لماذا تحولت الهند إلى البؤرة العالمية لفيروس "كورونا"؟

يعتقد البعض أن الطفرة المزدوجة لفيروس "كورونا" هي السبب في ارتفاع حالات الإصابة إلى أكثر من 300 ألف يوميًا، فيما يرجح الخبراء أن إهمال الإجراءات الوقائية كان المعامل الرئيسي لهذه الموجة القاسية.

تُطلق مستشفيات في الهند نداءات استغاثة بسبب نقص الأوكسجين والأدوية والأجهزة لعلاج مرضى "كوفيد -19"، مع انهيار العديد من المنشآت الطبية بالمدن الكبرى بسبب الانتشار غير المسبوق للفيروس القاتل، وتسجيل نحو 340 ألف إصابة وأكثر من 2000 حالة وفاة يوميًا في البلاد . 

الأطباء في المستشفيات يراقبون بلا حول ولا قوة عشرات المرضى يموتون يوميًا في أحد أكبر الأزمات الصحية التي تواجهها الهند في تاريخها المعاصر. حجم المأساة جعل المحارق تكتظ بالجثث على مدار الساعة. إنها فاجعة إنسانية تدفع للسؤال لماذا توحش الفيروس في الهند بعد أكثر من عام كانت فيه إحدى أقل بلدان العالم تأثرًا؟  وتصاعد منحنى الإصابة والوفاة بفيروس "كوفيد- 19" خلال الأسابيع الماضية، جاء بعد تراجع طويل للمنحنى في الفترة من سبتمبر 2020 إلى فبراير 2021، مما جعل الكثيرين يعتقد أن "الوباء قد انتهى". ولعل هذا الاعتقاد هو كلمة السر وراء الانتشار غير المسبوق الذي تشهده البلاد حاليًا. 

يقول "راكيش ميشرا"، كبير العلماء ومدير مركز البيولوجيا الخلوية والجزيئية بالهند، :"حذرنا من أن الوباء لم ينته ولكن لم يكن أحد يستمع إلينا". وقد شرعت الحكومة الهندية خلال الأشهر الماضية في تصدير الأوكسجين إلى الخارج كما صدرت أكثر من 190 مليون جرعة لقاح، في ظل سيطرة الاعتقاد بأن البلاد قد تعافت من الجائحة. ولكن فجأة تغير المشهد مع تزايد بمتتالية هندسية للإصابات بدءاً من مارس الماضي. 

ففي مستشفى كايلاش الهندية، كان هناك 10 أشخاص ينتظرون لإجراء الفحص المقطعي للرئة لتحديد مدى إصابتهم بالفيروس صباح يوم 22 أبريل، وقبل الساعة الواحدة ظهرًا بتوقيت نيودلهي تضاعف العدد إلى 50 شخصًا. في مشهد يدل على تزايد غير مسبوق للإصابات في هذا البلد، التي يقطنها أكثر من مليار نسمة. 

الطفرة المزدوجة لفيروس "كورونا" مسؤولة عن 10% فقط من الإصابات في الهند مما يشير بأصابع الاتهام في هذه الموجة القاسية إلى إهمال الإجراءات الوقائية 

يعتقد البعض أن الطفرة المزدوجة هي المسؤولة عن زيادة عدد الإصابات في الهند، الناجمة عن متحورة كورونا التي أطلق عليها (B.1.617) وهي متحورة مزدوجة تحمل طفرتين هما  (E484Q) و (L452R) وهي الطفرة التي يرجح الخبراء أنها نشأت في ولاية ماهاراشترا، التي يقطنها أكثر من 110 ملايين نسمة. خطورة هذه الطفرة بحسب معهد  (IHME)  الأميركي أنها أكثر قدرة على التعامل مع الأجسام المضادة إلى جانب قدرنها على مقاومة اللقاحات المتوفرة حاليًا وخاصة تلك التي تنتجها الهند. ويقول عالم الأوبئة "رجيب داسغوبتا"، رئيس مركز الطب الاجتماعي بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي: "الموجة الثانية هي اتجاه عالمي وتاريخي لهذه الجائحة". ويضيف أنه "بمجرد تحديد طفرة جديدة، يجب التحقيق في علم الأوبئة الخاص به ونقل الموارد الرئيسية إلى المناطق المتضررة لتعزيز القدرات على مقاومته".


