وجه كايتي الجديد
وُضع الوجه على صينية أدوات جراحية. عيونه فارغة لا تبصر، وفمه فاغرٌ وكأنه يصيح تعجبا "آه"!قبل ذلك بست عشرة ساعة، شرع الجراحون عملا دقيقا في "غرفة العمليات رقم 19" بمستشفى "كليفلاند كلينك"، لإزالة وجه امرأة أسلمت الروح قبل ثلاثة أيام وهي ابنة الحادية...
وُضع الوجه على صينية أدوات جراحية. عيونه فارغة لا تبصر، وفمه فاغرٌ وكأنه يصيح تعجبا "آه"!
قبل ذلك بست عشرة ساعة، شرع الجراحون عملا دقيقا في "غرفة العمليات رقم 19" بمستشفى "كليفلاند كلينك"، لإزالة وجه امرأة أسلمت الروح قبل ثلاثة أيام وهي ابنة الحادية والثلاثين وأُعلنت وفاتها قانونيا وطبيا. وعما قريب سيُنقل الوجه إلى شابة في الحادية والعشرين من عمرها ظلت تنتظره لأزيد من ثلاث سنوات.
ظل الوجه المذهول في عزلته لحظة من الزمن.
فجأة خيم على الجراحين والأطباء المقيمين والممرضين صمت مطبق وهم ينظرون إلى الوجه بإجلال، وقد أقبل عليه بعض أفراد المستشفى توثيقا بكاميراتهم كمصورين متطفلين على غير العادة. شحُبَ الوجه بعد انقطاع الدم عنه، ومع مرور كل ثانية بدا أشبه بقناع موت من القرن التاسع عشر.
تناول جرَّاحُ التجميل المخضرم "فرانك باباي" الصينية بقفازيه وسار بها نحو "غرفة العمليات رقم 20" حيث تنتظر كايتي ستابلفيلد.
ستكون كايتي أصغر من يتلقى زرع وجه في الولايات المتحدة. وستكون العملية -الثالثة في المستشفى والأربعون في العالم حسبما هو معروف- من بين العمليات الأشمل، وستجعل من الفتاة موضوعا مدى الحياة لدراسة هذه الجراحة التي لا تزال في مراحلها التجريبية.
استشعر باباي شيئا من الرهبة وهو ينظر إلى الوجه بين يديه. فما يفعله بعض الناس من أجل غيرهم، حسب اعتقاده، مدعاة للدهشة؛ إذ يمنحونهم قلبا أو كبدا، بل ووجها. ابتهل في قرارة نفسه شكرا، وأخذ الوجه نحو حياته الجديدة.
نحن أفراد جماعة حصرية من المخلوقات يشيع أنها تتعرف إلى نفسها في المرآة، وتضم إلى جانبنا كلا من القردة العليا والفيلة الآسيوية وطيور العقعق الأوراسية والدلافين قارورية الأنف. ومن ذلك أن الدلافين في شهرها السابع تتخذ أوضاعا معينة وتلتف وتضع أعينها على المرآة للتحديق في وجوهها، ووحدهم البشر يجزعون عند النظر إلى انعكاسات صورهم.
وبينما نتفحص وجوهنا بحثا عن تجاعيد ونواقص فإننا نغفل روعة هذا الجهاز. إن وجوهنا هي الجزء الأكثر تميزا في أجسادنا الظاهرة؛ فسيفساء غامضة يتماهى فيها المادي والنفسي. إنها الجزء المدمن على العمل في أجسامنا، فهي تُفصح عن الهوية وتؤكدها، وتعبر عن المشاعر، وتنقل المعنى، وتؤدي الوظائف الأساسية اللازمة للحياة، وتمكننا من مراكمة خبرات الحياة عبر حواسنا.
نولد مجبولين على تلمس الوجوه. إذ يلتفت نحوها المواليد الجدد خلال أولى لحظاتهم خارج الرحم. ويراقب الرضع تعابيرنا ويتجاوبون معها ويقلدونها كما لو كان الأمر شغلهم، وهو كذلك بشكل من الأشكال. إن تمحيص الوجوه هو فاتحة إدراكنا لبشريتنا مع ما يكتنفها من غرابة. اقتطِع من وقتك لحظة وانظر في المرآة. ماذا ترى؟ سيقول جُلُّنا: "نفسي".
