عـيون مفترسة

يتمتع "العنكبوت القافز" بثماني عيون تحوي شبكيات فريدة تساعده على تقدير المسافات. يستطيع هذا المفترس الصغير أن يَثِبَ مسافات تفوق طوله بأكثر من عشر مرات اعتماداً على حسابات بصرية معقدة.
تختلف العناكب من حيث الحجم والطول وحتى شكل الجسم، لكن هذه المخلوقات التي تم تصنيف أكثر من 40 ألف نوع منها موزعة على أزيد من 3700 جنس ضمن 100 فصيلة، تشترك جميعها في امتلاك نظام معقد للرؤية يتألف إجمالاً من ثماني عيون (بعضها أقل من ذلك)، تتوزع في أجزاء...
تختلف العناكب من حيث الحجم والطول وحتى شكل الجسم، لكن هذه المخلوقات التي تم تصنيف أكثر من 40 ألف نوع منها موزعة على أزيد من 3700 جنس ضمن 100 فصيلة، تشترك جميعها في امتلاك نظام معقد للرؤية يتألف إجمالاً من ثماني عيون (بعضها أقل من ذلك)، تتوزع في أجزاء مختلفة ومتباينة من الرأس، وهي أشبه ما تكون في مهامها بأجهزة الرادار؛ إذ تمسح المنطقة المحيطة بالعنكبوت، وترصد طبيعة أي فريسة محتملة، وتُقدِّر مدى بُعدها حتى في أحلك الليالي ظلمة.
يختلف حجم عيون العناكب وترتيب موقعها في الرأس من نوع إلى آخر. وفي هذا يقول "يوسف الحبشي" مصور هذه اليوميات المتخصص بتوثيق الحشرات: "اكتشفتُ خلال تعمقي في صور وجوه العناكب، أنه يمكن تصنيف عشرات الأنواع منها عن طريق التمعّن بحجم عيونها وترتيب موقعها في الرأس.. إنه لأمر مذهل بالفعل".
وعلاقة الحبشي بالعناكب بدأت متوترة. إذ كان ينفر من هذه المخلوقات لدى بدايات عمله في تصوير الحشرات بتقنية "ماكرو" المقرِّبة. وقد روى لي كيف كان يشمئز من ملمس هذه المخلوقات التي تتسلل إلى بيوت الناس في غفلة، وتستوطن زوايا الأسقف والخزائن ناصبة فخاخها الحريرية هنا وهناك. لكن الحبشي ما لبث أن بدَّل رأيه عندما لاحظ لدى تدقيقه في عين عنكبوت [والتي تتألف من عدسة واحدة متعددة الطبقات وتؤدي ببراعة مهام عدة في وقت واحد] مقدار اختلافها عن تركيبة عيون الحشرات التي تتألف من مئات العدسات المتناهية الصغر المرصوصة في صفوف بديعة متحاذية (راجع تحقيق "وجوه الحشرات" المنشور في عدد ديسمبر 2015 من مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية).
وازداد فضول الحبشي بعيون العناكب، بعدما سمع يوماً من باحثين جامعيين متخصصين في علم الأحياء -أثناء عرضه لبعض صوره المقرَّبة أمامهم- سرداً مثيراً حول التكتيكات التي يتبعها "العنكبوت القافز" في سبيل قياس بُعده عن فريسته،‏ مستغلاً ميزة تنفرد بها عيناه الرئيستان عن سائر المخلوقات.‏ إذ ذكر الباحثون أن ثمة شبكيّة متعددة الطبقات مدمجة داخل كل عين رئيسة للعنكبوت القافز، ‏طبقتان منها حساستان للضوء الأخضر؛ وأن صورة واضحة التفاصيل للفريسة تتشكل في دماغ "العنكبوت القافز" على إحدى هاتين الطبقتين،‏ أما على الأخرى فتكون الصورة ضبابية.‏ المثير في الأمر أنه كلما ازدادت ضبابية الصورة على هذه الطبقة،‏ كانت الفريسة أقرب.‏ وهكذا،‏ يتمكن "العنكبوت القافز" اعتماداً على الصورتين المشكلتين فوق الطبقتين من أن يحسب بدقة متناهية المسافة المحددة التي يتوجب عليه قفزها للإمساك بفريسته.
ويعكف العلماء اليوم -حسب موقع wired.com- على تفكيك أسرار عمل نظام "العنكبوت القافز" البصري خصوصاً لجهة حساب المسافات بدقة اعتماداً على أعينه الأمامية. ويهدف الباحثون من وراء ذلك إلى محاكاة تقنية "العنكبوت القافز" وتسخيرها لصنع عدسات ثلاثية الأبعاد للروبوتات، تُمكنها من تقدير وتحديد مدى بُعدها عن غرض معين.‏ إنها "قفزة كبيرة" يهديها لنا نحن البشر، "عنكبوت صغير" لا يتعدى طوله نصف سنتيمتر ودماغه أصغر من دماغ ذبابة.. ومن يدري، فمع التطورات التكنولوجية المتسارعة في عالم اليوم قد تكون تقنية عين العنكبوت الثلاثية هذه، جزءًا من القطع الالكترونية المدمجة في جسم سلالتنا البشرية "السايبورغية" الجديدة.

