عـام محفـوف بالمهالـك
المنظر ساحر ومألوف من سائر النواحي.. إلا ناحية واحدة. زوجان شابان في حلة الزفاف -بذلته الراقية وفستانها الأنيق- في الكنيسة، يكملان إجراءات زواجهما. تقف هي بمحاذاة كتفه وهو يدوّن في السجل. ينظر الكاهن إليهما بحنان ولطف ومرفقه على المنضدة. يضفي قداسةً على المشهد، صليبٌ معدني مزخرف في المقدمة وآخر خشبي على الجدار خلف الزوجين. لكن ثمة شيء آخر: إذ ترتدي العروس وعريسها قناعين من القماش يلائمان لباسهما الرسمي. يرتدي الكاهن أيضا قناعا من قماش ودرعَ وجه بلاستيكيًا شفافًا. كانت هذه الصورة التي التقطها "دافيدي بيرتوتشيو" قبل عام في بلدة "بارزانو" الإيطالية، ستحتاج إلى وصف وتأويل؛ لكن مع نهاية عام 2020، أصبح ما تُظهره واضحا من النظرة الأولى. إنه مشهد نموذجي لأحد الملامح الجديدة التي صارت تسم حياتنا: حفل زفاف في زمن "كوفيد19-". إنه يجسد التعديلات الغريبة التي ما فتئ الناس يتعلمونها لمجرد مواصلة الحياة في زمن الوباء.
لا توجد صورة واحدة يمكنها تلخيص اضطراب عام تفشى فيه عبر الكوكب فيروسٌ شديد العدوى، فأغلق الحدود وضرب قدرة الاقتصادات وقلب الحياة اليومية رأسا على عقب. لكن في وضع هذين الشابين حديثي العهد بالزواج -المتقيدين بالبروتكول الصحي وهما يحتفلان بزفافهما في "لومبارديا"، المنطقة التي ضربها الفيروس بشدة- ندرك الحاجة المُلحّة إلى العثور على ما هو طبيعي في زمن غير طبيعي. لقد كان عامًا جامحًا، بدا فيه الزمن على وشك الانتهاء. فبالإضافة إلى الخسائر البشرية -الوفيات، والتداعيات المستمرة على الناجين، والضغط على المستشفيات ومقدمي الرعاية- كانت الآثار الاقتصادية فادحة. في البلدان الغنية، زادت نسبة البطالة. وفي البلدان الفقيرة، ساءت وجوه الحرمان المستفحل أصلا. وبدا أن إغلاق الحدود، وشبه توقف الأسفار، والفوضى التي غاصت فيها سلاسل التوريد، قد أنهت فكرة أن العولمة أمر أبدي لا رجعة فيه. انتعش الفيروس في الولايات المتحدة، مستفيدًا من الاختلال على مستوى التصدي للجائحة. وزادت من حدته الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية العميقة والخلافات السياسية الحادة. وبدت نهاية "القرن الأميركي" وشيكة لمّا حادت هذه القوة الأبرز في العالم عن تحالفاتها والتزاماتها. وظل سكان الأرض يراقبون ما يحدث في هذا البلد. وفي خضم الوباء، شكَّل قتل الشرطة بشكل فاضح لأميركي من السود يدعى "جورج فلويد"، نقطة تحول. تنامت موجة الاحتجاجات في فصل الصيف، بقيادة حركة "حياة السود مهمة"، ووُجِهت في الغالب بِرَدٍّ قاس من الشرطة، وأحيانا من المليشيات التي نصَّبت نفسها حارسة.
