري مارلو"، الأستاذ لدى "جامعة بوسطن"، والذي يتعاون مع دوهاميل في دراسة التحويل الجرثومي للمعادن البركانية.
ومن العوامل الأساسية لهذا التحول المزركش، التفكك السريع للزجاج البركاني الذي يتشكل عندما تبرد الحمم بسرعة ويشكل الرماد وأجزاءً من الصخور. ومع ذلك، فإن السرعة التي تتشكل بها التربة البركانية والألوان التي تتخذها تعتمد أيضًا على درجة الحرارة ومحتوى الماء والنباتات وغير ذلك. فالتربة الحمراء، على سبيل المثال، غالبًا ما توجد حيث تكون الأرض جافة وقليلة النباتات والصخور غنية بالحديد. أما البيئات الباردة والرطبة ذات النباتات الوفيرة، فإن احتواءها فيضًا من المواد العضوية يحول لون التربة فيها إلى الأصفر أو البني.
وتفسح التجوية (Weathering) المجال لأشكال أكبر للحياة. فعادة ما تكون الأشنات هي أول من يصل وتتخذ شكل صفائح مبقعة وهدب وتتميز بتدرجات ألوان متنوعة تشمل الأخضر المترب والبرتقالي اللامع والأصفر الخردلي. وهذه الكائنات الحية تبقى حية في البيئات القاسية التي عادة ما تعدم الظروف الملائمة لنمو النبات. وتولِّد بنياتها الدقيقة الشبيهة بالجذور حمضًا يساعد في تفكيك الصخور وإعدادها لأشكال أكبر للحياة. فما يبدأ كجزر ورقع صغيرة لا يفتأ يتوسع مع تزايدها بأعداد وفيرة. 

تــرســــم الانفـــجـــارات البركانية لوحة للحياة فوق الأرض فــحــسـب، ولـكــن للحياة تحت الأرض أيضًا. ومع تدفق الصخور المنصهرة كالنهر، من الممكن أن تبرد الطبقات العليا لتشكل قشورًا سميكة تعزل التيار الموجود بالأسفل. ولكن إذا تحول مسار التدفق أو انتهى الثوران، فإنه يخلف وراءه أنبوب الحمم البركانية.
وقد تبدو الكهوف للوهلة الأولى كأنها قشور سوداء فارغة، لكن الفحص الدقيق يكشف عــن العــديد مــن تدرجــات الألوان المتأتية من الجراثيم. ففي بعـض الأنابيب، تنــتشــر مستعمــرات البكتيريـــا الشعــاويـة (Actinobacteria) في أغشية حيوية ذهبية رقيقة تصد الماء، كما تقول بلانك. ويبدو أن جراثيم أخرى تنمو جنبًا إلى جنب مع الفروع البيضاء الصغيرة من "مرجان الكهوف" أو الزوائد السمراء. ويكشف تسليط ضوء فوق بنفسجي عن المزيد من التنوع الخفي المتوهج بتدرجات النيون الأزرق والبرتقالي والأخضر.
وتعكس ألوان البراكين المتعددة -سواء فوق الأرض أو تحتها- تعاون الجيولوجيا والحياة الذي شكل معالم كوكبنا كما نعرفه اليوم. ومن المحتمل أن يستمر هذا التفاعل مدة طويلة في المستقبل. ومن الممكن أن يقدم أيضًا مؤشرات وأدلة على ما يكمن وراء كوكبنا الأم؛ ما من شأنه أن يساعد العلماء في بحثهم عن حياة خارج كوكب الأرض.

 

ألـــوان

مصورٌ يُمضي يومًا طويلًا مذهلًا في ضيافة بركان. وثّق "ستيفن ويلكس" بعدسته ثوران بركان في آيسلندا مدة 21 ساعة متواصلة، حيث التقط صورًا للمشهد الملتهب بالنيران مع تحول النهار إلى ليل.

يمكن الإحســاس بألـوان البـركان بقــدر مشاهدتها. في بركان "فاغـرادالسفــال" بآيسلنــدا، الذي يبعد نحو 30 كيلومترًا عن العاصمة "ريكيافيك"، تشع الحِمم الأسخن باللون الأصفر الضارب إلى البياض، وعندما تبرد يتحول لونها إلى البرتقالي ثم الأحمر فالأسود الفاحم في نهاية المطاف. وهذا "النطاق النشط الهائل" هو إحدى الظواهر العديدة الغنية بالألوان والنابضة بالحياة التي يرصدها المصور "ستيفن ويلكس" في الصورة (إلى اليسار) التي التقطها لثوران هذا البركان في شهر مايو الماضي.
ومع اقتراب الشمس من المغيب في الأفق، هدأت ثورة البركان؛ وطفق ويلكس يشاهد ما يحدث بقلق متزايد، ثم قال: "بعد كل ما قمت به من تخطيط، أجد نفسي مجبرًا في نهاية اليوم على التفاعل مع ما يوجد أمامي". وفي الوقت الذي بدا فيه أن خططه قد أُحبطت، استعاد البركان نشاطه؛ فالتقط الصورة التي لطالما انتظرها. يقول ويلكس إن مشاهدتَهُ الألوانَ العميقة لغروب الشمس فوق الحمم الذهبية للبركان (وهو اتحاد بين القوى التي شكلت سطح كوكبنا منذ نشأته) بثت في نفسه شعورًا بالارتباط الروحي.. "فمن هنا بدأ كل شيء". 

