قصة مدينتين

في تسعينيات القرن الماضي، قام المعماري البريطاني نورمان فوستر بإصلاح "الرايخستاغ" وهو مبنى البرلمان الألماني المُقام في عام 1894، والذي تضرر في الحرب العالمية الثانية. وقد أضاف إلى المبنى قبة رئيسة زجاجية ترمز إلى الشفافية.
تقف مدينتا برلين وأثينا على طرفي نقيض في القارة القديمة جراء الأزمة الاقتصادية العالمية.ارتبطت برلين وأثينا برباط لم ترغب أي منهما في نسج خيوطه: فهذه تستوطن شمال أوروبا وتوزع القروض، وتلك تستوطن الجنوب وتتلقى القروض. وقد باتا اليوم عنوانَ قارةٍ أوروبية...
تقف مدينتا برلين وأثينا على طرفي نقيض في القارة القديمة جراء الأزمة الاقتصادية العالمية.

ارتبطت برلين وأثينا برباط لم ترغب أي منهما في نسج خيوطه: فهذه تستوطن شمال أوروبا وتوزع القروض، وتلك تستوطن الجنوب وتتلقى القروض. وقد باتا اليوم عنوانَ قارةٍ أوروبية منقسمة تتوق إلى الوحدة.

يمكن للمرء أن يرى في برلين وأثينا مدينتَين تقــفــان عــلى طـــرفي النقيض في أوروبا: فالأولى مدينةٌ شمالية ثرية تتشحُ سماؤها بلون رمادي وتطوقها اليابسة من كل صوب، فيما الثانية مدينةٌ على سواحل بحر إيجه تزخر بحدائق غنّاء وشوارع مصفوفة بأشجار برتقال قطوفها دانية. غير أن وضع هاتين المدينتين لا يتسق -إلى حد كبير- مع الصورة التي نرسمها لهما. فالعاصمة الجرمانية تضج بإشعاع الحرية الذي انطلق بعد الانعتاق من الحكم الشيوعي، وهي تنتشي اليوم بسمعتها عاصمةً للرقص والاحتفال في أوروبا؛ في حين أن عاصمة اليونان العتيقة المتألقة في ضوء بحر إيجه، ما زالت تصارع للخروج من أزمة اليورو الخانقة التي ألمّت بها في السنوات القليلة الماضية كي تستعيد ولو جزءاً من عافيتها الاقتصادية.. أو على الأقل للتصدي للظروف التي أوجدت الأزمة في الأصل. ويمكن القول إنه إذا كانت الشمس مشرقة في برلين، فإن غيوماً من القلق والريبة لا تزال تخيم على أثينا.
إذ يتبيّن بجلاء أن واقع حال هاتين المدينتين -ومن نواح عديدة- مغايرٌ تماماً لما يمكن أن يتوقعه المرء: فأمّا أثينا فهي عاصمة جامدة متوترة عاجزة ويكتنفها مستقبل غامض وملتبس؛ وأما برلين فعاصمة حرة منطلقة تركت وراءها فترة الاستبداد وباتت الأكثر انفتاحاً وترحيباً بالآخر بين سائر المدن الأوروبية، ولا يكدر صفوها -إن حدث ذلك أصلاً- سوى المشكلات الهامشية التي تصاحب نجاحها، ولا تكترث لما قد يحمله لها المستقبل.


التتمة في النسخة الورقية

قصة مدينتين

في تسعينيات القرن الماضي، قام المعماري البريطاني نورمان فوستر بإصلاح "الرايخستاغ" وهو مبنى البرلمان الألماني المُقام في عام 1894، والذي تضرر في الحرب العالمية الثانية. وقد أضاف إلى المبنى قبة رئيسة زجاجية ترمز إلى الشفافية.
تقف مدينتا برلين وأثينا على طرفي نقيض في القارة القديمة جراء الأزمة الاقتصادية العالمية.ارتبطت برلين وأثينا برباط لم ترغب أي منهما في نسج خيوطه: فهذه تستوطن شمال أوروبا وتوزع القروض، وتلك تستوطن الجنوب وتتلقى القروض. وقد باتا اليوم عنوانَ قارةٍ أوروبية...
تقف مدينتا برلين وأثينا على طرفي نقيض في القارة القديمة جراء الأزمة الاقتصادية العالمية.

ارتبطت برلين وأثينا برباط لم ترغب أي منهما في نسج خيوطه: فهذه تستوطن شمال أوروبا وتوزع القروض، وتلك تستوطن الجنوب وتتلقى القروض. وقد باتا اليوم عنوانَ قارةٍ أوروبية منقسمة تتوق إلى الوحدة.

يمكن للمرء أن يرى في برلين وأثينا مدينتَين تقــفــان عــلى طـــرفي النقيض في أوروبا: فالأولى مدينةٌ شمالية ثرية تتشحُ سماؤها بلون رمادي وتطوقها اليابسة من كل صوب، فيما الثانية مدينةٌ على سواحل بحر إيجه تزخر بحدائق غنّاء وشوارع مصفوفة بأشجار برتقال قطوفها دانية. غير أن وضع هاتين المدينتين لا يتسق -إلى حد كبير- مع الصورة التي نرسمها لهما. فالعاصمة الجرمانية تضج بإشعاع الحرية الذي انطلق بعد الانعتاق من الحكم الشيوعي، وهي تنتشي اليوم بسمعتها عاصمةً للرقص والاحتفال في أوروبا؛ في حين أن عاصمة اليونان العتيقة المتألقة في ضوء بحر إيجه، ما زالت تصارع للخروج من أزمة اليورو الخانقة التي ألمّت بها في السنوات القليلة الماضية كي تستعيد ولو جزءاً من عافيتها الاقتصادية.. أو على الأقل للتصدي للظروف التي أوجدت الأزمة في الأصل. ويمكن القول إنه إذا كانت الشمس مشرقة في برلين، فإن غيوماً من القلق والريبة لا تزال تخيم على أثينا.
إذ يتبيّن بجلاء أن واقع حال هاتين المدينتين -ومن نواح عديدة- مغايرٌ تماماً لما يمكن أن يتوقعه المرء: فأمّا أثينا فهي عاصمة جامدة متوترة عاجزة ويكتنفها مستقبل غامض وملتبس؛ وأما برلين فعاصمة حرة منطلقة تركت وراءها فترة الاستبداد وباتت الأكثر انفتاحاً وترحيباً بالآخر بين سائر المدن الأوروبية، ولا يكدر صفوها -إن حدث ذلك أصلاً- سوى المشكلات الهامشية التي تصاحب نجاحها، ولا تكترث لما قد يحمله لها المستقبل.


التتمة في النسخة الورقية