نيـرون بعيون جديـدة

بقلم: روبرت درايبرعدسة: بقلم: روبرت درايبرأما القصر فيدعى "دوموس أوريا" أو "البيت الذهبي" وكان قد شيّده نيرون لنفسه. ولكن، في عام 68 ميلادية، عندما انهار العالم الجنوني لهذا الإمبراطور البالغ من العمر آنذاك 30 سنة، وأمر خادمه أن يطعنه بسكّينٍ في حلقه،...
بقلم: روبرت درايبر
عدسة: بقلم: روبرت درايبر


أما القصر فيدعى "دوموس أوريا" أو "البيت الذهبي" وكان قد شيّده نيرون لنفسه. ولكن، في عام 68 ميلادية، عندما انهار العالم الجنوني لهذا الإمبراطور البالغ من العمر آنذاك 30 سنة، وأمر خادمه أن يطعنه بسكّينٍ في حلقه، بعدما ذكر جملته الأخيرة -حسب زعم بعض المؤرّخين- "يا حسرةً على الفنّان الذي يموت بموتي!"، فلربما لم يكن قد اكتمل بناء هذا القصر بعد. وقد عمد الأباطرة القليلون الذين تعاقبوا على الحكم بعد نيرون إلى تعديل بناء القصر أو تجاهله تماماً؛ وفي عام 104 أعاد الإمبراطور تراجان استعمال جدرانه وقناطره لإنشاء أساس يليق بأبّهة حمّاماته الشهيرة. وبعدها ظلّ القصر الدفين نسياً منسياً لألفٍ وأربعمئة سنة.
وحوالى عام 1480 باشر بعض المنقّبين الحفر في "التلّ الأوبياني" فاكتشفوا ما ظنّوا أنها آثار حمّامات تيتوس. وقد هوى أحدهم عبر حفرة من تراب فوقع على كومة من الأنقاض ووجد نفسه ينظر إلى سقف كان مازال مغطًّى برسومات مترفة. انتشر الخبر عبر أرجاء إيطاليا كسريان النار في الهشيم. فأقبل فنّانو عصر النهضة العظام -من أمثال رفائيل وبينتوريكيو وجيوفاني دا أودينه- وهبطوا عبر الحفرة ليدرسوا النماذج الزخرفية المكرّرة والتي عُرِفت فيما بعد باسم "غروتِسك" وهي كلمة مشتقّة من كلمة "غروتو" الإيطالية وتعني "الكهف"، توصيفاً لما كان أصبح عليه حال "البيت الذهبي"، وقد عمد فنّانو عصر النهضة هؤلاء إلى محاكاة تلك النماذج الزخرفية في بعض القصور وفي الفاتيكان.
وأدى مزيد من التنقيب عن مزيد من الأعاجيب: ممرّاتٍ طويلة تحفها أعمدة تشرف على ما كانت سابقاً حديقة واسعة وبحيرةً صناعية، وآثارٍ من الذهب وكِسَرٍ من الرخّام المجلوب من مقالع في مصر والشرق الأوسط كانت تكسو الجدران والأسقف المقنطرة؛ وغرفةٍ مثمّنة (لها ثمانية أضلاع) مدهشة تعلوها قبّة اكتمل بناؤها قبل اكتمال إنشاء مبنى "بانثيون" الشهير بأمرٍ من الإمبراطور هادريان بستة عقود.
أما اليوم، وبعد أن انهار سقف قصر "دوموس أوريا" جزئياً عام 2010، فقد أغلق أمام الزوار حتى إشعار آخر. ويحضر الفنانون يومياً لترميم الرسومات الجدارية المائية وترقيع ترسبات الماء، وينكبّ هؤلاء على عملهم بإخلاصٍ يذكّر بتهجُّد المتعبّدين، بعيداً عن أعين زوّار الحديقة الذين يتجوّلون فوقهم على ارتفاع ثمانية أمتار. وقد أشرف مهندس من روما، يدعى لوتشيانو ماركيتي، على هذا النشاط في "البيت الذهبي" إلى أن تقاعد مؤخراً. وذات يوم كان ماركيتي يقف في الظلام البارد للغرفة المثمّنة عند الطرف الشرقي لمجمّع القصر حاملاً مصباحه الكهربائي، فأخذ يتأمّل السقف المقنطر بجوانبه الثمانية، المدعم من الخارج بأقواس الغرف الملاصقة، والتي تبلغ المسافة الفاصلة بين كل زاوية من زواياه 15 متراً. فبدا له السقف كما لو أنه يطفو في الهواء وكأنّه طبقٌ طائر.

