شعائر للأمان.. ومآرب أخرى

يشير بحث جديد إلى أننا طورنا ممارسات وأنماط سلوك اجتماعية لدرء التهديدات المشتركة الناشئة عن الأخطار والأمراض.

للثقافات البشرية كافة شعائرها الخاصة؛ وهي أنماط سلوك رمزية متكررة نَخبر ونشعر بجدواها وغايتَها، على أننا نَعجز -بوجه عام- عن تفسير الطريقة التي يُفترض أن تفضي من خلالها إلى النتائج المرجوة. فبإمكان هذه الشعائر أن تعزز روح الانتماء إلى الجماعة والمعتقدات المشتركة، لكن تنوعها المُربك المُحيّر يمكن أيضًا أن يثير لدى الناس إحساسًا بالاغتراب والانفصال عن وسطهم الاجتماعي، لاسيما عندما تصف الشعائرُ الممجَّدة لدى ثقافة بعينها ثقافةً أخرى مختلفة بأنها غريبة وغامضة.
ويعدّ جُلّ العلماء الذين يدرسون الشعائر أن أصولها الغامضة هي إحدى خصائصها المميزة. لكن الباحثين أصبح ينتابهم الشك في الآونة الأخيرة في احتمال أن يكون كثير من هذه الشعائر قد نشأ بوصفه محاولات لاتّقاء الكوارث، قبل أن يكتسي طابعًا اجتماعيًا خالصًا ويُصبح سِمة مميزة لمجتمعات بعينها.
فلربما ساعدت ممارسة الشعائر الثقافات البشرية في الحفاظ على أنماط السلوك التي كان الناس يعتقدون أنها ستحافظ على سلامتهم، حتى بعد نسيان السبب الأولي لنشوء سلوك بعينه، وفقًا لما انتهى إليه مؤلفو الأوراق البحثية التي نُشرت حديثًا في دورية "المداولات الفلسفية للجمعية الملكية في العلوم البيولوجية".
ولربما ظهرت الممارسات الشعائرية لإعداد الطعام أو تنظيف الجسم -على سبيل المثال- بوصفها ممارسات للوقاية ضد الأمراض. ويمنحنا كثيرٌ من الشعائر أيضًا شعورًا بالراحة النفسية في أوقات الشدة، ويساعدنا -بعد أن يصبح ممارسة شائعة- في الجمع بين الناس من خلال تعزيز روح الانتماء إلى الجماعة.
واليوم إذ نعيش جائحة "كوفيد19-"، يعتمد البشر مرة أخرى أنماط سلوك جديدة في مواجهة التهديد؛ على أنه من السابق لأوانه معرفة هل سيصبح أيٌّ منها شعيرةً بالفعل. فتَبَعًا للتعريف المعتمَد، لن يتحقق ذلك إلا عندما تسمو الأهمية الاجتماعية للسلوك على استخدامه العملي في اتّقاء الأمراض أو الكوارث، كما يقول "مارك نيلسن"، أستاذ علم النفس لدى "جامعة كوينزلاند" بأستراليا. وذلك ما يميز الشعائر عن الممارسات الثقافية الأخرى كالطهي.
ويقول نيلسن: "عندما يتعلم المرء طهي طبق بعينه أولَ مرة، فمن المحتمل أنه يحاكي إحدى الوصفات، لكن عندما يُحضّر ذلك الطبق عدة مرات، فقد يقوم بذلك على طريقته الخاصة". ويوضح أن هذا النوع من التخصيص (إضفاء اللمسة الشخصية) لا يحدث في الغالب مع الممارسات الشعائرية التي تتكرر بدقة بالغة إلى أن ينتهي بها المآل إلى "فقدان قيمتها الوظيفية، فينحصر مجال أدائها ضمن نطاق قيمتها الاجتماعية لا غير".

