بين نكبتين
مارس الماضي، توجه "علي نور الدين" إلى منطقة "أودوميني" على الحدود بين اليونان ومقدونيا. كان المصور الفلسطيني الشاب، الذي تمرّس في تصوير حروب منطقة الشرق الأوسط، قد كُلِّفَ من جانب إحدى وكالات الأنباء العالمية توثيق رحلة سير اللاجئين السوريين داخل...
مارس الماضي، توجه "علي نور الدين" إلى منطقة "أودوميني" على الحدود بين اليونان ومقدونيا. كان المصور الفلسطيني الشاب، الذي تمرّس في تصوير حروب منطقة الشرق الأوسط، قد كُلِّفَ من جانب إحدى وكالات الأنباء العالمية توثيق رحلة سير اللاجئين السوريين داخل أوروبا. حَمَل نور الدين عدته وتخيّر أودوميني، التي حوّلتها السلطات المقدونية إلى سد منيع أمام نهر اللاجئين المتدفق صوب قلب أوروبا.
خَبر نور الدين حياة اللجوء خلال طفولته في مخيمات غزة التي لجأ إليها جدّاه عقب النكبة. لذا جاءت لقطاته الموثِقة لمعاناة اللاجئين السوريين في القارة العجوز صادقة ومعبِّرة في آن. يأخذنا المصور الشاب عبر عدسته إلى حيث لم "تطأ" كاميرا من قبل. يصدُمُنا بوجوه اللاجئين المتسائلة من دون أن تنطق؛ كيف انتهينا إلى كل هذا الإحباط والضياع والجوع والتعب؟ كيف انتهينا غرباء وسط أرض غريبة، تحت سماء تتحدث لغات غريبة.
يقول نور الدين عن أيامه التي قضاها بين ظهراني النازحين في أودوميني: "ما إن يرخي الليل سدوله فوق سكان الخيم البلاستيكية، حتى يتناهى إلى أسماعك أنين يصدر من هنا وهناك لأمهات وآباء أضنت أجسادهم أثقال كفاحات النهار". أينما تلفّت المرء هنا، صادف بصره أناساً ينفقون ما تبقى من العمر في خيم العراء بعدما خسروا رهان الوطن. لاجئون يداعبهم حلم العودة المستحيلة إلى الديار، وهم يكابدون عيش كابوس ضياع بعدما تقطعت بهم الطرق والسبل. رجال ونساء شدّوا رِحال الهجرة من سورية إلى ألمانيا؛ سلاحهم الوحيد إرادة لا تلين وأجسادٌ ينهشها المرض؛ أنهكهم الجوع لكنهم لا يأكلون رغيفهم وجارهم جائع؛ تُعيق تقدمهم إعالة أم عاجزة وتُقيّد ترحالهم أعباء طفل لم يتجاوز مرحلة الفطام.
لا يكاد حديث اللاجئين السوريين يخلو من حكايات نجاتهم من انقلاب المراكب بهم في البحر المتوسط، وهم غير مدركين أن سورية نفسها أشبه بقارب انقلب بسكانه. يقول نور الدين، الذي روّعه ما سمع وما رأى لدى توثيقه أكبر هجرات هذا العصر: "لا يمكنك إدراك حقيقة مأساة اللاجئين، إلا بعد سماعك أهوال ما واجهوه في رحلتهم عبر البحر والبر، وهي تُروى على ألسنتهم".
خَبر نور الدين حياة اللجوء خلال طفولته في مخيمات غزة التي لجأ إليها جدّاه عقب النكبة. لذا جاءت لقطاته الموثِقة لمعاناة اللاجئين السوريين في القارة العجوز صادقة ومعبِّرة في آن. يأخذنا المصور الشاب عبر عدسته إلى حيث لم "تطأ" كاميرا من قبل. يصدُمُنا بوجوه اللاجئين المتسائلة من دون أن تنطق؛ كيف انتهينا إلى كل هذا الإحباط والضياع والجوع والتعب؟ كيف انتهينا غرباء وسط أرض غريبة، تحت سماء تتحدث لغات غريبة.
يقول نور الدين عن أيامه التي قضاها بين ظهراني النازحين في أودوميني: "ما إن يرخي الليل سدوله فوق سكان الخيم البلاستيكية، حتى يتناهى إلى أسماعك أنين يصدر من هنا وهناك لأمهات وآباء أضنت أجسادهم أثقال كفاحات النهار". أينما تلفّت المرء هنا، صادف بصره أناساً ينفقون ما تبقى من العمر في خيم العراء بعدما خسروا رهان الوطن. لاجئون يداعبهم حلم العودة المستحيلة إلى الديار، وهم يكابدون عيش كابوس ضياع بعدما تقطعت بهم الطرق والسبل. رجال ونساء شدّوا رِحال الهجرة من سورية إلى ألمانيا؛ سلاحهم الوحيد إرادة لا تلين وأجسادٌ ينهشها المرض؛ أنهكهم الجوع لكنهم لا يأكلون رغيفهم وجارهم جائع؛ تُعيق تقدمهم إعالة أم عاجزة وتُقيّد ترحالهم أعباء طفل لم يتجاوز مرحلة الفطام.
لا يكاد حديث اللاجئين السوريين يخلو من حكايات نجاتهم من انقلاب المراكب بهم في البحر المتوسط، وهم غير مدركين أن سورية نفسها أشبه بقارب انقلب بسكانه. يقول نور الدين، الذي روّعه ما سمع وما رأى لدى توثيقه أكبر هجرات هذا العصر: "لا يمكنك إدراك حقيقة مأساة اللاجئين، إلا بعد سماعك أهوال ما واجهوه في رحلتهم عبر البحر والبر، وهي تُروى على ألسنتهم".
