السعـادة بلغات العالم
من هو أسعد شخص في العالم؟قد يكون "أليخاندرو زونيغا"، وهو أب في منتصف العمر يتمتع بصحة جيدة ويخالط الناس وقتاً لا يقل عن ست ساعات في اليوم ولديه أصدقاء أوفياء يمكنه الاعتماد عليهم. ينام زونيغا ما لا يقل عن سبع ساعات في معظم الليالي، ويذهب إلى عمله مشياً...
من هو أسعد شخص في العالم؟
قد يكون "أليخاندرو زونيغا"، وهو أب في منتصف العمر يتمتع بصحة جيدة ويخالط الناس وقتاً لا يقل عن ست ساعات في اليوم ولديه أصدقاء أوفياء يمكنه الاعتماد عليهم. ينام زونيغا ما لا يقل عن سبع ساعات في معظم الليالي، ويذهب إلى عمله مشياً على القدمين، ويأكل ست حصص من الفواكه والخضراوات في جل أيام الأسبوع. لا يشتغل أكثر من 40 ساعة في الأسبوع، ويحب عمله الذي يستمتع فيه برفقة زملائه. يقضي بضع ساعات كل أسبوع في الأعمال التطوعية؛ وفي إجازات نهاية الأسبوع، يمارس شعائره الدينية ويستمتع برياضة كرة القدم التي يعشقها كثيراً. باختصار فإن زونيغا يختار لنفسه نشاطات يومية تمنحه الشعور بالسعادة؛ وهي نشاطات يَسهل عليه ممارستها لأنه يعيش بين أناس يشاطرونه فلسفته هذه.. في منطقة "الوادي الأوسط" المخضَرّة ذات المناخ المعتدل في بلد يسمى.. كوستاريكا.
أو لعلها "سيدسي كليمنسن"، التي تعيش مع زوجها الحنون وأطفالها الثلاثة في منزل ضمن تجمعات سكنية مشتركة، جنباً إلى جنب عائلات أخرى تتقاسم الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال وطهي الوجبات في مطبخ مشترك. إنها عالمة اجتماع، وهي وظيفة تطرح أمامها تحديات يومية. تستخدم وعائلتها الدراجةَ الهوائية للذهاب إلى العمل والمتجر ومدرسة الأطفال، مما يساعدهم جميعاً على الحفاظ على لياقتهم. وصحيح أنها تدفع ضرائب مرتفعة على راتبها المتواضع، لكنها تحصل لقاء ذلك على الرعاية الصحية والتعليم لعائلتها، فضلا عن ضمانها الحصول على راتب تقاعد. ففي مدينة "آلبورغ" بالدنمارك -حيث تعيش كليمنسن- يشعر الناس بالثقة بأن الحكومة لن تدخر جهدا في التكفل بهم في حال عصفت بهم صروف الدهر.
ثم هناك "دوغلاس فُو"، وهو مدير مشروعات ناجح، يقود سيارة فاخرة يبلغ سعرها 750 ألف دولار، ويعيش في منزل قيمته عشرة ملايين دولار. هذا الرجل متزوج ولديه أربعة أطفال مؤدبين ومتفوقين دراسياً. كان يشتغل أربع وظائف بدوام جزئي لتسديد نفقات دراسته؛ وقد أسس شركة صغيرة ظلت تنمو وتنمو إلى أن تحولت إلى شركة متعددة الجنسيات تبلغ قيمة معاملاتها 59 مليون دولار. يعمل فو حوالى 60 ساعة في الأسبوع، تتوزع بين عمله الرسمي والأعمال الخيرية. ويحظى باحترام موظفيه ونظرائه وبقية المجتمع. ولقد عمل بجد لتحقيق نجاحه؛ ولكنه -وباعترافه شخصيا- ما كان ليحقق كل ذلك في أي مكان آخر غير.. سنغافورة.
