حُماة البحـر

غطَّاس يسبح مع سرب "سمك جاحظ" في خليج كاليفورنيا قرب "كابو بولمو".
لم يتبقَ سوى نصف ساعة على شروق الشمس، إذ تبدو مياه المحيط فاحمةَ السَّواد وهي ترتطم برمال الشاطئ، فيما يسترخي عشرة صيادين داخل مكتب مسؤول المرفأ في "بونتا أبريوخوس" وهم يضحكون ويتحدثون عن الحفل الذي سيحيونه مساء هذا اليوم.ومردُّ هذا المزاج الاحتفالي...
لم يتبقَ سوى نصف ساعة على شروق الشمس، إذ تبدو مياه المحيط فاحمةَ السَّواد وهي ترتطم برمال الشاطئ، فيما يسترخي عشرة صيادين داخل مكتب مسؤول المرفأ في "بونتا أبريوخوس" وهم يضحكون ويتحدثون عن الحفل الذي سيحيونه مساء هذا اليوم.

ومردُّ هذا المزاج الاحتفالي -في هذه القرية الصغيرة الواقعة لدى منتصف شبه جزيرة باخا كاليفورنيا بالمكسيك- هو تطلُّع البلدة إلى يوم افتتاح موسم صيد محار "أذن البحر". وكان هذا الموسم قد بدأ فعلياً قبل أربعة أشهر من هذا اليوم، لكن "بونتا أبريوخوس" فرضت على نفسها حظراً غيرُ مألوف؛ إذ وبدلاً من الشروع في صيد محار "أذن البحر" بمجرد أن سمحت بذلك الحكومة في شهر يناير، انتظر السكان هنا إلى غاية شهر أبريل 2017 حتى يكون هذا النوع من المحار قد نما أكثر وزاد وزنه.
توجهتُ إلى المحيط الهادي مع ثلاثة صيادين بلغوا الخمسين من عمرهم. وقد ظلَّ الثلاثة يعملون معاً منذ أن كانوا فتية صغاراً في سن المراهقة. أما ألقابهم فهي "الحصان" للرجل الذي يدير المحرك، و"الخُلْد" لمن ينقل أكياس محار "أذن البحر"، و"السمكة" بطبيعة الحال للغواص. (أما أسماؤهم الحقيقية -التي لا يناديهم بها أحد هنا- فهي على التوالي "بورفيريو زونيغا" و"إدواردو لييرا" و"لويس أرسي". وفي هذا التحقيق سنشير إليهم بأسمائهم الحقيقية وليس بألقابهم).
يتمتع أرسي بمعنويات عالية، إذ عاد للتو من "بيبل بيتش" في كاليفورنيا، حيث مارس رياضتي ركوب الأمواج والغولف. وها هو أمامي ينزلق إلى داخل بذلة غطس جديدة ذات مظهر أنيق وملمس سلس. لقد طلعت الشمس الآن وتحول لون الماء من الأسود إلى الأزرق الغامق. وقبل وصولهم إلى مكان الصيد المنشود أوقف زونيغا القارب فوق شعاب مرجانية يعلوها طبقات من محار "أذن البحر". يقول لييرا: "تلك قواقع أذن بحر خضراء، ولن تكون جاهزة لجنيها إلا بعد انقضاء شهرٍ على الأقل".
عقب إبحارنا بضعة كيلومترات إضافية قفز أرسي إلى الماء. وفي غضون ساعتين حصد كمية الصيد المسموح بها، فصعد إلى السطح مع ابتسامة تعلو محياه. كان يحمل كيساً مليئاً بقواقع في صحة جيدة. في معظم بلدات الصيد بالمكسيك -إن لم يكن في كثير من الدول النامية- عندما يتعلق الأمر بجني ثمار البحر، فإن الرجال من أمثال أرسي لا يصطادون سوى قدر ضئيل من مخلوقات البحر في مياه نضبت خيراتها وباتت بالكاد تفي بحاجات عيشهم الضرورية. ويُحيلنا هذا الأمر إلى التساؤل: ما الذي يدفع هؤلاء الرجال إلى التفاؤل بموسم صيدهم؟ وكيف بوسعهم امتلاك مُعدِّات جديدة وقضاء إجازات في ملاعب غولف نخبوية؟
انطلقت تعاونية الصيد في "بونتا أبريوخوس" عام 1948 وظلت لسنوات تعمل مثل نظيراتها من التعاونيات الأخرى؛ أي استخراج كل ما يمكن استغلاله من البحر. لكن في سبعينيات القرن الماضي، وبعد عدد من المواسم المخيبة للآمال، قرر الصيادون خوض تجربة جديدة. إذ صاروا يديرون عملية صيد الكركند (وبعد ذلك محار "أذن البحر") وفق استراتيجية بعيدة المدى بدل التركيز على الأرباح الفورية. أما اليوم فإن أبريوخوس -والعديد من المجتمعات التي تتَّبع نفس الاستراتيجية- تصيد أكثر من 90 بالمئة من محار "أذن البحر" في المكسيك. في هذه البلدة تَجد البيوت مطلية بدهان جديد، وثمة فريقٌ لكرة السلة وآخر متخصص في ركوب الأمواج. كما تم إنشاء محطة معالجة عصرية لتعليب "أذن البحر" والكركند قبل بيعه مباشرة إلى الأسواق الآسيوية، الأمر الذي عظَّم الأرباح. ويتولى رادار وقوارب وطائرات مراقبة النطاق البحري للبلدة. كما يتقاضى الصيادون معاشات تقاعد.