الطفرة الجديدة وفقًا  لـ"داسغوبتا" ستؤدي على الأرجح إلى انتشار أسرع، خاصة إذا كان التحور مزدوج. ويضيف أن تحديد هذا التحور ومدى استجابته للقاحات يمكن أن يساعد في احتواء الاصابات بشكل أكثر فعالية. ووضع استراتيجيات متعددة لمواجهته". وبحسب "راكيش ميشرا" فإن الطفرة المزدوجة مسؤولة فقط عن حوالي 10٪ من حالات الإصابة في الهند. وفي ولاية ماهاراشترا - التي ظهرت بها الطفرة - مثلت 30 ٪ فقط من الحالات أي أن فيروس "كورونا" قبل التحور هو المسؤول عن أغلب الإصابات ليجعل أصابع الاتهام تتجه مباشرة إلى عدم اتباع قواعد التباعد الاجتماعي، بحسب "ميشرا"

إن ارتفاع حالات الإصابات في الموجة الثانية من "كوفيد -19" يرجع بالأساس إلى السلوك البشري في أنحاء العالم، حيث يعتقد كثيرون أن "الجائحة انتهت"، لتنتشر بشكل واسع بسبب انخفاض معايير التباعد وزيادة التجمعات البشرية.  وفي الهند، بعد عام كامل من القيود انتهى بتراجع قياسي في الإصابات، قرر السكان أن يحتفلوا بالانتصار ظنًا أنهم اكتسبوا "مناعة القطيع" ليكتشفوا أنها خدعة، فلم تعد هناك "مناعة قطيع" فالبديل الوحيد اليوم هو "مناعة للعالم كله". 

التحذيرات من نشوة الانتصار وتراجع الالتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات تعامل معها الكثيرون في الهند باعتبارها "مشاعر سلبية" و"إنذار كاذب". وكان التعبير الأكثر وضوحًا عن رفض هذه التحذيرات في تجمع أكثر من 3 ملايين شخص في احتفال ديني بنهر الغانج أول أبريل الحالي، مما أدى إلى ارتفاع الإصابات في ولاية أوتارانتشال التي استضافت الحشد الديني من 30 إصابة يومياً في فبراير المنصرم إلى أكثر من 2500 إصابة في الأسبوع الثالث من أبريل. وكان هذا الاحتفال بمثابة ذروة "نشوة الانتصار" على الفيروس، فتحول إلى "مأساة" يدفع ثمنها الملايين. إن الهند دخلت اليوم سباقًا مع الزمن لاحتواء الجائحة عبر فرض إجراءات صارمة للتباعد الاجتماعي، وعزل المناطق التي ينتشر فيها الفيروس إلى جانب تسريع عملية حصول الملايين على اللقاح خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة. 

المصدر: National Geographic

لماذا تحولت الهند إلى البؤرة العالمية لفيروس "كورونا"؟

يعتقد البعض أن الطفرة المزدوجة لفيروس "كورونا" هي السبب في ارتفاع حالات الإصابة إلى أكثر من 300 ألف يوميًا، فيما يرجح الخبراء أن إهمال الإجراءات الوقائية كان المعامل الرئيسي لهذه الموجة القاسية.

تُطلق مستشفيات في الهند نداءات استغاثة بسبب نقص الأوكسجين والأدوية والأجهزة لعلاج مرضى "كوفيد -19"، مع انهيار العديد من المنشآت الطبية بالمدن الكبرى بسبب الانتشار غير المسبوق للفيروس القاتل، وتسجيل نحو 340 ألف إصابة وأكثر من 2000 حالة وفاة يوميًا في البلاد . 

الأطباء في المستشفيات يراقبون بلا حول ولا قوة عشرات المرضى يموتون يوميًا في أحد أكبر الأزمات الصحية التي تواجهها الهند في تاريخها المعاصر. حجم المأساة جعل المحارق تكتظ بالجثث على مدار الساعة. إنها فاجعة إنسانية تدفع للسؤال لماذا توحش الفيروس في الهند بعد أكثر من عام كانت فيه إحدى أقل بلدان العالم تأثرًا؟  وتصاعد منحنى الإصابة والوفاة بفيروس "كوفيد- 19" خلال الأسابيع الماضية، جاء بعد تراجع طويل للمنحنى في الفترة من سبتمبر 2020 إلى فبراير 2021، مما جعل الكثيرين يعتقد أن "الوباء قد انتهى". ولعل هذا الاعتقاد هو كلمة السر وراء الانتشار غير المسبوق الذي تشهده البلاد حاليًا. 

يقول "راكيش ميشرا"، كبير العلماء ومدير مركز البيولوجيا الخلوية والجزيئية بالهند، :"حذرنا من أن الوباء لم ينته ولكن لم يكن أحد يستمع إلينا". وقد شرعت الحكومة الهندية خلال الأشهر الماضية في تصدير الأوكسجين إلى الخارج كما صدرت أكثر من 190 مليون جرعة لقاح، في ظل سيطرة الاعتقاد بأن البلاد قد تعافت من الجائحة. ولكن فجأة تغير المشهد مع تزايد بمتتالية هندسية للإصابات بدءاً من مارس الماضي. 