وهكذا فإن كلا من زونيغا وكليمنسن وفو يجسّدون مجتمعين، ثلاثة عناصر مختلفة من السعادة، تتمازج فيما بينها على نحو تكاملي لتكوين السرور الدائم. وأنا أدعو تلك العناصر: المتعة، والسعي نحو هدف منشود، والفخر. وهؤلاء الأشخاص الثلاثة يعيشون أيضا في بلدان تشجع تلك العناصر المكونة للسعادة. ومن خلال لقاء كل من منهم واستكشاف بلدانهم الأصلية، سنكتشف الأسرار التي تكمن وراء سعادتهم في أوطانهم أكثر من غيرهم في أماكن أخرى بالعالم.
ولنبدأ بأليخاندرو زونيغا، الذي يحب -مثل العديد من مواطنيه في كوستاريكا- الاستمتاع بالحياة اليومية أيّما استمتاع، في بلد يدير ظهره للإجهاد والتوتر ويحتفي بالبهجة والسرور إلى أقصى الحدود. يدعو العلماء هذا النوع من السعادة، "السعادة الملموسة" أو الإحساس الإيجابي؛ وتقيسها الاستقصاءات بسؤال الناس كم مرة ابتسموا أو ضحكوا أو شعروا بالفرح خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية. بلد زونيغا ليس فحسب الأسعد في أميركا اللاتينية، بل إنه أيضا المكان الذي يقول الناس فيه إنهم يشعرون بأحاسيس إيجابية في كل يوم.. أكثر من أي مكان آخر في العالم.
أما كليمنسن فتمثل نمطاً من السعادة يتجلى أساساً في حياة يؤطرها السعي وراء هدف منشود لدى الدنماركيين. يقتضي هذا النمط -شأنه كشأن أنماط السعادة كافة- أن تكون الاحتياجات الأساسية للحياة متوفرة للناس، حتى يتمكنوا من تحقيق ذواتهم في العمل الذي يختارونه، ويستمتعون بهواياتهم المفضلة. يطلق الأكاديميون على هذا النمط، عبارة "السعادة المعنوية" (Eudaimonic Happiness) التي يعود أصلها إلى الحضارة الإغريقية. وقد أصبح هذا المفهوم شائعاً من قبل أرسطو، الذي كان يعتقد أن السعادة الحقيقية لا تتأتّى إلا من حياة ذات معنى؛ أي أن الشخص يفعل ما يستحق أن يُعمل. وتقيس "مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي العالمية" ذلك من خلال سؤال المستجوَبين هل "تعلَّموا أو فعلوا شيئا مثيرا بالأمس". وفي الدنمارك -البلد الذي ظل يتصدر شعبه ترتيب أسعد شعوب أوروبا على مدى السنوات الأربعين الماضية، تطور المجتمع على نحو يُسّهل على المرء أن يعيش حياة مثيرة.
تُعرَف سنغافورة بهوسها الكبير بالنجاح؛ وما دوغلاس فو -بكل طموحه وإنجازاته- إلا مثال حي يجسد العنصر الثالث للسعادة المتمثل بالفخر، أو "الرضا بالحياة". كثيرا ما يقيس علماء الاجتماع هذا النوع من السعادة من خلال جعل الناس يقيّمون حياتهم على مقياس متدرج من صفر إلى عشرة. يطلق الخبراء كذلك على هذا العنصر، "السعادة التقييمية"؛ ويعد المعيار المثالي لقياس الرفاهية على مستوى العالم. وقد دأبت سنغافورة على احتلال المرتبة الأولى في آسيا من حيث الرضا بالحياة.
قد يكون "أليخاندرو زونيغا"، وهو أب في منتصف العمر يتمتع بصحة جيدة ويخالط الناس وقتاً لا يقل عن ست ساعات في اليوم ولديه أصدقاء أوفياء يمكنه الاعتماد عليهم. ينام زونيغا ما لا يقل عن سبع ساعات في معظم الليالي، ويذهب إلى عمله مشياً على القدمين، ويأكل ست حصص من الفواكه والخضراوات في جل أيام الأسبوع. لا يشتغل أكثر من 40 ساعة في الأسبوع، ويحب عمله الذي يستمتع فيه برفقة زملائه. يقضي بضع ساعات كل أسبوع في الأعمال التطوعية؛ وفي إجازات نهاية الأسبوع، يمارس شعائره الدينية ويستمتع برياضة كرة القدم التي يعشقها كثيراً. باختصار فإن زونيغا يختار لنفسه نشاطات يومية تمنحه الشعور بالسعادة؛ وهي نشاطات يَسهل عليه ممارستها لأنه يعيش بين أناس يشاطرونه فلسفته هذه.. في منطقة "الوادي الأوسط" المخضَرّة ذات المناخ المعتدل في بلد يسمى.. كوستاريكا.