 

"سولانغ دوهاميل" ظهرها للرياح التي كانت تضرب بسياطها بشكل جانبي تقريبًا على امتداد المشهد الطبيعي الآيسلندي الصخري في شهر أبريل الماضي. فقد كانت تحمي وجهها من كريات البرَد في انتظار أن تخبو العاصفة. ومع ذلك، لم تستطع منع نفسها من التحديق برهبة في المشهد الذي كان يتكشف أمامها.
كان تيار من الحمم البركانية المتوهجة يتدفق من فوهة بركان "فاغرادالسفال" القريب، الذي ظل يواصل ثورانه منذ أسابيع حتى كاد يملأ الوادي حيث وقفت دوهاميل لدى صخور سوداء فاحمة. كان البرد يتبخر فور ارتطامه بالسطح الملتهب لحقل الحمم البركانية، ليتصاعد في شكل خيوط من الضباب.
 دوهاميل خبيرة بيولوجيا مجهرية وكيمياء حيوية متخصصة في البيئة، وقد أتت إلى هنا لدراسة ميلاد الأرض الجديدة. لا يرى كثير من الناس في ثوران البراكين إلا قوى للموت والدمار تأتي انفجاراتها غير المتوقعة على الأخضر واليابس. لكن الانفجارات البركانية تشكل أيضًا سطح لوحة بكر وتفسح المجال لترتسم عليها ألوان الطيف النابضة بالحياة.
لقد أنتجت البراكين أكثر من 80 بالمئة من الصخور الموجودة حاليًا على سطح الأرض، سواء فوق الماء أو تحته، ما أسفر عن تفجير الفوهات ونشوء الجبال والجزر والهضاب. وتُخرج الانفجارات البركانية العناصر المغذية من أحشاء كوكبنا، وتنشرها في الصخر والرماد الذي يتحلل في نهاية المطاف -عندما يستقر على الأرض- إلى تربة خصبة. وتأتي مراحل إطلاق هذه العناصر المغذية من تضافر التفاعلات بين الرياح والماء والجراثيم؛ إذ تعمل مجتمعة على تحويل تدرجات اللون الرمادي الذي يهيمن على المشهد البركاني إلى تربة ذات لون أحمر صدئ وأصفر داكن سرعان ما تتفجر منها الحياة النباتية المخضرة.
وتدب الحياة إلى طيف من ألوان أكثر دقة تحت بعض الأسطح البركانية، إذ توفر التجاويف الجوفية هناك بيئات يمكن أن تنمو فيها الجراثيم وتزدهر، وربما تقتات فيها جزئيًا على المواد المغذية والعضوية التي تتسرب إلى الأسفل من الأعلى. وبإلقاء ضوء فوق بنفسجي على الجدران تحت الأرض، ستنبجس مجرة تفيض بالنشاط الجرثومي. إذ تقول "جين بلانك"، عالمة الأحياء الفلكية لدى "مركز أبحاث أميس" التابع لوكالة "ناسا": "يمكن للمرء رؤية مستعمرات فردية صغيرة وطبقات رقيقة تبرز بألوان زاهية".
أتاحت صحوة بركان "فاغرادالسفال" العنيفة في يوم 19 مارس الماضي لدوهاميل فرصة ذهبية لدراسة إحدى أولى مراحل تحول الحمم البركانية: ألا وهي الاستعمار الجرثومي للسطح المبرد. وهذه المرأة عالمة بيولوجيا مجهرية وكيمياء حيوية في مجال البيئة لدى "جامعة أريزونا" بالولايات المتحدة.

