على خطى غاندي

يسير التضامن في مكان العمل بشكل انسيابي في "راسنول" بولاية غوجارات. تعد هذه القرية واحدة من بين آلاف الأماكن التي رسخت فيها "جمعية النساء العاملات الحرات" أقدامها. وهذه الأخيرة هي تعاونية ونقابة أنشئت من وحي تعاليم غاندي، وتصف مؤسِّستُها، إيلا باتْ،...
استيقظََ قبل الفجر -كعادته كل يوم- في "الأشرام" (دَيْر للتعبّد والتعليم لدى الهندوس)، وتقدّم الناس للصلاة في جنح الظلام على رقعة أرض تطل على نهر "سابارماتي". بعد ذلك، صار مستعداً للانطلاقة؛ إذ ارتدى مئزره التقليدي الطويل ووضع وشاحاً على كتفيه، ثم...
استيقظََ قبل الفجر -كعادته كل يوم- في "الأشرام" (دَيْر للتعبّد والتعليم لدى الهندوس)، وتقدّم الناس للصلاة في جنح الظلام على رقعة أرض تطل على نهر "سابارماتي". بعد ذلك، صار مستعداً للانطلاقة؛ إذ ارتدى مئزره التقليدي الطويل ووضع وشاحاً على كتفيه، ثم توكَّأَ على عكازه المصنوع من الخيزران قبل أن يشد رحاله خارج بوابة الدير. فلقد كان يتأهب لمغادرة المكان الذي أمضى فيه ثلاث عشرة سنة، ومفارقة جماعة متمسكة بتعاليمه القائمة على بساطة العيش وسمو التفكير.
لم يكن "موهانداس غاندي" وحده هناك؛ فما إن وطأت قدماه الطريق المترب في ضواحي "أحمد أباد"، أكبر مدن ولاية غوجارات حيث أبصر غاندي النور، حتى اصطف وراءه 78 رجلا يسيرون مثنى مثنى ملتحفين بالبياض. وكانت حشود الناس بعشرات الآلاف -مناصرون وفضوليون على حد سواء- تتدافع على جوانب الطرقات، منهم من كان متعلقاً بالأشجار ومن كان يطلّ من النوافذ، وهم يصيحون: "غاندي كي جاي" (النصر لغاندي).
كان تاريخ ذلك اليوم هو الثاني عشر من مارس عام 1930؛ إذ مشى غاندي ورفاقه مدة 25 يوما في مسيرة على الأقدام قطعوا خلالها 388 كيلومتراً باتجاه بحر العرب، في تحدًٍّ للقانون البريطاني الجائر الذي كان يحظر جمع الملح في مستعمرة الهند. انحنى غاندي، الذي كان يتقن الحركات التعبيرية، إلى الأمام بالقرب من الشاطئ واغترف حفنة من الوحل المشوب بالملح. ومع انتشار عمليات جمع الملح بطريقة غير قانونية في كل مناطق البلاد، توالت حملات الاعتقال والضرب، وسُجن غاندي نفسه زُهاء تسعة أشهر. فما عَدّتهُ السلطات تحركاً سياسياً بسيطاً ليس إلا، سُرعان ما تحول بفعل رمزيته إلى صرخة من أجل الانعتاق والاستقلال عمَّت أرجاء البلاد كلها؛ إذ انضم لأول مرة قطاع واسع من سكان الهند (الطبقات العليا والدنيا، والذكور والإناث، والهندوس والمسلمون) إلى حركة الاحتجاج على الحكم البريطاني. ومن ثم أصبح للجماهير زعيم يوحِّدها. فمنذ اليوم الذي بدأ فيه غاندي مسيرة الملح إلى غاية يوم وفاته بعد 18 سنة (أي عام 1948)، بعث في الهند روحاً ثورية قوامها زعامة سياسية وروحانية، وأطلق على فلسفته القائمة على المشاركة الفاعلة اسم "ساتياغراها" (قوة الحقيقة).
وقد ظل تأثير غاندي ثابتاً لا يُمكن محوه. فقد قاد الهند نحو الاستقلال، وحمل أبناء وطنه على إعادة النظر في أحكامهم المسبقة بشأن التقسيم الطبقي والدين والعنف.