أو لعلها "سيدسي كليمنسن"، التي تعيش مع زوجها الحنون وأطفالها الثلاثة في منزل ضمن تجمعات سكنية مشتركة، جنباً إلى جنب عائلات أخرى تتقاسم الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال وطهي الوجبات في مطبخ مشترك. إنها عالمة اجتماع، وهي وظيفة تطرح أمامها تحديات يومية. تستخدم وعائلتها الدراجةَ الهوائية للذهاب إلى العمل والمتجر ومدرسة الأطفال، مما يساعدهم جميعاً على الحفاظ على لياقتهم. وصحيح أنها تدفع ضرائب مرتفعة على راتبها المتواضع، لكنها تحصل لقاء ذلك على الرعاية الصحية والتعليم لعائلتها، فضلا عن ضمانها الحصول على راتب تقاعد. ففي مدينة "آلبورغ" بالدنمارك -حيث تعيش كليمنسن- يشعر الناس بالثقة بأن الحكومة لن تدخر جهدا في التكفل بهم في حال عصفت بهم صروف الدهر.
ثم هناك "دوغلاس فُو"، وهو مدير مشروعات ناجح، يقود سيارة فاخرة يبلغ سعرها 750 ألف دولار، ويعيش في منزل قيمته عشرة ملايين دولار. هذا الرجل متزوج ولديه أربعة أطفال مؤدبين ومتفوقين دراسياً. كان يشتغل أربع وظائف بدوام جزئي لتسديد نفقات دراسته؛ وقد أسس شركة صغيرة ظلت تنمو وتنمو إلى أن تحولت إلى شركة متعددة الجنسيات تبلغ قيمة معاملاتها 59 مليون دولار. يعمل فو حوالى 60 ساعة في الأسبوع، تتوزع بين عمله الرسمي والأعمال الخيرية. ويحظى باحترام موظفيه ونظرائه وبقية المجتمع. ولقد عمل بجد لتحقيق نجاحه؛ ولكنه -وباعترافه شخصيا- ما كان ليحقق كل ذلك في أي مكان آخر غير.. سنغافورة.
وهكذا فإن كلا من زونيغا وكليمنسن وفو يجسّدون مجتمعين، ثلاثة عناصر مختلفة من السعادة، تتمازج فيما بينها على نحو تكاملي لتكوين السرور الدائم. وأنا أدعو تلك العناصر: المتعة، والسعي نحو هدف منشود، والفخر. وهؤلاء الأشخاص الثلاثة يعيشون أيضا في بلدان تشجع تلك العناصر المكونة للسعادة. ومن خلال لقاء كل من منهم واستكشاف بلدانهم الأصلية، سنكتشف الأسرار التي تكمن وراء سعادتهم في أوطانهم أكثر من غيرهم في أماكن أخرى بالعالم.
ولنبدأ بأليخاندرو زونيغا، الذي يحب -مثل العديد من مواطنيه في كوستاريكا- الاستمتاع بالحياة اليومية أيّما استمتاع، في بلد يدير ظهره للإجهاد والتوتر ويحتفي بالبهجة والسرور إلى أقصى الحدود. يدعو العلماء هذا النوع من السعادة، "السعادة الملموسة" أو الإحساس الإيجابي؛ وتقيسها الاستقصاءات بسؤال الناس كم مرة ابتسموا أو ضحكوا أو شعروا بالفرح خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية. بلد زونيغا ليس فحسب الأسعد في أميركا اللاتينية، بل إنه أيضا المكان الذي يقول الناس فيه إنهم يشعرون بأحاسيس إيجابية في كل يوم.. أكثر من أي مكان آخر في العالم.
