يوم الكلب.. وأيـام أخـرى
كان الحارس "مايك فيتز" في مكتب الاستقبال بمركز زوار "منتزه ومحمية كاتماي الوطنيين" في أواخر سبتمبر 2014، عندما خطرت له الفكرة. يقع المنتزه في جنوب ولاية ألاسكا، ويشتهر بسمك السلمون والدببة البنية. في الصيف، ترحل أعداد هائلة من الأسماك باتجاه مصبات الأنهار وكلها شوق للتناسل، فيما تتنافس الدببة على أفضل المواضع حيث يمكنها الانقضاض على هذه الفرائس والتهامها من أجل التزود بالدهون استعدادًا لأشهر البرد المقبلة. في بعض مواضع الصيد الرئيسة تلك، تُنصَب كاميرات لبث فيديوهات مباشرة.
تجتذب "كاميرات الدببة" تلك جمهورًا وفيًا عبر الإنترنت، حيث ينشأ عنها باب للتعليقات المفعمة بالحيوية. في ذلك اليوم من أواخر شهر سبتمبر، كان فيتز يطالع التعليقات إذ رأى منشورًا ثنائي الصورة وضعه أحد المشاهدين. إلى اليسار، كانت صورة تحمل كلمة "قبل" وتُظهِر دبًّا بنيًا نحيف الجسم ومكسوًا بالجلد المترهل بعد قضائه شهورًا في السبات؛ وإلى اليمين، كانت صورة للدب نفسه في شهر سبتمبر، وكان أكبر بمقدار النصف، ضخمًا كبير الحجم. كان ذلك ما أوحى لفيتز بهذه الفكرة: لِمَ لا ننشر مجموعة صور للدببة على" فيسبوك"، تُظهر هذه الحيوانات في حالتيها، النحيلة والمتضخمة.. ونجعلها مسابقة؟ فمن شأن ذلك أن يساعد في الإجابة عن السؤال الدائم الذي لا يقاوَم: أي دب هو الأسمن؟ وإذا لفتت المسابقة الانتباه، يمكن أن يستخدمها فيتز لتوعية الناس بشأن الدببة، وسمك السلمون، وأهمية صون الطبيعة. وهكذا انطلق ما يُعرف الآن باسم "Fat Bear Week" (أسبوع الدب السمين): سبعة أيام في الخريف يُصوّت خلالها المشاهدون عبر الإنترنت، حتى يتقلص هامش المتنافسين في البطولة فيفوز دب واحد قوي.
كان بإمكان "أسبوع الدب السمين" أن يكون مجرد مثال متقلب آخر على ضعف الإنسان المعاصر أمام إغراء الأيام الاحتفالية بالحيوانات.. أو ذلك الميل لملء كل مربع في التقويم بذكرى أو احتفال أو اعتراف أو إعلان يوم وطني لشيء ما. ولكن هذه المنافسة أحدثت منذ بدايتها ضجة كبيرة على الإنترنت، حيث تنامت المشاركة بقدر كبير واستثنائي. ففي عام 2020، تم الإدلاء بأكثر من 600 ألف صوت، ونشر العديد من وسائل الإعلام الكبرى مقالات حول الموضوع. فلماذا تَميزَ "أسبوع الدب السمين" الذي ابتكره فيتز، من بين آلاف المناسبات؟ الجواب: لأن هذه المناسبة تُعدّ فعاليةً مضحكة ممتعة؛ ولأنها تشد أنظار الناس إليها، فتشجعهم على حب الحيوانات بصدق فيسعوا لحمايتها ودعمها.
