كيف تؤثر تجارب الاقتراب من الموت على الحيوانات مدى الحياة؟
كل بضع سنوات، تزداد أعداد أرنب الأحذية الثلجية في يوكون الكندية. و يزداد معها أعداد الحيوانات المفترسة أيضًا، مثل الوشق والقيوط. ثم ينخفض عدد الأرانب وتبدأ الحيوانات المفترسة في الموت. تعتبر الدورة ظاهرة مشهورة بين علماء البيئة وتمت دراستها منذ عشرينيات القرن الماضي.
على الرغم من ذلك، توصل الباحثون في السنوات الأخيرة إلى استنتاج مذهل مفاداه أن انخفاض أعداد الأرانب ليس فقط لأن الحيوانات المفترسة تأكل الكثير منها. فهناك عامل آخر يتمثل في الإجهاد المزمن الناجم عن العيش وسط المفترسات، والذي يجعل الأرانب تأكل كميات أقل من الطعام وتحمل عددًا أقل من الأطفال. هذا يعني أن صدمة العيش من خلال مطاردة متكررة للحيوانات المفترسة تؤدي إلى تغييرات دائمة في كيمياء الدماغ توازي تلك التي تظهر في أدمغة الأشخاص المصابين بصدمات نفسية. هذه التغييرات تمنع الأرانب البرية من التكاثر بالمستويات الطبيعية، حتى بعد موت مفترسيها.
الأمر لا يتوقف فقط عند أرانب الأحذية الثلجية، فالخوف بشكل عام من الحيوانات المفترسة يمكن أن يؤثر في حمل الثدييات البرية والطيور المغردة الأخرى وتربية عدد أقل من الصغار. إن نسل الفئران وعصافير الغناء، هم أقل عرضة للبقاء على قيد الحياة حتى سن البلوغ والنجاح في التكاثر. تضيف هذه النتائج إلى مجموعة متزايدة من الأدلة التي تُظهر أن التجارب المخيفة يمكن أن يكون لها تأثيرات طويلة الأمد على الحياة البرية.
بدأت دراسات بيئة الخوف في التسعينيات. قبل ذلك، افترض العلماء عمومًا أن تأثير حيوان مفترس على حيوان فريسة فردي كان إما مميتًا أو سريعًا. إذا نجا أرنب من هجوم ذئب، أو نجا الحمار الوحشي من مخالب أسد، فسوف يتحرك ويعيش حياته كما كانت من قبل لكن الحقيقة ليست كذلك.
وفيما ركز الرواد الأوائل في فسيولوجيا الإجهاد على المشكلات البشرية، فإن العلماء اليوم يرون أن استجابة الأرانب ذات الحذاء الثلجي هو تكيف يسمح للحيوانات بالاستفادة من الموقف السيئ بأفضل شكل. تقضي الحيوانات التي يجهدها العديد من الحيوانات المفترسة وقتًا أطول في الاختباء ووقتًا أقل في التغذية، لذا فإنها تنتج عددًا أقل من الصغار — ولكن هذا قد يسمح لمزيد من الأرانب البالغة بالبقاء على قيد الحياة لإعادة بناء العشيرة عندما تبدأ الدورة مرة أخرى. وقد لوحظت بعض التأثيرات الأكثر دراماتيكية لصدمات الحياة البرية في الأفيال الإفريقية إذ انخفض عددها بشكل كبير بسبب الصيد الجائر، والإعدام القانوني، وفقدان الموائل. وتعيش الأفيال غير المضطربة في مجموعات عائلية ممتدة يحكمها الأم، مع مغادرة الذكور عند سن البلوغ. اليوم، شهد العديد من الأفيال الباقية على قيد الحياة أمهاتهم وخالاتهم يذبحون أمام أعينهم. مزيج من الصدمات المبكرة وعدم وجود عائلات مستقرة من شأنها أن ترسيها الأفيال الأكبر سنًا في العادة، ما أدى إلى ظهور الأفيال اليتيمة في حالة من الفوضى أثناء نموها في سن المراهقة.
يقول "جرايم شانون"، عالم البيئة السلوكية في جامعة بانجور في ويلز، الذي يدرس الفيل الإفريقي: "هناك أوجه تشابه مثيرة للاهتمام بين ما نراه في البشر والفيلة". الصدمة في مرحلة الطفولة وعدم وجود أسرة مستقرة هي عوامل الخطر الرئيسية لاضطراب ما بعد الصدمة لدى البشر. ومن بين الأفيال الذين عانوا من الصدمة، يلاحظ العلماء تغييرًا جذريًا في نموهم وسلوكهم أثناء النضوج. إذ يمكن أن تظل الأفيال في حالة تأهب قصوى بعد سنوات من تجربة مرعبة، وتتفاعل مع العدوانية المتزايدة.
