أي حياة بعـد داعـش؟

جبل "سنجار" هو موطن الإيزيديين الذين كان ينظر إليهم تنظيم داعش بازدراء كبير وارتكب في حقهم أعمالا فظيعة، بسبب ديانتهم المستمدة من ديانات مختلفة.
كان الجنود الأكراد يقفون فوق حاجز ترابي بالقرب من مخبأ أحد رجال المدفعية؛ كان ذلك أحد مواقعهم الأمامية المتعددة على طول خط المواجهة الذي كان يمتد على قمة جانب من الجبل ويقابل جهة الغرب، فيُطل على وادي نهر دجلة. وكان قرص الشمس يميل نحو الغروب مُعلناً...
كان الجنود الأكراد يقفون فوق حاجز ترابي بالقرب من مخبأ أحد رجال المدفعية؛ كان ذلك أحد مواقعهم الأمامية المتعددة على طول خط المواجهة الذي كان يمتد على قمة جانب من الجبل ويقابل جهة الغرب، فيُطل على وادي نهر دجلة. وكان قرص الشمس يميل نحو الغروب مُعلناً انقضاء نهار يوم من أيام الصيف الأخيرة، وهو أكثر المواسم جفافاً في العراق حيث تبدو السماء وكأنها تنطبق على الأرض. وعلى الرغم من ظُلمة العشي، كان لا يزال بإمكان الجنود أن يميّزوا -عند ضفة النهر القريبة- الأنوارَ الساطعة لمدينة الموصل. فلقد كانوا معتادين على هذا المشهد، إذ أمضوا شهوراً في صفوف قوات "البشمركة" (جيش كردستان العراق) وهم يراقبون كل شبر من المنطقة ويرسمون الخرائط لها ويتناقشون بشأنها؛ لكن تلك الألفة مع المشهد لم تنقص من ألقه أو من المخاطر التي تحيط به. فكل ما يمتد نظرهم إليه هو في ملك تنظيم داعش.

كان ذلك في أواخر شهر يوليو من عام 2016، إذ كانت معركة تحرير الموصل -التي راجت إشاعات بشأنها مدة طويلة- على وشك البدء. وكانت قوة التحرير بصدد التجمع. فقد كان الجنود العراقيون قد أخرجوا تنظيم داعش بالقوة من الفلوجة، قبل أن يواصلوا شق طريقهم شمالا باتجاه الموصل. كانت قوات البشمركة تندفع من ذلك الجبل، فيما القوات الأميركية والأوروبية تحتشد إلى جانب جنود وأفراد ميليشيات من تركيا وإيران ودول أخرى، إذ شكّل ذلك أكبر استعراض دولي للقوة تأهباً لمواجهة تنظيم داعش الذي كان قد أحكم سيطرته مدة عامين اثنين على الموصل، المدينة الثانية كِبراً في العراق.
وكان القادة العسكريون يأملون بأن يدفع استرجاع الموصل عناصرَ التنظيم إلى الخروج من البلاد خروجاً نهائيا.
أما داخل الموصل، فقد ساد جو من الفزع والرعب، إذ كانت منظمة "الأمم المتحدة" قد أصدرت تقديرات تفيد بأن أكثر من مليون شخص سينزحون بسبب المعركة (كان تعداد سكان الموصل قبل مجيء تنظيم داعش يبلغ حوالى 1.4 مليون نسمة). ومن شأن حصيلة الضحايا المدنيين أن تكون فظيعة. وهكذا طفق الأهالي يفرون من المدينة بكل وسيلة استطاعوا إليها سبيلا، وكان ذلك الموقع الكردي (المذكور آنفاً) بمنزلة المحطة النهائية لأحد مسارب الهروب المعروفة، حيث يتقاطر الناس في كل ليلة تقريباً على المكان ويتدافعون عند جانب الجبل، وليس معهم سوى ملابسهم التي على أجسامهم.
كان الجنود يتوقعون في تلك الليلة وصول عائلة مكونة من سبعة أفراد. فقد سبق للأب -الذي يعمل ممرضاً- أن هاتفَ أحد أبناء عمومته الذي يعيش بالقرب من الجبل، والذي أخطر بدوره القائدَ بذلك الأمر.
لم يكن بوسع هذا القريب -الذي يُدعى الطيِّب- أن يمد هذا الممرض سوى بتوجيهات مبهمة، إذ قال له: "اصعد إلى الجبل". وقف الطيب والقائد معاً عند ذلك الحاجز الترابي.