طالع أيًّا من عشرات التقاويم الاحتفالية التي ظهرت عبر الإنترنت، ثم اختر بطريقة عشوائية يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا، وستجد عددًا -يكاد يكون مزعجًا- من الاحتفالات المخصصة لمجموعة واسعة من الموضوعات. ستجد أيامًا وفيرة بل حتى مزدحمة، تشير على وجه التحديد إلى حيوانات. في عام 2020، انطلق تصويت "الدب السمين" بعد أسبوع على الاحتفال بـ"اليوم العالمي للكركدن" و"اليوم العالمي لتقدير الفيل" (22 سبتمبر). وتُوِّج الدب الفائز -حمل الرقم 747، وكان وحشًا ضخمًا تكاد بطنه تلامس الأرض- في يوم 6 أكتوبر، المعروف أيضًا باسم "يوم الغُرير". أمّا مَرامي هذه المناسبات فهي مختلطة: إيثار وتجارة وتاريخ وخيال وجد وهزل. ويتضمن بعضها فعاليات بدنية (مثل "مسيرة الخفافيش" أثناء غروب الشمس للاحتفال بـ"أسبوع الخفاش"، من 24 إلى 31 أكتوبر). فيما يتخذ بعضها الآخر بالأساس شكلَ وُسوم (هشتاقات) أو منشورات على منصات التواصل الاجتماعي؛ على أنّ الخط الفاصل بين الوجود الحصري على الإنترنت والوجود الأكثر "رسمية" رفيع جدًا، بل غالبًا ما يبلغ حَدّ الاختفاء. فحسب يوم 16 مايو في التقويم الاحتفالي، نجد "اليوم الوطني لقرد البحر" المخصَّص للاحتفاء بـ "الروبيان الملحي الدقيق الذي يسبح في أحواض الزينة"؛ وقد انتشر على الإنترنت كالنار في الهشيم، بل كتبت عنه مجلة "نيوزويك".
يُعدّ جذب الانتباه أحدَ الأهداف المنشودة -إن لم يكن الهدف الأوحد- من أيام الحيوان. إذ تخصص بعض المنظمات أيامًا معلومة للدعوة إلى صون مكونات الطبيعة، وإلقاء الضوء على القسوة التي تعانيها الحيوانات، وتوعية الناس بشأن التنوع البيولوجي. على سبيل المثال لا الحصر، نَذكر: "اليوم العالمي للفيل" (12 أغسطس) و"اليوم العالمي لفرس النهر" (15 فبراير) و"اليوم العالمي للزرافة" (21 يونيو) و"اليوم العالمي للأورانغوتان (19 أغسطس). وتُعيّن "الأمم المتحدة" أكثر من 170 أسبوعًا ويومًا خاصًا؛ منها "اليوم العالمي للنحل" في 20 مايو (وهو يوم ميلاد رائد تربية النحل، "أنطون جانشا") و"اليوم العالمي للتونة" في 2 مايو، لتبيان دور التونة في إطعام العالم وضرورة حمايتها ضد الصيد الجائر. وتسعى أيام أخرى إلى إعادة الاعتبار لسمعة المخلوقات الموسومة بالخُبث. إذ تم إطلاق "اليوم العالمي للجُرذ" (4 أبريل) في عام 2002 من قبل عشاق الجرذان الأليفة. وهم يؤيدون السمات الحسنة للجرذان -بوصفها نظيفة واجتماعية وذكية- وينددون بـ "التحيز غير المنطقي" ضد هذه القوارض (لننسَ أمر الطاعون الدبلي). ومن ضمن الأيام المخصصة أيضًا لتصحيح تلك التصورات: "يوم التوعية بالإغوانا" (8 سبتمبر) و"اليوم العالمي للتوعية بالنسر" (السبت الأول في سبتمبر). وهناك يومان اثنان يحثّان الأشخاص الذين يعانون رهاب الزواحف السامة على التحكم في خوفهم من بعض أنواعها. نَذكر من ذلك: "اليوم الوطني للثعبان" في فاتح فبراير و"اليوم العالمي للأفعى" في 16 يوليو (على أن الاختلاف بين الحيوانين أو اليومين ليس واضحًا تمامًا). وعلى العكس من ذلك، تقدم منظمة "إنقاذ السلاحف البرية" الأميركية الرعاية لـ "اليوم العالمي للسلاحف البحرية" (23 مايو)، وتخصص هذا اليوم لكليهما.. على أن هذين النوعين من السلاحف مختلفان عن بعضهما بعضًا. وبالطبع فإن الفرق بين "يوم الحلزون البري" (7 نوفمبر) و"يوم أُكلة الحلزون" (24 مايو) ليس بحاجة إلى توضيح. واعلَم أن لديك ستة أشهر للتوبة من الاحتفال باليوم الثاني قبل حلول موعد الأول. أما في يوم 20 أغسطس، فلا حرج عليك في قتل الكائن المُكرَّم: إنه "اليوم العالمي للبعوض" المكرَّس لتخليد ذكرى اكتشاف أن أنثى البعوض تنقل الملاريا إلى البشر.
اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab
يوم الكلب.. وأيـام أخـرى
كان الحارس "مايك فيتز" في مكتب الاستقبال بمركز زوار "منتزه ومحمية كاتماي الوطنيين" في أواخر سبتمبر 2014، عندما خطرت له الفكرة. يقع المنتزه في جنوب ولاية ألاسكا، ويشتهر بسمك السلمون والدببة البنية. في الصيف، ترحل أعداد هائلة من الأسماك باتجاه مصبات الأنهار وكلها شوق للتناسل، فيما تتنافس الدببة على أفضل المواضع حيث يمكنها الانقضاض على هذه الفرائس والتهامها من أجل التزود بالدهون استعدادًا لأشهر البرد المقبلة. في بعض مواضع الصيد الرئيسة تلك، تُنصَب كاميرات لبث فيديوهات مباشرة.
تجتذب "كاميرات الدببة" تلك جمهورًا وفيًا عبر الإنترنت، حيث ينشأ عنها باب للتعليقات المفعمة بالحيوية. في ذلك اليوم من أواخر شهر سبتمبر، كان فيتز يطالع التعليقات إذ رأى منشورًا ثنائي الصورة وضعه أحد المشاهدين. إلى اليسار، كانت صورة تحمل كلمة "قبل" وتُظهِر دبًّا بنيًا نحيف الجسم ومكسوًا بالجلد المترهل بعد قضائه شهورًا في السبات؛ وإلى اليمين، كانت صورة للدب نفسه في شهر سبتمبر، وكان أكبر بمقدار النصف، ضخمًا كبير الحجم. كان ذلك ما أوحى لفيتز بهذه الفكرة: لِمَ لا ننشر مجموعة صور للدببة على" فيسبوك"، تُظهر هذه الحيوانات في حالتيها، النحيلة والمتضخمة.. ونجعلها مسابقة؟ فمن شأن ذلك أن يساعد في الإجابة عن السؤال الدائم الذي لا يقاوَم: أي دب هو الأسمن؟ وإذا لفتت المسابقة الانتباه، يمكن أن يستخدمها فيتز لتوعية الناس بشأن الدببة، وسمك السلمون، وأهمية صون الطبيعة. وهكذا انطلق ما يُعرف الآن باسم "Fat Bear Week" (أسبوع الدب السمين): سبعة أيام في الخريف يُصوّت خلالها المشاهدون عبر الإنترنت، حتى يتقلص هامش المتنافسين في البطولة فيفوز دب واحد قوي.
كان بإمكان "أسبوع الدب السمين" أن يكون مجرد مثال متقلب آخر على ضعف الإنسان المعاصر أمام إغراء الأيام الاحتفالية بالحيوانات.. أو ذلك الميل لملء كل مربع في التقويم بذكرى أو احتفال أو اعتراف أو إعلان يوم وطني لشيء ما. ولكن هذه المنافسة أحدثت منذ بدايتها ضجة كبيرة على الإنترنت، حيث تنامت المشاركة بقدر كبير واستثنائي. ففي عام 2020، تم الإدلاء بأكثر من 600 ألف صوت، ونشر العديد من وسائل الإعلام الكبرى مقالات حول الموضوع. فلماذا تَميزَ "أسبوع الدب السمين" الذي ابتكره فيتز، من بين آلاف المناسبات؟ الجواب: لأن هذه المناسبة تُعدّ فعاليةً مضحكة ممتعة؛ ولأنها تشد أنظار الناس إليها، فتشجعهم على حب الحيوانات بصدق فيسعوا لحمايتها ودعمها.
