منتزهـات أميـركا.. اختبـار الصمـود

تلقي شمس الصباح الباكر بأشعتها على "غاردن وَول" (أي "جدار الحديقة")، وهو نتوء صخري شكّلته أنهار جليدية تعود إلى العصر الجليدي. وقد كان نهر "غرينل" الجليدي فيما مضى يملأ الحوض الواقع أسفل الجدار، لكنه يتقلّص.
يمتد "منتزه ساحل جزيرة أَساتيغ الوطني" على جزيرة تتّخذ شكل شريط ضيّق بطول 60 كيلومتراً قبالة ساحل ولايتَي ماريلاند وفرجينيا بالولايات المتحدة.. وهو اليوم آخذ في الانزياح تدريجياً نحو الغرب. فمنذ قرون والأعاصير الشديدة والعواصف الشمالية الشرقية تدفع...
يمتد "منتزه ساحل جزيرة أَساتيغ الوطني" على جزيرة تتّخذ شكل شريط ضيّق بطول 60 كيلومتراً قبالة ساحل ولايتَي ماريلاند وفرجينيا بالولايات المتحدة.. وهو اليوم آخذ في الانزياح تدريجياً نحو الغرب. فمنذ قرون والأعاصير الشديدة والعواصف الشمالية الشرقية تدفع الرمال من شواطئه الأطلسية عبر الجزيرة وتتوغل بسبخاته الخليجية، جاعلةً الجزيرة بأكملها أقرب إلى الساحل الشرقي للبرّ الرئيس للولايات المتحدة.
قال "إشماييل آنيس" مازحاً وهو ينظر إلى الشاطئ وقد عَلَت وجهه ابتسامةٌ عريضة وتحدّب ظهره إذ يقاوم الريح الربيعية العاتية: "ألَيس المشهد الذي خلّفه التطوّر المناخي مشهداً منسَّقاً ومرتّباً؟". قال ذلك وقد تناثرت أمام أنظارنا -أنا وآنيس- جذوعُ أشجار وأغصانٌ مغضَّنة وكتلٌ ضخمة من خُث النباتات، وهي بقايا سَبخة كانت تشكّل فيما مضى الساحل الغربي للجزيرة. فبعد أن كانت الرمال المحمولة بالعواصف قد دفنت هذه السبخة ههنا، بدأت الأخيرةُ بالظهور مجدداً، ولكن على الساحل الشرقي للجزيرة.. التي تتحرّك غرباً.
وقد شهد آنيس -الذي تقاعد مؤخّراً بعد عمله 34 عاماً رئيساً لقسم الصيانة لدى منتزه أساتيغ- عدداً كبيراً من العواصف ههنا. والمفارقة هي أن هذا المنتزه الساحلي الوطني يدين بوجوده في الأصل لإعصارٍ شماليّ شرقي: ففي مارس من عام 1962، شقّ إعصار "آش ونزدَيْه" مساراً له عبر أَساتيغ، فطمس مَرافق منتجع "أوشن بيتش" حديث العهد آنذاك، فدمّر طريقه وأبنيته الثلاثين الأولى.. ومعها أحلام مُشَيِّدِيه. (في إثر ذلك، بقيت الإشارات الدالة على الشوارع -غير المُنجَزة- غارقةً بالماء حتى مستوى الساق). استغلّ حُماة الطبيعة تلك الانتكاسة لإقناع الكونغرس في عام 1965 بأن يوفرّ الحماية لجُلّ مساحة الجزيرة، وذلك بضمّها لمنظومة المنتزهات الوطنية الأميركية. واليوم يُعدّ المنتزه أطول امتداد من الأراضي البِكر على جزيرة حاجزة قبالة ساحل الأطلسي الأوسط للولايات المتحدة، وهي جزيرة عزيزة على قلوب الناس بفضل الخيول الوحشية القزمة الشعثاء التي تسكنها، وإمكانية تأمّل النجوم من الجزيرة بلا معوّقات، وكذلك نظراً لمناظرها البحريّة الهادئة.. والتي لطالما كانت عُرضة بين الحين والآخر لعواصف هوجاء، تماماً كما هو شأن غيرها من الجزر الحاجزة.
ويتوقّع العلماء أن تزداد العواصف هيجاناً ومستويات البحر ارتفاعاً، وأن تتسارع وتيرة تَحَرّك جزيرة أَساتيغ نحو الغرب بتغيّر المناخ. وإن معرفة آنيس الجيدة بالجزيرة تجعله أقدر على الحكم والاستنتاج بأن تلك التغيّرات جارية أصلاً. وقد شرع فريق صيانة المنتزه سلفاً في مواجهة تداعيات ذلك التغير المناخي. ففي الطرف الجنوبي للجزيرة، كانت العواصف قد دمّرت مواقف السيارات ستّ مرّات خلال عشر سنوات. أما مركز الزوّار فقد تضرّر ثلاث مرّات. وقد كانت تكاليف الإصلاح غالية بطبيعة الحال. عندما بلغت الأضرار حداً صارت فيه كُتَلٌ من الإسفلت -الواحدة منها بحجم قبضة اليدّ- تتناثر على الشاطئ، بدا الإصلاح -في عينَيّ آنيس- أمراً بالغ التعقيد.

