أرض المنافي

أقواسُ أنقاضِ "كنيسة القديس غرابيد" في مدينة "جونكوش" بشرق تركيا.. تُذكِّر الناظر بشموخ الثقافة الأرمنية ههنا، حيث انهارت كنائس عديدة أو صارت مساجد في عقر دار الأرمن سابقا.
قبل مئة سنة، قُتل مليون شخص أرمني في الإمبراطورية العثمانية التي قامت على أنقاضها تركيا الحديثة. يقول بعضهم إن عدد الضحايا يفوق ذلك، فيما يقول آخرون إنه أقل.في العاصمة الأرمنية "يريفان"، ثمة نصب تذكاري يخلد هذه المأساة التي عاشها الشعب الأرمني ويُسميها...
قبل مئة سنة، قُتل مليون شخص أرمني في الإمبراطورية العثمانية التي قامت على أنقاضها تركيا الحديثة. يقول بعضهم إن عدد الضحايا يفوق ذلك، فيما يقول آخرون إنه أقل.

في العاصمة الأرمنية "يريفان"، ثمة نصب تذكاري يخلد هذه المأساة التي عاشها الشعب الأرمني ويُسميها "المحنة العظمى"
(Medz Yeghern). يحج الآلاف إلى هذا المزار فوق تلة "تسزيرنكابارد" كل فصل ربيع، يوم 24 أبريل، الذي يتصادف مع ذكرى بدء المجزرة. يَمُرّون صفوفاً صفوفا بشعلة ترمز لخلود الذكرى، ويضعون زهوراً على زهور. على بعد نحو 100 كيلومتر إلى الشمال الغربي -وبضع مئات الأمتار داخل الحدود التركية- تقع أطلال مَعلمة أخرى أَقدم تاريخا وربما أَنسب تعبيراً عن مرارة التجربة الأرمنية.. إنها "آني" (Ani).
فما هي آني يا ترى؟ لقد كانت في العصور الوسطى -في عهد الخلافة العباسية- حاضرةَ مملكةٍ أرمنية قوية تتمركز في شرق الأناضول -شبه الجزيرة الآسيوية التي تشكل معظم تراب تركيا اليوم- وتتوسط الشقين الشماليين لطريق الحرير. ناهزَ عدد سكان آني الغنية 100 ألف نسمة، وكانت أسواقها تعج بالفِراء والتوابل والمعادن النفيسة، وكانت تحتمي بسور عالٍ مُشيَّد من حجارة ذات لون أصفر باهت. نافسَتْ آني -التي عُرفت باسم "مدينة الألف كنيسة وكنيسة"- القسطنطينية مجداً وعظمة، وكانت رمزاً لازدهار الثقافة الأرمنية. وها هي ذي اليومَ كومة أطلال على هضبة نائية ليس بينها وبين أشعة الشمس حائل، ولم يتبق منها سوى كاتدرائيات خربة وشوارع خالية تحيط بها حشائش صفراء تذروها الرياح. مشيتُ إليها؛ فأنا أمشي عبر العالم على خطى أسلافنا الأوائل الذين خرجوا من إفريقيا ليجوبوا العالم؛ ولم أرَ خلال رحلتي أجملَ من آني.. ولا أكثر منها حزنا.
قال دليلي الكردي "مراد يازار"، مستغرباً: "إن الأتراك لا يذكرون الأرمن مجرد الذكر".
وقد صدقَ؛ ذلك أن اللوحات التي وضعتها الحكومة التركية لإرشاد السياح تتعمد تجاهل بُناة آني، بل إنها طمست تاريخها الأرمني من أي سجلّ رسمي؛ وصارت أطلال المدينة علامة على نسيان أهلها الغابرين وتجاهلهم.. على النقيض من تلة تسزيرنكابارد التي تخلد ذكرى مأساتهم.

أرض المنافي

أقواسُ أنقاضِ "كنيسة القديس غرابيد" في مدينة "جونكوش" بشرق تركيا.. تُذكِّر الناظر بشموخ الثقافة الأرمنية ههنا، حيث انهارت كنائس عديدة أو صارت مساجد في عقر دار الأرمن سابقا.
قبل مئة سنة، قُتل مليون شخص أرمني في الإمبراطورية العثمانية التي قامت على أنقاضها تركيا الحديثة. يقول بعضهم إن عدد الضحايا يفوق ذلك، فيما يقول آخرون إنه أقل.في العاصمة الأرمنية "يريفان"، ثمة نصب تذكاري يخلد هذه المأساة التي عاشها الشعب الأرمني ويُسميها...
قبل مئة سنة، قُتل مليون شخص أرمني في الإمبراطورية العثمانية التي قامت على أنقاضها تركيا الحديثة. يقول بعضهم إن عدد الضحايا يفوق ذلك، فيما يقول آخرون إنه أقل.

في العاصمة الأرمنية "يريفان"، ثمة نصب تذكاري يخلد هذه المأساة التي عاشها الشعب الأرمني ويُسميها "المحنة العظمى"
(Medz Yeghern). يحج الآلاف إلى هذا المزار فوق تلة "تسزيرنكابارد" كل فصل ربيع، يوم 24 أبريل، الذي يتصادف مع ذكرى بدء المجزرة. يَمُرّون صفوفاً صفوفا بشعلة ترمز لخلود الذكرى، ويضعون زهوراً على زهور. على بعد نحو 100 كيلومتر إلى الشمال الغربي -وبضع مئات الأمتار داخل الحدود التركية- تقع أطلال مَعلمة أخرى أَقدم تاريخا وربما أَنسب تعبيراً عن مرارة التجربة الأرمنية.. إنها "آني" (Ani).
فما هي آني يا ترى؟ لقد كانت في العصور الوسطى -في عهد الخلافة العباسية- حاضرةَ مملكةٍ أرمنية قوية تتمركز في شرق الأناضول -شبه الجزيرة الآسيوية التي تشكل معظم تراب تركيا اليوم- وتتوسط الشقين الشماليين لطريق الحرير. ناهزَ عدد سكان آني الغنية 100 ألف نسمة، وكانت أسواقها تعج بالفِراء والتوابل والمعادن النفيسة، وكانت تحتمي بسور عالٍ مُشيَّد من حجارة ذات لون أصفر باهت. نافسَتْ آني -التي عُرفت باسم "مدينة الألف كنيسة وكنيسة"- القسطنطينية مجداً وعظمة، وكانت رمزاً لازدهار الثقافة الأرمنية. وها هي ذي اليومَ كومة أطلال على هضبة نائية ليس بينها وبين أشعة الشمس حائل، ولم يتبق منها سوى كاتدرائيات خربة وشوارع خالية تحيط بها حشائش صفراء تذروها الرياح. مشيتُ إليها؛ فأنا أمشي عبر العالم على خطى أسلافنا الأوائل الذين خرجوا من إفريقيا ليجوبوا العالم؛ ولم أرَ خلال رحلتي أجملَ من آني.. ولا أكثر منها حزنا.
قال دليلي الكردي "مراد يازار"، مستغرباً: "إن الأتراك لا يذكرون الأرمن مجرد الذكر".
وقد صدقَ؛ ذلك أن اللوحات التي وضعتها الحكومة التركية لإرشاد السياح تتعمد تجاهل بُناة آني، بل إنها طمست تاريخها الأرمني من أي سجلّ رسمي؛ وصارت أطلال المدينة علامة على نسيان أهلها الغابرين وتجاهلهم.. على النقيض من تلة تسزيرنكابارد التي تخلد ذكرى مأساتهم.