اغتيال‭ ‬الأنوثة

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المعارضة‭ ‬الشديدة‭ ‬لختان‭ ‬الإناث ،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬فتاة‭ ‬معرضة‭ ‬لمواجهة‭ ‬مخاطر‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬ 30‭ ‬دولة‭ ‬معظمها‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭. ‬وتقول‭ ‬دراسة‭ ‬مولتها‭ "‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭" ‬إن‭...
في أواخر شهر مايو الماضي، دخلت ابنة السبعة عشر ربيعاً "ميار محمد موسى" إلى إحدى المستشفيات الخاصة بمدينة السويس في مصر، لإجراء عملية ختان "بسيطة وصغيرة" كما همست لها والدتها، "حفاظاً على العفة والأخلاق الحميدة". كانت شقيقتها التوأم قد أجرت في وقت سابق...
في أواخر شهر مايو الماضي، دخلت ابنة السبعة عشر ربيعاً  "ميار محمد موسى" إلى إحدى المستشفيات الخاصة بمدينة السويس في مصر، لإجراء عملية ختان "بسيطة وصغيرة" كما همست لها والدتها، "حفاظاً على العفة والأخلاق الحميدة". كانت شقيقتها التوأم قد أجرت في وقت سابق من النهار العملية نفسها وخرجت بسلام. لكن القدر اتخذ مساراً مغايراً مع "ميار"، إذ توفيت ساعات قليلة في أعقاب ختانها. أما سبب الوفاة فإصابتها بنزيف شديد تبعه هبوط حاد في الدورة الدموية حسب تقرير الطبيب الشرعي.

ألقت حادثة "ميار" المأساوية حجراً في المياه الراكدة لمسألة ختان الإناث، تلك الممارسة التي لا تستند إلى أي دليل طبي أو ديني يدعم استمرار العمل بها. فقد أقر البرلمان المصري ثلاثة أشهر على ذلك، مشروع قانون قدمته الحكومة وقضى بتغليظ العقوبة على من يقوم "بإزالة أي من الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث بشكل جزئى أو تام أو يلحق إصابات بتلك الأعضاء من دون مبرر طبي"، بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات. ورغم تغليظ العقوبات القانونية، وتجريم الأزهر لعملية الختان واعتبار أنها ليست من صحيح الإسلام، إلا أن هذه العادة التقليدية لا تزال تجد من يؤمن بضرورة إجرائها من الآباء والأمهات، ولا تزال تُمارس في الخفاء خصوصاً في قرى مصر ومناطقها النائية.
الدكتورة هالة صقر -المسؤولة التقنية لبرنامج الإصابات والعنف والإعاقة في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية- تحبذ استخدام مصطلح "تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى" لعمليات الختان التي تجرى للإناث. تقول صقر إن هناك ثمة "ثلاث درجات لعمليات تشويه الأعضاء التناسلية، أكثرها حِدة الدرجة الثالثة، التي تقضي ببتر جميع الأعضاء التناسلية الخارجية ثم خياطة المنطقة الرخوة، ما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة أثناء الولادة تقود إلى إعاقة عملية المخاض وصولاً إلى التسبب بوفاة الأم وجنينها".

يلقي الدكتور ولاء فخر -استشاري أول عقم وأمراض نسائية- الضوء بشكل أكثر وضوحاً على المضاعفات الناتجة عن الأخطاء التقنية في عملية الختان، والتي ينفذها حسب رأيه أشخاص ذوو قصور في الخلفية العلمية والجراحية وهم في غالب الحالات من الممرضات أو المُمَارِسات الاجتماعيات. يقول فخر: "يتسبب ختان الأنثى بأضرار جسيمة تطال قناة مجرى البول، فضلاً عن إحداث التهابات قد تؤدي إلى انسداد فتحة المهبل؛ فيحتبس الحيض ويتجمّع داخلياً وهو أمر له تداعيات آثار سلبية خطيرة على أي أنثى. أما خلال حالات الوضع فقد تحدث مشاكل أقل ما يقال فيها إنها خطيرة نظراً لارتباطها بحياة الأم والجنين معاً؛ إذ قد يتعثر خروج الجنين من فتحة المهبل أثناء الولادة الطبيعية جراء الضيق الناجم عن الخياطة التي تعقب عملية الختان".
ولا تنحصر ممارسات الأشخاص ذوي القصور العلمي والجراحي في بعض البلاد العربية، فحسب الخبيرة الدولية صقر، فإن الختان "مشكلة عالمية تمسُّ حوالى 200 مليون أنثى في العالم يتركز جلّهن ضمن 30 دولة في غرب إفريقيا وشرقها إضافة إلى دول حوض النيل، وقليل من بلدان الشرق الأوسط وآسيا". وفي معرض سردها للنجاحات المتحققة نتيجة تضافر الجهود الدولية والإقليمية والمحلية، تشيد صقر بالتعاون القوي الذي تلمسه "منظمة الصحة العالمية" من لدن حكومات الدول المعنية، في سبيل وقف هذه الممارسات. "فقد عملت أغلب حكومات بلدان الإقليم على إصدار لوائح وسياسات واستراتيجيات لوقف الختان. وقام عدد أقل بالمصادقة على قوانين من شأنها تغليظ العقوبات على ممارسيها. إلا أن تطبيق هذه القوانين واللوائح يحتاج مزيداً من الدعم خصوصاً في المجتمعات ذات التقاليد والمعتقدات الراسخة حول هذه الممارسة"، حسب صقر.

