ههنا كوكب أزرق! خريطة للأغراب
صمم علماء الفلك قبل نصف قرن مضى خريطةً لتدل على الأرض من أي مكان في مجرَّتنا، ثم أرسلوها إلى الفضاء ظنًّا منهم أن أي كائنات فضائية ذكية بما يكفي لاعتراض سبيل مركبة فضائية، قد تفك رموز الخريطة وتكشف مصدرها. ولقد استخدم كثيرٌ من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية عناصرَ من هذا الموضوع في البناء الدرامي؛ على أن المسألة بحد ذاتها ليست مستوحاة من الخيال العلمي، بل حقيقة. الواقع أن هذه الحكاية لطالما شكلت جزءًا من موروث عائلتي حتى قبل مولدي؛ وسمعت وأنا أترعرع قصصًا عن الخريطة، ورأيت صورها على كثير من المركبات التي أُرسلت في مَهمات فضائية. وقبل سنوات، عثرتُ على خبيئة والدَيَّ: المسار الأصلي نحو الأرض مرسومًا بقلم الرصاص.
كان ذلك الاكتشاف مثيرًا؛ لكن سرعان ما خاب الأمل: فتلك الخريطة الأصلية لن تَصلح فترة أطول، من الناحية الكونية؛ ذلك أن المَعالم التي تعتمدها ستختفي في غضون عشرات ملايين السنين، وإن لم يحدث ذلك فإن الخريطة ستشير إلى موطننا فترةً وجيزة من أصل الـ 200 مليون إلى 250 مليون سنة التي تستغرقها الشمس ونجوم مجاورة أخرى للدوران مرة واحدة حول "درب التبانة". أكيد أنَّ رصْد كائنات فضائية هذه الخريطةَ هو أمرٌ مستبعد من الناحية الفلكية؛ ولكن إنْ حدث ذلك، فستكون خريطةً متجاوَزة ومعدومة الفائدة، وذلك ما ينافي الغاية منها.
ما مسوغ وجود هذه الخريطة أصلًا؟
كان ذلك في ديسمبر 1971، وكانت وكالة "ناسا" تستعد حينذاك لإطلاق المركبة الفضائية "باينير 10" لِتَمُرَّ بمحاذاة المشتري وتستطلع أول مرة هذا الكوكب الأكبر في مجموعتنا الشمسية. المثير للدهشة أن مرور المركبة بمدار المشتري قذفها في مسار بين النجوم؛ ما جعلها أول جسم من صنع البشر يغادر المجموعة الشمسية. استقر في ذهن عالم الفلك "كارل ساغان" -ببعض المساعدة من أصدقائه- أنْ تحْمل المركبة تحيةً من البشرية: رسالة تُعرِّف صُنَّاع باينير وتُخلد ذِكراهم وتكون قابلة لتأويل من يَجدها. وافقت "ناسا"، ومنحت كارل أقل من شهر لتصميم تلك الرسالة. هنالك دخل فصـولَ الحكايةِ صديقُ كارل، عالم الفلك "فرانك دريك"، الذي هو والدي. ومن أبرز إنجازات هذا الأخير، إطلاق أول بحث علمي عن آثار كائنات فضائية، وتصميم إطار لتقدير عدد الحضارات الفضائية التي يمكن رصدها في مجرة درب التبانة.
طلب كارل إلى والدي المساعدة في إنجاز الرسالة وهما في بورتو ريكو لحضور اجتماع "الجمعية الفلكية الأميركية". يَذكر والدي أنهما سرعان ما توصلا في بهو الفندق إلى أفكار حول ما ينبغي تضمينه: رسومات خَطّية تُصوِّر البشر، ورسمًا للمركبة الفضائية.. و"في اللحظة التالية، خطرت لنا فكرة خريطة مَجَرِّية تشير إلى موقع الأرض في الفضاء"، يقول والدي. صمم والدي تلك الخريطة، وفي عام 1972 طارت نحو الفضاء على متن "باينير 10". وفي العام التالي، أُطلقت مركبة "باينير 11" حاملةً معها الخريطة مرورًا بكوكب زحل ومن ثم إلى ما بين النجوم. وفي عام 1977، غادرت مركبتَا "فويجر" الأرض حاملتين معهما دليل والدي للعثور على كوكبنا، منقوشًا على غلاف "التسجيل الذهبي". كانت الطريقة التي صمم بها والدي الخريطة تشير إلى الأرض في الزمان والمكان معًا؛ ما يجعلها نظام تحديد مواقع مجرِّيًا (ما يشبه نظام "جي. بي. إس." اليوم) بأبعاد أربعة. لم يقلق والدي وكارل حينئذ أن تكون الكائنات الفضائية التي قد تعثر على رسالتهما، من الأشرار.