وجوهنا هي الظاهر الذي يصلنا بأحاسيس الذات الباطنية وهويتنا وانتمائنا الجغرافي. إنها تُرسخ أقدامنا في الثقافة والطقوس والقواعد المتعلقة بطرائق تقديم أنفسنا وكيفية رؤية الآخرين. تحجب بعض الثقافات الوجوه وتخفيها بينما تجذب أخرى الانتباه إليها عبر الوشم والثقب والتخديش.
وغالبا ما يكون الوجه في عالم اليوم بمنزلة قماشٍ بِكرٍ يُعالَجُ بالجراحة التجميلية والحُقن وتقنيات مكياج معقدة متاحة على تطبيق "يوتيوب". وإن نحن أجزنا لوجوهنا أن تَشيخ فإنها ستسرد قصة حياتنا. إنها همزة وصل الماضي في السلف والمستقبل في الخلف.
إن وجوهنا، في أبسط مستويات الهوية، هي بمنزلة صورة جواز سفر بالنسبة إلى بقية العالم، لكنها أيضا مَسلك الآخرين لمعرفة المزيد واكتشاف ما يتوارى منا خلف تلك الصورة. تقول "نانسي إيتكوف" -أخصائية علم النفس في كلية الطب التابعة لجامعة هارفارد- في كتابها (Survival of the Prettiest) إن "المظهر هو أكثر أجزاء الذات انكشافا. إنه سرنا الأقدس، والذات الظاهرة التي يعدها العالم مرآة تعكس الذات الباطنة".
يحتدم في أوساط علماء الاجتماع نقاش بشأن العواطف التي نُعَبر عنها بوجوهنا، أهي تكيُّفاتٌ حاصلةٌ بفعل التطور أم سلوكات اجتماعية مكتسبة؟ وقد جادل "تشارلز داروين" عام 1872 بأن تعبيرات الوجه التي تعكس عواطف بعينها هي تكيُّفاتٌ عالمية. وفي أواخر ستينيات القرن الماضي خلص عالم النفس "بول إيكمان" إلى صحة طرح داروين؛ ذلك أن بني البشر عبر الثقافات يتعرفون إلى تعبيرات وجه محددة متصلة بعواطف أساسية كالقلق والاشمئزاز والخوف والفرح والحزن والمفاجأة.
قبل ذلك بست عشرة ساعة، شرع الجراحون عملا دقيقا في "غرفة العمليات رقم 19" بمستشفى "كليفلاند كلينك"، لإزالة وجه امرأة أسلمت الروح قبل ثلاثة أيام وهي ابنة الحادية والثلاثين وأُعلنت وفاتها قانونيا وطبيا. وعما قريب سيُنقل الوجه إلى شابة في الحادية والعشرين من عمرها ظلت تنتظره لأزيد من ثلاث سنوات.
ظل الوجه المذهول في عزلته لحظة من الزمن.
فجأة خيم على الجراحين والأطباء المقيمين والممرضين صمت مطبق وهم ينظرون إلى الوجه بإجلال، وقد أقبل عليه بعض أفراد المستشفى توثيقا بكاميراتهم كمصورين متطفلين على غير العادة. شحُبَ الوجه بعد انقطاع الدم عنه، ومع مرور كل ثانية بدا أشبه بقناع موت من القرن التاسع عشر.
تناول جرَّاحُ التجميل المخضرم "فرانك باباي" الصينية بقفازيه وسار بها نحو "غرفة العمليات رقم 20" حيث تنتظر كايتي ستابلفيلد.
ستكون كايتي أصغر من يتلقى زرع وجه في الولايات المتحدة. وستكون العملية -الثالثة في المستشفى والأربعون في العالم حسبما هو معروف- من بين العمليات الأشمل، وستجعل من الفتاة موضوعا مدى الحياة لدراسة هذه الجراحة التي لا تزال في مراحلها التجريبية.
استشعر باباي شيئا من الرهبة وهو ينظر إلى الوجه بين يديه. فما يفعله بعض الناس من أجل غيرهم، حسب اعتقاده، مدعاة للدهشة؛ إذ يمنحونهم قلبا أو كبدا، بل ووجها. ابتهل في قرارة نفسه شكرا، وأخذ الوجه نحو حياته الجديدة.
