سكــر‭ ‬القـالــب‭ ‬فـي‭ ‬المـغـــرب

يتخذ شكل هرم مخروطي مصقول ويوجد في قاعدته تجويف صغير دائري الشكل وفي قمته ثقب صغير. يزن كيلوجرامين اثنين، ويُعبأ في لفافة بيضاء من الداخل ويتشح من الخارج بورق أزرق اللون. يفضله المغاربة، لا سيما سكان البوادي، على باقي الأنواع ويستهلكونه بِنهمٍ كبير يصل...
يتخذ شكل هرم مخروطي مصقول ويوجد في قاعدته تجويف صغير دائري الشكل وفي قمته ثقب صغير. يزن كيلوجرامين اثنين، ويُعبأ في لفافة بيضاء من الداخل ويتشح من الخارج بورق أزرق اللون. يفضله المغاربة، لا سيما سكان البوادي، على باقي الأنواع ويستهلكونه بِنهمٍ كبير يصل إلى 550 ألف قطعة في اليوم. أما سر الإقبال على هذا النوع من السكر فهو أمر يتجاوز مذاقه الفـريد ليرقى إلى موروث ثقـافي ضارب في العراقة.
القالب المغربي: تاريخ وأصالة
تشير المصادر التاريخية إلى أن المغرب عرف زراعة قصب السكر في نهاية القرن التاسع للميلاد. غير أن ازدهار إنتاج السكر بهذا القطر العربي حدث بين القرنين 16 و17 في عهد السلطان المنصور الذهبي السعدي ،(1578-1603م) حتى أصبح المغرب في ذلك الزمن مَركزا مهما لإنتاج مادة السكر وتصديرها على الصعيد العالمي، إذ كان السعديون يصدرونه إلى الإنجليز والفرنسيين مقابل الأسلحة. لكن هذا الازدهار تراجع كثيرا فيما بعد لأسباب كثيرة ومعقدة، لعل أبرزها الثورات الاجتماعية التي قام بها عمال السكر في المزارع والمصانع. وهكذا فَقَد البلد كل الخبرات التي راكمها في زمن ازدهار تلك الصناعة، إلى أن أصبح مستورداً لها بنحو متصاعد في القرن 19 وحتى اليوم (استورد المغرب 55 بالمئة من حاجته من السكر في عام 2012). لكن التقاليد المرتبطة باستهلاك هذه المادة، وبخاصة نوع القالب، ظلت متأصلة في العادات الاجتماعية للمغاربة حتى يوم الناس هذا.
قوالب لجميع المناسبات
في كل المناسبات الاجتماعية -عقيقة، خطبة، زواج، تهنئة، مصالحة، ختان، حج، تعزية- تجد قالب السكر حاضرا، ببياضٍ ناصع يسرُّ الناظرين، وطلعةٍ بهية تضفي الصفاء على الأجواء وتحلي الأذواق وترضي الخواطر وتمحو الضغائن وتشد الوثاق بين الأهل والجيران والأحبّاء. فلقد جرت العادة أنه عندما يقصد رجلٌ ما بيتَ فتاة طلباً لخطبتها، فلا بد أن يقتني هدية رمزية عبارة عن قالبين اثنين أو بضعة قوالب من السكر، يُعدّ قبولها من طرف أهل الفتاة قبولاً مبدئيا بزوج ابنتهم في المستقبل.
وقُبيل حفل الزواج، تنتصب بضعة قوالب سكر من دون كساء في وسط الهدايا التي تُنقل أمام الملأ من بيت العريس إلى بيت العروس، ومعها كيس أو أكياس من القنب يحمل كل منها 32 قالبا. إذ يُقاس مدى تشريف العروس وإعلاء شأنها بكمية السكر المهداة لها. كما يُوضع قالبان أو ثلاثة دون كسوة في صينية أمام العريس أو العروس خلال طقس الحناء. ويُحِيل حضور السكر، في بعده الرمزي، إلى الفأل الحسن واليمن والأماني للعرسان بحياة هانئة وحلوةٍ بحلاوةِ السكر.
وفي المقابل، يحدث أن تنشب خلافات بين الأهل أو الجيران أو حتى بين قبيلة وأخرى، فتتدخل قوالب السكر ليُكظم الغيظ وتُحقن الدماء بين المتخاصمين. فترى أحد الطرفين يدفع بالتي هي أحسن ويبادر بزيارة الطـرف الآخـر في بيته حاملًا معه قوالب سكـر تكون خيـر مُعبِّر عن الاعتـذار، ببيـاضها الذي يرمز إلى السلام والتسامـح ونقاء السرائر. وبعد النقاش وشيء من الجدال يُقبَر الخـلاف في المـهد وسرعان ما ينقلب الخصـم أو العدو إلى وليّ حميم.
أما عند أداء واجب العزاء والتأبين، فلا شيء أفضل من اقتناء قوالب السكر وتقديمها إلى ذوي الشخص المتوفي؛ إذ هي خير عزاء، وعربون محبةٍ ووفاءٍ لروح الهالك، وسبيل للتقرب من أهله ومواساتهم. وهناك من المعزين من يهدي كيساً أو أكثر من هذا السكر، إما تعبيرا عن تقديره الكبير للعائلة المكلومة، أو للتآزر معها ماديا؛ إذ يُضطر بعض العوائل إلى بيع سكر المعزّين إلى أصحاب البقالات وقبض ثمنه نقدا لإنفاقه في مستلزمات البيت وتقديم واجب الضيافة إلى حشود المعزين.

