"لوزة" الدماغ.. بذرة الخير و الشرّ
من نافذة مطبخ منزلها المتنقّـل في مدينـة "أوبورن" بولاية إلينـوي الأميركيـة، كانت "آشلي آلدريـدج" ترى بوضوح تقاطعَ السكك الحديدية الذي يبعد عنها نحو مئة متر. وعندما رأت هذه الأم -البالغة من العمر آنذاك 19 عاماً- الرجل المُقعَد في كرسي متحرك، كانت قد...
من نافذة مطبخ منزلها المتنقّـل في مدينـة "أوبورن" بولاية إلينـوي الأميركيـة، كانت "آشلي آلدريـدج" ترى بوضوح تقاطعَ السكك الحديدية الذي يبعد عنها نحو مئة متر. وعندما رأت هذه الأم -البالغة من العمر آنذاك 19 عاماً- الرجل المُقعَد في كرسي متحرك، كانت قد انتهت للتوّ من إطعام ولديها -البالغين من العمر عاماً واحداً وثلاثة أعوام توالياً- فأخذت تغسل الصحون (وهو عبء آخر ضمن سلسلة أعبائها التي لا نهاية لها). عندما رفعت آلدريدج بصرها، لاحظت أن كرسي الرجل لم يكن يتحرّك.. لقد كان عالقاً بين السكك الحديدية. صرخ مستنجداً بالناس، إذ مرّت إلى جانبه دراجةٌ نارية وسيارتان من دون أن يستوقفها صراخه.
هبَّت آلدريدج إلى جارتها طالبةً إليها مراقبة طفليها، لتتولّى هي مساعدة الرجل العالق. سمعتْ صافرة القطار ورنين بوابّة تقاطع السكك الحديدية، منذرَين بقدوم القطار. عندها ركضتْ حافية القدمين على درب الحصى بين السكك. وعندما وصلتْ إلى الرجل، كان القطار يبعد عنهما أقل من كيلومتر مندفعاً بسرعة تقارب 125 كيلومتراً في الساعة. حاولت فصل الكرسي عن السكة، لكنها عجزت؛ فطفقت تضمّ صدر الرجل بذراعيها من الخلف محاولةً رفعه.. لكنها لم تقدر. وقُبيل لحظات من وصول القطار إليهما، نَتَرَت آلدريدج الرجلَ بكل ما أوتيت من قوة، فهَوَت إلى الخلف منتزعةً إياه من كرسيه. وإنْ هي إلا ثوانٍ قليلة حتى كان القطار قد حطّم الكرسيّ حاملاً معه بعض الشظايا مسافةً تناهز الكيلومتر على طول السكّة.
كان الرجل الذي أنقذته آلدريدج في تلك الأمسية من شهر سبتمبر عام 2015، شخصاً غريباً تماماً عنها. وعزيمتها الراسخة لإنقاذه، على كل الخطر الذي كان يهدد حياتها، تجعلها شخصاً مميزاً عن كثير من الناس. وتُعدّ عملية الإنقاذ البطولية هذه لآلدريدج مثالاً لِما يدعوه العلماء الإيثار الفائق.. وهو معروف يُسديه المرء إلى أُناس لا يمتّون له بصلة، من دون أن يجني منفعة شخصية، بل يعرض نفسه لخطر جسيم. وليس من المستغرب أن كثيراً من هؤلاء الأبطال يعملون في مهنٍ محفوفة بالمخاطر؛ لكن منهم أيضاً رجال ونساء عاديون، مثل "ريك بِست" و"تاليسن نامكاي ميتشِه" و"ميكاه فلتشر" الذين تدخّلوا للدفاع عن امرأتين إحداهما محجّبة ضد رجلٍ تهّجم عليهما بكلام مسيء للمسلمين على متن قطار داخلي في مدينة "بورتلاند" بولاية أوريغون الأميركية؛ فكانت النتيجة أن تعرّض الثلاثة إلى الطعن حتى الموت ولم ينجُ منهم سوى فلتشر.