نحن أفراد جماعة حصرية من المخلوقات يشيع أنها تتعرف إلى نفسها في المرآة، وتضم إلى جانبنا كلا من القردة العليا والفيلة الآسيوية وطيور العقعق الأوراسية والدلافين قارورية الأنف. ومن ذلك أن الدلافين في شهرها السابع تتخذ أوضاعا معينة وتلتف وتضع أعينها على المرآة للتحديق في وجوهها، ووحدهم البشر يجزعون عند النظر إلى انعكاسات صورهم.
وبينما نتفحص وجوهنا بحثا عن تجاعيد ونواقص فإننا نغفل روعة هذا الجهاز. إن وجوهنا هي الجزء الأكثر تميزا في أجسادنا الظاهرة؛ فسيفساء غامضة يتماهى فيها المادي والنفسي. إنها الجزء المدمن على العمل في أجسامنا، فهي تُفصح عن الهوية وتؤكدها، وتعبر عن المشاعر، وتنقل المعنى، وتؤدي الوظائف الأساسية اللازمة للحياة، وتمكننا من مراكمة خبرات الحياة عبر حواسنا.
نولد مجبولين على تلمس الوجوه. إذ يلتفت نحوها المواليد الجدد خلال أولى لحظاتهم خارج الرحم. ويراقب الرضع تعابيرنا ويتجاوبون معها ويقلدونها كما لو كان الأمر شغلهم، وهو كذلك بشكل من الأشكال. إن تمحيص الوجوه هو فاتحة إدراكنا لبشريتنا مع ما يكتنفها من غرابة. اقتطِع من وقتك لحظة وانظر في المرآة. ماذا ترى؟ سيقول جُلُّنا: "نفسي".
وجوهنا هي الظاهر الذي يصلنا بأحاسيس الذات الباطنية وهويتنا وانتمائنا الجغرافي. إنها تُرسخ أقدامنا في الثقافة والطقوس والقواعد المتعلقة بطرائق تقديم أنفسنا وكيفية رؤية الآخرين. تحجب بعض الثقافات الوجوه وتخفيها بينما تجذب أخرى الانتباه إليها عبر الوشم والثقب والتخديش.
وغالبا ما يكون الوجه في عالم اليوم بمنزلة قماشٍ بِكرٍ يُعالَجُ بالجراحة التجميلية والحُقن وتقنيات مكياج معقدة متاحة على تطبيق "يوتيوب". وإن نحن أجزنا لوجوهنا أن تَشيخ فإنها ستسرد قصة حياتنا. إنها همزة وصل الماضي في السلف والمستقبل في الخلف.
إن وجوهنا، في أبسط مستويات الهوية، هي بمنزلة صورة جواز سفر بالنسبة إلى بقية العالم، لكنها أيضا مَسلك الآخرين لمعرفة المزيد واكتشاف ما يتوارى منا خلف تلك الصورة. تقول "نانسي إيتكوف" -أخصائية علم النفس في كلية الطب التابعة لجامعة هارفارد- في كتابها (Survival of the Prettiest) إن "المظهر هو أكثر أجزاء الذات انكشافا. إنه سرنا الأقدس، والذات الظاهرة التي يعدها العالم مرآة تعكس الذات الباطنة".
يحتدم في أوساط علماء الاجتماع نقاش بشأن العواطف التي نُعَبر عنها بوجوهنا، أهي تكيُّفاتٌ حاصلةٌ بفعل التطور أم سلوكات اجتماعية مكتسبة؟ وقد جادل "تشارلز داروين" عام 1872 بأن تعبيرات الوجه التي تعكس عواطف بعينها هي تكيُّفاتٌ عالمية. وفي أواخر ستينيات القرن الماضي خلص عالم النفس "بول إيكمان" إلى صحة طرح داروين؛ ذلك أن بني البشر عبر الثقافات يتعرفون إلى تعبيرات وجه محددة متصلة بعواطف أساسية كالقلق والاشمئزاز والخوف والفرح والحزن والمفاجأة.