و تُظهر الأبحاث أن الخوف يمكن أن يغير السلوك طويل المدى وعلم وظائف الأعضاء للحيوانات البرية، من الأسماك إلى الأفيال. وقد جدت الدراسات الحديثة أن ما يصل إلى 32 ٪ من إناث الزرافات البالغة في سيرينجيتي تحمل ندوبًا من هجمات الأسود، و 25 ٪ من خنازير البحر في جنوب بحر الشمال بها علامات مخالب وعض من الفقمة الرمادية. هؤلاء الناجون يحملون ذكريات الرعب مع ندوبهم الجسدية.
بطريقة مماثلة، الخوف من الحيوانات المفترسة يقمع تكوين الخلايا العصبية في فئران التجارب. ويبرهن العلماء على أن نفس النمط ينطبق على الكائنات البرية التي تعيش في موائلها الأصلية. ولبحث تأثيرات الخوف على حيوانات الغابة قام العلماء ببث نداءات الصقور في الغابة ووجدوا أن أنثى العصافير المغنية التي سمعت النداءات تنتج ذرية حية أقل بنسبة 40 ٪ من تلك التي لم تفعل ذلك. في تجارب لاحقة، أظهروا أن طيور البقر بنية الرأس والطيور ذات الرأس الأسود التي سمعت نداءات مفترسة أظهرت تغيرات كيميائية عصبية دائمة بسبب الخوف. بعد أسبوع كامل خفضت طيور البقر مستويات الدوبليكورتين، وهي علامة على ولادة خلايا عصبية جديدة. وقد ظهر نفس النمط في الفئران البرية والأسماك التي تعيش بمستويات عالية من تهديد الحيوانات المفترسة. توازي هذه الإشارات الكيميائية العصبية تلك التي تظهر في نماذج القوارض من اضطراب ما بعد الصدمة التي استخدمها الباحثون منذ فترة طويلة لفهم المتلازمة لدى البشر.
على الرغم من الأدلة المتزايدة على أن مجموعة واسعة من الحيوانات تعاني من تأثيرات طويلة الأمد من الإجهاد الشديد، لا يزال العديد من علماء النفس يرون أن اضطراب ما بعد الصدمة يمثل مشكلة بشرية فريدة. يقول "ديفيد دياموند"، عالم الأعصاب في جامعة جنوب فلوريدا: "يتم تعريف اضطراب ما بعد الصدمة من حيث الاستجابات البشرية. لا يوجد مقياس بيولوجي - لا يمكنك الحصول على فحص دم يشير إلى إصابة شخص ما باضطراب ما بعد الصدمة. هذا مرض نفسي ولهذا أسميه اضطراب بشري. لأن الجرذ لا يستطيع إخبارك بما يشعر به "
المصدر: The atlantic
كيف تؤثر تجارب الاقتراب من الموت على الحيوانات مدى الحياة؟
كل بضع سنوات، تزداد أعداد أرنب الأحذية الثلجية في يوكون الكندية. و يزداد معها أعداد الحيوانات المفترسة أيضًا، مثل الوشق والقيوط. ثم ينخفض عدد الأرانب وتبدأ الحيوانات المفترسة في الموت. تعتبر الدورة ظاهرة مشهورة بين علماء البيئة وتمت دراستها منذ عشرينيات القرن الماضي.
على الرغم من ذلك، توصل الباحثون في السنوات الأخيرة إلى استنتاج مذهل مفاداه أن انخفاض أعداد الأرانب ليس فقط لأن الحيوانات المفترسة تأكل الكثير منها. فهناك عامل آخر يتمثل في الإجهاد المزمن الناجم عن العيش وسط المفترسات، والذي يجعل الأرانب تأكل كميات أقل من الطعام وتحمل عددًا أقل من الأطفال. هذا يعني أن صدمة العيش من خلال مطاردة متكررة للحيوانات المفترسة تؤدي إلى تغييرات دائمة في كيمياء الدماغ توازي تلك التي تظهر في أدمغة الأشخاص المصابين بصدمات نفسية. هذه التغييرات تمنع الأرانب البرية من التكاثر بالمستويات الطبيعية، حتى بعد موت مفترسيها.
الأمر لا يتوقف فقط عند أرانب الأحذية الثلجية، فالخوف بشكل عام من الحيوانات المفترسة يمكن أن يؤثر في حمل الثدييات البرية والطيور المغردة الأخرى وتربية عدد أقل من الصغار. إن نسل الفئران وعصافير الغناء، هم أقل عرضة للبقاء على قيد الحياة حتى سن البلوغ والنجاح في التكاثر. تضيف هذه النتائج إلى مجموعة متزايدة من الأدلة التي تُظهر أن التجارب المخيفة يمكن أن يكون لها تأثيرات طويلة الأمد على الحياة البرية.
بدأت دراسات بيئة الخوف في التسعينيات. قبل ذلك، افترض العلماء عمومًا أن تأثير حيوان مفترس على حيوان فريسة فردي كان إما مميتًا أو سريعًا. إذا نجا أرنب من هجوم ذئب، أو نجا الحمار الوحشي من مخالب أسد، فسوف يتحرك ويعيش حياته كما كانت من قبل لكن الحقيقة ليست كذلك.
