خــواريــز تقهر جلاديها

يلتقط "فوينتيس" و"أوليسيس إسكوبيدو" صورة من فوق تل مشرف مع طفلهما "إيروس".
أرخى الظـلام سدوله عـلى "سـان أنطونيو"، وهو تجمـع لدُورِ صفيحٍ تحول إلى حيّ سكني بعـدمـا شُيـدت فيـه منـازل إسمنتية تتخللها أزقة كالحة وبضـع أشجــار هنا وهنـاك. رأيتُ أطفالاً يحدوهم الحماس يتوجهون إلى مستودع مكدَّس بإطارات العجلات؛ إذ خَفَتَ ضجيج...
أرخى الظـلام سدوله عـلى "سـان أنطونيو"، وهو تجمـع لدُورِ صفيحٍ تحول إلى حيّ سكني بعـدمـا شُيـدت فيـه منـازل إسمنتية تتخللها أزقة كالحة وبضـع أشجــار هنا وهنـاك. رأيتُ أطفالاً يحدوهم الحماس يتوجهون إلى مستودع مكدَّس بإطارات العجلات؛ إذ خَفَتَ ضجيج المدينة لتحلّ محلّه همهمات وصفع ودوي أجسام الأطفال اليافعة المرنة على أنسجة خشنة. إنهم في حلبة مصارعة مُرتجَلَة الصنع من بقايا حديد وأسلاك من الخردة. يمتلك الحلبةَ شخصٌ يُدعى "إينيس مونتنيغرو"، وقد فتحها قبل سنتين بعدما أقنعه أحد أبنائه بأن أطفال الحي بحاجة إلى مكان لممارسة "لوتشا ليبري"، وهي ضرب من المصارعة الاحترافية يرتدي ممارسوها أقنعة ويؤدون حركات بهلوانية، وتعد رياضة وطنية بالمكسيك. وهكذا سرعان ما ذاع صيت حلبة مونتنيغرو.
في تلك الليلة، راح هؤلاء الأولاد الأربعة (عمر وألفونسو وإيريك وأنطونيو) الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و 15 سنة، يلقون بأنفسهم على حبال الحلبة فتقذفهم إلى وسطها. كانوا يقفزون بابتهاج ويتعلمون حركات تقليدية مثل "قفزة النمر" (حيث الوثب إلى الحلبة بطريقة تمثيلية) و"قفزة المقص" (حيث القفز من على الحبال لتطويق عنق الخصم بالساقين).

لم أكن لأتصور هذا المشهد قبل ست سنوات خلت، لمَّا زُرت هذه المدينة المسمَّاة "خواريز"، وهي أكبر مدن ولاية "شيواوا" بالمكسيك. وقتئذٍ، كان محظوراً على الأطفال اللعبُ في الأماكن العامة لأن عصابات المخدرات كانت تتقاتل في كل زقاق لإحكام السيطرة على هذه المدينة الحدودية، التي تعد معبرا إلى سوق المخدرات الرائجة بالولايات المتحدة. ولطالما شاهدتُ الجنود المكسيكيين وهم مدجَّجين بالبنادق والرشاشات على متن مركبات مصفحة، إذ كانوا يمشطون الشوارع لاستعادة السيطرة عليها. فلقد كانوا يحاولون إنهاء العنف الذي شوه سمعة خواريز في العالم بأسره.

ذلك أن كثيرا من الناس كانوا يعدّون هذه المدينة -البالغ تعداد سكانها 1.3 مليون نسمة- أخطر مدينة في العالم بين عامي 2008 و 2012. فقد فاق عدد ضحاياها في أسوأ عامٍ (وهو عام 2010)، 3700 قتيلاً؛ واختطف المجرمون الناس وابتزّوهم بلا حسيب ولا رقيب؛ واستأثرت خواريز وحدها بربع عدد السيارات المسروقة في المكسيك كلها؛ وأغلقت المحلات التجارية بالآلاف.. وعمَّت الفوضى.