وفي المناطق حيث تشيع الكوارث الطبيعية والأوبئة ويتعاظم خطر العنف والأمراض، تميل المجتمعات إلى أن تكون "أكثر حَزمًا"؛ أي أن لديها قواعد اجتماعية أكثر صرامة، وأقل تساهلًا إزاء السلوك المنحرف، كما تقول "ميشيل غيلفاند"، أستاذة علم النفس لدى "جامعة ماريلاند". وتميل هذه المجتمعات أيضًا إلى أن تكون أكثر تدينًا، إذ تعطي أولوية عظمى لأنماط السلوك التي تتخذ شكلَ الشعائر.
وقد خلص بحث غيلفاند إلى أن مواقف الناس بشأن الامتثال الاجتماعي تتغير عندما يتعرضون للتهديدات أو حتى لتصور المخاطر. فعندما طُرح فيلم "عدوى" (Contagion) -الذي يصور قصة خيالية عن وباء عالمي- في دور العرض عام 2011، أجرت غيلفاند وزملاؤها دراسة استقصائية وجدت أن الأشخاص الذين شاهدوا الفيلم شعروا بعد مغادرتهم دار العرض بعداء أكبر تجاه المنحرفين عن النُّظم الاجتماعية.
فعندما نتحرك جميعًا بشكل متزامن، أو نقوم بالتصرفات نفسها على نحو متوقع -كما تقتضي الشعائر في الغالب- يمكن أن يبعث ذلك إحساسًا مطمْئنًا بالترابط والتآزر. وفي مواجهة الخطر، يمْكن أن يتحول التعاون الجماعي إلى مسألة حياة أو موت.
"ثقافة الجيش هي أبلغ مثال على ذلك"، تقول غيلفاند. فالتحركات الجماعية المتزامنة التي تقوم بها الوحدات العسكرية في مختلف أنحاء العالم تعدهم للعمل ككيان واحد في المواقف الخطرة.
ويمكن للشعائر أيضًا أن تساعد الأفراد في التغلب على أنواع الخوف والقلق الأخرى. إذ يرى "مارتن لانغ"، من "جامعة ماساريك" بجمهورية التشيك، أن إمكانية التنبؤ بالشعائر تجعلها مريحة بطبيعتها. فقد وجد فريقه -على سبيل المثال- أن النساء في جزيرة موريشيوس شعرن بقلق أقل بشأن إلقاء خطاب أمام العامة بعد أداء شعائر صلاة متكررة في أحد المعابد الهندوسية.

شعائر للأمان.. ومآرب أخرى

يشير بحث جديد إلى أننا طورنا ممارسات وأنماط سلوك اجتماعية لدرء التهديدات المشتركة الناشئة عن الأخطار والأمراض.

للثقافات البشرية كافة شعائرها الخاصة؛ وهي أنماط سلوك رمزية متكررة نَخبر ونشعر بجدواها وغايتَها، على أننا نَعجز -بوجه عام- عن تفسير الطريقة التي يُفترض أن تفضي من خلالها إلى النتائج المرجوة. فبإمكان هذه الشعائر أن تعزز روح الانتماء إلى الجماعة والمعتقدات المشتركة، لكن تنوعها المُربك المُحيّر يمكن أيضًا أن يثير لدى الناس إحساسًا بالاغتراب والانفصال عن وسطهم الاجتماعي، لاسيما عندما تصف الشعائرُ الممجَّدة لدى ثقافة بعينها ثقافةً أخرى مختلفة بأنها غريبة وغامضة.
ويعدّ جُلّ العلماء الذين يدرسون الشعائر أن أصولها الغامضة هي إحدى خصائصها المميزة. لكن الباحثين أصبح ينتابهم الشك في الآونة الأخيرة في احتمال أن يكون كثير من هذه الشعائر قد نشأ بوصفه محاولات لاتّقاء الكوارث، قبل أن يكتسي طابعًا اجتماعيًا خالصًا ويُصبح سِمة مميزة لمجتمعات بعينها.
فلربما ساعدت ممارسة الشعائر الثقافات البشرية في الحفاظ على أنماط السلوك التي كان الناس يعتقدون أنها ستحافظ على سلامتهم، حتى بعد نسيان السبب الأولي لنشوء سلوك بعينه، وفقًا لما انتهى إليه مؤلفو الأوراق البحثية التي نُشرت حديثًا في دورية "المداولات الفلسفية للجمعية الملكية في العلوم البيولوجية".
ولربما ظهرت الممارسات الشعائرية لإعداد الطعام أو تنظيف الجسم -على سبيل المثال- بوصفها ممارسات للوقاية ضد الأمراض. ويمنحنا كثيرٌ من الشعائر أيضًا شعورًا بالراحة النفسية في أوقات الشدة، ويساعدنا -بعد أن يصبح ممارسة شائعة- في الجمع بين الناس من خلال تعزيز روح الانتماء إلى الجماعة.
واليوم إذ نعيش جائحة "كوفيد19-"، يعتمد البشر مرة أخرى أنماط سلوك جديدة في مواجهة التهديد؛ على أنه من السابق لأوانه معرفة هل سيصبح أيٌّ منها شعيرةً بالفعل. فتَبَعًا للتعريف المعتمَد، لن يتحقق ذلك إلا عندما تسمو الأهمية الاجتماعية للسلوك على استخدامه العملي في اتّقاء الأمراض أو الكوارث، كما يقول "مارك نيلسن"، أستاذ علم النفس لدى "جامعة كوينزلاند" بأستراليا. وذلك ما يميز الشعائر عن الممارسات الثقافية الأخرى كالطهي.
ويقول نيلسن: "عندما يتعلم المرء طهي طبق بعينه أولَ مرة، فمن المحتمل أنه يحاكي إحدى الوصفات، لكن عندما يُحضّر ذلك الطبق عدة مرات، فقد يقوم بذلك على طريقته الخاصة". ويوضح أن هذا النوع من التخصيص (إضفاء اللمسة الشخصية) لا يحدث في الغالب مع الممارسات الشعائرية التي تتكرر بدقة بالغة إلى أن ينتهي بها المآل إلى "فقدان قيمتها الوظيفية، فينحصر مجال أدائها ضمن نطاق قيمتها الاجتماعية لا غير".

