أميركيو جنوب آسيا

في مجلس مدينة هوبوكن بولاية نيوجرسي، يقف العمدة الجديد، "رافي إس. بهالا"، أمام صور العمداء السابقين. بهالا محامي ناشط في مجال حقوق الإنسان وهو سِيخيّ يعتمر عمامة للتعبير عن عقيدته؛ كان قد انتُخب لتولّي منصبه في نوفمبر 2017. يقول: "نحن مجتمع متنوّع...
ما إن انتهى "هاري كوندابولو" -فنّان كوميدي ارتجالي أميركي ذو أصل هندي- من إلقاء طُرفة (نكتة) عن ذوي البشرة البنية في أميركا، حتى قاطع شخصٌ ما ضحكَ الجمهور."شكراً، عُدْ مرة أخرى!"، هكذا صاح ذلك الشخص الفظّ ساخراً بلكنةٍ هندية ثقيلة زائفة. وتلك عبارةٌ...
ما إن انتهى "هاري كوندابولو" -فنّان كوميدي ارتجالي أميركي  ذو أصل هندي- من إلقاء طُرفة  (نكتة) عن ذوي البشرة البنية في أميركا، حتى قاطع شخصٌ ما ضحكَ الجمهور.

"شكراً، عُدْ مرة أخرى!"، هكذا صاح ذلك الشخص الفظّ ساخراً بلكنةٍ هندية ثقيلة زائفة. وتلك عبارةٌ لا تخفى على الملايين من متابعي السلسلة التلفزيونية الأميركية، "ذا سيمبسونز"، لكونها المقولة المميزة لشخصية "آبـو ناهاسابـيمابـيتيلون"، والذي يجسّد بشكل سافر صورة نمطية عنصرية: رجل هندي ثري يمتلك محلاً تجارياً ويتّصف بانعدام الضمير وبشيء من الخنوع والذِّلة.
أما بالنسبة إلى صاحبنا كوندابولو، فقد كانت تلك الكلمات -التي ألقيت على مسمعه خلال ذلك العرض الهزلي في شهر أكتوبر من عام -2015 مألوفة أكثر مما ينبغي. فكما هو حال كثير من مواطني الولايات المتحدة ذوي الأصول الآسيوية الجنوبية، كانت مقولة "شكراً، عُدْ مرة أخرى!" الساخرة هذه قد وُجّهت إليه عدداً لا يحصى من المرّات منذ مراهقته. لكنه اليوم استطاع أن يترجم ذلك الاستفزاز إلى مواقف هزلية ساخرة. قال لمُقاطِعه الفظّ وهو يشير إليه: "أعرفك من أيام المدرسة الثانوية، حتى وإن لم أكن أعرفك شخصياً؛ فأنت يا سيدي سبب ممارستي لفن الكوميديا".
يبلغ كوندابولو من العمر 35 عاماً ويتمتع بمظهر صبياني، بشعره الداكن المائج فوق وجهه المكتنز الذي يحمل مُسحةً دائمة من اللهو والاستمتاع. لكن مظهره اللطيف يخفي طبيعة دعاباته اللاذعة. قال لي كوندابولو عندما حاورتُه ووالدَيه "رافي" و"أوما"، لدى منطقة كوينز في نيويورك، تعليقاً على أيام صباه: "لمّا علمت بأنّ لكنتنا تُوظَّف للسخرية منا، صرتُ أتوجّس كثيراً من أن يقابل أحد ما والديَّ المهاجرين [من الهند]". وما كان منه إلا أن تصدّى لذلك الوضع بإيجاد صوت هزلي خاص به ليرد به على تلك الصور النمطية أحاديّة الجانب -التي كثيراً ما تكون كاريكاتورية- عن الجالية الآسيوية الجنوبية في وسائل الإعلام وفي الثقافة الشعبية الأميركية.
وتناولتْ إحدى أبكر طُرَفه، تعليقاً كان قد قرأه على صورة لجوهرة "كوهينور" الماسية، والتي هي جزء من جواهر التاج البريطاني. وردَ في التعليق أن هذه الماسة النفيسة وُجدت بالهند في أواسط القرن التاسع عشر. وتعليقاً على التعليق، يقول كوندابولو ساخراً: "حسناً.. فقد عُثر على الماسة في الهند، ولم تُؤخَذ من الهند؛ عُثر عليها هناك ببساطة". فالهنود لم يكونوا على دراية بأهمية الماسات، إذ كانوا "يطحنونها ويضيفون مسحوقها إلى طبق الكاري" ويحضّرون "أطباق برياني الماس".. إلى أن "ظهر البريطانيّون على الساحة، لحسن الحظ". ويروي طُرفة أخرى مفادها أن أمه كانت تتظاهر بأنها تتصل بخدمات تبنّي الأطفال كلما تصرّف هو وأخوه بشقاوة لمّا كانا صغيرين؛ إذ يقول: "في أحد الأيام، اكتشفنا أنه ليس هناك شخص على الجانب الآخر من المكالمة المزعومة؛ وفي المرة التالية التي تظاهرت فيها بذلك، أخبرتها بأنني سأشكوها إلى سلطة الهجرة، وبذلك توقّفت عن تهديدنا".
كان كوندابولو يجد ضالته في الإشارة إلى العبارات العنصرية نفسها التي كانت تؤرّقه، ليتحدّى بها الصور النمطية. يقول: "عندما يتسنّى للمرء الحصول على منبر يروي منه قصصه، فذلك أمر عظيم.. يعني أنه يسيطر على الوضع".
فلقد عاد كوندابولو برحلته المهنية -بصفته فنّاناً هزلياً ساخراً- إلى نقطة الانطلاق من خلال فيلمه الوثائقي، "مشكلة آبـو"، والذي يبدأ بمشهدِ ردِّه على الشخص الفظّ الذي قاطعه خلال ذلك العرض. ويسعى الفيلم إلى تبيان حقيقة أن شخصية "آبـو" إنما هي رسالة عنصرية. ويرى كوندابولو أن من السخافة أن تكون إحدى أكثر الشخصيات الممثِّلة للأميركيين من أصل هندي حضوراً على شاشات التلفزيون، شخصية كاريكاتورية يؤدّي صوتَها "رجل أبيض يحاكي رجلاً أبيض آخر يسخر من والدي".
وما كوندابولو إلا واحد من بين العديد من المنتمين إلى الجيل الثاني من الأميركيين من أصل جنوب آسيوي -وجلهم هنود- الذين حققوا نجاحاً بارزاً في مجال الكوميديا الأميركية السائدة منذ الأعوام القليلة الماضية.
ويمثّل نجاحهم محطّة مهمة في اندماج ذوي الأصول الآسيوية الجنوبية في المجتمع الأميركي. وباستثمار كوندابولو وأمثاله تجربتَهم -بصفتهم أبناء مهاجرين- في إثارة الضحك، فإنهم يعبّرون عن ثقة بالنفس كان يفتقد إليها كثيرون في الجيل الأول من المهاجرين.

