مَشاهد من زمن الوباء

مصورون فوتوغرافيون عرب يوثقون بعدساتهم حال حواضرنا العربية في ظل جائحة "كوفيد-19".

"الفيروس الغامض ينتشر في الصين" هكذا عنونتُ الخبرَ عبر الموقع الإلكتروني لمجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية" بتاريخ 22 يناير 2020، ولم أكن حينها مدركًا حجم هذا الخبر وتداعياته القاسية، وكيف ستؤول أموره في نهاية المطاف. ظننته خبرًا عابرًا ذا شأن يخص ذلك البلد تحديدًا. لكنّ ظني خاب كما خاب ظن أكثر الناس تفاؤلًا؛ إذ تفاقمت تداعيات ذلك الخبر المفجع الذي حمل في طياته جائحة عالمية ما انفكت تفتك بأرواح الناس حتى يوم الناس هذا. نشرت الخبر بعد مراجعته وتنقيحه، عبر المنصات الرقمية للمجلة، ورحتُ أَرْقُب باهتمام بالغ تعليقات جمهورنا العربي عليه. ثم عكفت على متابعة الأخبار الواردة عن الفيروس، متلقِّفًا من هنا وهناك كل ما استجد من معلومات بشأنه؛ وقد صار تنبيه "عاجل" شغلي الشاغل وأنا أترقّب كل خبر يقين يكشف النقاب عن هذا العدو الجديد الذي يهدد الإنسان في وجوده.
خلال الأشهر الأولى من جائحة "كوفيد-19" لم أفكر قط بأننا سنكون في البيوت متسمرين أمام شاشات التلفزة، وأيدينا لا تبرح هواتفنا الذكية، التي سئمَت قبضَتَنا الطويلة. كنت حينها أتساءل مع نفسي: هل تفشى الوباء في كوكبنا بأكمله، أم أن ثمة مناطق محظوظة ما زال سكانها يعيشون حياة طبيعية لم يعكّر صفوها الفيروس.. حتى ذلك الحين؟
لكن تساؤلي المتفائل ذاك قد تبدد بعد إعلان مسؤولي "منظمة الصحة العالمية" أن الفيروس أضحى جائحة صحية تستدعي حالة طوارئ عالمية. هنالك تأكدت أن الأشهر التالية من عامنا هذا لا شك ستحمل في جعبتها من الأحداث ما لم أَخبَر له مثيلًا من قبل. ثم عدتُ وتساءلت كيف سيكون وقع النبإِ على مُعمّر بيننا عايش جائحة "الإنفلونزا الإسبانية" عام 1918: "يا ترى هل ستُوقظ جائحتنا هذه في دواخله ذكريات عن وباء مضى عليه أكثر من قرن؟".
بعد أن أرغمتنا الجائحة على التزام منازلنا والعمل من بعد وسط عائلاتنا، أدركت وقتها هولَ كارثتنا الإنسانية التي قد نفتقد فيها الأحباب من دون وداع ولا قبلة على الجبين. أنا من مواليد مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولم أخبر في سنواتي الأولى سوى ذكريات الأحاديث عن الغزو العراقي للكويت وما صاحبه من قصص مؤلمة والتزام سكان الخليج العربي بيوتهم خوفًا من طيش عسكري قد يعصف بأمنهم واستقرارهم. كنت صغيرًا حينها. ومع ذلك استشعرت تلك اللحظات العصيبة في حياتنا؛ وأدركت معنى أن يكون الإنسان مهددًا بصراع أو حرب قد تأتي على أخضره ويابسه. ولكن لم يخطر ببالي يومًا أن يكون الصراعُ صراعًا ضد عدو مجهري لا نعرفه ولم يسبق له أن هددنا بصورة مباشرة. ففي الحرب العادية، قد يُضطر طرفٌ إلى الفَرّ بدلًا من الكرّ متَّخذًا قرارًا صعبًا بالرحيل الإجباري تاركًا وراء ظهره سنين ذكرياته وروحه في المكان؛ فينطلق إلى أفق أرحب إن ابتسمت له الأقدار. ولكننا في حربنا ضد الجوائح لا سبيل للفَرّ؛ فإما نَقتُل أو نُقتَل. فبئـس الحـرب هي!
على أنني ما زلت متيقّنًا من أننا سنكسب هذه الحرب فيصير عدونا هذا نسيًا منسيًا ونمضي قُدمًا نحو مستقبلنا. ساعتها، لا بد أن نتوقف برهة من الزمن لنستخلص العبر ونفكر مليًا في طريقة تعاملنا مع كوكبنا. نسمع في هذه الأيام عبارات جديدة تتداولها ألسن الناس؛ ومنها أن "ما قبل كورونا لن يكون كما بعدها". قد يَصْدق هذا القول إيجابًا أو سلبًا، لكن لا بد أن ننظر إلى المرحلة المقبلة بعين التفاؤل وأن نتذكر دائمًا أن مع العسر يسرًا وأن في طي كل نقمة.. نعمة. 