منتزهـات أميـركا.. اختبـار الصمـود

تلقي شمس الصباح الباكر بأشعتها على "غاردن وَول" (أي "جدار الحديقة")، وهو نتوء صخري شكّلته أنهار جليدية تعود إلى العصر الجليدي. وقد كان نهر "غرينل" الجليدي فيما مضى يملأ الحوض الواقع أسفل الجدار، لكنه يتقلّص.
يمتد "منتزه ساحل جزيرة أَساتيغ الوطني" على جزيرة تتّخذ شكل شريط ضيّق بطول 60 كيلومتراً قبالة ساحل ولايتَي ماريلاند وفرجينيا بالولايات المتحدة.. وهو اليوم آخذ في الانزياح تدريجياً نحو الغرب. فمنذ قرون والأعاصير الشديدة والعواصف الشمالية الشرقية تدفع...
يمتد "منتزه ساحل جزيرة أَساتيغ الوطني" على جزيرة تتّخذ شكل شريط ضيّق بطول 60 كيلومتراً قبالة ساحل ولايتَي ماريلاند وفرجينيا بالولايات المتحدة.. وهو اليوم آخذ في الانزياح تدريجياً نحو الغرب. فمنذ قرون والأعاصير الشديدة والعواصف الشمالية الشرقية تدفع الرمال من شواطئه الأطلسية عبر الجزيرة وتتوغل بسبخاته الخليجية، جاعلةً الجزيرة بأكملها أقرب إلى الساحل الشرقي للبرّ الرئيس للولايات المتحدة.
قال "إشماييل آنيس" مازحاً وهو ينظر إلى الشاطئ وقد عَلَت وجهه ابتسامةٌ عريضة وتحدّب ظهره إذ يقاوم الريح الربيعية العاتية: "ألَيس المشهد الذي خلّفه التطوّر المناخي مشهداً منسَّقاً ومرتّباً؟". قال ذلك وقد تناثرت أمام أنظارنا -أنا وآنيس- جذوعُ أشجار وأغصانٌ مغضَّنة وكتلٌ ضخمة من خُث النباتات، وهي بقايا سَبخة كانت تشكّل فيما مضى الساحل الغربي للجزيرة. فبعد أن كانت الرمال المحمولة بالعواصف قد دفنت هذه السبخة ههنا، بدأت الأخيرةُ بالظهور مجدداً، ولكن على الساحل الشرقي للجزيرة.. التي تتحرّك غرباً.
وقد شهد آنيس -الذي تقاعد مؤخّراً بعد عمله 34 عاماً رئيساً لقسم الصيانة لدى منتزه أساتيغ- عدداً كبيراً من العواصف ههنا. والمفارقة هي أن هذا المنتزه الساحلي الوطني يدين بوجوده في الأصل لإعصارٍ شماليّ شرقي: ففي مارس من عام 1962، شقّ إعصار "آش ونزدَيْه" مساراً له عبر أَساتيغ، فطمس مَرافق منتجع "أوشن بيتش" حديث العهد آنذاك، فدمّر طريقه وأبنيته الثلاثين الأولى.. ومعها أحلام مُشَيِّدِيه. (في إثر ذلك، بقيت الإشارات الدالة على الشوارع -غير المُنجَزة- غارقةً بالماء حتى مستوى الساق). استغلّ حُماة الطبيعة تلك الانتكاسة لإقناع الكونغرس في عام 1965 بأن يوفرّ الحماية لجُلّ مساحة الجزيرة، وذلك بضمّها لمنظومة المنتزهات الوطنية الأميركية. واليوم يُعدّ المنتزه أطول امتداد من الأراضي البِكر على جزيرة حاجزة قبالة ساحل الأطلسي الأوسط للولايات المتحدة، وهي جزيرة عزيزة على قلوب الناس بفضل الخيول الوحشية القزمة الشعثاء التي تسكنها، وإمكانية تأمّل النجوم من الجزيرة بلا معوّقات، وكذلك نظراً لمناظرها البحريّة الهادئة.. والتي لطالما كانت عُرضة بين الحين والآخر لعواصف هوجاء، تماماً كما هو شأن غيرها من الجزر الحاجزة.
ويتوقّع العلماء أن تزداد العواصف هيجاناً ومستويات البحر ارتفاعاً، وأن تتسارع وتيرة تَحَرّك جزيرة أَساتيغ نحو الغرب بتغيّر المناخ. وإن معرفة آنيس الجيدة بالجزيرة تجعله أقدر على الحكم والاستنتاج بأن تلك التغيّرات جارية أصلاً. وقد شرع فريق صيانة المنتزه سلفاً في مواجهة تداعيات ذلك التغير المناخي. ففي الطرف الجنوبي للجزيرة، كانت العواصف قد دمّرت مواقف السيارات ستّ مرّات خلال عشر سنوات. أما مركز الزوّار فقد تضرّر ثلاث مرّات. وقد كانت تكاليف الإصلاح غالية بطبيعة الحال. عندما بلغت الأضرار حداً صارت فيه كُتَلٌ من الإسفلت -الواحدة منها بحجم قبضة اليدّ- تتناثر على الشاطئ، بدا الإصلاح -في عينَيّ آنيس- أمراً بالغ التعقيد.