بين نكبتين
- بقلم: محمد طاهر
مارس الماضي، توجه "علي نور الدين" إلى منطقة "أودوميني" على الحدود بين اليونان ومقدونيا. كان المصور الفلسطيني الشاب، الذي تمرّس في تصوير حروب منطقة الشرق الأوسط، قد كُلِّفَ من جانب إحدى وكالات الأنباء العالمية توثيق رحلة سير اللاجئين السوريين داخل...
مارس الماضي، توجه "علي نور الدين" إلى منطقة "أودوميني" على الحدود بين اليونان ومقدونيا. كان المصور الفلسطيني الشاب، الذي تمرّس في تصوير حروب منطقة الشرق الأوسط، قد كُلِّفَ من جانب إحدى وكالات الأنباء العالمية توثيق رحلة سير اللاجئين السوريين داخل أوروبا. حَمَل نور الدين عدته وتخيّر أودوميني، التي حوّلتها السلطات المقدونية إلى سد منيع أمام نهر اللاجئين المتدفق صوب قلب أوروبا.
خَبر نور الدين حياة اللجوء خلال طفولته في مخيمات غزة التي لجأ إليها جدّاه عقب النكبة. لذا جاءت لقطاته الموثِقة لمعاناة اللاجئين السوريين في القارة العجوز صادقة ومعبِّرة في آن. يأخذنا المصور الشاب عبر عدسته إلى حيث لم "تطأ" كاميرا من قبل. يصدُمُنا بوجوه اللاجئين المتسائلة من دون أن تنطق؛ كيف انتهينا إلى كل هذا الإحباط والضياع والجوع والتعب؟ كيف انتهينا غرباء وسط أرض غريبة، تحت سماء تتحدث لغات غريبة.
يقول نور الدين عن أيامه التي قضاها بين ظهراني النازحين في أودوميني: "ما إن يرخي الليل سدوله فوق سكان الخيم البلاستيكية، حتى يتناهى إلى أسماعك أنين يصدر من هنا وهناك لأمهات وآباء أضنت أجسادهم أثقال كفاحات النهار". أينما تلفّت المرء هنا، صادف بصره أناساً ينفقون ما تبقى من العمر في خيم العراء بعدما خسروا رهان الوطن. لاجئون يداعبهم حلم العودة المستحيلة إلى الديار، وهم يكابدون عيش كابوس ضياع بعدما تقطعت بهم الطرق والسبل. رجال ونساء شدّوا رِحال الهجرة من سورية إلى ألمانيا؛ سلاحهم الوحيد إرادة لا تلين وأجسادٌ ينهشها المرض؛ أنهكهم الجوع لكنهم لا يأكلون رغيفهم وجارهم جائع؛ تُعيق تقدمهم إعالة أم عاجزة وتُقيّد ترحالهم أعباء طفل لم يتجاوز مرحلة الفطام.
لا يكاد حديث اللاجئين السوريين يخلو من حكايات نجاتهم من انقلاب المراكب بهم في البحر المتوسط، وهم غير مدركين أن سورية نفسها أشبه بقارب انقلب بسكانه. يقول نور الدين، الذي روّعه ما سمع وما رأى لدى توثيقه أكبر هجرات هذا العصر: "لا يمكنك إدراك حقيقة مأساة اللاجئين، إلا بعد سماعك أهوال ما واجهوه في رحلتهم عبر البحر والبر، وهي تُروى على ألسنتهم".
خَبر نور الدين حياة اللجوء خلال طفولته في مخيمات غزة التي لجأ إليها جدّاه عقب النكبة. لذا جاءت لقطاته الموثِقة لمعاناة اللاجئين السوريين في القارة العجوز صادقة ومعبِّرة في آن. يأخذنا المصور الشاب عبر عدسته إلى حيث لم "تطأ" كاميرا من قبل. يصدُمُنا بوجوه اللاجئين المتسائلة من دون أن تنطق؛ كيف انتهينا إلى كل هذا الإحباط والضياع والجوع والتعب؟ كيف انتهينا غرباء وسط أرض غريبة، تحت سماء تتحدث لغات غريبة.
يقول نور الدين عن أيامه التي قضاها بين ظهراني النازحين في أودوميني: "ما إن يرخي الليل سدوله فوق سكان الخيم البلاستيكية، حتى يتناهى إلى أسماعك أنين يصدر من هنا وهناك لأمهات وآباء أضنت أجسادهم أثقال كفاحات النهار". أينما تلفّت المرء هنا، صادف بصره أناساً ينفقون ما تبقى من العمر في خيم العراء بعدما خسروا رهان الوطن. لاجئون يداعبهم حلم العودة المستحيلة إلى الديار، وهم يكابدون عيش كابوس ضياع بعدما تقطعت بهم الطرق والسبل. رجال ونساء شدّوا رِحال الهجرة من سورية إلى ألمانيا؛ سلاحهم الوحيد إرادة لا تلين وأجسادٌ ينهشها المرض؛ أنهكهم الجوع لكنهم لا يأكلون رغيفهم وجارهم جائع؛ تُعيق تقدمهم إعالة أم عاجزة وتُقيّد ترحالهم أعباء طفل لم يتجاوز مرحلة الفطام.
لا يكاد حديث اللاجئين السوريين يخلو من حكايات نجاتهم من انقلاب المراكب بهم في البحر المتوسط، وهم غير مدركين أن سورية نفسها أشبه بقارب انقلب بسكانه. يقول نور الدين، الذي روّعه ما سمع وما رأى لدى توثيقه أكبر هجرات هذا العصر: "لا يمكنك إدراك حقيقة مأساة اللاجئين، إلا بعد سماعك أهوال ما واجهوه في رحلتهم عبر البحر والبر، وهي تُروى على ألسنتهم".