ولنُقارن هذه الأعمال النبيلة بالفظائع التي يرتكبها البشر، من قتلٍ واغتصابٍ وخطفٍ وتعذيب. ولنتفكَّر بالمجزرة التي نفّذها الرجل الذي رشّ أعيرةً نارية في شهر أكتوبر الماضي على جمهور مهرجان موسيقي فقتل 58 شخصاً وجرح 546 آخرين. أو لنتأمّل الوحشية المرعبة التي يتمتع بها قاتلٌ سفّاح مثل الأميركي "تود كولهب" الذي كان يترك على المواقع الإلكترونية التجارية أدلة على عادته الإجرامية، ممثلةً بتقييماته الشخصية الغريبة لبعض المنتجات، من قبيل مجرفةً قابلة للطي كان قد كتب عنها: "احتفِظْ بها في سيارتك كي تستعملها عندما تريد إخفاء الجثث". وعلى شدة فظاعة هذه الجرائم المرعبة، فإنها تتكرّر بوتيرةٍ كافية لتذكيرنا بحقيقة مُرّة، ألا وهي أن البشر قادرون على ارتكاب أعمال وحشية تفوق الوصف.
هبَّت آلدريدج إلى جارتها طالبةً إليها مراقبة طفليها، لتتولّى هي مساعدة الرجل العالق. سمعتْ صافرة القطار ورنين بوابّة تقاطع السكك الحديدية، منذرَين بقدوم القطار. عندها ركضتْ حافية القدمين على درب الحصى بين السكك. وعندما وصلتْ إلى الرجل، كان القطار يبعد عنهما أقل من كيلومتر مندفعاً بسرعة تقارب 125 كيلومتراً في الساعة. حاولت فصل الكرسي عن السكة، لكنها عجزت؛ فطفقت تضمّ صدر الرجل بذراعيها من الخلف محاولةً رفعه.. لكنها لم تقدر. وقُبيل لحظات من وصول القطار إليهما، نَتَرَت آلدريدج الرجلَ بكل ما أوتيت من قوة، فهَوَت إلى الخلف منتزعةً إياه من كرسيه. وإنْ هي إلا ثوانٍ قليلة حتى كان القطار قد حطّم الكرسيّ حاملاً معه بعض الشظايا مسافةً تناهز الكيلومتر على طول السكّة.
كان الرجل الذي أنقذته آلدريدج في تلك الأمسية من شهر سبتمبر عام 2015، شخصاً غريباً تماماً عنها. وعزيمتها الراسخة لإنقاذه، على كل الخطر الذي كان يهدد حياتها، تجعلها شخصاً مميزاً عن كثير من الناس. وتُعدّ عملية الإنقاذ البطولية هذه لآلدريدج مثالاً لِما يدعوه العلماء الإيثار الفائق.. وهو معروف يُسديه المرء إلى أُناس لا يمتّون له بصلة، من دون أن يجني منفعة شخصية، بل يعرض نفسه لخطر جسيم. وليس من المستغرب أن كثيراً من هؤلاء الأبطال يعملون في مهنٍ محفوفة بالمخاطر؛ لكن منهم أيضاً رجال ونساء عاديون، مثل "ريك بِست" و"تاليسن نامكاي ميتشِه" و"ميكاه فلتشر" الذين تدخّلوا للدفاع عن امرأتين إحداهما محجّبة ضد رجلٍ تهّجم عليهما بكلام مسيء للمسلمين على متن قطار داخلي في مدينة "بورتلاند" بولاية أوريغون الأميركية؛ فكانت النتيجة أن تعرّض الثلاثة إلى الطعن حتى الموت ولم ينجُ منهم سوى فلتشر.
ولنُقارن هذه الأعمال النبيلة بالفظائع التي يرتكبها البشر، من قتلٍ واغتصابٍ وخطفٍ وتعذيب. ولنتفكَّر بالمجزرة التي نفّذها الرجل الذي رشّ أعيرةً نارية في شهر أكتوبر الماضي على جمهور مهرجان موسيقي فقتل 58 شخصاً وجرح 546 آخرين. أو لنتأمّل الوحشية المرعبة التي يتمتع بها قاتلٌ سفّاح مثل الأميركي "تود كولهب" الذي كان يترك على المواقع الإلكترونية التجارية أدلة على عادته الإجرامية، ممثلةً بتقييماته الشخصية الغريبة لبعض المنتجات، من قبيل مجرفةً قابلة للطي كان قد كتب عنها: "احتفِظْ بها في سيارتك كي تستعملها عندما تريد إخفاء الجثث". وعلى شدة فظاعة هذه الجرائم المرعبة، فإنها تتكرّر بوتيرةٍ كافية لتذكيرنا بحقيقة مُرّة، ألا وهي أن البشر قادرون على ارتكاب أعمال وحشية تفوق الوصف.