ويدحض الدكتور فخر كل المعتقدات والخرافات التي تربط بين بالختان ومسألة الحفاظ على العفة. وفي ذلك يقول: "إن قرار الآباء قطع بعض الأجزاء التناسلية لبناتهن في سن مبكرة بدعوى حمايتهن من الانحراف الجنسي من خلال التخلص من المناطق المسؤولة عن الإثارة الجنسية لديها، إن دل على شيء، فإنما على ضيق الأفق والجهل التام بفزيولوجية الأنثى". يتابع الطبيب الذي أمضى سنين طويلة في نصح وتنبيه الأهالي من مغبة القيام بمثل هذه الممارسات السلبية: "فالختان لا يحمي الأنثى من الانحراف، بدليل أن هناك من خضعن له ومع ذلك انحرفن. إن عفة الفتاة لا تأتي من أعضائها التناسلية ولا تتركز فيها، وإنما تأتي من استعدادها النفسي والذي يتحكم في هذه الأعضاء وغيرها. فحتى المرأة التي تعرضت للختان تستمتع مع الرجل الذي تحب". سألت الدكتور فخر سؤالاً من واقع خبرته الطويلة مع النساء بصفته طبيباً مختصاً بأمراضهن، "هل تعتقد أن السيدات اللواتي خضعن للختان لا يرغبن في أن تمر بناتهن بنفس التجربة المريرة؟". أجاب الطبيب المخضرم: "الغالبية العظمى تقاتل لحماية بناتهن من مرارات ما مررن به. مع ذلك لا يزال ثمة قلّة من النساء مقتنعات بحتمية إجراء الختان لبناتهن لحمايتهن من السقوط في براثن الرذيلة"!!
خلال الوقت الذي استغرقته عزيزي القارئ في قراءة سطور هاتين الصفحتين، تم ختان 86 فتاة حول العالم. لذلك تبدو استغاثات "ميار" ونداءات "صقر" وبراهين "فخر"، كمن يؤذن في مالطا.. حتى حين.

انتهى


 

اغتيال‭ ‬الأنوثة

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المعارضة‭ ‬الشديدة‭ ‬لختان‭ ‬الإناث ،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬فتاة‭ ‬معرضة‭ ‬لمواجهة‭ ‬مخاطر‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬ 30‭ ‬دولة‭ ‬معظمها‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭. ‬وتقول‭ ‬دراسة‭ ‬مولتها‭ "‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭" ‬إن‭...
في أواخر شهر مايو الماضي، دخلت ابنة السبعة عشر ربيعاً "ميار محمد موسى" إلى إحدى المستشفيات الخاصة بمدينة السويس في مصر، لإجراء عملية ختان "بسيطة وصغيرة" كما همست لها والدتها، "حفاظاً على العفة والأخلاق الحميدة". كانت شقيقتها التوأم قد أجرت في وقت سابق...
في أواخر شهر مايو الماضي، دخلت ابنة السبعة عشر ربيعاً  "ميار محمد موسى" إلى إحدى المستشفيات الخاصة بمدينة السويس في مصر، لإجراء عملية ختان "بسيطة وصغيرة" كما همست لها والدتها، "حفاظاً على العفة والأخلاق الحميدة". كانت شقيقتها التوأم قد أجرت في وقت سابق من النهار العملية نفسها وخرجت بسلام. لكن القدر اتخذ مساراً مغايراً مع "ميار"، إذ توفيت ساعات قليلة في أعقاب ختانها. أما سبب الوفاة فإصابتها بنزيف شديد تبعه هبوط حاد في الدورة الدموية حسب تقرير الطبيب الشرعي.

ألقت حادثة "ميار" المأساوية حجراً في المياه الراكدة لمسألة ختان الإناث، تلك الممارسة التي لا تستند إلى أي دليل طبي أو ديني يدعم استمرار العمل بها. فقد أقر البرلمان المصري ثلاثة أشهر على ذلك، مشروع قانون قدمته الحكومة وقضى بتغليظ العقوبة على من يقوم "بإزالة أي من الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث بشكل جزئى أو تام أو يلحق إصابات بتلك الأعضاء من دون مبرر طبي"، بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات. ورغم تغليظ العقوبات القانونية، وتجريم الأزهر لعملية الختان واعتبار أنها ليست من صحيح الإسلام، إلا أن هذه العادة التقليدية لا تزال تجد من يؤمن بضرورة إجرائها من الآباء والأمهات، ولا تزال تُمارس في الخفاء خصوصاً في قرى مصر ومناطقها النائية.
الدكتورة هالة صقر -المسؤولة التقنية لبرنامج الإصابات والعنف والإعاقة في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية- تحبذ استخدام مصطلح "تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى" لعمليات الختان التي تجرى للإناث. تقول صقر إن هناك ثمة "ثلاث درجات لعمليات تشويه الأعضاء التناسلية، أكثرها حِدة الدرجة الثالثة، التي تقضي ببتر جميع الأعضاء التناسلية الخارجية ثم خياطة المنطقة الرخوة، ما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة أثناء الولادة تقود إلى إعاقة عملية المخاض وصولاً إلى التسبب بوفاة الأم وجنينها".