 

أي حياة بعـد داعـش؟

جبل "سنجار" هو موطن الإيزيديين الذين كان ينظر إليهم تنظيم داعش بازدراء كبير وارتكب في حقهم أعمالا فظيعة، بسبب ديانتهم المستمدة من ديانات مختلفة.
كان الجنود الأكراد يقفون فوق حاجز ترابي بالقرب من مخبأ أحد رجال المدفعية؛ كان ذلك أحد مواقعهم الأمامية المتعددة على طول خط المواجهة الذي كان يمتد على قمة جانب من الجبل ويقابل جهة الغرب، فيُطل على وادي نهر دجلة. وكان قرص الشمس يميل نحو الغروب مُعلناً...
كان الجنود الأكراد يقفون فوق حاجز ترابي بالقرب من مخبأ أحد رجال المدفعية؛ كان ذلك أحد مواقعهم الأمامية المتعددة على طول خط المواجهة الذي كان يمتد على قمة جانب من الجبل ويقابل جهة الغرب، فيُطل على وادي نهر دجلة. وكان قرص الشمس يميل نحو الغروب مُعلناً انقضاء نهار يوم من أيام الصيف الأخيرة، وهو أكثر المواسم جفافاً في العراق حيث تبدو السماء وكأنها تنطبق على الأرض. وعلى الرغم من ظُلمة العشي، كان لا يزال بإمكان الجنود أن يميّزوا -عند ضفة النهر القريبة- الأنوارَ الساطعة لمدينة الموصل. فلقد كانوا معتادين على هذا المشهد، إذ أمضوا شهوراً في صفوف قوات "البشمركة" (جيش كردستان العراق) وهم يراقبون كل شبر من المنطقة ويرسمون الخرائط لها ويتناقشون بشأنها؛ لكن تلك الألفة مع المشهد لم تنقص من ألقه أو من المخاطر التي تحيط به. فكل ما يمتد نظرهم إليه هو في ملك تنظيم داعش.

كان ذلك في أواخر شهر يوليو من عام 2016، إذ كانت معركة تحرير الموصل -التي راجت إشاعات بشأنها مدة طويلة- على وشك البدء. وكانت قوة التحرير بصدد التجمع. فقد كان الجنود العراقيون قد أخرجوا تنظيم داعش بالقوة من الفلوجة، قبل أن يواصلوا شق طريقهم شمالا باتجاه الموصل. كانت قوات البشمركة تندفع من ذلك الجبل، فيما القوات الأميركية والأوروبية تحتشد إلى جانب جنود وأفراد ميليشيات من تركيا وإيران ودول أخرى، إذ شكّل ذلك أكبر استعراض دولي للقوة تأهباً لمواجهة تنظيم داعش الذي كان قد أحكم سيطرته مدة عامين اثنين على الموصل، المدينة الثانية كِبراً في العراق.
وكان القادة العسكريون يأملون بأن يدفع استرجاع الموصل عناصرَ التنظيم إلى الخروج من البلاد خروجاً نهائيا.
أما داخل الموصل، فقد ساد جو من الفزع والرعب، إذ كانت منظمة "الأمم المتحدة" قد أصدرت تقديرات تفيد بأن أكثر من مليون شخص سينزحون بسبب المعركة (كان تعداد سكان الموصل قبل مجيء تنظيم داعش يبلغ حوالى 1.4 مليون نسمة). ومن شأن حصيلة الضحايا المدنيين أن تكون فظيعة. وهكذا طفق الأهالي يفرون من المدينة بكل وسيلة استطاعوا إليها سبيلا، وكان ذلك الموقع الكردي (المذكور آنفاً) بمنزلة المحطة النهائية لأحد مسارب الهروب المعروفة، حيث يتقاطر الناس في كل ليلة تقريباً على المكان ويتدافعون عند جانب الجبل، وليس معهم سوى ملابسهم التي على أجسامهم.
كان الجنود يتوقعون في تلك الليلة وصول عائلة مكونة من سبعة أفراد. فقد سبق للأب -الذي يعمل ممرضاً- أن هاتفَ أحد أبناء عمومته الذي يعيش بالقرب من الجبل، والذي أخطر بدوره القائدَ بذلك الأمر.
لم يكن بوسع هذا القريب -الذي يُدعى الطيِّب- أن يمد هذا الممرض سوى بتوجيهات مبهمة، إذ قال له: "اصعد إلى الجبل". وقف الطيب والقائد معاً عند ذلك الحاجز الترابي.