وليمة لحيتان البحر

يساعد حوت قاتل ذكر على سَوْق مجموعة من سمك الرنغة في المياه العميقة لمضيق "آندفيوردن" البحري. تمتاز ذكور الحيتان القاتلة عن إناثها بزعانفها الظهرية الطويلة. يتولّى بعض أفراد المجموعة تجميع سمك الرنغة فيما ينشغل غيرها بالأكل.
من اللافت للنظر أن الأدب الغربي يخلو من ذكر الحيتان القاتلة، إذ لا نجد لها حضوراً بوصفها شخصيات في الروايات العالمية.. مع أن أجسامها الانسيابية الملوّنة بالأبيض والأسود -مثل حيوانات الباندا- وابتساماتها العريضة المليئة بالأسنان المدبّبة تذكّرنا...
من اللافت للنظر أن الأدب الغربي يخلو من ذكر الحيتان القاتلة، إذ لا نجد لها حضوراً بوصفها شخصيات في الروايات العالمية.. مع أن أجسامها الانسيابية الملوّنة بالأبيض والأسود -مثل حيوانات الباندا- وابتساماتها العريضة المليئة بالأسنان المدبّبة تذكّرنا بالحيوانات الخرافية.

وكثيرٌ منّا يستقي تصوّره عن الحيتان القاتلة (أو دلافين الأركة) من أفلام تظهر فيها وهي تؤدّي حركات أثناء عروض مرابي الأحياء المائية، كما هو الحال في منتزهات "سي وورلد" في كاليفورنيا، حيث تسبح دائرةً بلا نهاية في أحواض ماء صغيرة معقّمة، أو تقفز في الهواء ترفيهاً لنا وإكراماً لعيوننا. ويظن بعض الناس أن هذه الدلافين الأسيرة تعاني ضغوطاً نفسية شديدة نتيجة العيش في بيئتها الضيّقة الباعثة على الاكتئاب.
وتلك حقيقةٌ تصيب المرء بالغمّ، وبخاصة عندما يرافق هذه الحيتان القاتلة في عرض البحر ويستشعر ما لا يمكن لأي عرضٍ ترفيهي أن يلتقطه: حكمتها وحِدّة ذكائها، وطبيعتها المرحة ودهاؤها، وحبّها للبحر المفتوح وللصيد وللحياة. تُعرَف هذه المخلوقات البحرية أيضا باسم "دلافين الأركة" وتحمل الاسم العلمي (Orcinus orca)، وهي في الواقع ليست حيتاناً بل هي أكبر نوع من الدلافين.
في يوم بارد من أيام شهر يناير، وجدتُني على متن قارب في عُرض البحر محاطة بمئات الحيتان القاتلة البيضاء والسوداء وهي تندفع بسرعة -كما لو كانت مجموعة من الذئاب- في مياه المضيق البحري (أو الفيورد) النرويجي، "آندفيوردن"، الواقع على بعد 320 كيلومتراً شمال الدائرة القطبية الشمالية. كانت ظهورها وزعانفها الظهرية الطويلة تلمع في الشفق القطبي إذ تغوص وتعود لتظهر من جديد فوق سطح الماء وتشكل فِرَقاً لتجميع أسراب سمك الرنغة الفضية ومحاصرتها وإرباكها قبل التهامها. في بعض الأحيان، كان هذا الحوت القاتل أو ذاك يصفع سطح الماء بذيله كما لو أنه يلعب لعبة تصفيق باليدين مع البحر؛ ويفعل الأمر ذاته تحت سطح الماء بطريقة يُستَنتَج منها أنها "قرع طبول يُنذر بهلاك سمك الرنغة" على حدّ تعبير "تيو سيميلا"، عالمة الأحياء المتخصّصة بالحيتانيّات. أسهمت هذه العالمة بالدراسة الرائدة للحيتان القاتلة في النرويج وتُعدُّ خبيرة بإحدى طرق هذه الدلافين في الصيد، وتسمى "التغذية الدوّامية" (Carousel Feeding). تقول سيميلا إن قوة ضربة الذيل لا تكون دائماً كافية لقتل السمك، لكنها تصعق كثيراً منه، ما يجعل تناوله سهلاً. وتضيف: "إن ما نشهده هنا على السطح يعطينا لمحة بسيطة عمّا يجري في الأسفل. إذ إن لكل حوت دوراً يؤدّيه في عملية تشبه رقصة الباليه، لذا فإن على الحيتان في المجموعة أن تتحرك بطريقة منسّقة وأن تتواصل فيما بينها وتقرّر ما الذي يتوجّب فعله تالياً".

