هل يلفظ الأمازون آخر أبنائه؟
كانت آثار عجلات عميقة وحديثة في التربة الحمراء. ترَجَّل "تيناكي تينيتهار" عن دراجته النارية ليلقي على الآثار نظرة من كثب."إنها تعود لصبيحة يومنا هذا"، هكذا قال بثقة قَصَّاصِ أثر متمرس متنبّه لكل ما يدل على حركة بشرية في هذه المناطق الحدودية الفوضوية...
كانت آثار عجلات عميقة وحديثة في التربة الحمراء. ترَجَّل "تيناكي تينيتهار" عن دراجته النارية ليلقي على الآثار نظرة من كثب.
"إنها تعود لصبيحة يومنا هذا"، هكذا قال بثقة قَصَّاصِ أثر متمرس متنبّه لكل ما يدل على حركة بشرية في هذه المناطق الحدودية الفوضوية الجامحة.
راحَ تيناكي يمسح بمنظاره تلالا مترامية من نباتات سافانا أتت عليها النيران، تمتد إلى حافة جبلية بعيدة تكسوها الأشجار. هنا، في أحد أكثر حدود البرازيل إثارة للنزاع -حيث تمتد الأحراش المعرَّاة نحو غابة قديمة، وحيث تخترق البيوت الخاصة تخوم أرض الهنود- حملت آثار العجلات تلك معنى وحيداً ينذر بسوء.
قال تيناكي: "إنهم قُطاع الأشجار". أو العدو.
التفت تيناكي -المعروف أيضا باسمه البرتغالي "لايرسيو سوزا سيلفا غواجاجارا"- إلى رفاقه وبني قبيلته "غواجاجارا" الأربعة وهم يترجلون عن دراجات نالت منها الطريق. بدا شكل طاقم دوريتهم متنافراً: سراويل جينز مرقعة وملابس مموهة ونظارات شمسية ومناديل لحماية وجوههم من غبار الموسم الجاف في كل مكان. كان منظرهم كمشهد من فيلم غريب يصعب تصنيف نوعه، وهم يحملون جميعا أسلحة متواضعة: بندقية صيد وحيدة الطلقة، ومسدسا محلي الصنع، وبضعة سواطير تدلت من أحزمتهم بإحكام.
سأل تيناكي: "أَنتعقبهم؟".
صار تعقب قطاع الأشجار غير المرخَّصين هنا السمةَ المميزة لدوريات كهذه. فلقد أضرموا النار في شاحنات نقل أخشاب، وصادروا أسلحة ومناشير سلسلية، وطردوا قطاع أشجار حانقين. ولذا فقد تلقى قادة الدوريات -ومنهم تيناكي، البالغ من العمر 33 عاما- تهديدات كثيرة بالقتل. ويستعمل بعض رجال الدوريات أسماء مستعارة لإخفاء هوياتهم. وقد قُتِلَ ثلاثة منهم في غضون شهر واحد عام 2016.
ينتمي هؤلاء إلى قوة محلية قوامها 100 متطوع من السكان الأصليين، يطلقون على أنفسهم "حراس الغابة". ظهرت هذه المجموعة وغيرها في الأعوام الأخيرة ردا على تصاعد نشاط قطع الأشجار بصفة غير قانونية، والذي يدمر غابات محمية في ولاية "مارانهاو" شرق الأمازون، بما في ذلك "أرض شعب أراريبويا الأصلي" الممتدة على مساحة 4150 كيلومتر مربع. وفضلا عن الغابات، فإن الحيوانات التي شكلت عِماد ثقافة الصيد لدى قبيلة غواجاجارا على مرّ أجيال ما فتئت تندثر، والبحيرات التي لطالما ولَّدت أنهارهم تجف بفعل اجتثاث الغابات، كما أن الأسماك والطيور تَهلك.