أما كليمنسن فتمثل نمطاً من السعادة يتجلى أساساً في حياة يؤطرها السعي وراء هدف منشود لدى الدنماركيين. يقتضي هذا النمط -شأنه كشأن أنماط السعادة كافة- أن تكون الاحتياجات الأساسية للحياة متوفرة للناس، حتى يتمكنوا من تحقيق ذواتهم في العمل الذي يختارونه، ويستمتعون بهواياتهم المفضلة. يطلق الأكاديميون على هذا النمط، عبارة "السعادة المعنوية" (Eudaimonic Happiness) التي يعود أصلها إلى الحضارة الإغريقية. وقد أصبح هذا المفهوم شائعاً من قبل أرسطو، الذي كان يعتقد أن السعادة الحقيقية لا تتأتّى إلا من حياة ذات معنى؛ أي أن الشخص يفعل ما يستحق أن يُعمل. وتقيس "مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي العالمية" ذلك من خلال سؤال المستجوَبين هل "تعلَّموا أو فعلوا شيئا مثيرا بالأمس". وفي الدنمارك -البلد الذي ظل يتصدر شعبه ترتيب أسعد شعوب أوروبا على مدى السنوات الأربعين الماضية، تطور المجتمع على نحو يُسّهل على المرء أن يعيش حياة مثيرة.
تُعرَف سنغافورة بهوسها الكبير بالنجاح؛ وما دوغلاس فو -بكل طموحه وإنجازاته- إلا مثال حي يجسد العنصر الثالث للسعادة المتمثل بالفخر، أو "الرضا بالحياة". كثيرا ما يقيس علماء الاجتماع هذا النوع من السعادة من خلال جعل الناس يقيّمون حياتهم على مقياس متدرج من صفر إلى عشرة. يطلق الخبراء كذلك على هذا العنصر، "السعادة التقييمية"؛ ويعد المعيار المثالي لقياس الرفاهية على مستوى العالم. وقد دأبت سنغافورة على احتلال المرتبة الأولى في آسيا من حيث الرضا بالحياة.
السعـادة بلغات العالم
- كوري ريتشاردز وماثيو بالي
من هو أسعد شخص في العالم؟قد يكون "أليخاندرو زونيغا"، وهو أب في منتصف العمر يتمتع بصحة جيدة ويخالط الناس وقتاً لا يقل عن ست ساعات في اليوم ولديه أصدقاء أوفياء يمكنه الاعتماد عليهم. ينام زونيغا ما لا يقل عن سبع ساعات في معظم الليالي، ويذهب إلى عمله مشياً...
من هو أسعد شخص في العالم؟
قد يكون "أليخاندرو زونيغا"، وهو أب في منتصف العمر يتمتع بصحة جيدة ويخالط الناس وقتاً لا يقل عن ست ساعات في اليوم ولديه أصدقاء أوفياء يمكنه الاعتماد عليهم. ينام زونيغا ما لا يقل عن سبع ساعات في معظم الليالي، ويذهب إلى عمله مشياً على القدمين، ويأكل ست حصص من الفواكه والخضراوات في جل أيام الأسبوع. لا يشتغل أكثر من 40 ساعة في الأسبوع، ويحب عمله الذي يستمتع فيه برفقة زملائه. يقضي بضع ساعات كل أسبوع في الأعمال التطوعية؛ وفي إجازات نهاية الأسبوع، يمارس شعائره الدينية ويستمتع برياضة كرة القدم التي يعشقها كثيراً. باختصار فإن زونيغا يختار لنفسه نشاطات يومية تمنحه الشعور بالسعادة؛ وهي نشاطات يَسهل عليه ممارستها لأنه يعيش بين أناس يشاطرونه فلسفته هذه.. في منطقة "الوادي الأوسط" المخضَرّة ذات المناخ المعتدل في بلد يسمى.. كوستاريكا.