وجه كايتي الجديد
- ماغي ستيبر و لين جونسون
وُضع الوجه على صينية أدوات جراحية. عيونه فارغة لا تبصر، وفمه فاغرٌ وكأنه يصيح تعجبا "آه"!قبل ذلك بست عشرة ساعة، شرع الجراحون عملا دقيقا في "غرفة العمليات رقم 19" بمستشفى "كليفلاند كلينك"، لإزالة وجه امرأة أسلمت الروح قبل ثلاثة أيام وهي ابنة الحادية...
وُضع الوجه على صينية أدوات جراحية. عيونه فارغة لا تبصر، وفمه فاغرٌ وكأنه يصيح تعجبا "آه"!
قبل ذلك بست عشرة ساعة، شرع الجراحون عملا دقيقا في "غرفة العمليات رقم 19" بمستشفى "كليفلاند كلينك"، لإزالة وجه امرأة أسلمت الروح قبل ثلاثة أيام وهي ابنة الحادية والثلاثين وأُعلنت وفاتها قانونيا وطبيا. وعما قريب سيُنقل الوجه إلى شابة في الحادية والعشرين من عمرها ظلت تنتظره لأزيد من ثلاث سنوات.
ظل الوجه المذهول في عزلته لحظة من الزمن.
فجأة خيم على الجراحين والأطباء المقيمين والممرضين صمت مطبق وهم ينظرون إلى الوجه بإجلال، وقد أقبل عليه بعض أفراد المستشفى توثيقا بكاميراتهم كمصورين متطفلين على غير العادة. شحُبَ الوجه بعد انقطاع الدم عنه، ومع مرور كل ثانية بدا أشبه بقناع موت من القرن التاسع عشر.
تناول جرَّاحُ التجميل المخضرم "فرانك باباي" الصينية بقفازيه وسار بها نحو "غرفة العمليات رقم 20" حيث تنتظر كايتي ستابلفيلد.
ستكون كايتي أصغر من يتلقى زرع وجه في الولايات المتحدة. وستكون العملية -الثالثة في المستشفى والأربعون في العالم حسبما هو معروف- من بين العمليات الأشمل، وستجعل من الفتاة موضوعا مدى الحياة لدراسة هذه الجراحة التي لا تزال في مراحلها التجريبية.
استشعر باباي شيئا من الرهبة وهو ينظر إلى الوجه بين يديه. فما يفعله بعض الناس من أجل غيرهم، حسب اعتقاده، مدعاة للدهشة؛ إذ يمنحونهم قلبا أو كبدا، بل ووجها. ابتهل في قرارة نفسه شكرا، وأخذ الوجه نحو حياته الجديدة.
نحن أفراد جماعة حصرية من المخلوقات يشيع أنها تتعرف إلى نفسها في المرآة، وتضم إلى جانبنا كلا من القردة العليا والفيلة الآسيوية وطيور العقعق الأوراسية والدلافين قارورية الأنف. ومن ذلك أن الدلافين في شهرها السابع تتخذ أوضاعا معينة وتلتف وتضع أعينها على المرآة للتحديق في وجوهها، ووحدهم البشر يجزعون عند النظر إلى انعكاسات صورهم.
وبينما نتفحص وجوهنا بحثا عن تجاعيد ونواقص فإننا نغفل روعة هذا الجهاز. إن وجوهنا هي الجزء الأكثر تميزا في أجسادنا الظاهرة؛ فسيفساء غامضة يتماهى فيها المادي والنفسي. إنها الجزء المدمن على العمل في أجسامنا، فهي تُفصح عن الهوية وتؤكدها، وتعبر عن المشاعر، وتنقل المعنى، وتؤدي الوظائف الأساسية اللازمة للحياة، وتمكننا من مراكمة خبرات الحياة عبر حواسنا.
نولد مجبولين على تلمس الوجوه. إذ يلتفت نحوها المواليد الجدد خلال أولى لحظاتهم خارج الرحم. ويراقب الرضع تعابيرنا ويتجاوبون معها ويقلدونها كما لو كان الأمر شغلهم، وهو كذلك بشكل من الأشكال. إن تمحيص الوجوه هو فاتحة إدراكنا لبشريتنا مع ما يكتنفها من غرابة. اقتطِع من وقتك لحظة وانظر في المرآة. ماذا ترى؟ سيقول جُلُّنا: "نفسي".