"لوزة" الدماغ.. بذرة الخير و الشرّ
- يوديجيت باتاشـارجـي
من نافذة مطبخ منزلها المتنقّـل في مدينـة "أوبورن" بولاية إلينـوي الأميركيـة، كانت "آشلي آلدريـدج" ترى بوضوح تقاطعَ السكك الحديدية الذي يبعد عنها نحو مئة متر. وعندما رأت هذه الأم -البالغة من العمر آنذاك 19 عاماً- الرجل المُقعَد في كرسي متحرك، كانت قد...
من نافذة مطبخ منزلها المتنقّـل في مدينـة "أوبورن" بولاية إلينـوي الأميركيـة، كانت "آشلي آلدريـدج" ترى بوضوح تقاطعَ السكك الحديدية الذي يبعد عنها نحو مئة متر. وعندما رأت هذه الأم -البالغة من العمر آنذاك 19 عاماً- الرجل المُقعَد في كرسي متحرك، كانت قد انتهت للتوّ من إطعام ولديها -البالغين من العمر عاماً واحداً وثلاثة أعوام توالياً- فأخذت تغسل الصحون (وهو عبء آخر ضمن سلسلة أعبائها التي لا نهاية لها). عندما رفعت آلدريدج بصرها، لاحظت أن كرسي الرجل لم يكن يتحرّك.. لقد كان عالقاً بين السكك الحديدية. صرخ مستنجداً بالناس، إذ مرّت إلى جانبه دراجةٌ نارية وسيارتان من دون أن يستوقفها صراخه.
هبَّت آلدريدج إلى جارتها طالبةً إليها مراقبة طفليها، لتتولّى هي مساعدة الرجل العالق. سمعتْ صافرة القطار ورنين بوابّة تقاطع السكك الحديدية، منذرَين بقدوم القطار. عندها ركضتْ حافية القدمين على درب الحصى بين السكك. وعندما وصلتْ إلى الرجل، كان القطار يبعد عنهما أقل من كيلومتر مندفعاً بسرعة تقارب 125 كيلومتراً في الساعة. حاولت فصل الكرسي عن السكة، لكنها عجزت؛ فطفقت تضمّ صدر الرجل بذراعيها من الخلف محاولةً رفعه.. لكنها لم تقدر. وقُبيل لحظات من وصول القطار إليهما، نَتَرَت آلدريدج الرجلَ بكل ما أوتيت من قوة، فهَوَت إلى الخلف منتزعةً إياه من كرسيه. وإنْ هي إلا ثوانٍ قليلة حتى كان القطار قد حطّم الكرسيّ حاملاً معه بعض الشظايا مسافةً تناهز الكيلومتر على طول السكّة.
كان الرجل الذي أنقذته آلدريدج في تلك الأمسية من شهر سبتمبر عام 2015، شخصاً غريباً تماماً عنها. وعزيمتها الراسخة لإنقاذه، على كل الخطر الذي كان يهدد حياتها، تجعلها شخصاً مميزاً عن كثير من الناس. وتُعدّ عملية الإنقاذ البطولية هذه لآلدريدج مثالاً لِما يدعوه العلماء الإيثار الفائق.. وهو معروف يُسديه المرء إلى أُناس لا يمتّون له بصلة، من دون أن يجني منفعة شخصية، بل يعرض نفسه لخطر جسيم. وليس من المستغرب أن كثيراً من هؤلاء الأبطال يعملون في مهنٍ محفوفة بالمخاطر؛ لكن منهم أيضاً رجال ونساء عاديون، مثل "ريك بِست" و"تاليسن نامكاي ميتشِه" و"ميكاه فلتشر" الذين تدخّلوا للدفاع عن امرأتين إحداهما محجّبة ضد رجلٍ تهّجم عليهما بكلام مسيء للمسلمين على متن قطار داخلي في مدينة "بورتلاند" بولاية أوريغون الأميركية؛ فكانت النتيجة أن تعرّض الثلاثة إلى الطعن حتى الموت ولم ينجُ منهم سوى فلتشر.