هنالك بدا تاريخ الولايات المتحدة على المحك أكثر من أي وقت مضى. وربط المتظاهرون الماضي بالحاضر، وصَبُّوا جام غضبهم على التماثيل والنُّصب التذكارية التي تحتفي بتاريخ أميركا العنيف، متمثلةً في شخصيات من قبيل "كرستوفر كولومبوس" ورموز الكونفدرالية على وجه الخصوص. انهار العديد من المآثر، وصارت أخرى نقاط تجمع ومختبرات مرتجلة للخيال المدني؛ لا سيما تمثال الجنرال الكونفدرالي "روبرت لي" في ريتشموند بولاية فيرجينيا. وبدا أن كل حدث يزيد السعار الوطني حدة: حرائق غابات مدمرة في الساحل الغربي، ووفاة قاضية المحكمة العليا، "روث بادر جينسبورغ"، وإصابة الرئيس "ترمب" بفيروس "كورونا". تابع الكوكب بدهشة توالي الكوارث. رأى فيها كثير من الناس نذيرَ سوء ومبعث إجهاد.. أيْ ضربًا من تجربة جماعية "خارج الجسم". مع بلوغ معدلات الإصابة بالفيروس مستويات مرتفعة كل يوم في شهر نوفمبر، أسفرت الانتخابات الأميركية عن نتائج مثيرة للجدل وكارثة مؤسسية. لم تتحقق أشد المخاوف من تعطل الانتخابات، لكن هوامش التصويت الضيقة وعمليات العد المطولة في كثير من الولايات أحبطت جمهورا نفد صبره. كشفت النتائج بلدًا شديد الانقسام وفريسة للعداء الاجتماعي ونظريات المؤامرة.
فكيف وصفت الصور الفوتوغرافية هذا العام؟ كانت أولى المهام تتجلى في تجميع الحصيلة. لقد أكد ظهور الثقافة الرقمية أن التصوير الصحافي هو الأداة الفورية الأكثر تأثيرا في التوثيق لهذا العصر. وقد كان هذا المجال ينمو بالفعل، مُجتذبًا مواهبَ جديدة بآفاق جديدة استفادت من سهولة الوصول إلى أدوات عرض الصور. وتوسع نطاق إدراكه وبصيرته ليشمل موضوعات شائكة تخص التاريخ والصدمات والكرامة، والتي أقحمها مصورون من النساء والمثليين والسود والسكان الأصليين ومن يناصرهم جميعًا. وحقق طفرة بفضل انتشار الهواتف الذكية وسرعة الإنترنت والمنصات الرقمية -لا سيما إنستغرام- وهي كلها عوامل أسهمت في تضخيم سيل الصور المتاحة على نطاق واسع بلغ حد التخمة. ولقد كان التصوير الصحافي جاهزا لكل ذلك التحول. لكن المَهمة كانت أعقد من مجرد التوثيق. ففي عام 2020، زادت الحاجة إلى الصور مع ضيق الأفق المادي. إذ تضافرت عوامل الحجر الصحي وقواعد التباعد الاجتماعي والخوف من العدوى، لتُحَوِّلَ شروط التفاعل الاجتماعي بطرق ما زالت قيد التشكل. انتقل جزء كبير من الحياة إلى الشاشة مع تحول كل شيء -من اجتماعات العمل إلى العروض الفنية- إلى أشكال رقمية. وفي زمن عزلة مفاجئة، صار دفق الصور شريان حياة بعدما كان مجرد إدمان. ربما كانت عادة متابعة وسائل الإعلام بلا انقطاع للاطلاع على آخر الفظاعات، أمرًا مَرَضيا؛ لكنها كانت أساسية لدى بعض الناس ليظلوا مطلعين ومتواصلين.
تَطلّبَ التقاط الصور ومشاركتها في ظل هذه الظروف أكثر من مجرد الكفاءة المهنية. لقد تطلب عناية كبيرة. العناية بالذات أولا، من قِبَل المصورين الذين اضطروا للتوثيق للأحداث التاريخية رغم تقييد حركة الصحافيين، شأنهم كشأن كافة الناس من حيث خطر العدوى عند التنقل. ثم تطلب العناية الأخلاقية بالأشخاص موضوع الصور. وتطلب الإدراك -الذي طال انتظاره- ألّا أحد في مأمن وأن جميع الناس قلقون ومع ذلك يسعون إلى إيجاد طريق للمضي قُدما، كما هو حال العروسين في بارزانو.
وعلى غرار سائر الصور التي نشرتها "ناشيونال جيوغرافيك" عام 2020، فإن هذه التشكيلة لها بعض نقاط التركيز والانحراف. إنها تمثل جهدا يهتدي بتقليد المجلة وحساسيتها، لتوفير سياق يناسب مجريات هذا العام. لقد اقتضى الحال أن يكون الموضوعان السائدان هما الوباء، والبحث عن الخلاص. تخلل هذان الموضوعان -بمعنى من المعاني- سائر الأعمال الفوتوغرافية الظاهرة هنا، نظرا لتأثير مجمل تلك الأحداث في الطريقة التي عاش بها القراء هذا العام. اتسع المشهد ليشمل العلوم والمناخ والحياة البرية والطبيعة، انسجامًا مع اهتمامات المجلة على مرّ الأعوام. وهذه الصور تذكير أن العمل في تلك المجالات لم يتوقف في عام 2020.. وكذلك شأن مسؤوليتنا في التعامل مع القوى الأساسية التي تشكل بيئتنا. إن الجليد القطبي لم يقتطع إجازة ليوقف الذوبان بسبب الوباء، وإنْ تَقلص بعض الضغوط على البيئة الطبيعية مع بقاء عدد كبير من الناس في منازلهم. وفي جو من القلق البشري الشديد، كان المنظور من العالم الطبيعي أفضل من أي وقت مضى.