أو لعلها "سيدسي كليمنسن"، التي تعيش مع زوجها الحنون وأطفالها الثلاثة في منزل ضمن تجمعات سكنية مشتركة، جنباً إلى جنب عائلات أخرى تتقاسم الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال وطهي الوجبات في مطبخ مشترك. إنها عالمة اجتماع، وهي وظيفة تطرح أمامها تحديات يومية. تستخدم وعائلتها الدراجةَ الهوائية للذهاب إلى العمل والمتجر ومدرسة الأطفال، مما يساعدهم جميعاً على الحفاظ على لياقتهم. وصحيح أنها تدفع ضرائب مرتفعة على راتبها المتواضع، لكنها تحصل لقاء ذلك على الرعاية الصحية والتعليم لعائلتها، فضلا عن ضمانها الحصول على راتب تقاعد. ففي مدينة "آلبورغ" بالدنمارك -حيث تعيش كليمنسن- يشعر الناس بالثقة بأن الحكومة لن تدخر جهدا في التكفل بهم في حال عصفت بهم صروف الدهر.
ثم هناك "دوغلاس فُو"، وهو مدير مشروعات ناجح، يقود سيارة فاخرة يبلغ سعرها 750 ألف دولار، ويعيش في منزل قيمته عشرة ملايين دولار. هذا الرجل متزوج ولديه أربعة أطفال مؤدبين ومتفوقين دراسياً. كان يشتغل أربع وظائف بدوام جزئي لتسديد نفقات دراسته؛ وقد أسس شركة صغيرة ظلت تنمو وتنمو إلى أن تحولت إلى شركة متعددة الجنسيات تبلغ قيمة معاملاتها 59 مليون دولار. يعمل فو حوالى 60 ساعة في الأسبوع، تتوزع بين عمله الرسمي والأعمال الخيرية. ويحظى باحترام موظفيه ونظرائه وبقية المجتمع. ولقد عمل بجد لتحقيق نجاحه؛ ولكنه -وباعترافه شخصيا- ما كان ليحقق كل ذلك في أي مكان آخر غير.. سنغافورة.
وهكذا فإن كلا من زونيغا وكليمنسن وفو يجسّدون مجتمعين، ثلاثة عناصر مختلفة من السعادة، تتمازج فيما بينها على نحو تكاملي لتكوين السرور الدائم. وأنا أدعو تلك العناصر: المتعة، والسعي نحو هدف منشود، والفخر. وهؤلاء الأشخاص الثلاثة يعيشون أيضا في بلدان تشجع تلك العناصر المكونة للسعادة. ومن خلال لقاء كل من منهم واستكشاف بلدانهم الأصلية، سنكتشف الأسرار التي تكمن وراء سعادتهم في أوطانهم أكثر من غيرهم في أماكن أخرى بالعالم.
ولنبدأ بأليخاندرو زونيغا، الذي يحب -مثل العديد من مواطنيه في كوستاريكا- الاستمتاع بالحياة اليومية أيّما استمتاع، في بلد يدير ظهره للإجهاد والتوتر ويحتفي بالبهجة والسرور إلى أقصى الحدود. يدعو العلماء هذا النوع من السعادة، "السعادة الملموسة" أو الإحساس الإيجابي؛ وتقيسها الاستقصاءات بسؤال الناس كم مرة ابتسموا أو ضحكوا أو شعروا بالفرح خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية. بلد زونيغا ليس فحسب الأسعد في أميركا اللاتينية، بل إنه أيضا المكان الذي يقول الناس فيه إنهم يشعرون بأحاسيس إيجابية في كل يوم.. أكثر من أي مكان آخر في العالم.
أما كليمنسن فتمثل نمطاً من السعادة يتجلى أساساً في حياة يؤطرها السعي وراء هدف منشود لدى الدنماركيين. يقتضي هذا النمط -شأنه كشأن أنماط السعادة كافة- أن تكون الاحتياجات الأساسية للحياة متوفرة للناس، حتى يتمكنوا من تحقيق ذواتهم في العمل الذي يختارونه، ويستمتعون بهواياتهم المفضلة. يطلق الأكاديميون على هذا النمط، عبارة "السعادة المعنوية" (Eudaimonic Happiness) التي يعود أصلها إلى الحضارة الإغريقية. وقد أصبح هذا المفهوم شائعاً من قبل أرسطو، الذي كان يعتقد أن السعادة الحقيقية لا تتأتّى إلا من حياة ذات معنى؛ أي أن الشخص يفعل ما يستحق أن يُعمل. وتقيس "مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي العالمية" ذلك من خلال سؤال المستجوَبين هل "تعلَّموا أو فعلوا شيئا مثيرا بالأمس". وفي الدنمارك -البلد الذي ظل يتصدر شعبه ترتيب أسعد شعوب أوروبا على مدى السنوات الأربعين الماضية، تطور المجتمع على نحو يُسّهل على المرء أن يعيش حياة مثيرة.