لا شك أن ثمة مخاطر كبيرة تهدد قبيلة غواجاجارا، لكن أفرادها اعتمدوا استراتيجيات فعالة للبقاء على قيد الحياة منذ أول اتصال دَامٍ بالدخلاء منذ قرون خلت. يعرف جلهم طرائق العالم الخارجي، وعاش فيه كثير منهم. وثمة مأساة أسوأ تعيشها قبيلة أخرى تتقاسم معهم محمية أراريبويا، واسمها قبيلة "آوا". يعيش هذا الشعب المنعزل أو "معدوم الاتصال" بالعالم الخارجي، في أقصى شرق الأمازون، وتجوب جماعات رُحَّل كثيرة منه الغابات في قلب الإقليم، حيث تعيش في حالة فرار شبه دائم من ضجيج الرافعات والمناشير السلسلية ودخان حرائق الغابة في الفصل الجاف.
يتقوقع الآوا في قلب غابة منحسرة، حيث يعانون هشاشة كبيرة. إذ إن التهديدات تتزايد على سلامة ما يتراوح بين 50
و 100 قبيلة منعزلة في ربوع حوض الأمازون كافة، والتي ربما يبلغ مجموع أفرادها 5000 شخص. تمثل هذه الجماعات جل ما تبقى في العالم من قبائل منعزلة. والقبائل المنعزلة الوحيدة التي يُعرف وجودها اليوم خارج الأمازون تعيش في غابة الشجيرات بمنطقة "تشاكو" في الباراغواي، وفي "جزر أندامان" في المحيط الهندي، وفي غرب غينيا الجديدة بإندونيسيا. قد تبدو الأرقام صغيرة، لكن أنصار حقوق الشعوب الأصلية يقولون إن ثمة شيئا أكبر على المحك، ألا وهو الحفاظ على آخر آثار أسلوب عيش عانى الأمرَّين ويكاد يندثر من كوكبنا.. أسلوب نجح في البقاء بمعزل عن الاقتصاد القائم على الصناعة.
وفي ذلك تقول "سيدني بوسويلو"، مناصرة حقوق الشعوب الأصلية: "تكون الخسارة فادحة عندما تختفي قومية أو مجموعة بشرية. يصير وجه البشرية أكثر تجانسا، وتغدو الإنسانية نفسها مفقَّرة أكثر".
"إنها تعود لصبيحة يومنا هذا"، هكذا قال بثقة قَصَّاصِ أثر متمرس متنبّه لكل ما يدل على حركة بشرية في هذه المناطق الحدودية الفوضوية الجامحة.
راحَ تيناكي يمسح بمنظاره تلالا مترامية من نباتات سافانا أتت عليها النيران، تمتد إلى حافة جبلية بعيدة تكسوها الأشجار. هنا، في أحد أكثر حدود البرازيل إثارة للنزاع -حيث تمتد الأحراش المعرَّاة نحو غابة قديمة، وحيث تخترق البيوت الخاصة تخوم أرض الهنود- حملت آثار العجلات تلك معنى وحيداً ينذر بسوء.
قال تيناكي: "إنهم قُطاع الأشجار". أو العدو.
التفت تيناكي -المعروف أيضا باسمه البرتغالي "لايرسيو سوزا سيلفا غواجاجارا"- إلى رفاقه وبني قبيلته "غواجاجارا" الأربعة وهم يترجلون عن دراجات نالت منها الطريق. بدا شكل طاقم دوريتهم متنافراً: سراويل جينز مرقعة وملابس مموهة ونظارات شمسية ومناديل لحماية وجوههم من غبار الموسم الجاف في كل مكان. كان منظرهم كمشهد من فيلم غريب يصعب تصنيف نوعه، وهم يحملون جميعا أسلحة متواضعة: بندقية صيد وحيدة الطلقة، ومسدسا محلي الصنع، وبضعة سواطير تدلت من أحزمتهم بإحكام.