وفي المناطق حيث تشيع الكوارث الطبيعية والأوبئة ويتعاظم خطر العنف والأمراض، تميل المجتمعات إلى أن تكون "أكثر حَزمًا"؛ أي أن لديها قواعد اجتماعية أكثر صرامة، وأقل تساهلًا إزاء السلوك المنحرف، كما تقول "ميشيل غيلفاند"، أستاذة علم النفس لدى "جامعة ماريلاند". وتميل هذه المجتمعات أيضًا إلى أن تكون أكثر تدينًا، إذ تعطي أولوية عظمى لأنماط السلوك التي تتخذ شكلَ الشعائر.
وقد خلص بحث غيلفاند إلى أن مواقف الناس بشأن الامتثال الاجتماعي تتغير عندما يتعرضون للتهديدات أو حتى لتصور المخاطر. فعندما طُرح فيلم "عدوى" (Contagion) -الذي يصور قصة خيالية عن وباء عالمي- في دور العرض عام 2011، أجرت غيلفاند وزملاؤها دراسة استقصائية وجدت أن الأشخاص الذين شاهدوا الفيلم شعروا بعد مغادرتهم دار العرض بعداء أكبر تجاه المنحرفين عن النُّظم الاجتماعية.
فعندما نتحرك جميعًا بشكل متزامن، أو نقوم بالتصرفات نفسها على نحو متوقع -كما تقتضي الشعائر في الغالب- يمكن أن يبعث ذلك إحساسًا مطمْئنًا بالترابط والتآزر. وفي مواجهة الخطر، يمْكن أن يتحول التعاون الجماعي إلى مسألة حياة أو موت.
"ثقافة الجيش هي أبلغ مثال على ذلك"، تقول غيلفاند. فالتحركات الجماعية المتزامنة التي تقوم بها الوحدات العسكرية في مختلف أنحاء العالم تعدهم للعمل ككيان واحد في المواقف الخطرة.
ويمكن للشعائر أيضًا أن تساعد الأفراد في التغلب على أنواع الخوف والقلق الأخرى. إذ يرى "مارتن لانغ"، من "جامعة ماساريك" بجمهورية التشيك، أن إمكانية التنبؤ بالشعائر تجعلها مريحة بطبيعتها. فقد وجد فريقه -على سبيل المثال- أن النساء في جزيرة موريشيوس شعرن بقلق أقل بشأن إلقاء خطاب أمام العامة بعد أداء شعائر صلاة متكررة في أحد المعابد الهندوسية.