كيف نعيش في التاريخ المديد والحاضر المكثف في الآن نفسه؟ لقد أظهر عام 2020 هذه المفارقة الأساسية من خلال فرض ظروف الطوارئ. لقد كان عاما أرغمنا على التأقلم في وجه عدم يقين وجودي. لكننا لم نَعدَم حيلة. فقد عُدلت اللغة مثلا، إذ استعملت كلمات "الحَجْر" مع ما تستحضر من معاني العصر الفيكتوري؛ وعبارة "الحجر الصحي" بامتداداتها في تاريخ مدينة البندقية في العصر الوسيط، وبرزت من قلب الغموض التاريخي واكتسبت شيوعا. وبرزت عبارات جديدة من قبيل "التباعد الاجتماعي" و"العاملون الأساسيون" و"زوم".. إننا حيال حقل دلالي جديد يُعبّر عن جهودنا للاستمرار. في هذه الصور انجذاب نحو الإنسانية، يتمظهر في خضم السعي نحو إيجاد مخرج. لقد أظهرت أقوى صور العام العملَ الإنساني الأساسي متمثلا في الرعاية والنقاهة والتأقلم والقلق والانتظار والاستجابة والمقاومة والحداد. إنه عمل بسيط وأساسي. في عام مكشوف، لم يكن ضروريا أن تكون إشارات الصور معقدة. وحتى بعض أشدها رسوخا في الذاكرة ليس محمَّلًا بمعلومات جمّة بقدر ما هو حافل بالعواطف.
عـام محفـوف بالمهالـك
المنظر ساحر ومألوف من سائر النواحي.. إلا ناحية واحدة. زوجان شابان في حلة الزفاف -بذلته الراقية وفستانها الأنيق- في الكنيسة، يكملان إجراءات زواجهما. تقف هي بمحاذاة كتفه وهو يدوّن في السجل. ينظر الكاهن إليهما بحنان ولطف ومرفقه على المنضدة. يضفي قداسةً على المشهد، صليبٌ معدني مزخرف في المقدمة وآخر خشبي على الجدار خلف الزوجين. لكن ثمة شيء آخر: إذ ترتدي العروس وعريسها قناعين من القماش يلائمان لباسهما الرسمي. يرتدي الكاهن أيضا قناعا من قماش ودرعَ وجه بلاستيكيًا شفافًا. كانت هذه الصورة التي التقطها "دافيدي بيرتوتشيو" قبل عام في بلدة "بارزانو" الإيطالية، ستحتاج إلى وصف وتأويل؛ لكن مع نهاية عام 2020، أصبح ما تُظهره واضحا من النظرة الأولى. إنه مشهد نموذجي لأحد الملامح الجديدة التي صارت تسم حياتنا: حفل زفاف في زمن "كوفيد19-". إنه يجسد التعديلات الغريبة التي ما فتئ الناس يتعلمونها لمجرد مواصلة الحياة في زمن الوباء.