سأل تيناكي: "أَنتعقبهم؟".
صار تعقب قطاع الأشجار غير المرخَّصين هنا السمةَ المميزة لدوريات كهذه. فلقد أضرموا النار في شاحنات نقل أخشاب، وصادروا أسلحة ومناشير سلسلية، وطردوا قطاع أشجار حانقين. ولذا فقد تلقى قادة الدوريات -ومنهم تيناكي، البالغ من العمر 33 عاما- تهديدات كثيرة بالقتل. ويستعمل بعض رجال الدوريات أسماء مستعارة لإخفاء هوياتهم. وقد قُتِلَ ثلاثة منهم في غضون شهر واحد عام 2016.
ينتمي هؤلاء إلى قوة محلية قوامها 100 متطوع من السكان الأصليين، يطلقون على أنفسهم "حراس الغابة". ظهرت هذه المجموعة وغيرها في الأعوام الأخيرة ردا على تصاعد نشاط قطع الأشجار بصفة غير قانونية، والذي يدمر غابات محمية في ولاية "مارانهاو" شرق الأمازون، بما في ذلك "أرض شعب أراريبويا الأصلي" الممتدة على مساحة 4150 كيلومتر مربع. وفضلا عن الغابات، فإن الحيوانات التي شكلت عِماد ثقافة الصيد لدى قبيلة غواجاجارا على مرّ أجيال ما فتئت تندثر، والبحيرات التي لطالما ولَّدت أنهارهم تجف بفعل اجتثاث الغابات، كما أن الأسماك والطيور تَهلك.
لا شك أن ثمة مخاطر كبيرة تهدد قبيلة غواجاجارا، لكن أفرادها اعتمدوا استراتيجيات فعالة للبقاء على قيد الحياة منذ أول اتصال دَامٍ بالدخلاء منذ قرون خلت. يعرف جلهم طرائق العالم الخارجي، وعاش فيه كثير منهم. وثمة مأساة أسوأ تعيشها قبيلة أخرى تتقاسم معهم محمية أراريبويا، واسمها قبيلة "آوا". يعيش هذا الشعب المنعزل أو "معدوم الاتصال" بالعالم الخارجي، في أقصى شرق الأمازون، وتجوب جماعات رُحَّل كثيرة منه الغابات في قلب الإقليم، حيث تعيش في حالة فرار شبه دائم من ضجيج الرافعات والمناشير السلسلية ودخان حرائق الغابة في الفصل الجاف.
يتقوقع الآوا في قلب غابة منحسرة، حيث يعانون هشاشة كبيرة. إذ إن التهديدات تتزايد على سلامة ما يتراوح بين 50
و 100 قبيلة منعزلة في ربوع حوض الأمازون كافة، والتي ربما يبلغ مجموع أفرادها 5000 شخص. تمثل هذه الجماعات جل ما تبقى في العالم من قبائل منعزلة. والقبائل المنعزلة الوحيدة التي يُعرف وجودها اليوم خارج الأمازون تعيش في غابة الشجيرات بمنطقة "تشاكو" في الباراغواي، وفي "جزر أندامان" في المحيط الهندي، وفي غرب غينيا الجديدة بإندونيسيا. قد تبدو الأرقام صغيرة، لكن أنصار حقوق الشعوب الأصلية يقولون إن ثمة شيئا أكبر على المحك، ألا وهو الحفاظ على آخر آثار أسلوب عيش عانى الأمرَّين ويكاد يندثر من كوكبنا.. أسلوب نجح في البقاء بمعزل عن الاقتصاد القائم على الصناعة.
وفي ذلك تقول "سيدني بوسويلو"، مناصرة حقوق الشعوب الأصلية: "تكون الخسارة فادحة عندما تختفي قومية أو مجموعة بشرية. يصير وجه البشرية أكثر تجانسا، وتغدو الإنسانية نفسها مفقَّرة أكثر".
