فيرونغا.. جحيمُ النِّعَم

يخضع حرّاس "منتزه فيرونغا الوطني" لتدريبات تشبه التدريبات العسكرية، وتشمل فن نصب الكمائن.
لما تأمّلَ حارسُ الغابة حالَ الشبّانِ السبعة العاملين بإشرافه في ورش إصلاح طريق وعرة تفضي إلى "منتزه فيرونغا الوطني"، لم يجد صعوبة في اكتشاف ما يجمعه بهذه المجموعة السيئة السمعة: إنها الولادة والنشأة داخل -أو حوالي- هذا المنتزه الواقع على الحافّة...
لما تأمّلَ حارسُ الغابة حالَ الشبّانِ السبعة العاملين بإشرافه في ورش إصلاح طريق وعرة تفضي إلى "منتزه فيرونغا الوطني"، لم يجد صعوبة في اكتشاف ما يجمعه بهذه المجموعة السيئة السمعة: إنها الولادة والنشأة داخل -أو حوالي- هذا المنتزه الواقع على الحافّة الشرقية لجمهورية الكونغو الديمقراطية. لم يكن أي منهم غنياً كذلك، ولن يكون لأحد منهم حظٌ من الغنى أبداً. وقد شهد كل منهم أحبّة له يتحوّلون إلى ضحايا للخنجر الغادر لحرب مبهمة لا غايات واضحة لها، وبلا نهاية منظورة.
وها هم جميعاً يعملون معاً لمصلحة المنتزه، إذ يردمون حفر الطريق ويُجلون الركام من أخاديد صرف مياه الأمطار.. إرساءً لشيء أهم بكثير من مجرّد 14 كيلومتراً من الحصباء الخشنة. فهذه الطريق هي همزة الوصل بين مخفر "بوكيما" لحرّاس الغابة والسيّاح الغربيين الذين تساعد أموالهم على دعم هذا المنتزه الوطني الأقدم على الإطلاق في إفريقيا. ويحضر هؤلاء السياح إلى هنا أساساً لتحقيق حلم يتمثّل في الوقوف على بعد أمتار قليلة عن النجوم البارزة التي تسكن المنتزه.. ألا وهي قرَدة الغوريلا الجبلية.
وثمة أمر لا يحظى بالقدر نفسه من النجومية -لكنه على المستوى نفسه من الأهمية- وهو أن طريق "بوكيما" هذه تصل المزارعين الموجودين خارج حدود المنتزه بأسواق القرى ومدينة "غوما" الواقعة خلفها. وقد كانت الطريق لسنين طويلة مستنقعاً من الحجارة الضخمة والأوحال الشبيهة بالرمال المتحركة، وكان انعدام إمكانية السير فيها قد زاد حياة الناس هنا صعوبةً على صعوبة. أما اليوم فإن المنتزه يغدق الأموال على ورش تجديد الطريق، ونرى رجالاً محليين من أمثال هؤلاء الشبّان يصلحونها. لذا فإنها تمثّل رابطاً، وإن كان ضعيفاً، بين المؤسسة الوطنية الأبرز للعيان في المنطقة (يُقصد منتزه فيرونغا) وأهالي القرى الذين يضمرون الكراهية للمنتزه وأحياناً يحتجّون بغيظ ضده لاعتقادهم بأن أرضه كان يجب أن تبقى ملكاً لهم. وهنا مكمن الاختلاف بين حارس الغابة، النقيب "تيو كامبالِه"، وهؤلاء الشبّان السبعة وأمثالهم.

ذلك أن قلب كامبالِه لم يحمل يوماً سوى الإجلال للمنتزه، ما يتجلى في بزّته النظيفة المكويّة، والعناية التي أولاها لإدخال ساقَي بنطاله في جزمتيه اللَّتَين لمَّعهما بعناية كبيرة كذلك. وكان كامبالِه -وقد التقيته في العام الماضي- يبلغ من العمر 55 سنة، أمضى31 سنة منها حارسَ غابة في المنتزه. كان أبوه قد توفّي في عام 1960 (وهو العام الذي ولِد فيه كامبالِه) من جراء إصابته بطعنةٍ من قرن جاموس إفريقي. أما أخوه فقُتل كذلك وهو على رأس عمله في عام 2006، لكن قاتله لم يكن حيواناً متوحشاً بل أحد أفراد المجموعات المسلّحة الكثيرة التي اجتاحت فيرونغا واحتلته على مدى عقدين من الزمن.