مَشاهد من زمن الوباء

مصورون فوتوغرافيون عرب يوثقون بعدساتهم حال حواضرنا العربية في ظل جائحة "كوفيد-19".

"الفيروس الغامض ينتشر في الصين" هكذا عنونتُ الخبرَ عبر الموقع الإلكتروني لمجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية" بتاريخ 22 يناير 2020، ولم أكن حينها مدركًا حجم هذا الخبر وتداعياته القاسية، وكيف ستؤول أموره في نهاية المطاف. ظننته خبرًا عابرًا ذا شأن يخص ذلك البلد تحديدًا. لكنّ ظني خاب كما خاب ظن أكثر الناس تفاؤلًا؛ إذ تفاقمت تداعيات ذلك الخبر المفجع الذي حمل في طياته جائحة عالمية ما انفكت تفتك بأرواح الناس حتى يوم الناس هذا. نشرت الخبر بعد مراجعته وتنقيحه، عبر المنصات الرقمية للمجلة، ورحتُ أَرْقُب باهتمام بالغ تعليقات جمهورنا العربي عليه. ثم عكفت على متابعة الأخبار الواردة عن الفيروس، متلقِّفًا من هنا وهناك كل ما استجد من معلومات بشأنه؛ وقد صار تنبيه "عاجل" شغلي الشاغل وأنا أترقّب كل خبر يقين يكشف النقاب عن هذا العدو الجديد الذي يهدد الإنسان في وجوده.
خلال الأشهر الأولى من جائحة "كوفيد-19" لم أفكر قط بأننا سنكون في البيوت متسمرين أمام شاشات التلفزة، وأيدينا لا تبرح هواتفنا الذكية، التي سئمَت قبضَتَنا الطويلة. كنت حينها أتساءل مع نفسي: هل تفشى الوباء في كوكبنا بأكمله، أم أن ثمة مناطق محظوظة ما زال سكانها يعيشون حياة طبيعية لم يعكّر صفوها الفيروس.. حتى ذلك الحين؟
لكن تساؤلي المتفائل ذاك قد تبدد بعد إعلان مسؤولي "منظمة الصحة العالمية" أن الفيروس أضحى جائحة صحية تستدعي حالة طوارئ عالمية. هنالك تأكدت أن الأشهر التالية من عامنا هذا لا شك ستحمل في جعبتها من الأحداث ما لم أَخبَر له مثيلًا من قبل. ثم عدتُ وتساءلت كيف سيكون وقع النبإِ على مُعمّر بيننا عايش جائحة "الإنفلونزا الإسبانية" عام 1918: "يا ترى هل ستُوقظ جائحتنا هذه في دواخله ذكريات عن وباء مضى عليه أكثر من قرن؟".
بعد أن أرغمتنا الجائحة على التزام منازلنا والعمل من بعد وسط عائلاتنا، أدركت وقتها هولَ كارثتنا الإنسانية التي قد نفتقد فيها الأحباب من دون وداع ولا قبلة على الجبين. أنا من مواليد مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولم أخبر في سنواتي الأولى سوى ذكريات الأحاديث عن الغزو العراقي للكويت وما صاحبه من قصص مؤلمة والتزام سكان الخليج العربي بيوتهم خوفًا من طيش عسكري قد يعصف بأمنهم واستقرارهم. كنت صغيرًا حينها. ومع ذلك استشعرت تلك اللحظات العصيبة في حياتنا؛ وأدركت معنى أن يكون الإنسان مهددًا بصراع أو حرب قد تأتي على أخضره ويابسه. ولكن لم يخطر ببالي يومًا أن يكون الصراعُ صراعًا ضد عدو مجهري لا نعرفه ولم يسبق له أن هددنا بصورة مباشرة. ففي الحرب العادية، قد يُضطر طرفٌ إلى الفَرّ بدلًا من الكرّ متَّخذًا قرارًا صعبًا بالرحيل الإجباري تاركًا وراء ظهره سنين ذكرياته وروحه في المكان؛ فينطلق إلى أفق أرحب إن ابتسمت له الأقدار. ولكننا في حربنا ضد الجوائح لا سبيل للفَرّ؛ فإما نَقتُل أو نُقتَل. فبئـس الحـرب هي!
على أنني ما زلت متيقّنًا من أننا سنكسب هذه الحرب فيصير عدونا هذا نسيًا منسيًا ونمضي قُدمًا نحو مستقبلنا. ساعتها، لا بد أن نتوقف برهة من الزمن لنستخلص العبر ونفكر مليًا في طريقة تعاملنا مع كوكبنا. نسمع في هذه الأيام عبارات جديدة تتداولها ألسن الناس؛ ومنها أن "ما قبل كورونا لن يكون كما بعدها". قد يَصْدق هذا القول إيجابًا أو سلبًا، لكن لا بد أن ننظر إلى المرحلة المقبلة بعين التفاؤل وأن نتذكر دائمًا أن مع العسر يسرًا وأن في طي كل نقمة.. نعمة.