على خطى غاندي

يسير التضامن في مكان العمل بشكل انسيابي في "راسنول" بولاية غوجارات. تعد هذه القرية واحدة من بين آلاف الأماكن التي رسخت فيها "جمعية النساء العاملات الحرات" أقدامها. وهذه الأخيرة هي تعاونية ونقابة أنشئت من وحي تعاليم غاندي، وتصف مؤسِّستُها، إيلا باتْ،...
استيقظََ قبل الفجر -كعادته كل يوم- في "الأشرام" (دَيْر للتعبّد والتعليم لدى الهندوس)، وتقدّم الناس للصلاة في جنح الظلام على رقعة أرض تطل على نهر "سابارماتي". بعد ذلك، صار مستعداً للانطلاقة؛ إذ ارتدى مئزره التقليدي الطويل ووضع وشاحاً على كتفيه، ثم...
استيقظََ قبل الفجر -كعادته كل يوم- في "الأشرام" (دَيْر للتعبّد والتعليم لدى الهندوس)، وتقدّم الناس للصلاة في جنح الظلام على رقعة أرض تطل على نهر "سابارماتي". بعد ذلك، صار مستعداً للانطلاقة؛ إذ ارتدى مئزره التقليدي الطويل ووضع وشاحاً على كتفيه، ثم توكَّأَ على عكازه المصنوع من الخيزران قبل أن يشد رحاله خارج بوابة الدير. فلقد كان يتأهب لمغادرة المكان الذي أمضى فيه ثلاث عشرة سنة، ومفارقة جماعة متمسكة بتعاليمه القائمة على بساطة العيش وسمو التفكير.
لم يكن "موهانداس غاندي" وحده هناك؛ فما إن وطأت قدماه الطريق المترب في ضواحي "أحمد أباد"، أكبر مدن ولاية غوجارات حيث أبصر غاندي النور، حتى اصطف وراءه 78 رجلا يسيرون مثنى مثنى ملتحفين بالبياض. وكانت حشود الناس بعشرات الآلاف -مناصرون وفضوليون على حد سواء- تتدافع على جوانب الطرقات، منهم من كان متعلقاً بالأشجار ومن كان يطلّ من النوافذ، وهم يصيحون: "غاندي كي جاي" (النصر لغاندي).
كان تاريخ ذلك اليوم هو الثاني عشر من مارس عام 1930؛ إذ مشى غاندي ورفاقه مدة 25 يوما في مسيرة على الأقدام قطعوا خلالها 388 كيلومتراً باتجاه بحر العرب، في تحدًٍّ للقانون البريطاني الجائر الذي كان يحظر جمع الملح في مستعمرة الهند. انحنى غاندي، الذي كان يتقن الحركات التعبيرية، إلى الأمام بالقرب من الشاطئ واغترف حفنة من الوحل المشوب بالملح. ومع انتشار عمليات جمع الملح بطريقة غير قانونية في كل مناطق البلاد، توالت حملات الاعتقال والضرب، وسُجن غاندي نفسه زُهاء تسعة أشهر. فما عَدّتهُ السلطات تحركاً سياسياً بسيطاً ليس إلا، سُرعان ما تحول بفعل رمزيته إلى صرخة من أجل الانعتاق والاستقلال عمَّت أرجاء البلاد كلها؛ إذ انضم لأول مرة قطاع واسع من سكان الهند (الطبقات العليا والدنيا، والذكور والإناث، والهندوس والمسلمون) إلى حركة الاحتجاج على الحكم البريطاني. ومن ثم أصبح للجماهير زعيم يوحِّدها. فمنذ اليوم الذي بدأ فيه غاندي مسيرة الملح إلى غاية يوم وفاته بعد 18 سنة (أي عام 1948)، بعث في الهند روحاً ثورية قوامها زعامة سياسية وروحانية، وأطلق على فلسفته القائمة على المشاركة الفاعلة اسم "ساتياغراها" (قوة الحقيقة).
وقد ظل تأثير غاندي ثابتاً لا يُمكن محوه. فقد قاد الهند نحو الاستقلال، وحمل أبناء وطنه على إعادة النظر في أحكامهم المسبقة بشأن التقسيم الطبقي والدين والعنف.