في ظلال القمر

لتجسيد هذا المشهد الخرافي، طلب المصور -بعد تحديد مسار القمر- إلى أحد زملائه القيام بحركات بهلوانية على "بساط قفز"، غير ظاهر في الصورة، بعد ارتدائه قبعة السحرة الشهيرة مستعيناً بمكنسة ذات رقبة طويلة.
مع بداية كل شهر، تجتاح مخيلتي عاصفة من المشاهد السريالية التي يشكل القمر العنصر الرئيس فيها: ساحرةٌ تعبر السماء ليلاً مستعينة بمكنستها، أو موعدٌ رومانسي بين عاشقين، أو ذئبٌ مستوحدٌ يملأ الفضاء بعويله الحزين. أتوسلُ بالورقة والقلم، فأرتجل خرائط وخطوط...

مع بداية كل شهر، تجتاح مخيلتي عاصفة من المشاهد السريالية التي يشكل القمر العنصر الرئيس فيها: ساحرةٌ تعبر السماء ليلاً مستعينة بمكنستها، أو موعدٌ رومانسي بين عاشقين، أو ذئبٌ مستوحدٌ يملأ الفضاء بعويله الحزين. أتوسلُ بالورقة والقلم، فأرتجل خرائط وخطوط لتحويل عصف مخيلتي إلى مخطط مدروس بعناية يُحدد الأولويات والتحديات التي سأواجهها أثناء التحضير والتصوير. أتفقد مسبقاً "مسرح" التصوير، وأستعين بجهاز "جي بي إس" (GPS) لتكوين إطار دقيق للقطة المنشودة.
أصور القمر قبل اكتماله بدراً بيومين أو ثلاثة أيام، أي عندما تتراوح نسبة اكتماله ما بين 93 إلى 98 بالمئة. ذلك أن سطوع القمر (Albedo) في هذا التوقيت يكون أقل بمعدل النصف مقارنة مع يوم اكتماله، وبالتالي تسهل عملية التصوير جراء انعدام تفاوتات الإضاءة الكبيرة بين العنصر المكوِّن للصورة والقمر. فالقمر سيبدو في اللقطات وكأنه بدر طالما تعدت نسبة اكتماله الـ 90 بالمئة.
تتراوح المسافة بين عدستي والعنصر المكوِّن للصورة (الذي غالباً ما يكون شخصاً) ما بين 300 متر إلى 1200 متر. وتعتمد مسألة تحديد المسافة على أساس حجم القمر الذي يتطلّبه العنصر المكوِّن الأساسي الداخل في الصورة، ذلك أن لقطاتي طبيعية ولا تعتمد على برامج "فوتوشوب" أو أي برامج تعديل صور أخرى. فلو أردت مثلاً تصوير القمر كخلفية لشجرة عرضها 6 أمتار فإنه يتعيّن أن يكون قُطر القمر 7 أمتار أو أكثر، وهكذا. ويدخل في حساب قُطر القمر في الصورة معرفة "القُطر الزاوي الدقيق للقمر" (Angular Diameter) في يوم التصوير نفسه.
أتواصل مع الأشخاص الذين أصورهم بواسطة جهاز اتصال لا سلكي، ذلك أن شبكة تغطية الهواتف النقالة غالباً ما تكون معدومة في الأماكن النائية التي التقط الصور فيها. أما المدة الزمنية المتاحة للتصوير فمحصورة بين 10 دقائق إلى 20 دقيقة فقط؛ فلا مجال لوقت إضافي ولا مجال للخطأ.
أما مقدار وضوح تفاصيل القمر فيحدده مدى ارتفاعه في السماء (Altitude)؛ فكلما ارتفع ازداد وضوحاً، ذلك أن طبقة الغلاف الجوي السفلى تحتوي على جزيئات وغبار. ولتحديد كل هذه التفاصيل المعقدّة، أستعين ببرامج حاسوبية خاصة صُممت لهذا الغرض.
منذ أكثر من عام وأنا أوثّق علاقتي بجار الأرض البهيّ من دون كلل أو ملل. وخلال هذه الفترة لم أتوقف عن اكتشاف الجديد والغريب حول أسباب الظواهر الطبيعية المرتبطة بالقمر. وفي كل مرة أوجه فيها عدستي إلى هذا الجُرم السماوي البديع، تلُحُّ في ذهني العديد من التساؤلات، فألجأ إلى منتديات الفضاء الإلكتروني المتخصصة في علوم الفلك وتقنيات قياس المساحات بحثاً عن تفسير أو إجابة.
كل صورة التَقِطُها هي بمنزلة مشروع مليء بالتحديات، تبدأ في مخيلتي وتنتهي على شاشة حاسوبي من دون تعديل أو إضافة. إن أكثر ما يشدني في "مشروعي القمري" هو تكوين صور فريدة ومُلهمة. صورٌ أقرب ما تكون إلى عالم حكايات الفنتازيا الليلية، التي كانت ترويها لنا أمهاتنا وجداتنا قبل أن نغوص في غياهب فراش أحلامنا الطفولي.