تُعرَف سنغافورة بهوسها الكبير بالنجاح؛ وما دوغلاس فو -بكل طموحه وإنجازاته- إلا مثال حي يجسد العنصر الثالث للسعادة المتمثل بالفخر، أو "الرضا بالحياة". كثيرا ما يقيس علماء الاجتماع هذا النوع من السعادة من خلال جعل الناس يقيّمون حياتهم على مقياس متدرج من صفر إلى عشرة. يطلق الخبراء كذلك على هذا العنصر، "السعادة التقييمية"؛ ويعد المعيار المثالي لقياس الرفاهية على مستوى العالم. وقد دأبت سنغافورة على احتلال المرتبة الأولى في آسيا من حيث الرضا بالحياة.
قد يكون "أليخاندرو زونيغا"، وهو أب في منتصف العمر يتمتع بصحة جيدة ويخالط الناس وقتاً لا يقل عن ست ساعات في اليوم ولديه أصدقاء أوفياء يمكنه الاعتماد عليهم. ينام زونيغا ما لا يقل عن سبع ساعات في معظم الليالي، ويذهب إلى عمله مشياً على القدمين، ويأكل ست حصص من الفواكه والخضراوات في جل أيام الأسبوع. لا يشتغل أكثر من 40 ساعة في الأسبوع، ويحب عمله الذي يستمتع فيه برفقة زملائه. يقضي بضع ساعات كل أسبوع في الأعمال التطوعية؛ وفي إجازات نهاية الأسبوع، يمارس شعائره الدينية ويستمتع برياضة كرة القدم التي يعشقها كثيراً. باختصار فإن زونيغا يختار لنفسه نشاطات يومية تمنحه الشعور بالسعادة؛ وهي نشاطات يَسهل عليه ممارستها لأنه يعيش بين أناس يشاطرونه فلسفته هذه.. في منطقة "الوادي الأوسط" المخضَرّة ذات المناخ المعتدل في بلد يسمى.. كوستاريكا.
أو لعلها "سيدسي كليمنسن"، التي تعيش مع زوجها الحنون وأطفالها الثلاثة في منزل ضمن تجمعات سكنية مشتركة، جنباً إلى جنب عائلات أخرى تتقاسم الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال وطهي الوجبات في مطبخ مشترك. إنها عالمة اجتماع، وهي وظيفة تطرح أمامها تحديات يومية. تستخدم وعائلتها الدراجةَ الهوائية للذهاب إلى العمل والمتجر ومدرسة الأطفال، مما يساعدهم جميعاً على الحفاظ على لياقتهم. وصحيح أنها تدفع ضرائب مرتفعة على راتبها المتواضع، لكنها تحصل لقاء ذلك على الرعاية الصحية والتعليم لعائلتها، فضلا عن ضمانها الحصول على راتب تقاعد. ففي مدينة "آلبورغ" بالدنمارك -حيث تعيش كليمنسن- يشعر الناس بالثقة بأن الحكومة لن تدخر جهدا في التكفل بهم في حال عصفت بهم صروف الدهر.