وجوهنا هي الظاهر الذي يصلنا بأحاسيس الذات الباطنية وهويتنا وانتمائنا الجغرافي. إنها تُرسخ أقدامنا في الثقافة والطقوس والقواعد المتعلقة بطرائق تقديم أنفسنا وكيفية رؤية الآخرين. تحجب بعض الثقافات الوجوه وتخفيها بينما تجذب أخرى الانتباه إليها عبر الوشم والثقب والتخديش.
وغالبا ما يكون الوجه في عالم اليوم بمنزلة قماشٍ بِكرٍ يُعالَجُ بالجراحة التجميلية والحُقن وتقنيات مكياج معقدة متاحة على تطبيق "يوتيوب". وإن نحن أجزنا لوجوهنا أن تَشيخ فإنها ستسرد قصة حياتنا. إنها همزة وصل الماضي في السلف والمستقبل في الخلف.
إن وجوهنا، في أبسط مستويات الهوية، هي بمنزلة صورة جواز سفر بالنسبة إلى بقية العالم، لكنها أيضا مَسلك الآخرين لمعرفة المزيد واكتشاف ما يتوارى منا خلف تلك الصورة. تقول "نانسي إيتكوف" -أخصائية علم النفس في كلية الطب التابعة لجامعة هارفارد- في كتابها (Survival of the Prettiest) إن "المظهر هو أكثر أجزاء الذات انكشافا. إنه سرنا الأقدس، والذات الظاهرة التي يعدها العالم مرآة تعكس الذات الباطنة".
يحتدم في أوساط علماء الاجتماع نقاش بشأن العواطف التي نُعَبر عنها بوجوهنا، أهي تكيُّفاتٌ حاصلةٌ بفعل التطور أم سلوكات اجتماعية مكتسبة؟ وقد جادل "تشارلز داروين" عام 1872 بأن تعبيرات الوجه التي تعكس عواطف بعينها هي تكيُّفاتٌ عالمية. وفي أواخر ستينيات القرن الماضي خلص عالم النفس "بول إيكمان" إلى صحة طرح داروين؛ ذلك أن بني البشر عبر الثقافات يتعرفون إلى تعبيرات وجه محددة متصلة بعواطف أساسية كالقلق والاشمئزاز والخوف والفرح والحزن والمفاجأة.
قبل ذلك بست عشرة ساعة، شرع الجراحون عملا دقيقا في "غرفة العمليات رقم 19" بمستشفى "كليفلاند كلينك"، لإزالة وجه امرأة أسلمت الروح قبل ثلاثة أيام وهي ابنة الحادية والثلاثين وأُعلنت وفاتها قانونيا وطبيا. وعما قريب سيُنقل الوجه إلى شابة في الحادية والعشرين من عمرها ظلت تنتظره لأزيد من ثلاث سنوات.
ظل الوجه المذهول في عزلته لحظة من الزمن.
فجأة خيم على الجراحين والأطباء المقيمين والممرضين صمت مطبق وهم ينظرون إلى الوجه بإجلال، وقد أقبل عليه بعض أفراد المستشفى توثيقا بكاميراتهم كمصورين متطفلين على غير العادة. شحُبَ الوجه بعد انقطاع الدم عنه، ومع مرور كل ثانية بدا أشبه بقناع موت من القرن التاسع عشر.
تناول جرَّاحُ التجميل المخضرم "فرانك باباي" الصينية بقفازيه وسار بها نحو "غرفة العمليات رقم 20" حيث تنتظر كايتي ستابلفيلد.
ستكون كايتي أصغر من يتلقى زرع وجه في الولايات المتحدة. وستكون العملية -الثالثة في المستشفى والأربعون في العالم حسبما هو معروف- من بين العمليات الأشمل، وستجعل من الفتاة موضوعا مدى الحياة لدراسة هذه الجراحة التي لا تزال في مراحلها التجريبية.