حُماة البحـر

غطَّاس يسبح مع سرب "سمك جاحظ" في خليج كاليفورنيا قرب "كابو بولمو".
لم يتبقَ سوى نصف ساعة على شروق الشمس، إذ تبدو مياه المحيط فاحمةَ السَّواد وهي ترتطم برمال الشاطئ، فيما يسترخي عشرة صيادين داخل مكتب مسؤول المرفأ في "بونتا أبريوخوس" وهم يضحكون ويتحدثون عن الحفل الذي سيحيونه مساء هذا اليوم.ومردُّ هذا المزاج الاحتفالي...
لم يتبقَ سوى نصف ساعة على شروق الشمس، إذ تبدو مياه المحيط فاحمةَ السَّواد وهي ترتطم برمال الشاطئ، فيما يسترخي عشرة صيادين داخل مكتب مسؤول المرفأ في "بونتا أبريوخوس" وهم يضحكون ويتحدثون عن الحفل الذي سيحيونه مساء هذا اليوم.

ومردُّ هذا المزاج الاحتفالي -في هذه القرية الصغيرة الواقعة لدى منتصف شبه جزيرة باخا كاليفورنيا بالمكسيك- هو تطلُّع البلدة إلى يوم افتتاح موسم صيد محار "أذن البحر". وكان هذا الموسم قد بدأ فعلياً قبل أربعة أشهر من هذا اليوم، لكن "بونتا أبريوخوس" فرضت على نفسها حظراً غيرُ مألوف؛ إذ وبدلاً من الشروع في صيد محار "أذن البحر" بمجرد أن سمحت بذلك الحكومة في شهر يناير، انتظر السكان هنا إلى غاية شهر أبريل 2017 حتى يكون هذا النوع من المحار قد نما أكثر وزاد وزنه.
توجهتُ إلى المحيط الهادي مع ثلاثة صيادين بلغوا الخمسين من عمرهم. وقد ظلَّ الثلاثة يعملون معاً منذ أن كانوا فتية صغاراً في سن المراهقة. أما ألقابهم فهي "الحصان" للرجل الذي يدير المحرك، و"الخُلْد" لمن ينقل أكياس محار "أذن البحر"، و"السمكة" بطبيعة الحال للغواص. (أما أسماؤهم الحقيقية -التي لا يناديهم بها أحد هنا- فهي على التوالي "بورفيريو زونيغا" و"إدواردو لييرا" و"لويس أرسي". وفي هذا التحقيق سنشير إليهم بأسمائهم الحقيقية وليس بألقابهم).
يتمتع أرسي بمعنويات عالية، إذ عاد للتو من "بيبل بيتش" في كاليفورنيا، حيث مارس رياضتي ركوب الأمواج والغولف. وها هو أمامي ينزلق إلى داخل بذلة غطس جديدة ذات مظهر أنيق وملمس سلس. لقد طلعت الشمس الآن وتحول لون الماء من الأسود إلى الأزرق الغامق. وقبل وصولهم إلى مكان الصيد المنشود أوقف زونيغا القارب فوق شعاب مرجانية يعلوها طبقات من محار "أذن البحر". يقول لييرا: "تلك قواقع أذن بحر خضراء، ولن تكون جاهزة لجنيها إلا بعد انقضاء شهرٍ على الأقل".
عقب إبحارنا بضعة كيلومترات إضافية قفز أرسي إلى الماء. وفي غضون ساعتين حصد كمية الصيد المسموح بها، فصعد إلى السطح مع ابتسامة تعلو محياه. كان يحمل كيساً مليئاً بقواقع في صحة جيدة. في معظم بلدات الصيد بالمكسيك -إن لم يكن في كثير من الدول النامية- عندما يتعلق الأمر بجني ثمار البحر، فإن الرجال من أمثال أرسي لا يصطادون سوى قدر ضئيل من مخلوقات البحر في مياه نضبت خيراتها وباتت بالكاد تفي بحاجات عيشهم الضرورية. ويُحيلنا هذا الأمر إلى التساؤل: ما الذي يدفع هؤلاء الرجال إلى التفاؤل بموسم صيدهم؟ وكيف بوسعهم امتلاك مُعدِّات جديدة وقضاء إجازات في ملاعب غولف نخبوية؟
انطلقت تعاونية الصيد في "بونتا أبريوخوس" عام 1948 وظلت لسنوات تعمل مثل نظيراتها من التعاونيات الأخرى؛ أي استخراج كل ما يمكن استغلاله من البحر. لكن في سبعينيات القرن الماضي، وبعد عدد من المواسم المخيبة للآمال، قرر الصيادون خوض تجربة جديدة. إذ صاروا يديرون عملية صيد الكركند (وبعد ذلك محار "أذن البحر") وفق استراتيجية بعيدة المدى بدل التركيز على الأرباح الفورية. أما اليوم فإن أبريوخوس -والعديد من المجتمعات التي تتَّبع نفس الاستراتيجية- تصيد أكثر من 90 بالمئة من محار "أذن البحر" في المكسيك. في هذه البلدة تَجد البيوت مطلية بدهان جديد، وثمة فريقٌ لكرة السلة وآخر متخصص في ركوب الأمواج. كما تم إنشاء محطة معالجة عصرية لتعليب "أذن البحر" والكركند قبل بيعه مباشرة إلى الأسواق الآسيوية، الأمر الذي عظَّم الأرباح. ويتولى رادار وقوارب وطائرات مراقبة النطاق البحري للبلدة. كما يتقاضى الصيادون معاشات تقاعد.