ولنُقارن هذه الأعمال النبيلة بالفظائع التي يرتكبها البشر، من قتلٍ واغتصابٍ وخطفٍ وتعذيب. ولنتفكَّر بالمجزرة التي نفّذها الرجل الذي رشّ أعيرةً نارية في شهر أكتوبر الماضي على جمهور مهرجان موسيقي فقتل 58 شخصاً وجرح 546 آخرين. أو لنتأمّل الوحشية المرعبة التي يتمتع بها قاتلٌ سفّاح مثل الأميركي "تود كولهب" الذي كان يترك على المواقع الإلكترونية التجارية أدلة على عادته الإجرامية، ممثلةً بتقييماته الشخصية الغريبة لبعض المنتجات، من قبيل مجرفةً قابلة للطي كان قد كتب عنها: "احتفِظْ بها في سيارتك كي تستعملها عندما تريد إخفاء الجثث". وعلى شدة فظاعة هذه الجرائم المرعبة، فإنها تتكرّر بوتيرةٍ كافية لتذكيرنا بحقيقة مُرّة، ألا وهي أن البشر قادرون على ارتكاب أعمال وحشية تفوق الوصف.
هبَّت آلدريدج إلى جارتها طالبةً إليها مراقبة طفليها، لتتولّى هي مساعدة الرجل العالق. سمعتْ صافرة القطار ورنين بوابّة تقاطع السكك الحديدية، منذرَين بقدوم القطار. عندها ركضتْ حافية القدمين على درب الحصى بين السكك. وعندما وصلتْ إلى الرجل، كان القطار يبعد عنهما أقل من كيلومتر مندفعاً بسرعة تقارب 125 كيلومتراً في الساعة. حاولت فصل الكرسي عن السكة، لكنها عجزت؛ فطفقت تضمّ صدر الرجل بذراعيها من الخلف محاولةً رفعه.. لكنها لم تقدر. وقُبيل لحظات من وصول القطار إليهما، نَتَرَت آلدريدج الرجلَ بكل ما أوتيت من قوة، فهَوَت إلى الخلف منتزعةً إياه من كرسيه. وإنْ هي إلا ثوانٍ قليلة حتى كان القطار قد حطّم الكرسيّ حاملاً معه بعض الشظايا مسافةً تناهز الكيلومتر على طول السكّة.
كان الرجل الذي أنقذته آلدريدج في تلك الأمسية من شهر سبتمبر عام 2015، شخصاً غريباً تماماً عنها. وعزيمتها الراسخة لإنقاذه، على كل الخطر الذي كان يهدد حياتها، تجعلها شخصاً مميزاً عن كثير من الناس. وتُعدّ عملية الإنقاذ البطولية هذه لآلدريدج مثالاً لِما يدعوه العلماء الإيثار الفائق.. وهو معروف يُسديه المرء إلى أُناس لا يمتّون له بصلة، من دون أن يجني منفعة شخصية، بل يعرض نفسه لخطر جسيم. وليس من المستغرب أن كثيراً من هؤلاء الأبطال يعملون في مهنٍ محفوفة بالمخاطر؛ لكن منهم أيضاً رجال ونساء عاديون، مثل "ريك بِست" و"تاليسن نامكاي ميتشِه" و"ميكاه فلتشر" الذين تدخّلوا للدفاع عن امرأتين إحداهما محجّبة ضد رجلٍ تهّجم عليهما بكلام مسيء للمسلمين على متن قطار داخلي في مدينة "بورتلاند" بولاية أوريغون الأميركية؛ فكانت النتيجة أن تعرّض الثلاثة إلى الطعن حتى الموت ولم ينجُ منهم سوى فلتشر.
ولنُقارن هذه الأعمال النبيلة بالفظائع التي يرتكبها البشر، من قتلٍ واغتصابٍ وخطفٍ وتعذيب. ولنتفكَّر بالمجزرة التي نفّذها الرجل الذي رشّ أعيرةً نارية في شهر أكتوبر الماضي على جمهور مهرجان موسيقي فقتل 58 شخصاً وجرح 546 آخرين. أو لنتأمّل الوحشية المرعبة التي يتمتع بها قاتلٌ سفّاح مثل الأميركي "تود كولهب" الذي كان يترك على المواقع الإلكترونية التجارية أدلة على عادته الإجرامية، ممثلةً بتقييماته الشخصية الغريبة لبعض المنتجات، من قبيل مجرفةً قابلة للطي كان قد كتب عنها: "احتفِظْ بها في سيارتك كي تستعملها عندما تريد إخفاء الجثث". وعلى شدة فظاعة هذه الجرائم المرعبة، فإنها تتكرّر بوتيرةٍ كافية لتذكيرنا بحقيقة مُرّة، ألا وهي أن البشر قادرون على ارتكاب أعمال وحشية تفوق الوصف.