هل يلفظ الأمازون آخر أبنائه؟
- سكوت والاس
كانت آثار عجلات عميقة وحديثة في التربة الحمراء. ترَجَّل "تيناكي تينيتهار" عن دراجته النارية ليلقي على الآثار نظرة من كثب."إنها تعود لصبيحة يومنا هذا"، هكذا قال بثقة قَصَّاصِ أثر متمرس متنبّه لكل ما يدل على حركة بشرية في هذه المناطق الحدودية الفوضوية...
كانت آثار عجلات عميقة وحديثة في التربة الحمراء. ترَجَّل "تيناكي تينيتهار" عن دراجته النارية ليلقي على الآثار نظرة من كثب.
"إنها تعود لصبيحة يومنا هذا"، هكذا قال بثقة قَصَّاصِ أثر متمرس متنبّه لكل ما يدل على حركة بشرية في هذه المناطق الحدودية الفوضوية الجامحة.
راحَ تيناكي يمسح بمنظاره تلالا مترامية من نباتات سافانا أتت عليها النيران، تمتد إلى حافة جبلية بعيدة تكسوها الأشجار. هنا، في أحد أكثر حدود البرازيل إثارة للنزاع -حيث تمتد الأحراش المعرَّاة نحو غابة قديمة، وحيث تخترق البيوت الخاصة تخوم أرض الهنود- حملت آثار العجلات تلك معنى وحيداً ينذر بسوء.
قال تيناكي: "إنهم قُطاع الأشجار". أو العدو.
التفت تيناكي -المعروف أيضا باسمه البرتغالي "لايرسيو سوزا سيلفا غواجاجارا"- إلى رفاقه وبني قبيلته "غواجاجارا" الأربعة وهم يترجلون عن دراجات نالت منها الطريق. بدا شكل طاقم دوريتهم متنافراً: سراويل جينز مرقعة وملابس مموهة ونظارات شمسية ومناديل لحماية وجوههم من غبار الموسم الجاف في كل مكان. كان منظرهم كمشهد من فيلم غريب يصعب تصنيف نوعه، وهم يحملون جميعا أسلحة متواضعة: بندقية صيد وحيدة الطلقة، ومسدسا محلي الصنع، وبضعة سواطير تدلت من أحزمتهم بإحكام.
سأل تيناكي: "أَنتعقبهم؟".
صار تعقب قطاع الأشجار غير المرخَّصين هنا السمةَ المميزة لدوريات كهذه. فلقد أضرموا النار في شاحنات نقل أخشاب، وصادروا أسلحة ومناشير سلسلية، وطردوا قطاع أشجار حانقين. ولذا فقد تلقى قادة الدوريات -ومنهم تيناكي، البالغ من العمر 33 عاما- تهديدات كثيرة بالقتل. ويستعمل بعض رجال الدوريات أسماء مستعارة لإخفاء هوياتهم. وقد قُتِلَ ثلاثة منهم في غضون شهر واحد عام 2016.
ينتمي هؤلاء إلى قوة محلية قوامها 100 متطوع من السكان الأصليين، يطلقون على أنفسهم "حراس الغابة". ظهرت هذه المجموعة وغيرها في الأعوام الأخيرة ردا على تصاعد نشاط قطع الأشجار بصفة غير قانونية، والذي يدمر غابات محمية في ولاية "مارانهاو" شرق الأمازون، بما في ذلك "أرض شعب أراريبويا الأصلي" الممتدة على مساحة 4150 كيلومتر مربع. وفضلا عن الغابات، فإن الحيوانات التي شكلت عِماد ثقافة الصيد لدى قبيلة غواجاجارا على مرّ أجيال ما فتئت تندثر، والبحيرات التي لطالما ولَّدت أنهارهم تجف بفعل اجتثاث الغابات، كما أن الأسماك والطيور تَهلك.