سكــر‭ ‬القـالــب‭ ‬فـي‭ ‬المـغـــرب

يتخذ شكل هرم مخروطي مصقول ويوجد في قاعدته تجويف صغير دائري الشكل وفي قمته ثقب صغير. يزن كيلوجرامين اثنين، ويُعبأ في لفافة بيضاء من الداخل ويتشح من الخارج بورق أزرق اللون. يفضله المغاربة، لا سيما سكان البوادي، على باقي الأنواع ويستهلكونه بِنهمٍ كبير يصل...
يتخذ شكل هرم مخروطي مصقول ويوجد في قاعدته تجويف صغير دائري الشكل وفي قمته ثقب صغير. يزن كيلوجرامين اثنين، ويُعبأ في لفافة بيضاء من الداخل ويتشح من الخارج بورق أزرق اللون. يفضله المغاربة، لا سيما سكان البوادي، على باقي الأنواع ويستهلكونه بِنهمٍ كبير يصل إلى 550 ألف قطعة في اليوم. أما سر الإقبال على هذا النوع من السكر فهو أمر يتجاوز مذاقه الفـريد ليرقى إلى موروث ثقـافي ضارب في العراقة.
القالب المغربي: تاريخ وأصالة
تشير المصادر التاريخية إلى أن المغرب عرف زراعة قصب السكر في نهاية القرن التاسع للميلاد. غير أن ازدهار إنتاج السكر بهذا القطر العربي حدث بين القرنين 16 و17 في عهد السلطان المنصور الذهبي السعدي ،(1578-1603م) حتى أصبح المغرب في ذلك الزمن مَركزا مهما لإنتاج مادة السكر وتصديرها على الصعيد العالمي، إذ كان السعديون يصدرونه إلى الإنجليز والفرنسيين مقابل الأسلحة. لكن هذا الازدهار تراجع كثيرا فيما بعد لأسباب كثيرة ومعقدة، لعل أبرزها الثورات الاجتماعية التي قام بها عمال السكر في المزارع والمصانع. وهكذا فَقَد البلد كل الخبرات التي راكمها في زمن ازدهار تلك الصناعة، إلى أن أصبح مستورداً لها بنحو متصاعد في القرن 19 وحتى اليوم (استورد المغرب 55 بالمئة من حاجته من السكر في عام 2012). لكن التقاليد المرتبطة باستهلاك هذه المادة، وبخاصة نوع القالب، ظلت متأصلة في العادات الاجتماعية للمغاربة حتى يوم الناس هذا.
قوالب لجميع المناسبات
في كل المناسبات الاجتماعية -عقيقة، خطبة، زواج، تهنئة، مصالحة، ختان، حج، تعزية- تجد قالب السكر حاضرا، ببياضٍ ناصع يسرُّ الناظرين، وطلعةٍ بهية تضفي الصفاء على الأجواء وتحلي الأذواق وترضي الخواطر وتمحو الضغائن وتشد الوثاق بين الأهل والجيران والأحبّاء. فلقد جرت العادة أنه عندما يقصد رجلٌ ما بيتَ فتاة طلباً لخطبتها، فلا بد أن يقتني هدية رمزية عبارة عن قالبين اثنين أو بضعة قوالب من السكر، يُعدّ قبولها من طرف أهل الفتاة قبولاً مبدئيا بزوج ابنتهم في المستقبل.
وقُبيل حفل الزواج، تنتصب بضعة قوالب سكر من دون كساء في وسط الهدايا التي تُنقل أمام الملأ من بيت العريس إلى بيت العروس، ومعها كيس أو أكياس من القنب يحمل كل منها 32 قالبا. إذ يُقاس مدى تشريف العروس وإعلاء شأنها بكمية السكر المهداة لها. كما يُوضع قالبان أو ثلاثة دون كسوة في صينية أمام العريس أو العروس خلال طقس الحناء. ويُحِيل حضور السكر، في بعده الرمزي، إلى الفأل الحسن واليمن والأماني للعرسان بحياة هانئة وحلوةٍ بحلاوةِ السكر.
وفي المقابل، يحدث أن تنشب خلافات بين الأهل أو الجيران أو حتى بين قبيلة وأخرى، فتتدخل قوالب السكر ليُكظم الغيظ وتُحقن الدماء بين المتخاصمين. فترى أحد الطرفين يدفع بالتي هي أحسن ويبادر بزيارة الطـرف الآخـر في بيته حاملًا معه قوالب سكـر تكون خيـر مُعبِّر عن الاعتـذار، ببيـاضها الذي يرمز إلى السلام والتسامـح ونقاء السرائر. وبعد النقاش وشيء من الجدال يُقبَر الخـلاف في المـهد وسرعان ما ينقلب الخصـم أو العدو إلى وليّ حميم.
أما عند أداء واجب العزاء والتأبين، فلا شيء أفضل من اقتناء قوالب السكر وتقديمها إلى ذوي الشخص المتوفي؛ إذ هي خير عزاء، وعربون محبةٍ ووفاءٍ لروح الهالك، وسبيل للتقرب من أهله ومواساتهم. وهناك من المعزين من يهدي كيساً أو أكثر من هذا السكر، إما تعبيرا عن تقديره الكبير للعائلة المكلومة، أو للتآزر معها ماديا؛ إذ يُضطر بعض العوائل إلى بيع سكر المعزّين إلى أصحاب البقالات وقبض ثمنه نقدا لإنفاقه في مستلزمات البيت وتقديم واجب الضيافة إلى حشود المعزين.