لآلئ بحرية

"سلطعون حارس المرجان الأحمر الصغير"، بطوله الذي لا يتعدى ثلاثة سنتيمترات، يختبئ بين ثنايا مرجانية على عمق ثمانية أمتار. ثمة علاقة تكافلية بين هذا السلطعون والمرجان؛ إذ يغذي الأخير السلطعون بمخاطه فيما يحمي الأول المرجان من السرطانات الأخرى ونجوم البحر.
"يفاجئني التصوير تحت الماء مع كل عملية غـوص. فـهذا الجـزء غيـر المـرئي من كوكبنا يختزن قدراً كبيراً من الغموض والإثارة. هنا، أغوص في عوالم تحت عوالم تحت عوالم. وهنا أيضاً أتوقع غير المتوقع؛ فضاء من السلام والسكينة تتخللّه ومضات التهام سريعة في سبيل...
"يفاجئني التصوير تحت الماء مع كل عملية غـوص. فـهذا الجـزء غيـر المـرئي من كوكبنا يختزن قدراً كبيراً من الغموض والإثارة. هنا، أغوص في عوالم تحت عوالم تحت عوالم. وهنا أيضاً أتوقع غير المتوقع؛ فضاء من السلام والسكينة تتخللّه ومضات التهام سريعة في سبيل البقاء والحفاظ على التوازن الحيوي الطبيعي. أما قمة الإثارة فهي ما تُبيّنه لي الصور الملتقطة للأحياء الصغيرة عندما أستعرضها على شاشة الحاسوب، إذ تفاجئني التفاصيل المكبّرة بمخلوقات أخرى أصغر بكثير لم يدركها نظري تحت الماء". بهذه العبارات تصف "عُلا خلف" تجربتها التصويرية في غياهب البحار المحيطة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
تحمل عُلا على عاتقها بصفتها مصورة، مهمة تقديم جزء -ولو بسيط- من هذا العالم الغامض بتفاصيله الدقيقة المذهلة إلى "الملأ الأعلى" على هيئة صور ومقاطع فيديو، وهي مهمة شديدة الصعوبة وتحفُّها مخاطر شتّى. وفي هذا تقول مصورة هذه اليوميات: "التصوير تحت الماء ليس رحلة ترفيهية كما يتخيّل بعض الناس. فحساب كمية الأوكسجين المستهلكة وتأثير الغاز المتنفس على الغواص والآثار الفزيولوجية للغوص هي بعض ما يتكبده المصور للحصول على لقطة واحدة". وإلى كل ذلك تضيف عُلا عوائق من نوع آخر؛ انخفاض القدرة على التحكم بالكاميرا وملحقاتها من الإضاءات، وزاوية تصوير المخلوق البحري لتجنب "نمط وضع التصوير العلوي" للكائنات السابحة بغية منح الصورة شيئاً من الانطباع الشخصي. ويضاف إلى كل ذلك سرعة اختفاء الأحياء المائية -التي لا يزيد طول معظمها على سنتيمترين اثنين- لدى استشعارها لأي حركة غير معتادة، ما يحوِّل تصويرها إلى عملية مستحيلة في بعض الأوقات.
تتميز البحار المحيطة بدولة الإمارات العربية المتحدة -التي تستوطنها كل المخلوقات المصورة في هذه اليوميات- الممتدة عبر مسطحين مائيين يطلان على خليج عُمان شرقاً وسواحل الخليج العربي غرباً، بتنوعها الحيوي وتحديداً منطقة الساحل الشرقي نظراً لانفتاحها على المحيط الهندي عن طريق بحر العرب. وتزخر هذه المناطق التي تتميز بقلة أعماقها، بتنوع هائل لجهة الأحياء الصغيرة والدقيقة، من مثل "بزاق البحر عاري الخياشيم" التي تعيش عادة في بيئات مرجانية وإسفنجية، حسب ما يوضح البروفيسور "نورمان خلف"، وهو عالم أحياء وأستاذ سابق في "جامعة بون" الألمانية. يشدِّد نورمان على أهمية هذه المخلوقات رغم صغر حجمها وكثرة أنواعها التي تتجاوز ثلاثة آلاف نوع. "فمن شأن عدم وجودها في هذه البيئة" -يقول نورمان- "الإخلال بالتوازن الحيوي للسلسلة الغذائية بأكملها، ذلك أنها تتغذى على أنواع أخرى من محيطها كما أنها تُعد غذاء لأنواع أخرى عديدة من المخلوقات الأكبر حجماً".
سألت عُلا عن أغرب ما وقعت عليه عيناها في دنيا الغياهب البحرية، فأجابت من دون تردد "علاقة تكافلية بين سمكة وروبيان". وروت لي كيف أنها لاحظت في واحدة من رحلات غوصها، سمكة تحرس فتحة صغيرة في رمال قاع البحر. تقول: "ما إن أمعنت النظر جيداً حتى لاحظتُ أن هذه السمكة ترسل إشارة من ذيلها إلى روبيان صغير يقبع في جوف الحفرة، والذي لا يلبث أن يخرج مطمئناً لالتقاط غذائه من العوالق المنتشرة فوق رمال القاع. بعد هنيهات حرّكت السمكة جسمها مُرسلةً إشارة أخرى تَنِمُّ عن استشعار خطر داهم، فهمَّ الروبيان بالاختباء في الحفرة مجدداً لتعود السمكة لتسد فتحتها".
ما بين غوصة وأخرى تُمنّي عُلا نفسها في اكتشاف أحياء مائية جديدة لم يُسجل وجودها في هذه المنطقة من العالم، ولا يسعها وهي تحت الماء بين ظهراني هذا الخلق البديع إلا التسبيح للخالق على إبداعه العظيم.