لا شك أن ثمة مخاطر كبيرة تهدد قبيلة غواجاجارا، لكن أفرادها اعتمدوا استراتيجيات فعالة للبقاء على قيد الحياة منذ أول اتصال دَامٍ بالدخلاء منذ قرون خلت. يعرف جلهم طرائق العالم الخارجي، وعاش فيه كثير منهم. وثمة مأساة أسوأ تعيشها قبيلة أخرى تتقاسم معهم محمية أراريبويا، واسمها قبيلة "آوا". يعيش هذا الشعب المنعزل أو "معدوم الاتصال" بالعالم الخارجي، في أقصى شرق الأمازون، وتجوب جماعات رُحَّل كثيرة منه الغابات في قلب الإقليم، حيث تعيش في حالة فرار شبه دائم من ضجيج الرافعات والمناشير السلسلية ودخان حرائق الغابة في الفصل الجاف.
يتقوقع الآوا في قلب غابة منحسرة، حيث يعانون هشاشة كبيرة. إذ إن التهديدات تتزايد على سلامة ما يتراوح بين 50
و 100 قبيلة منعزلة في ربوع حوض الأمازون كافة، والتي ربما يبلغ مجموع أفرادها 5000 شخص. تمثل هذه الجماعات جل ما تبقى في العالم من قبائل منعزلة. والقبائل المنعزلة الوحيدة التي يُعرف وجودها اليوم خارج الأمازون تعيش في غابة الشجيرات بمنطقة "تشاكو" في الباراغواي، وفي "جزر أندامان" في المحيط الهندي، وفي غرب غينيا الجديدة بإندونيسيا. قد تبدو الأرقام صغيرة، لكن أنصار حقوق الشعوب الأصلية يقولون إن ثمة شيئا أكبر على المحك، ألا وهو الحفاظ على آخر آثار أسلوب عيش عانى الأمرَّين ويكاد يندثر من كوكبنا.. أسلوب نجح في البقاء بمعزل عن الاقتصاد القائم على الصناعة.
وفي ذلك تقول "سيدني بوسويلو"، مناصرة حقوق الشعوب الأصلية: "تكون الخسارة فادحة عندما تختفي قومية أو مجموعة بشرية. يصير وجه البشرية أكثر تجانسا، وتغدو الإنسانية نفسها مفقَّرة أكثر".
"إنها تعود لصبيحة يومنا هذا"، هكذا قال بثقة قَصَّاصِ أثر متمرس متنبّه لكل ما يدل على حركة بشرية في هذه المناطق الحدودية الفوضوية الجامحة.
راحَ تيناكي يمسح بمنظاره تلالا مترامية من نباتات سافانا أتت عليها النيران، تمتد إلى حافة جبلية بعيدة تكسوها الأشجار. هنا، في أحد أكثر حدود البرازيل إثارة للنزاع -حيث تمتد الأحراش المعرَّاة نحو غابة قديمة، وحيث تخترق البيوت الخاصة تخوم أرض الهنود- حملت آثار العجلات تلك معنى وحيداً ينذر بسوء.
قال تيناكي: "إنهم قُطاع الأشجار". أو العدو.
التفت تيناكي -المعروف أيضا باسمه البرتغالي "لايرسيو سوزا سيلفا غواجاجارا"- إلى رفاقه وبني قبيلته "غواجاجارا" الأربعة وهم يترجلون عن دراجات نالت منها الطريق. بدا شكل طاقم دوريتهم متنافراً: سراويل جينز مرقعة وملابس مموهة ونظارات شمسية ومناديل لحماية وجوههم من غبار الموسم الجاف في كل مكان. كان منظرهم كمشهد من فيلم غريب يصعب تصنيف نوعه، وهم يحملون جميعا أسلحة متواضعة: بندقية صيد وحيدة الطلقة، ومسدسا محلي الصنع، وبضعة سواطير تدلت من أحزمتهم بإحكام.