ففي مستشفى كايلاش الهندية، كان هناك 10 أشخاص ينتظرون لإجراء الفحص المقطعي للرئة لتحديد مدى إصابتهم بالفيروس صباح يوم 22 أبريل، وقبل الساعة الواحدة ظهرًا بتوقيت نيودلهي تضاعف العدد إلى 50 شخصًا. في مشهد يدل على تزايد غير مسبوق للإصابات في هذا البلد، التي يقطنها أكثر من مليار نسمة. 

الطفرة المزدوجة لفيروس "كورونا" مسؤولة عن 10% فقط من الإصابات في الهند مما يشير بأصابع الاتهام في هذه الموجة القاسية إلى إهمال الإجراءات الوقائية 

يعتقد البعض أن الطفرة المزدوجة هي المسؤولة عن زيادة عدد الإصابات في الهند، الناجمة عن متحورة كورونا التي أطلق عليها (B.1.617) وهي متحورة مزدوجة تحمل طفرتين هما  (E484Q) و (L452R) وهي الطفرة التي يرجح الخبراء أنها نشأت في ولاية ماهاراشترا، التي يقطنها أكثر من 110 ملايين نسمة. خطورة هذه الطفرة بحسب معهد  (IHME)  الأميركي أنها أكثر قدرة على التعامل مع الأجسام المضادة إلى جانب قدرنها على مقاومة اللقاحات المتوفرة حاليًا وخاصة تلك التي تنتجها الهند. ويقول عالم الأوبئة "رجيب داسغوبتا"، رئيس مركز الطب الاجتماعي بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي: "الموجة الثانية هي اتجاه عالمي وتاريخي لهذه الجائحة". ويضيف أنه "بمجرد تحديد طفرة جديدة، يجب التحقيق في علم الأوبئة الخاص به ونقل الموارد الرئيسية إلى المناطق المتضررة لتعزيز القدرات على مقاومته".


الطفرة الجديدة وفقًا  لـ"داسغوبتا" ستؤدي على الأرجح إلى انتشار أسرع، خاصة إذا كان التحور مزدوج. ويضيف أن تحديد هذا التحور ومدى استجابته للقاحات يمكن أن يساعد في احتواء الاصابات بشكل أكثر فعالية. ووضع استراتيجيات متعددة لمواجهته". وبحسب "راكيش ميشرا" فإن الطفرة المزدوجة مسؤولة فقط عن حوالي 10٪ من حالات الإصابة في الهند. وفي ولاية ماهاراشترا - التي ظهرت بها الطفرة - مثلت 30 ٪ فقط من الحالات أي أن فيروس "كورونا" قبل التحور هو المسؤول عن أغلب الإصابات ليجعل أصابع الاتهام تتجه مباشرة إلى عدم اتباع قواعد التباعد الاجتماعي، بحسب "ميشرا"

إن ارتفاع حالات الإصابات في الموجة الثانية من "كوفيد -19" يرجع بالأساس إلى السلوك البشري في أنحاء العالم، حيث يعتقد كثيرون أن "الجائحة انتهت"، لتنتشر بشكل واسع بسبب انخفاض معايير التباعد وزيادة التجمعات البشرية.  وفي الهند، بعد عام كامل من القيود انتهى بتراجع قياسي في الإصابات، قرر السكان أن يحتفلوا بالانتصار ظنًا أنهم اكتسبوا "مناعة القطيع" ليكتشفوا أنها خدعة، فلم تعد هناك "مناعة قطيع" فالبديل الوحيد اليوم هو "مناعة للعالم كله". 

التحذيرات من نشوة الانتصار وتراجع الالتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات تعامل معها الكثيرون في الهند باعتبارها "مشاعر سلبية" و"إنذار كاذب". وكان التعبير الأكثر وضوحًا عن رفض هذه التحذيرات في تجمع أكثر من 3 ملايين شخص في احتفال ديني بنهر الغانج أول أبريل الحالي، مما أدى إلى ارتفاع الإصابات في ولاية أوتارانتشال التي استضافت الحشد الديني من 30 إصابة يومياً في فبراير المنصرم إلى أكثر من 2500 إصابة في الأسبوع الثالث من أبريل. وكان هذا الاحتفال بمثابة ذروة "نشوة الانتصار" على الفيروس، فتحول إلى "مأساة" يدفع ثمنها الملايين. إن الهند دخلت اليوم سباقًا مع الزمن لاحتواء الجائحة عبر فرض إجراءات صارمة للتباعد الاجتماعي، وعزل المناطق التي ينتشر فيها الفيروس إلى جانب تسريع عملية حصول الملايين على اللقاح خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة. 

المصدر: National Geographic