الحمم الصخرية الباردة تتسـم بالعقم في بادئ الأمر لأنها تخرج من باطن الأرض بدرجات حرارة تتجاوز 1100 درجة مئوية، ولا تسمح هذه الحرارة الشديدة للأحياء بالبقاء على قيد الحياة. وتأمل دوهاميل وزملاؤها، من خلال جمع عينات أسبوعية على السطح، اكتشاف ما يظهر هناك من نشاط جرثومي والأطوار التي وصل إليها. تقول: "من النادر للغاية أن يتمكن المرء من دراسة ثوران بركاني من البداية".
لا تشكل المساحات الطرية من صخور الحمم البركانية بيئة مضيافة لأشكال الحياة حتى عندما تبرد. فالرماد البركاني والصخور البركانية يزخران بالمغنيسيوم والحديد والكالسيوم والبوتاسيوم وغيرها، ولكن هذه المواد المغذية ليست متاحة للاستخدام بسهولة. وتندر أيضًا العديد من العناصر الضرورية للحياة كالنيتروجين؛ لذا يجب أن تكون طلائع هذه الجراثيم قادرة على تدبر أمورها بنفسها. وقد يكون بعض أوائل القادمين جراثيم تستهلك النيتروجين من الهواء، فتحول هذا الغاز إلى أشكال يسهل على الكائنات الأخرى استخدامها ومن ثم تمهد السبيل للوافدين في وقت لاحق. 
ومن ناحية أخرى، يبدأ الصخر والرماد في التحلل ببطء؛ ما يجعلهما بارزين من خلال التغيرات الكيميائية للمعادن المحتجزة بالداخل. ويكتسي الحديد أهمية خاصة إذ يتحول إلى أكاسيد الحديد التي عادة ما نسمي أحدها بالصدأ. وتؤثر الرياح والمياه جزئيًا في ما يحدث من تغيرات مادية وكيميائية. لكن يمكن لبعض الجراثيم أيضًا أن تحول المعادن في الصخور. "تقوم الجراثيم من نواح كثيرة بدور الرسامين هنا"، كما يقول "جيفري مارلو"، الأستاذ لدى "جامعة بوسطن"، والذي يتعاون مع دوهاميل في دراسة التحويل الجرثومي للمعادن البركانية.
ومن العوامل الأساسية لهذا التحول المزركش، التفكك السريع للزجاج البركاني الذي يتشكل عندما تبرد الحمم بسرعة ويشكل الرماد وأجزاءً من الصخور. ومع ذلك، فإن السرعة التي تتشكل بها التربة البركانية والألوان التي تتخذها تعتمد أيضًا على درجة الحرارة ومحتوى الماء والنباتات وغير ذلك. فالتربة الحمراء، على سبيل المثال، غالبًا ما توجد حيث تكون الأرض جافة وقليلة النباتات والصخور غنية بالحديد. أما البيئات الباردة والرطبة ذات النباتات الوفيرة، فإن احتواءها فيضًا من المواد العضوية يحول لون التربة فيها إلى الأصفر أو البني.
وتفسح التجوية (Weathering) المجال لأشكال أكبر للحياة. فعادة ما تكون الأشنات هي أول من يصل وتتخذ شكل صفائح مبقعة وهدب وتتميز بتدرجات ألوان متنوعة تشمل الأخضر المترب والبرتقالي اللامع والأصفر الخردلي. وهذه الكائنات الحية تبقى حية في البيئات القاسية التي عادة ما تعدم الظروف الملائمة لنمو النبات. وتولِّد بنياتها الدقيقة الشبيهة بالجذور حمضًا يساعد في تفكيك الصخور وإعدادها لأشكال أكبر للحياة. فما يبدأ كجزر ورقع صغيرة لا يفتأ يتوسع مع تزايدها بأعداد وفيرة. 

تــرســــم الانفـــجـــارات البركانية لوحة للحياة فوق الأرض فــحــسـب، ولـكــن للحياة تحت الأرض أيضًا. ومع تدفق الصخور المنصهرة كالنهر، من الممكن أن تبرد الطبقات العليا لتشكل قشورًا سميكة تعزل التيار الموجود بالأسفل. ولكن إذا تحول مسار التدفق أو انتهى الثوران، فإنه يخلف وراءه أنبوب الحمم البركانية.
وقد تبدو الكهوف للوهلة الأولى كأنها قشور سوداء فارغة، لكن الفحص الدقيق يكشف عــن العــديد مــن تدرجــات الألوان المتأتية من الجراثيم. ففي بعـض الأنابيب، تنــتشــر مستعمــرات البكتيريـــا الشعــاويـة (Actinobacteria) في أغشية حيوية ذهبية رقيقة تصد الماء، كما تقول بلانك. ويبدو أن جراثيم أخرى تنمو جنبًا إلى جنب مع الفروع البيضاء الصغيرة من "مرجان الكهوف" أو الزوائد السمراء. ويكشف تسليط ضوء فوق بنفسجي عن المزيد من التنوع الخفي المتوهج بتدرجات النيون الأزرق والبرتقالي والأخضر.
وتعكس ألوان البراكين المتعددة -سواء فوق الأرض أو تحتها- تعاون الجيولوجيا والحياة الذي شكل معالم كوكبنا كما نعرفه اليوم. ومن المحتمل أن يستمر هذا التفاعل مدة طويلة في المستقبل. ومن الممكن أن يقدم أيضًا مؤشرات وأدلة على ما يكمن وراء كوكبنا الأم؛ ما من شأنه أن يساعد العلماء في بحثهم عن حياة خارج كوكب الأرض.