ثم هناك "دوغلاس فُو"، وهو مدير مشروعات ناجح، يقود سيارة فاخرة يبلغ سعرها 750 ألف دولار، ويعيش في منزل قيمته عشرة ملايين دولار. هذا الرجل متزوج ولديه أربعة أطفال مؤدبين ومتفوقين دراسياً. كان يشتغل أربع وظائف بدوام جزئي لتسديد نفقات دراسته؛ وقد أسس شركة صغيرة ظلت تنمو وتنمو إلى أن تحولت إلى شركة متعددة الجنسيات تبلغ قيمة معاملاتها 59 مليون دولار. يعمل فو حوالى 60 ساعة في الأسبوع، تتوزع بين عمله الرسمي والأعمال الخيرية. ويحظى باحترام موظفيه ونظرائه وبقية المجتمع. ولقد عمل بجد لتحقيق نجاحه؛ ولكنه -وباعترافه شخصيا- ما كان ليحقق كل ذلك في أي مكان آخر غير.. سنغافورة.
وهكذا فإن كلا من زونيغا وكليمنسن وفو يجسّدون مجتمعين، ثلاثة عناصر مختلفة من السعادة، تتمازج فيما بينها على نحو تكاملي لتكوين السرور الدائم. وأنا أدعو تلك العناصر: المتعة، والسعي نحو هدف منشود، والفخر. وهؤلاء الأشخاص الثلاثة يعيشون أيضا في بلدان تشجع تلك العناصر المكونة للسعادة. ومن خلال لقاء كل من منهم واستكشاف بلدانهم الأصلية، سنكتشف الأسرار التي تكمن وراء سعادتهم في أوطانهم أكثر من غيرهم في أماكن أخرى بالعالم.
ولنبدأ بأليخاندرو زونيغا، الذي يحب -مثل العديد من مواطنيه في كوستاريكا- الاستمتاع بالحياة اليومية أيّما استمتاع، في بلد يدير ظهره للإجهاد والتوتر ويحتفي بالبهجة والسرور إلى أقصى الحدود. يدعو العلماء هذا النوع من السعادة، "السعادة الملموسة" أو الإحساس الإيجابي؛ وتقيسها الاستقصاءات بسؤال الناس كم مرة ابتسموا أو ضحكوا أو شعروا بالفرح خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية. بلد زونيغا ليس فحسب الأسعد في أميركا اللاتينية، بل إنه أيضا المكان الذي يقول الناس فيه إنهم يشعرون بأحاسيس إيجابية في كل يوم.. أكثر من أي مكان آخر في العالم.
أما كليمنسن فتمثل نمطاً من السعادة يتجلى أساساً في حياة يؤطرها السعي وراء هدف منشود لدى الدنماركيين. يقتضي هذا النمط -شأنه كشأن أنماط السعادة كافة- أن تكون الاحتياجات الأساسية للحياة متوفرة للناس، حتى يتمكنوا من تحقيق ذواتهم في العمل الذي يختارونه، ويستمتعون بهواياتهم المفضلة. يطلق الأكاديميون على هذا النمط، عبارة "السعادة المعنوية" (Eudaimonic Happiness) التي يعود أصلها إلى الحضارة الإغريقية. وقد أصبح هذا المفهوم شائعاً من قبل أرسطو، الذي كان يعتقد أن السعادة الحقيقية لا تتأتّى إلا من حياة ذات معنى؛ أي أن الشخص يفعل ما يستحق أن يُعمل. وتقيس "مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي العالمية" ذلك من خلال سؤال المستجوَبين هل "تعلَّموا أو فعلوا شيئا مثيرا بالأمس". وفي الدنمارك -البلد الذي ظل يتصدر شعبه ترتيب أسعد شعوب أوروبا على مدى السنوات الأربعين الماضية، تطور المجتمع على نحو يُسّهل على المرء أن يعيش حياة مثيرة.
تُعرَف سنغافورة بهوسها الكبير بالنجاح؛ وما دوغلاس فو -بكل طموحه وإنجازاته- إلا مثال حي يجسد العنصر الثالث للسعادة المتمثل بالفخر، أو "الرضا بالحياة". كثيرا ما يقيس علماء الاجتماع هذا النوع من السعادة من خلال جعل الناس يقيّمون حياتهم على مقياس متدرج من صفر إلى عشرة. يطلق الخبراء كذلك على هذا العنصر، "السعادة التقييمية"؛ ويعد المعيار المثالي لقياس الرفاهية على مستوى العالم. وقد دأبت سنغافورة على احتلال المرتبة الأولى في آسيا من حيث الرضا بالحياة.