وفيما ركز الرواد الأوائل في فسيولوجيا الإجهاد على المشكلات البشرية، فإن العلماء اليوم يرون أن استجابة الأرانب ذات الحذاء الثلجي هو تكيف يسمح للحيوانات بالاستفادة من الموقف السيئ بأفضل شكل. تقضي الحيوانات التي يجهدها العديد من الحيوانات المفترسة وقتًا أطول في الاختباء ووقتًا أقل في التغذية، لذا فإنها تنتج عددًا أقل من الصغار — ولكن هذا قد يسمح لمزيد من الأرانب البالغة بالبقاء على قيد الحياة لإعادة بناء العشيرة عندما تبدأ الدورة مرة أخرى. وقد لوحظت بعض التأثيرات الأكثر دراماتيكية لصدمات الحياة البرية في الأفيال الإفريقية إذ انخفض عددها بشكل كبير بسبب الصيد الجائر، والإعدام القانوني، وفقدان الموائل. وتعيش الأفيال غير المضطربة في مجموعات عائلية ممتدة يحكمها الأم، مع مغادرة الذكور عند سن البلوغ. اليوم، شهد العديد من الأفيال الباقية على قيد الحياة أمهاتهم وخالاتهم يذبحون أمام أعينهم. مزيج من الصدمات المبكرة وعدم وجود عائلات مستقرة من شأنها أن ترسيها الأفيال الأكبر سنًا في العادة، ما أدى إلى ظهور الأفيال اليتيمة في حالة من الفوضى أثناء نموها في سن المراهقة.
يقول "جرايم شانون"، عالم البيئة السلوكية في جامعة بانجور في ويلز، الذي يدرس الفيل الإفريقي: "هناك أوجه تشابه مثيرة للاهتمام بين ما نراه في البشر والفيلة". الصدمة في مرحلة الطفولة وعدم وجود أسرة مستقرة هي عوامل الخطر الرئيسية لاضطراب ما بعد الصدمة لدى البشر. ومن بين الأفيال الذين عانوا من الصدمة، يلاحظ العلماء تغييرًا جذريًا في نموهم وسلوكهم أثناء النضوج. إذ يمكن أن تظل الأفيال في حالة تأهب قصوى بعد سنوات من تجربة مرعبة، وتتفاعل مع العدوانية المتزايدة.
و تُظهر الأبحاث أن الخوف يمكن أن يغير السلوك طويل المدى وعلم وظائف الأعضاء للحيوانات البرية، من الأسماك إلى الأفيال. وقد جدت الدراسات الحديثة أن ما يصل إلى 32 ٪ من إناث الزرافات البالغة في سيرينجيتي تحمل ندوبًا من هجمات الأسود، و 25 ٪ من خنازير البحر في جنوب بحر الشمال بها علامات مخالب وعض من الفقمة الرمادية. هؤلاء الناجون يحملون ذكريات الرعب مع ندوبهم الجسدية.
بطريقة مماثلة، الخوف من الحيوانات المفترسة يقمع تكوين الخلايا العصبية في فئران التجارب. ويبرهن العلماء على أن نفس النمط ينطبق على الكائنات البرية التي تعيش في موائلها الأصلية. ولبحث تأثيرات الخوف على حيوانات الغابة قام العلماء ببث نداءات الصقور في الغابة ووجدوا أن أنثى العصافير المغنية التي سمعت النداءات تنتج ذرية حية أقل بنسبة 40 ٪ من تلك التي لم تفعل ذلك. في تجارب لاحقة، أظهروا أن طيور البقر بنية الرأس والطيور ذات الرأس الأسود التي سمعت نداءات مفترسة أظهرت تغيرات كيميائية عصبية دائمة بسبب الخوف. بعد أسبوع كامل خفضت طيور البقر مستويات الدوبليكورتين، وهي علامة على ولادة خلايا عصبية جديدة. وقد ظهر نفس النمط في الفئران البرية والأسماك التي تعيش بمستويات عالية من تهديد الحيوانات المفترسة. توازي هذه الإشارات الكيميائية العصبية تلك التي تظهر في نماذج القوارض من اضطراب ما بعد الصدمة التي استخدمها الباحثون منذ فترة طويلة لفهم المتلازمة لدى البشر.
على الرغم من الأدلة المتزايدة على أن مجموعة واسعة من الحيوانات تعاني من تأثيرات طويلة الأمد من الإجهاد الشديد، لا يزال العديد من علماء النفس يرون أن اضطراب ما بعد الصدمة يمثل مشكلة بشرية فريدة. يقول "ديفيد دياموند"، عالم الأعصاب في جامعة جنوب فلوريدا: "يتم تعريف اضطراب ما بعد الصدمة من حيث الاستجابات البشرية. لا يوجد مقياس بيولوجي - لا يمكنك الحصول على فحص دم يشير إلى إصابة شخص ما باضطراب ما بعد الصدمة. هذا مرض نفسي ولهذا أسميه اضطراب بشري. لأن الجرذ لا يستطيع إخبارك بما يشعر به "
المصدر: The atlantic