لا توجد صورة واحدة يمكنها تلخيص اضطراب عام تفشى فيه عبر الكوكب فيروسٌ شديد العدوى، فأغلق الحدود وضرب قدرة الاقتصادات وقلب الحياة اليومية رأسا على عقب. لكن في وضع هذين الشابين حديثي العهد بالزواج -المتقيدين بالبروتكول الصحي وهما يحتفلان بزفافهما في "لومبارديا"، المنطقة التي ضربها الفيروس بشدة- ندرك الحاجة المُلحّة إلى العثور على ما هو طبيعي في زمن غير طبيعي. لقد كان عامًا جامحًا، بدا فيه الزمن على وشك الانتهاء. فبالإضافة إلى الخسائر البشرية -الوفيات، والتداعيات المستمرة على الناجين، والضغط على المستشفيات ومقدمي الرعاية- كانت الآثار الاقتصادية فادحة. في البلدان الغنية، زادت نسبة البطالة. وفي البلدان الفقيرة، ساءت وجوه الحرمان المستفحل أصلا. وبدا أن إغلاق الحدود، وشبه توقف الأسفار، والفوضى التي غاصت فيها سلاسل التوريد، قد أنهت فكرة أن العولمة أمر أبدي لا رجعة فيه. انتعش الفيروس في الولايات المتحدة، مستفيدًا من الاختلال على مستوى التصدي للجائحة. وزادت من حدته الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية العميقة والخلافات السياسية الحادة. وبدت نهاية "القرن الأميركي" وشيكة لمّا حادت هذه القوة الأبرز في العالم عن تحالفاتها والتزاماتها. وظل سكان الأرض يراقبون ما يحدث في هذا البلد. وفي خضم الوباء، شكَّل قتل الشرطة بشكل فاضح لأميركي من السود يدعى "جورج فلويد"، نقطة تحول. تنامت موجة الاحتجاجات في فصل الصيف، بقيادة حركة "حياة السود مهمة"، ووُجِهت في الغالب بِرَدٍّ قاس من الشرطة، وأحيانا من المليشيات التي نصَّبت نفسها حارسة.
هنالك بدا تاريخ الولايات المتحدة على المحك أكثر من أي وقت مضى. وربط المتظاهرون الماضي بالحاضر، وصَبُّوا جام غضبهم على التماثيل والنُّصب التذكارية التي تحتفي بتاريخ أميركا العنيف، متمثلةً في شخصيات من قبيل "كرستوفر كولومبوس" ورموز الكونفدرالية على وجه الخصوص. انهار العديد من المآثر، وصارت أخرى نقاط تجمع ومختبرات مرتجلة للخيال المدني؛ لا سيما تمثال الجنرال الكونفدرالي "روبرت لي" في ريتشموند بولاية فيرجينيا. وبدا أن كل حدث يزيد السعار الوطني حدة: حرائق غابات مدمرة في الساحل الغربي، ووفاة قاضية المحكمة العليا، "روث بادر جينسبورغ"، وإصابة الرئيس "ترمب" بفيروس "كورونا". تابع الكوكب بدهشة توالي الكوارث. رأى فيها كثير من الناس نذيرَ سوء ومبعث إجهاد.. أيْ ضربًا من تجربة جماعية "خارج الجسم". مع بلوغ معدلات الإصابة بالفيروس مستويات مرتفعة كل يوم في شهر نوفمبر، أسفرت الانتخابات الأميركية عن نتائج مثيرة للجدل وكارثة مؤسسية. لم تتحقق أشد المخاوف من تعطل الانتخابات، لكن هوامش التصويت الضيقة وعمليات العد المطولة في كثير من الولايات أحبطت جمهورا نفد صبره. كشفت النتائج بلدًا شديد الانقسام وفريسة للعداء الاجتماعي ونظريات المؤامرة.
فكيف وصفت الصور الفوتوغرافية هذا العام؟ كانت أولى المهام تتجلى في تجميع الحصيلة. لقد أكد ظهور الثقافة الرقمية أن التصوير الصحافي هو الأداة الفورية الأكثر تأثيرا في التوثيق لهذا العصر. وقد كان هذا المجال ينمو بالفعل، مُجتذبًا مواهبَ جديدة بآفاق جديدة استفادت من سهولة الوصول إلى أدوات عرض الصور. وتوسع نطاق إدراكه وبصيرته ليشمل موضوعات شائكة تخص التاريخ والصدمات والكرامة، والتي أقحمها مصورون من النساء والمثليين والسود والسكان الأصليين ومن يناصرهم جميعًا. وحقق طفرة بفضل انتشار الهواتف الذكية وسرعة الإنترنت والمنصات الرقمية -لا سيما إنستغرام- وهي كلها عوامل أسهمت في تضخيم سيل الصور المتاحة على نطاق واسع بلغ حد التخمة. ولقد كان التصوير الصحافي جاهزا لكل ذلك التحول. لكن المَهمة كانت أعقد من مجرد التوثيق. ففي عام 2020، زادت الحاجة إلى الصور مع ضيق الأفق المادي. إذ تضافرت عوامل الحجر الصحي وقواعد التباعد الاجتماعي والخوف من العدوى، لتُحَوِّلَ شروط التفاعل الاجتماعي بطرق ما زالت قيد التشكل. انتقل جزء كبير من الحياة إلى الشاشة مع تحول كل شيء -من اجتماعات العمل إلى العروض الفنية- إلى أشكال رقمية. وفي زمن عزلة مفاجئة، صار دفق الصور شريان حياة بعدما كان مجرد إدمان. ربما كانت عادة متابعة وسائل الإعلام بلا انقطاع للاطلاع على آخر الفظاعات، أمرًا مَرَضيا؛ لكنها كانت أساسية لدى بعض الناس ليظلوا مطلعين ومتواصلين.