كما رواها "كريم خلف" لمحرر ناشيونال جيوغرافيك العربية، محمد طاهر

في ظلال القمر

لتجسيد هذا المشهد الخرافي، طلب المصور -بعد تحديد مسار القمر- إلى أحد زملائه القيام بحركات بهلوانية على "بساط قفز"، غير ظاهر في الصورة، بعد ارتدائه قبعة السحرة الشهيرة مستعيناً بمكنسة ذات رقبة طويلة.
مع بداية كل شهر، تجتاح مخيلتي عاصفة من المشاهد السريالية التي يشكل القمر العنصر الرئيس فيها: ساحرةٌ تعبر السماء ليلاً مستعينة بمكنستها، أو موعدٌ رومانسي بين عاشقين، أو ذئبٌ مستوحدٌ يملأ الفضاء بعويله الحزين. أتوسلُ بالورقة والقلم، فأرتجل خرائط وخطوط...

مع بداية كل شهر، تجتاح مخيلتي عاصفة من المشاهد السريالية التي يشكل القمر العنصر الرئيس فيها: ساحرةٌ تعبر السماء ليلاً مستعينة بمكنستها، أو موعدٌ رومانسي بين عاشقين، أو ذئبٌ مستوحدٌ يملأ الفضاء بعويله الحزين. أتوسلُ بالورقة والقلم، فأرتجل خرائط وخطوط لتحويل عصف مخيلتي إلى مخطط مدروس بعناية يُحدد الأولويات والتحديات التي سأواجهها أثناء التحضير والتصوير. أتفقد مسبقاً "مسرح" التصوير، وأستعين بجهاز "جي بي إس" (GPS) لتكوين إطار دقيق للقطة المنشودة.
أصور القمر قبل اكتماله بدراً بيومين أو ثلاثة أيام، أي عندما تتراوح نسبة اكتماله ما بين 93 إلى 98 بالمئة. ذلك أن سطوع القمر (Albedo) في هذا التوقيت يكون أقل بمعدل النصف مقارنة مع يوم اكتماله، وبالتالي تسهل عملية التصوير جراء انعدام تفاوتات الإضاءة الكبيرة بين العنصر المكوِّن للصورة والقمر. فالقمر سيبدو في اللقطات وكأنه بدر طالما تعدت نسبة اكتماله الـ 90 بالمئة.
تتراوح المسافة بين عدستي والعنصر المكوِّن للصورة (الذي غالباً ما يكون شخصاً) ما بين 300 متر إلى 1200 متر. وتعتمد مسألة تحديد المسافة على أساس حجم القمر الذي يتطلّبه العنصر المكوِّن الأساسي الداخل في الصورة، ذلك أن لقطاتي طبيعية ولا تعتمد على برامج "فوتوشوب" أو أي برامج تعديل صور أخرى. فلو أردت مثلاً تصوير القمر كخلفية لشجرة عرضها 6 أمتار فإنه يتعيّن أن يكون قُطر القمر 7 أمتار أو أكثر، وهكذا. ويدخل في حساب قُطر القمر في الصورة معرفة "القُطر الزاوي الدقيق للقمر" (Angular Diameter) في يوم التصوير نفسه.
أتواصل مع الأشخاص الذين أصورهم بواسطة جهاز اتصال لا سلكي، ذلك أن شبكة تغطية الهواتف النقالة غالباً ما تكون معدومة في الأماكن النائية التي التقط الصور فيها. أما المدة الزمنية المتاحة للتصوير فمحصورة بين 10 دقائق إلى 20 دقيقة فقط؛ فلا مجال لوقت إضافي ولا مجال للخطأ.
أما مقدار وضوح تفاصيل القمر فيحدده مدى ارتفاعه في السماء (Altitude)؛ فكلما ارتفع ازداد وضوحاً، ذلك أن طبقة الغلاف الجوي السفلى تحتوي على جزيئات وغبار. ولتحديد كل هذه التفاصيل المعقدّة، أستعين ببرامج حاسوبية خاصة صُممت لهذا الغرض.
منذ أكثر من عام وأنا أوثّق علاقتي بجار الأرض البهيّ من دون كلل أو ملل. وخلال هذه الفترة لم أتوقف عن اكتشاف الجديد والغريب حول أسباب الظواهر الطبيعية المرتبطة بالقمر. وفي كل مرة أوجه فيها عدستي إلى هذا الجُرم السماوي البديع، تلُحُّ في ذهني العديد من التساؤلات، فألجأ إلى منتديات الفضاء الإلكتروني المتخصصة في علوم الفلك وتقنيات قياس المساحات بحثاً عن تفسير أو إجابة.
كل صورة التَقِطُها هي بمنزلة مشروع مليء بالتحديات، تبدأ في مخيلتي وتنتهي على شاشة حاسوبي من دون تعديل أو إضافة. إن أكثر ما يشدني في "مشروعي القمري" هو تكوين صور فريدة ومُلهمة. صورٌ أقرب ما تكون إلى عالم حكايات الفنتازيا الليلية، التي كانت ترويها لنا أمهاتنا وجداتنا قبل أن نغوص في غياهب فراش أحلامنا الطفولي.


كما رواها "كريم خلف" لمحرر ناشيونال جيوغرافيك العربية، محمد طاهر