وليمة لحيتان البحر

يساعد حوت قاتل ذكر على سَوْق مجموعة من سمك الرنغة في المياه العميقة لمضيق "آندفيوردن" البحري. تمتاز ذكور الحيتان القاتلة عن إناثها بزعانفها الظهرية الطويلة. يتولّى بعض أفراد المجموعة تجميع سمك الرنغة فيما ينشغل غيرها بالأكل.
من اللافت للنظر أن الأدب الغربي يخلو من ذكر الحيتان القاتلة، إذ لا نجد لها حضوراً بوصفها شخصيات في الروايات العالمية.. مع أن أجسامها الانسيابية الملوّنة بالأبيض والأسود -مثل حيوانات الباندا- وابتساماتها العريضة المليئة بالأسنان المدبّبة تذكّرنا...
من اللافت للنظر أن الأدب الغربي يخلو من ذكر الحيتان القاتلة، إذ لا نجد لها حضوراً بوصفها شخصيات في الروايات العالمية.. مع أن أجسامها الانسيابية الملوّنة بالأبيض والأسود -مثل حيوانات الباندا- وابتساماتها العريضة المليئة بالأسنان المدبّبة تذكّرنا بالحيوانات الخرافية.

وكثيرٌ منّا يستقي تصوّره عن الحيتان القاتلة (أو دلافين الأركة) من أفلام تظهر فيها وهي تؤدّي حركات أثناء عروض مرابي الأحياء المائية، كما هو الحال في منتزهات "سي وورلد" في كاليفورنيا، حيث تسبح دائرةً بلا نهاية في أحواض ماء صغيرة معقّمة، أو تقفز في الهواء ترفيهاً لنا وإكراماً لعيوننا. ويظن بعض الناس أن هذه الدلافين الأسيرة تعاني ضغوطاً نفسية شديدة نتيجة العيش في بيئتها الضيّقة الباعثة على الاكتئاب.
وتلك حقيقةٌ تصيب المرء بالغمّ، وبخاصة عندما يرافق هذه الحيتان القاتلة في عرض البحر ويستشعر ما لا يمكن لأي عرضٍ ترفيهي أن يلتقطه: حكمتها وحِدّة ذكائها، وطبيعتها المرحة ودهاؤها، وحبّها للبحر المفتوح وللصيد وللحياة. تُعرَف هذه المخلوقات البحرية أيضا باسم "دلافين الأركة" وتحمل الاسم العلمي (Orcinus orca)، وهي في الواقع ليست حيتاناً بل هي أكبر نوع من الدلافين.
في يوم بارد من أيام شهر يناير، وجدتُني على متن قارب في عُرض البحر محاطة بمئات الحيتان القاتلة البيضاء والسوداء وهي تندفع بسرعة -كما لو كانت مجموعة من الذئاب- في مياه المضيق البحري (أو الفيورد) النرويجي، "آندفيوردن"، الواقع على بعد 320 كيلومتراً شمال الدائرة القطبية الشمالية. كانت ظهورها وزعانفها الظهرية الطويلة تلمع في الشفق القطبي إذ تغوص وتعود لتظهر من جديد فوق سطح الماء وتشكل فِرَقاً لتجميع أسراب سمك الرنغة الفضية ومحاصرتها وإرباكها قبل التهامها. في بعض الأحيان، كان هذا الحوت القاتل أو ذاك يصفع سطح الماء بذيله كما لو أنه يلعب لعبة تصفيق باليدين مع البحر؛ ويفعل الأمر ذاته تحت سطح الماء بطريقة يُستَنتَج منها أنها "قرع طبول يُنذر بهلاك سمك الرنغة" على حدّ تعبير "تيو سيميلا"، عالمة الأحياء المتخصّصة بالحيتانيّات. أسهمت هذه العالمة بالدراسة الرائدة للحيتان القاتلة في النرويج وتُعدُّ خبيرة بإحدى طرق هذه الدلافين في الصيد، وتسمى "التغذية الدوّامية" (Carousel Feeding). تقول سيميلا إن قوة ضربة الذيل لا تكون دائماً كافية لقتل السمك، لكنها تصعق كثيراً منه، ما يجعل تناوله سهلاً. وتضيف: "إن ما نشهده هنا على السطح يعطينا لمحة بسيطة عمّا يجري في الأسفل. إذ إن لكل حوت دوراً يؤدّيه في عملية تشبه رقصة الباليه، لذا فإن على الحيتان في المجموعة أن تتحرك بطريقة منسّقة وأن تتواصل فيما بينها وتقرّر ما الذي يتوجّب فعله تالياً".