سأل تيناكي: "أَنتعقبهم؟".
صار تعقب قطاع الأشجار غير المرخَّصين هنا السمةَ المميزة لدوريات كهذه. فلقد أضرموا النار في شاحنات نقل أخشاب، وصادروا أسلحة ومناشير سلسلية، وطردوا قطاع أشجار حانقين. ولذا فقد تلقى قادة الدوريات -ومنهم تيناكي، البالغ من العمر 33 عاما- تهديدات كثيرة بالقتل. ويستعمل بعض رجال الدوريات أسماء مستعارة لإخفاء هوياتهم. وقد قُتِلَ ثلاثة منهم في غضون شهر واحد عام 2016.
ينتمي هؤلاء إلى قوة محلية قوامها 100 متطوع من السكان الأصليين، يطلقون على أنفسهم "حراس الغابة". ظهرت هذه المجموعة وغيرها في الأعوام الأخيرة ردا على تصاعد نشاط قطع الأشجار بصفة غير قانونية، والذي يدمر غابات محمية في ولاية "مارانهاو" شرق الأمازون، بما في ذلك "أرض شعب أراريبويا الأصلي" الممتدة على مساحة 4150 كيلومتر مربع. وفضلا عن الغابات، فإن الحيوانات التي شكلت عِماد ثقافة الصيد لدى قبيلة غواجاجارا على مرّ أجيال ما فتئت تندثر، والبحيرات التي لطالما ولَّدت أنهارهم تجف بفعل اجتثاث الغابات، كما أن الأسماك والطيور تَهلك.
لا شك أن ثمة مخاطر كبيرة تهدد قبيلة غواجاجارا، لكن أفرادها اعتمدوا استراتيجيات فعالة للبقاء على قيد الحياة منذ أول اتصال دَامٍ بالدخلاء منذ قرون خلت. يعرف جلهم طرائق العالم الخارجي، وعاش فيه كثير منهم. وثمة مأساة أسوأ تعيشها قبيلة أخرى تتقاسم معهم محمية أراريبويا، واسمها قبيلة "آوا". يعيش هذا الشعب المنعزل أو "معدوم الاتصال" بالعالم الخارجي، في أقصى شرق الأمازون، وتجوب جماعات رُحَّل كثيرة منه الغابات في قلب الإقليم، حيث تعيش في حالة فرار شبه دائم من ضجيج الرافعات والمناشير السلسلية ودخان حرائق الغابة في الفصل الجاف.
يتقوقع الآوا في قلب غابة منحسرة، حيث يعانون هشاشة كبيرة. إذ إن التهديدات تتزايد على سلامة ما يتراوح بين 50
و 100 قبيلة منعزلة في ربوع حوض الأمازون كافة، والتي ربما يبلغ مجموع أفرادها 5000 شخص. تمثل هذه الجماعات جل ما تبقى في العالم من قبائل منعزلة. والقبائل المنعزلة الوحيدة التي يُعرف وجودها اليوم خارج الأمازون تعيش في غابة الشجيرات بمنطقة "تشاكو" في الباراغواي، وفي "جزر أندامان" في المحيط الهندي، وفي غرب غينيا الجديدة بإندونيسيا. قد تبدو الأرقام صغيرة، لكن أنصار حقوق الشعوب الأصلية يقولون إن ثمة شيئا أكبر على المحك، ألا وهو الحفاظ على آخر آثار أسلوب عيش عانى الأمرَّين ويكاد يندثر من كوكبنا.. أسلوب نجح في البقاء بمعزل عن الاقتصاد القائم على الصناعة.
وفي ذلك تقول "سيدني بوسويلو"، مناصرة حقوق الشعوب الأصلية: "تكون الخسارة فادحة عندما تختفي قومية أو مجموعة بشرية. يصير وجه البشرية أكثر تجانسا، وتغدو الإنسانية نفسها مفقَّرة أكثر".