التتمة في النسخة الورقية

نيـرون بعيون جديـدة

بقلم: روبرت درايبرعدسة: بقلم: روبرت درايبرأما القصر فيدعى "دوموس أوريا" أو "البيت الذهبي" وكان قد شيّده نيرون لنفسه. ولكن، في عام 68 ميلادية، عندما انهار العالم الجنوني لهذا الإمبراطور البالغ من العمر آنذاك 30 سنة، وأمر خادمه أن يطعنه بسكّينٍ في حلقه،...
بقلم: روبرت درايبر
عدسة: بقلم: روبرت درايبر


أما القصر فيدعى "دوموس أوريا" أو "البيت الذهبي" وكان قد شيّده نيرون لنفسه. ولكن، في عام 68 ميلادية، عندما انهار العالم الجنوني لهذا الإمبراطور البالغ من العمر آنذاك 30 سنة، وأمر خادمه أن يطعنه بسكّينٍ في حلقه، بعدما ذكر جملته الأخيرة -حسب زعم بعض المؤرّخين- "يا حسرةً على الفنّان الذي يموت بموتي!"، فلربما لم يكن قد اكتمل بناء هذا القصر بعد. وقد عمد الأباطرة القليلون الذين تعاقبوا على الحكم بعد نيرون إلى تعديل بناء القصر أو تجاهله تماماً؛ وفي عام 104 أعاد الإمبراطور تراجان استعمال جدرانه وقناطره لإنشاء أساس يليق بأبّهة حمّاماته الشهيرة. وبعدها ظلّ القصر الدفين نسياً منسياً لألفٍ وأربعمئة سنة.
وحوالى عام 1480 باشر بعض المنقّبين الحفر في "التلّ الأوبياني" فاكتشفوا ما ظنّوا أنها آثار حمّامات تيتوس. وقد هوى أحدهم عبر حفرة من تراب فوقع على كومة من الأنقاض ووجد نفسه ينظر إلى سقف كان مازال مغطًّى برسومات مترفة. انتشر الخبر عبر أرجاء إيطاليا كسريان النار في الهشيم. فأقبل فنّانو عصر النهضة العظام -من أمثال رفائيل وبينتوريكيو وجيوفاني دا أودينه- وهبطوا عبر الحفرة ليدرسوا النماذج الزخرفية المكرّرة والتي عُرِفت فيما بعد باسم "غروتِسك" وهي كلمة مشتقّة من كلمة "غروتو" الإيطالية وتعني "الكهف"، توصيفاً لما كان أصبح عليه حال "البيت الذهبي"، وقد عمد فنّانو عصر النهضة هؤلاء إلى محاكاة تلك النماذج الزخرفية في بعض القصور وفي الفاتيكان.
وأدى مزيد من التنقيب عن مزيد من الأعاجيب: ممرّاتٍ طويلة تحفها أعمدة تشرف على ما كانت سابقاً حديقة واسعة وبحيرةً صناعية، وآثارٍ من الذهب وكِسَرٍ من الرخّام المجلوب من مقالع في مصر والشرق الأوسط كانت تكسو الجدران والأسقف المقنطرة؛ وغرفةٍ مثمّنة (لها ثمانية أضلاع) مدهشة تعلوها قبّة اكتمل بناؤها قبل اكتمال إنشاء مبنى "بانثيون" الشهير بأمرٍ من الإمبراطور هادريان بستة عقود.
أما اليوم، وبعد أن انهار سقف قصر "دوموس أوريا" جزئياً عام 2010، فقد أغلق أمام الزوار حتى إشعار آخر. ويحضر الفنانون يومياً لترميم الرسومات الجدارية المائية وترقيع ترسبات الماء، وينكبّ هؤلاء على عملهم بإخلاصٍ يذكّر بتهجُّد المتعبّدين، بعيداً عن أعين زوّار الحديقة الذين يتجوّلون فوقهم على ارتفاع ثمانية أمتار. وقد أشرف مهندس من روما، يدعى لوتشيانو ماركيتي، على هذا النشاط في "البيت الذهبي" إلى أن تقاعد مؤخراً. وذات يوم كان ماركيتي يقف في الظلام البارد للغرفة المثمّنة عند الطرف الشرقي لمجمّع القصر حاملاً مصباحه الكهربائي، فأخذ يتأمّل السقف المقنطر بجوانبه الثمانية، المدعم من الخارج بأقواس الغرف الملاصقة، والتي تبلغ المسافة الفاصلة بين كل زاوية من زواياه 15 متراً. فبدا له السقف كما لو أنه يطفو في الهواء وكأنّه طبقٌ طائر.

التتمة في النسخة الورقية