لآلئ بحرية

"سلطعون حارس المرجان الأحمر الصغير"، بطوله الذي لا يتعدى ثلاثة سنتيمترات، يختبئ بين ثنايا مرجانية على عمق ثمانية أمتار. ثمة علاقة تكافلية بين هذا السلطعون والمرجان؛ إذ يغذي الأخير السلطعون بمخاطه فيما يحمي الأول المرجان من السرطانات الأخرى ونجوم البحر.
"يفاجئني التصوير تحت الماء مع كل عملية غـوص. فـهذا الجـزء غيـر المـرئي من كوكبنا يختزن قدراً كبيراً من الغموض والإثارة. هنا، أغوص في عوالم تحت عوالم تحت عوالم. وهنا أيضاً أتوقع غير المتوقع؛ فضاء من السلام والسكينة تتخللّه ومضات التهام سريعة في سبيل...
"يفاجئني التصوير تحت الماء مع كل عملية غـوص. فـهذا الجـزء غيـر المـرئي من كوكبنا يختزن قدراً كبيراً من الغموض والإثارة. هنا، أغوص في عوالم تحت عوالم تحت عوالم. وهنا أيضاً أتوقع غير المتوقع؛ فضاء من السلام والسكينة تتخللّه ومضات التهام سريعة في سبيل البقاء والحفاظ على التوازن الحيوي الطبيعي. أما قمة الإثارة فهي ما تُبيّنه لي الصور الملتقطة للأحياء الصغيرة عندما أستعرضها على شاشة الحاسوب، إذ تفاجئني التفاصيل المكبّرة بمخلوقات أخرى أصغر بكثير لم يدركها نظري تحت الماء". بهذه العبارات تصف "عُلا خلف" تجربتها التصويرية في غياهب البحار المحيطة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
تحمل عُلا على عاتقها بصفتها مصورة، مهمة تقديم جزء -ولو بسيط- من هذا العالم الغامض بتفاصيله الدقيقة المذهلة إلى "الملأ الأعلى" على هيئة صور ومقاطع فيديو، وهي مهمة شديدة الصعوبة وتحفُّها مخاطر شتّى. وفي هذا تقول مصورة هذه اليوميات: "التصوير تحت الماء ليس رحلة ترفيهية كما يتخيّل بعض الناس. فحساب كمية الأوكسجين المستهلكة وتأثير الغاز المتنفس على الغواص والآثار الفزيولوجية للغوص هي بعض ما يتكبده المصور للحصول على لقطة واحدة". وإلى كل ذلك تضيف عُلا عوائق من نوع آخر؛ انخفاض القدرة على التحكم بالكاميرا وملحقاتها من الإضاءات، وزاوية تصوير المخلوق البحري لتجنب "نمط وضع التصوير العلوي" للكائنات السابحة بغية منح الصورة شيئاً من الانطباع الشخصي. ويضاف إلى كل ذلك سرعة اختفاء الأحياء المائية -التي لا يزيد طول معظمها على سنتيمترين اثنين- لدى استشعارها لأي حركة غير معتادة، ما يحوِّل تصويرها إلى عملية مستحيلة في بعض الأوقات.
تتميز البحار المحيطة بدولة الإمارات العربية المتحدة -التي تستوطنها كل المخلوقات المصورة في هذه اليوميات- الممتدة عبر مسطحين مائيين يطلان على خليج عُمان شرقاً وسواحل الخليج العربي غرباً، بتنوعها الحيوي وتحديداً منطقة الساحل الشرقي نظراً لانفتاحها على المحيط الهندي عن طريق بحر العرب. وتزخر هذه المناطق التي تتميز بقلة أعماقها، بتنوع هائل لجهة الأحياء الصغيرة والدقيقة، من مثل "بزاق البحر عاري الخياشيم" التي تعيش عادة في بيئات مرجانية وإسفنجية، حسب ما يوضح البروفيسور "نورمان خلف"، وهو عالم أحياء وأستاذ سابق في "جامعة بون" الألمانية. يشدِّد نورمان على أهمية هذه المخلوقات رغم صغر حجمها وكثرة أنواعها التي تتجاوز ثلاثة آلاف نوع. "فمن شأن عدم وجودها في هذه البيئة" -يقول نورمان- "الإخلال بالتوازن الحيوي للسلسلة الغذائية بأكملها، ذلك أنها تتغذى على أنواع أخرى من محيطها كما أنها تُعد غذاء لأنواع أخرى عديدة من المخلوقات الأكبر حجماً".
سألت عُلا عن أغرب ما وقعت عليه عيناها في دنيا الغياهب البحرية، فأجابت من دون تردد "علاقة تكافلية بين سمكة وروبيان". وروت لي كيف أنها لاحظت في واحدة من رحلات غوصها، سمكة تحرس فتحة صغيرة في رمال قاع البحر. تقول: "ما إن أمعنت النظر جيداً حتى لاحظتُ أن هذه السمكة ترسل إشارة من ذيلها إلى روبيان صغير يقبع في جوف الحفرة، والذي لا يلبث أن يخرج مطمئناً لالتقاط غذائه من العوالق المنتشرة فوق رمال القاع. بعد هنيهات حرّكت السمكة جسمها مُرسلةً إشارة أخرى تَنِمُّ عن استشعار خطر داهم، فهمَّ الروبيان بالاختباء في الحفرة مجدداً لتعود السمكة لتسد فتحتها".
ما بين غوصة وأخرى تُمنّي عُلا نفسها في اكتشاف أحياء مائية جديدة لم يُسجل وجودها في هذه المنطقة من العالم، ولا يسعها وهي تحت الماء بين ظهراني هذا الخلق البديع إلا التسبيح للخالق على إبداعه العظيم.