ههنا كوكب أزرق! خريطة للأغراب
صمم علماء الفلك قبل نصف قرن مضى خريطةً لتدل على الأرض من أي مكان في مجرَّتنا، ثم أرسلوها إلى الفضاء ظنًّا منهم أن أي كائنات فضائية ذكية بما يكفي لاعتراض سبيل مركبة فضائية، قد تفك رموز الخريطة وتكشف مصدرها. ولقد استخدم كثيرٌ من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية عناصرَ من هذا الموضوع في البناء الدرامي؛ على أن المسألة بحد ذاتها ليست مستوحاة من الخيال العلمي، بل حقيقة. الواقع أن هذه الحكاية لطالما شكلت جزءًا من موروث عائلتي حتى قبل مولدي؛ وسمعت وأنا أترعرع قصصًا عن الخريطة، ورأيت صورها على كثير من المركبات التي أُرسلت في مَهمات فضائية. وقبل سنوات، عثرتُ على خبيئة والدَيَّ: المسار الأصلي نحو الأرض مرسومًا بقلم الرصاص.
كان ذلك الاكتشاف مثيرًا؛ لكن سرعان ما خاب الأمل: فتلك الخريطة الأصلية لن تَصلح فترة أطول، من الناحية الكونية؛ ذلك أن المَعالم التي تعتمدها ستختفي في غضون عشرات ملايين السنين، وإن لم يحدث ذلك فإن الخريطة ستشير إلى موطننا فترةً وجيزة من أصل الـ 200 مليون إلى 250 مليون سنة التي تستغرقها الشمس ونجوم مجاورة أخرى للدوران مرة واحدة حول "درب التبانة". أكيد أنَّ رصْد كائنات فضائية هذه الخريطةَ هو أمرٌ مستبعد من الناحية الفلكية؛ ولكن إنْ حدث ذلك، فستكون خريطةً متجاوَزة ومعدومة الفائدة، وذلك ما ينافي الغاية منها.
ما مسوغ وجود هذه الخريطة أصلًا؟
كان ذلك في ديسمبر 1971، وكانت وكالة "ناسا" تستعد حينذاك لإطلاق المركبة الفضائية "باينير 10" لِتَمُرَّ بمحاذاة المشتري وتستطلع أول مرة هذا الكوكب الأكبر في مجموعتنا الشمسية. المثير للدهشة أن مرور المركبة بمدار المشتري قذفها في مسار بين النجوم؛ ما جعلها أول جسم من صنع البشر يغادر المجموعة الشمسية. استقر في ذهن عالم الفلك "كارل ساغان" -ببعض المساعدة من أصدقائه- أنْ تحْمل المركبة تحيةً من البشرية: رسالة تُعرِّف صُنَّاع باينير وتُخلد ذِكراهم وتكون قابلة لتأويل من يَجدها. وافقت "ناسا"، ومنحت كارل أقل من شهر لتصميم تلك الرسالة. هنالك دخل فصـولَ الحكايةِ صديقُ كارل، عالم الفلك "فرانك دريك"، الذي هو والدي. ومن أبرز إنجازات هذا الأخير، إطلاق أول بحث علمي عن آثار كائنات فضائية، وتصميم إطار لتقدير عدد الحضارات الفضائية التي يمكن رصدها في مجرة درب التبانة.
طلب كارل إلى والدي المساعدة في إنجاز الرسالة وهما في بورتو ريكو لحضور اجتماع "الجمعية الفلكية الأميركية". يَذكر والدي أنهما سرعان ما توصلا في بهو الفندق إلى أفكار حول ما ينبغي تضمينه: رسومات خَطّية تُصوِّر البشر، ورسمًا للمركبة الفضائية.. و"في اللحظة التالية، خطرت لنا فكرة خريطة مَجَرِّية تشير إلى موقع الأرض في الفضاء"، يقول والدي. صمم والدي تلك الخريطة، وفي عام 1972 طارت نحو الفضاء على متن "باينير 10". وفي العام التالي، أُطلقت مركبة "باينير 11" حاملةً معها الخريطة مرورًا بكوكب زحل ومن ثم إلى ما بين النجوم. وفي عام 1977، غادرت مركبتَا "فويجر" الأرض حاملتين معهما دليل والدي للعثور على كوكبنا، منقوشًا على غلاف "التسجيل الذهبي". كانت الطريقة التي صمم بها والدي الخريطة تشير إلى الأرض في الزمان والمكان معًا؛ ما يجعلها نظام تحديد مواقع مجرِّيًا (ما يشبه نظام "جي. بي. إس." اليوم) بأبعاد أربعة. لم يقلق والدي وكارل حينئذ أن تكون الكائنات الفضائية التي قد تعثر على رسالتهما، من الأشرار.