استشعر باباي شيئا من الرهبة وهو ينظر إلى الوجه بين يديه. فما يفعله بعض الناس من أجل غيرهم، حسب اعتقاده، مدعاة للدهشة؛ إذ يمنحونهم قلبا أو كبدا، بل ووجها. ابتهل في قرارة نفسه شكرا، وأخذ الوجه نحو حياته الجديدة.
نحن أفراد جماعة حصرية من المخلوقات يشيع أنها تتعرف إلى نفسها في المرآة، وتضم إلى جانبنا كلا من القردة العليا والفيلة الآسيوية وطيور العقعق الأوراسية والدلافين قارورية الأنف. ومن ذلك أن الدلافين في شهرها السابع تتخذ أوضاعا معينة وتلتف وتضع أعينها على المرآة للتحديق في وجوهها، ووحدهم البشر يجزعون عند النظر إلى انعكاسات صورهم.
وبينما نتفحص وجوهنا بحثا عن تجاعيد ونواقص فإننا نغفل روعة هذا الجهاز. إن وجوهنا هي الجزء الأكثر تميزا في أجسادنا الظاهرة؛ فسيفساء غامضة يتماهى فيها المادي والنفسي. إنها الجزء المدمن على العمل في أجسامنا، فهي تُفصح عن الهوية وتؤكدها، وتعبر عن المشاعر، وتنقل المعنى، وتؤدي الوظائف الأساسية اللازمة للحياة، وتمكننا من مراكمة خبرات الحياة عبر حواسنا.
نولد مجبولين على تلمس الوجوه. إذ يلتفت نحوها المواليد الجدد خلال أولى لحظاتهم خارج الرحم. ويراقب الرضع تعابيرنا ويتجاوبون معها ويقلدونها كما لو كان الأمر شغلهم، وهو كذلك بشكل من الأشكال. إن تمحيص الوجوه هو فاتحة إدراكنا لبشريتنا مع ما يكتنفها من غرابة. اقتطِع من وقتك لحظة وانظر في المرآة. ماذا ترى؟ سيقول جُلُّنا: "نفسي".
وجوهنا هي الظاهر الذي يصلنا بأحاسيس الذات الباطنية وهويتنا وانتمائنا الجغرافي. إنها تُرسخ أقدامنا في الثقافة والطقوس والقواعد المتعلقة بطرائق تقديم أنفسنا وكيفية رؤية الآخرين. تحجب بعض الثقافات الوجوه وتخفيها بينما تجذب أخرى الانتباه إليها عبر الوشم والثقب والتخديش.
وغالبا ما يكون الوجه في عالم اليوم بمنزلة قماشٍ بِكرٍ يُعالَجُ بالجراحة التجميلية والحُقن وتقنيات مكياج معقدة متاحة على تطبيق "يوتيوب". وإن نحن أجزنا لوجوهنا أن تَشيخ فإنها ستسرد قصة حياتنا. إنها همزة وصل الماضي في السلف والمستقبل في الخلف.
إن وجوهنا، في أبسط مستويات الهوية، هي بمنزلة صورة جواز سفر بالنسبة إلى بقية العالم، لكنها أيضا مَسلك الآخرين لمعرفة المزيد واكتشاف ما يتوارى منا خلف تلك الصورة. تقول "نانسي إيتكوف" -أخصائية علم النفس في كلية الطب التابعة لجامعة هارفارد- في كتابها (Survival of the Prettiest) إن "المظهر هو أكثر أجزاء الذات انكشافا. إنه سرنا الأقدس، والذات الظاهرة التي يعدها العالم مرآة تعكس الذات الباطنة".
يحتدم في أوساط علماء الاجتماع نقاش بشأن العواطف التي نُعَبر عنها بوجوهنا، أهي تكيُّفاتٌ حاصلةٌ بفعل التطور أم سلوكات اجتماعية مكتسبة؟ وقد جادل "تشارلز داروين" عام 1872 بأن تعبيرات الوجه التي تعكس عواطف بعينها هي تكيُّفاتٌ عالمية. وفي أواخر ستينيات القرن الماضي خلص عالم النفس "بول إيكمان" إلى صحة طرح داروين؛ ذلك أن بني البشر عبر الثقافات يتعرفون إلى تعبيرات وجه محددة متصلة بعواطف أساسية كالقلق والاشمئزاز والخوف والفرح والحزن والمفاجأة.