يلقي الدكتور ولاء فخر -استشاري أول عقم وأمراض نسائية- الضوء بشكل أكثر وضوحاً على المضاعفات الناتجة عن الأخطاء التقنية في عملية الختان، والتي ينفذها حسب رأيه أشخاص ذوو قصور في الخلفية العلمية والجراحية وهم في غالب الحالات من الممرضات أو المُمَارِسات الاجتماعيات. يقول فخر: "يتسبب ختان الأنثى بأضرار جسيمة تطال قناة مجرى البول، فضلاً عن إحداث التهابات قد تؤدي إلى انسداد فتحة المهبل؛ فيحتبس الحيض ويتجمّع داخلياً وهو أمر له تداعيات آثار سلبية خطيرة على أي أنثى. أما خلال حالات الوضع فقد تحدث مشاكل أقل ما يقال فيها إنها خطيرة نظراً لارتباطها بحياة الأم والجنين معاً؛ إذ قد يتعثر خروج الجنين من فتحة المهبل أثناء الولادة الطبيعية جراء الضيق الناجم عن الخياطة التي تعقب عملية الختان".
ولا تنحصر ممارسات الأشخاص ذوي القصور العلمي والجراحي في بعض البلاد العربية، فحسب الخبيرة الدولية صقر، فإن الختان "مشكلة عالمية تمسُّ حوالى 200 مليون أنثى في العالم يتركز جلّهن ضمن 30 دولة في غرب إفريقيا وشرقها إضافة إلى دول حوض النيل، وقليل من بلدان الشرق الأوسط وآسيا". وفي معرض سردها للنجاحات المتحققة نتيجة تضافر الجهود الدولية والإقليمية والمحلية، تشيد صقر بالتعاون القوي الذي تلمسه "منظمة الصحة العالمية" من لدن حكومات الدول المعنية، في سبيل وقف هذه الممارسات. "فقد عملت أغلب حكومات بلدان الإقليم على إصدار لوائح وسياسات واستراتيجيات لوقف الختان. وقام عدد أقل بالمصادقة على قوانين من شأنها تغليظ العقوبات على ممارسيها. إلا أن تطبيق هذه القوانين واللوائح يحتاج مزيداً من الدعم خصوصاً في المجتمعات ذات التقاليد والمعتقدات الراسخة حول هذه الممارسة"، حسب صقر.

ويدحض الدكتور فخر كل المعتقدات والخرافات التي تربط بين بالختان ومسألة الحفاظ على العفة. وفي ذلك يقول: "إن قرار الآباء قطع بعض الأجزاء التناسلية لبناتهن في سن مبكرة بدعوى حمايتهن من الانحراف الجنسي من خلال التخلص من المناطق المسؤولة عن الإثارة الجنسية لديها، إن دل على شيء، فإنما على ضيق الأفق والجهل التام بفزيولوجية الأنثى". يتابع الطبيب الذي أمضى سنين طويلة في نصح وتنبيه الأهالي من مغبة القيام بمثل هذه الممارسات السلبية: "فالختان لا يحمي الأنثى من الانحراف، بدليل أن هناك من خضعن له ومع ذلك انحرفن. إن عفة الفتاة لا تأتي من أعضائها التناسلية ولا تتركز فيها، وإنما تأتي من استعدادها النفسي والذي يتحكم في هذه الأعضاء وغيرها. فحتى المرأة التي تعرضت للختان تستمتع مع الرجل الذي تحب". سألت الدكتور فخر سؤالاً من واقع خبرته الطويلة مع النساء بصفته طبيباً مختصاً بأمراضهن، "هل تعتقد أن السيدات اللواتي خضعن للختان لا يرغبن في أن تمر بناتهن بنفس التجربة المريرة؟". أجاب الطبيب المخضرم: "الغالبية العظمى تقاتل لحماية بناتهن من مرارات ما مررن به. مع ذلك لا يزال ثمة قلّة من النساء مقتنعات بحتمية إجراء الختان لبناتهن لحمايتهن من السقوط في براثن الرذيلة"!!
خلال الوقت الذي استغرقته عزيزي القارئ في قراءة سطور هاتين الصفحتين، تم ختان 86 فتاة حول العالم. لذلك تبدو استغاثات "ميار" ونداءات "صقر" وبراهين "فخر"، كمن يؤذن في مالطا.. حتى حين.

انتهى