تَطلّبَ التقاط الصور ومشاركتها في ظل هذه الظروف أكثر من مجرد الكفاءة المهنية. لقد تطلب عناية كبيرة. العناية بالذات أولا، من قِبَل المصورين الذين اضطروا للتوثيق للأحداث التاريخية رغم تقييد حركة الصحافيين، شأنهم كشأن كافة الناس من حيث خطر العدوى عند التنقل. ثم تطلب العناية الأخلاقية بالأشخاص موضوع الصور. وتطلب الإدراك -الذي طال انتظاره- ألّا أحد في مأمن وأن جميع الناس قلقون ومع ذلك يسعون إلى إيجاد طريق للمضي قُدما، كما هو حال العروسين في بارزانو.
وعلى غرار سائر الصور التي نشرتها "ناشيونال جيوغرافيك" عام 2020، فإن هذه التشكيلة لها بعض نقاط التركيز والانحراف. إنها تمثل جهدا يهتدي بتقليد المجلة وحساسيتها، لتوفير سياق يناسب مجريات هذا العام. لقد اقتضى الحال أن يكون الموضوعان السائدان هما الوباء، والبحث عن الخلاص. تخلل هذان الموضوعان -بمعنى من المعاني- سائر الأعمال الفوتوغرافية الظاهرة هنا، نظرا لتأثير مجمل تلك الأحداث في الطريقة التي عاش بها القراء هذا العام. اتسع المشهد ليشمل العلوم والمناخ والحياة البرية والطبيعة، انسجامًا مع اهتمامات المجلة على مرّ الأعوام. وهذه الصور تذكير أن العمل في تلك المجالات لم يتوقف في عام 2020.. وكذلك شأن مسؤوليتنا في التعامل مع القوى الأساسية التي تشكل بيئتنا. إن الجليد القطبي لم يقتطع إجازة ليوقف الذوبان بسبب الوباء، وإنْ تَقلص بعض الضغوط على البيئة الطبيعية مع بقاء عدد كبير من الناس في منازلهم. وفي جو من القلق البشري الشديد، كان المنظور من العالم الطبيعي أفضل من أي وقت مضى.
كيف نعيش في التاريخ المديد والحاضر المكثف في الآن نفسه؟ لقد أظهر عام 2020 هذه المفارقة الأساسية من خلال فرض ظروف الطوارئ. لقد كان عاما أرغمنا على التأقلم في وجه عدم يقين وجودي. لكننا لم نَعدَم حيلة. فقد عُدلت اللغة مثلا، إذ استعملت كلمات "الحَجْر" مع ما تستحضر من معاني العصر الفيكتوري؛ وعبارة "الحجر الصحي" بامتداداتها في تاريخ مدينة البندقية في العصر الوسيط، وبرزت من قلب الغموض التاريخي واكتسبت شيوعا. وبرزت عبارات جديدة من قبيل "التباعد الاجتماعي" و"العاملون الأساسيون" و"زوم".. إننا حيال حقل دلالي جديد يُعبّر عن جهودنا للاستمرار. في هذه الصور انجذاب نحو الإنسانية، يتمظهر في خضم السعي نحو إيجاد مخرج. لقد أظهرت أقوى صور العام العملَ الإنساني الأساسي متمثلا في الرعاية والنقاهة والتأقلم والقلق والانتظار والاستجابة والمقاومة والحداد. إنه عمل بسيط وأساسي. في عام مكشوف، لم يكن ضروريا أن تكون إشارات الصور معقدة. وحتى بعض أشدها رسوخا في الذاكرة ليس محمَّلًا بمعلومات جمّة بقدر ما هو حافل بالعواطف.