خــواريــز تقهر جلاديها

يلتقط "فوينتيس" و"أوليسيس إسكوبيدو" صورة من فوق تل مشرف مع طفلهما "إيروس".
أرخى الظـلام سدوله عـلى "سـان أنطونيو"، وهو تجمـع لدُورِ صفيحٍ تحول إلى حيّ سكني بعـدمـا شُيـدت فيـه منـازل إسمنتية تتخللها أزقة كالحة وبضـع أشجــار هنا وهنـاك. رأيتُ أطفالاً يحدوهم الحماس يتوجهون إلى مستودع مكدَّس بإطارات العجلات؛ إذ خَفَتَ ضجيج...
أرخى الظـلام سدوله عـلى "سـان أنطونيو"، وهو تجمـع لدُورِ صفيحٍ تحول إلى حيّ سكني بعـدمـا شُيـدت فيـه منـازل إسمنتية تتخللها أزقة كالحة وبضـع أشجــار هنا وهنـاك. رأيتُ أطفالاً يحدوهم الحماس يتوجهون إلى مستودع مكدَّس بإطارات العجلات؛ إذ خَفَتَ ضجيج المدينة لتحلّ محلّه همهمات وصفع ودوي أجسام الأطفال اليافعة المرنة على أنسجة خشنة. إنهم في حلبة مصارعة مُرتجَلَة الصنع من بقايا حديد وأسلاك من الخردة. يمتلك الحلبةَ شخصٌ يُدعى "إينيس مونتنيغرو"، وقد فتحها قبل سنتين بعدما أقنعه أحد أبنائه بأن أطفال الحي بحاجة إلى مكان لممارسة "لوتشا ليبري"، وهي ضرب من المصارعة الاحترافية يرتدي ممارسوها أقنعة ويؤدون حركات بهلوانية، وتعد رياضة وطنية بالمكسيك. وهكذا سرعان ما ذاع صيت حلبة مونتنيغرو.
في تلك الليلة، راح هؤلاء الأولاد الأربعة (عمر وألفونسو وإيريك وأنطونيو) الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و 15 سنة، يلقون بأنفسهم على حبال الحلبة فتقذفهم إلى وسطها. كانوا يقفزون بابتهاج ويتعلمون حركات تقليدية مثل "قفزة النمر" (حيث الوثب إلى الحلبة بطريقة تمثيلية) و"قفزة المقص" (حيث القفز من على الحبال لتطويق عنق الخصم بالساقين).

لم أكن لأتصور هذا المشهد قبل ست سنوات خلت، لمَّا زُرت هذه المدينة المسمَّاة "خواريز"، وهي أكبر مدن ولاية "شيواوا" بالمكسيك. وقتئذٍ، كان محظوراً على الأطفال اللعبُ في الأماكن العامة لأن عصابات المخدرات كانت تتقاتل في كل زقاق لإحكام السيطرة على هذه المدينة الحدودية، التي تعد معبرا إلى سوق المخدرات الرائجة بالولايات المتحدة. ولطالما شاهدتُ الجنود المكسيكيين وهم مدجَّجين بالبنادق والرشاشات على متن مركبات مصفحة، إذ كانوا يمشطون الشوارع لاستعادة السيطرة عليها. فلقد كانوا يحاولون إنهاء العنف الذي شوه سمعة خواريز في العالم بأسره.

ذلك أن كثيرا من الناس كانوا يعدّون هذه المدينة -البالغ تعداد سكانها 1.3 مليون نسمة- أخطر مدينة في العالم بين عامي 2008 و 2012. فقد فاق عدد ضحاياها في أسوأ عامٍ (وهو عام 2010)، 3700 قتيلاً؛ واختطف المجرمون الناس وابتزّوهم بلا حسيب ولا رقيب؛ واستأثرت خواريز وحدها بربع عدد السيارات المسروقة في المكسيك كلها؛ وأغلقت المحلات التجارية بالآلاف.. وعمَّت الفوضى.