فيرونغا.. جحيمُ النِّعَم

يخضع حرّاس "منتزه فيرونغا الوطني" لتدريبات تشبه التدريبات العسكرية، وتشمل فن نصب الكمائن.
لما تأمّلَ حارسُ الغابة حالَ الشبّانِ السبعة العاملين بإشرافه في ورش إصلاح طريق وعرة تفضي إلى "منتزه فيرونغا الوطني"، لم يجد صعوبة في اكتشاف ما يجمعه بهذه المجموعة السيئة السمعة: إنها الولادة والنشأة داخل -أو حوالي- هذا المنتزه الواقع على الحافّة...
لما تأمّلَ حارسُ الغابة حالَ الشبّانِ السبعة العاملين بإشرافه في ورش إصلاح طريق وعرة تفضي إلى "منتزه فيرونغا الوطني"، لم يجد صعوبة في اكتشاف ما يجمعه بهذه المجموعة السيئة السمعة: إنها الولادة والنشأة داخل -أو حوالي- هذا المنتزه الواقع على الحافّة الشرقية لجمهورية الكونغو الديمقراطية. لم يكن أي منهم غنياً كذلك، ولن يكون لأحد منهم حظٌ من الغنى أبداً. وقد شهد كل منهم أحبّة له يتحوّلون إلى ضحايا للخنجر الغادر لحرب مبهمة لا غايات واضحة لها، وبلا نهاية منظورة.
وها هم جميعاً يعملون معاً لمصلحة المنتزه، إذ يردمون حفر الطريق ويُجلون الركام من أخاديد صرف مياه الأمطار.. إرساءً لشيء أهم بكثير من مجرّد 14 كيلومتراً من الحصباء الخشنة. فهذه الطريق هي همزة الوصل بين مخفر "بوكيما" لحرّاس الغابة والسيّاح الغربيين الذين تساعد أموالهم على دعم هذا المنتزه الوطني الأقدم على الإطلاق في إفريقيا. ويحضر هؤلاء السياح إلى هنا أساساً لتحقيق حلم يتمثّل في الوقوف على بعد أمتار قليلة عن النجوم البارزة التي تسكن المنتزه.. ألا وهي قرَدة الغوريلا الجبلية.
وثمة أمر لا يحظى بالقدر نفسه من النجومية -لكنه على المستوى نفسه من الأهمية- وهو أن طريق "بوكيما" هذه تصل المزارعين الموجودين خارج حدود المنتزه بأسواق القرى ومدينة "غوما" الواقعة خلفها. وقد كانت الطريق لسنين طويلة مستنقعاً من الحجارة الضخمة والأوحال الشبيهة بالرمال المتحركة، وكان انعدام إمكانية السير فيها قد زاد حياة الناس هنا صعوبةً على صعوبة. أما اليوم فإن المنتزه يغدق الأموال على ورش تجديد الطريق، ونرى رجالاً محليين من أمثال هؤلاء الشبّان يصلحونها. لذا فإنها تمثّل رابطاً، وإن كان ضعيفاً، بين المؤسسة الوطنية الأبرز للعيان في المنطقة (يُقصد منتزه فيرونغا) وأهالي القرى الذين يضمرون الكراهية للمنتزه وأحياناً يحتجّون بغيظ ضده لاعتقادهم بأن أرضه كان يجب أن تبقى ملكاً لهم. وهنا مكمن الاختلاف بين حارس الغابة، النقيب "تيو كامبالِه"، وهؤلاء الشبّان السبعة وأمثالهم.

ذلك أن قلب كامبالِه لم يحمل يوماً سوى الإجلال للمنتزه، ما يتجلى في بزّته النظيفة المكويّة، والعناية التي أولاها لإدخال ساقَي بنطاله في جزمتيه اللَّتَين لمَّعهما بعناية كبيرة كذلك. وكان كامبالِه -وقد التقيته في العام الماضي- يبلغ من العمر 55 سنة، أمضى31 سنة منها حارسَ غابة في المنتزه. كان أبوه قد توفّي في عام 1960 (وهو العام الذي ولِد فيه كامبالِه) من جراء إصابته بطعنةٍ من قرن جاموس إفريقي. أما أخوه فقُتل كذلك وهو على رأس عمله في عام 2006، لكن قاتله لم يكن حيواناً متوحشاً بل أحد أفراد المجموعات المسلّحة الكثيرة التي اجتاحت فيرونغا واحتلته على مدى عقدين من الزمن.