عـيون مفترسة

يتمتع "العنكبوت القافز" بثماني عيون تحوي شبكيات فريدة تساعده على تقدير المسافات. يستطيع هذا المفترس الصغير أن يَثِبَ مسافات تفوق طوله بأكثر من عشر مرات اعتماداً على حسابات بصرية معقدة.
تختلف العناكب من حيث الحجم والطول وحتى شكل الجسم، لكن هذه المخلوقات التي تم تصنيف أكثر من 40 ألف نوع منها موزعة على أزيد من 3700 جنس ضمن 100 فصيلة، تشترك جميعها في امتلاك نظام معقد للرؤية يتألف إجمالاً من ثماني عيون (بعضها أقل من ذلك)، تتوزع في أجزاء...
تختلف العناكب من حيث الحجم والطول وحتى شكل الجسم، لكن هذه المخلوقات التي تم تصنيف أكثر من 40 ألف نوع منها موزعة على أزيد من 3700 جنس ضمن 100 فصيلة، تشترك جميعها في امتلاك نظام معقد للرؤية يتألف إجمالاً من ثماني عيون (بعضها أقل من ذلك)، تتوزع في أجزاء مختلفة ومتباينة من الرأس، وهي أشبه ما تكون في مهامها بأجهزة الرادار؛ إذ تمسح المنطقة المحيطة بالعنكبوت، وترصد طبيعة أي فريسة محتملة، وتُقدِّر مدى بُعدها حتى في أحلك الليالي ظلمة.
يختلف حجم عيون العناكب وترتيب موقعها في الرأس من نوع إلى آخر. وفي هذا يقول "يوسف الحبشي" مصور هذه اليوميات المتخصص بتوثيق الحشرات: "اكتشفتُ خلال تعمقي في صور وجوه العناكب، أنه يمكن تصنيف عشرات الأنواع منها عن طريق التمعّن بحجم عيونها وترتيب موقعها في الرأس.. إنه لأمر مذهل بالفعل".
وعلاقة الحبشي بالعناكب بدأت متوترة. إذ كان ينفر من هذه المخلوقات لدى بدايات عمله في تصوير الحشرات بتقنية "ماكرو" المقرِّبة. وقد روى لي كيف كان يشمئز من ملمس هذه المخلوقات التي تتسلل إلى بيوت الناس في غفلة، وتستوطن زوايا الأسقف والخزائن ناصبة فخاخها الحريرية هنا وهناك. لكن الحبشي ما لبث أن بدَّل رأيه عندما لاحظ لدى تدقيقه في عين عنكبوت [والتي تتألف من عدسة واحدة متعددة الطبقات وتؤدي ببراعة مهام عدة في وقت واحد] مقدار اختلافها عن تركيبة عيون الحشرات التي تتألف من مئات العدسات المتناهية الصغر المرصوصة في صفوف بديعة متحاذية (راجع تحقيق "وجوه الحشرات" المنشور في عدد ديسمبر 2015 من مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية).
وازداد فضول الحبشي بعيون العناكب، بعدما سمع يوماً من باحثين جامعيين متخصصين في علم الأحياء -أثناء عرضه لبعض صوره المقرَّبة أمامهم- سرداً مثيراً حول التكتيكات التي يتبعها "العنكبوت القافز" في سبيل قياس بُعده عن فريسته،‏ مستغلاً ميزة تنفرد بها عيناه الرئيستان عن سائر المخلوقات.‏ إذ ذكر الباحثون أن ثمة شبكيّة متعددة الطبقات مدمجة داخل كل عين رئيسة للعنكبوت القافز، ‏طبقتان منها حساستان للضوء الأخضر؛ وأن صورة واضحة التفاصيل للفريسة تتشكل في دماغ "العنكبوت القافز" على إحدى هاتين الطبقتين،‏ أما على الأخرى فتكون الصورة ضبابية.‏ المثير في الأمر أنه كلما ازدادت ضبابية الصورة على هذه الطبقة،‏ كانت الفريسة أقرب.‏ وهكذا،‏ يتمكن "العنكبوت القافز" اعتماداً على الصورتين المشكلتين فوق الطبقتين من أن يحسب بدقة متناهية المسافة المحددة التي يتوجب عليه قفزها للإمساك بفريسته.
ويعكف العلماء اليوم -حسب موقع wired.com- على تفكيك أسرار عمل نظام "العنكبوت القافز" البصري خصوصاً لجهة حساب المسافات بدقة اعتماداً على أعينه الأمامية. ويهدف الباحثون من وراء ذلك إلى محاكاة تقنية "العنكبوت القافز" وتسخيرها لصنع عدسات ثلاثية الأبعاد للروبوتات، تُمكنها من تقدير وتحديد مدى بُعدها عن غرض معين.‏ إنها "قفزة كبيرة" يهديها لنا نحن البشر، "عنكبوت صغير" لا يتعدى طوله نصف سنتيمتر ودماغه أصغر من دماغ ذبابة.. ومن يدري، فمع التطورات التكنولوجية المتسارعة في عالم اليوم قد تكون تقنية عين العنكبوت الثلاثية هذه، جزءًا من القطع الالكترونية المدمجة في جسم سلالتنا البشرية "السايبورغية" الجديدة.