طالع أيًّا من عشرات التقاويم الاحتفالية التي ظهرت عبر الإنترنت، ثم اختر بطريقة عشوائية يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا، وستجد عددًا -يكاد يكون مزعجًا- من الاحتفالات المخصصة لمجموعة واسعة من الموضوعات. ستجد أيامًا وفيرة بل حتى مزدحمة، تشير على وجه التحديد إلى حيوانات. في عام 2020، انطلق تصويت "الدب السمين" بعد أسبوع على الاحتفال بـ"اليوم العالمي للكركدن" و"اليوم العالمي لتقدير الفيل" (22 سبتمبر). وتُوِّج الدب الفائز -حمل الرقم 747، وكان وحشًا ضخمًا تكاد بطنه تلامس الأرض- في يوم 6 أكتوبر، المعروف أيضًا باسم "يوم الغُرير". أمّا مَرامي هذه المناسبات فهي مختلطة: إيثار وتجارة وتاريخ وخيال وجد وهزل. ويتضمن بعضها فعاليات بدنية (مثل "مسيرة الخفافيش" أثناء غروب الشمس للاحتفال بـ"أسبوع الخفاش"، من 24 إلى 31 أكتوبر). فيما يتخذ بعضها الآخر بالأساس شكلَ وُسوم (هشتاقات) أو منشورات على منصات التواصل الاجتماعي؛ على أنّ الخط الفاصل بين الوجود الحصري على الإنترنت والوجود الأكثر "رسمية" رفيع جدًا، بل غالبًا ما يبلغ حَدّ الاختفاء. فحسب يوم 16 مايو في التقويم الاحتفالي، نجد "اليوم الوطني لقرد البحر" المخصَّص للاحتفاء بـ "الروبيان الملحي الدقيق الذي يسبح في أحواض الزينة"؛ وقد انتشر على الإنترنت كالنار في الهشيم، بل كتبت عنه مجلة "نيوزويك".
يُعدّ جذب الانتباه أحدَ الأهداف المنشودة -إن لم يكن الهدف الأوحد- من أيام الحيوان. إذ تخصص بعض المنظمات أيامًا معلومة للدعوة إلى صون مكونات الطبيعة، وإلقاء الضوء على القسوة التي تعانيها الحيوانات، وتوعية الناس بشأن التنوع البيولوجي. على سبيل المثال لا الحصر، نَذكر: "اليوم العالمي للفيل" (12 أغسطس) و"اليوم العالمي لفرس النهر" (15 فبراير) و"اليوم العالمي للزرافة" (21 يونيو) و"اليوم العالمي للأورانغوتان (19 أغسطس). وتُعيّن "الأمم المتحدة" أكثر من 170 أسبوعًا ويومًا خاصًا؛ منها "اليوم العالمي للنحل" في 20 مايو (وهو يوم ميلاد رائد تربية النحل، "أنطون جانشا") و"اليوم العالمي للتونة" في 2 مايو، لتبيان دور التونة في إطعام العالم وضرورة حمايتها ضد الصيد الجائر. وتسعى أيام أخرى إلى إعادة الاعتبار لسمعة المخلوقات الموسومة بالخُبث. إذ تم إطلاق "اليوم العالمي للجُرذ" (4 أبريل) في عام 2002 من قبل عشاق الجرذان الأليفة. وهم يؤيدون السمات الحسنة للجرذان -بوصفها نظيفة واجتماعية وذكية- وينددون بـ "التحيز غير المنطقي" ضد هذه القوارض (لننسَ أمر الطاعون الدبلي). ومن ضمن الأيام المخصصة أيضًا لتصحيح تلك التصورات: "يوم التوعية بالإغوانا" (8 سبتمبر) و"اليوم العالمي للتوعية بالنسر" (السبت الأول في سبتمبر). وهناك يومان اثنان يحثّان الأشخاص الذين يعانون رهاب الزواحف السامة على التحكم في خوفهم من بعض أنواعها. نَذكر من ذلك: "اليوم الوطني للثعبان" في فاتح فبراير و"اليوم العالمي للأفعى" في 16 يوليو (على أن الاختلاف بين الحيوانين أو اليومين ليس واضحًا تمامًا). وعلى العكس من ذلك، تقدم منظمة "إنقاذ السلاحف البرية" الأميركية الرعاية لـ "اليوم العالمي للسلاحف البحرية" (23 مايو)، وتخصص هذا اليوم لكليهما.. على أن هذين النوعين من السلاحف مختلفان عن بعضهما بعضًا. وبالطبع فإن الفرق بين "يوم الحلزون البري" (7 نوفمبر) و"يوم أُكلة الحلزون" (24 مايو) ليس بحاجة إلى توضيح. واعلَم أن لديك ستة أشهر للتوبة من الاحتفال باليوم الثاني قبل حلول موعد الأول. أما في يوم 20 أغسطس، فلا حرج عليك في قتل الكائن المُكرَّم: إنه "اليوم العالمي للبعوض" المكرَّس لتخليد ذكرى اكتشاف أن أنثى البعوض تنقل الملاريا إلى البشر.