أميركيو جنوب آسيا

في مجلس مدينة هوبوكن بولاية نيوجرسي، يقف العمدة الجديد، "رافي إس. بهالا"، أمام صور العمداء السابقين. بهالا محامي ناشط في مجال حقوق الإنسان وهو سِيخيّ يعتمر عمامة للتعبير عن عقيدته؛ كان قد انتُخب لتولّي منصبه في نوفمبر 2017. يقول: "نحن مجتمع متنوّع...
ما إن انتهى "هاري كوندابولو" -فنّان كوميدي ارتجالي أميركي ذو أصل هندي- من إلقاء طُرفة (نكتة) عن ذوي البشرة البنية في أميركا، حتى قاطع شخصٌ ما ضحكَ الجمهور."شكراً، عُدْ مرة أخرى!"، هكذا صاح ذلك الشخص الفظّ ساخراً بلكنةٍ هندية ثقيلة زائفة. وتلك عبارةٌ...
ما إن انتهى "هاري كوندابولو" -فنّان كوميدي ارتجالي أميركي  ذو أصل هندي- من إلقاء طُرفة  (نكتة) عن ذوي البشرة البنية في أميركا، حتى قاطع شخصٌ ما ضحكَ الجمهور.

"شكراً، عُدْ مرة أخرى!"، هكذا صاح ذلك الشخص الفظّ ساخراً بلكنةٍ هندية ثقيلة زائفة. وتلك عبارةٌ لا تخفى على الملايين من متابعي السلسلة التلفزيونية الأميركية، "ذا سيمبسونز"، لكونها المقولة المميزة لشخصية "آبـو ناهاسابـيمابـيتيلون"، والذي يجسّد بشكل سافر صورة نمطية عنصرية: رجل هندي ثري يمتلك محلاً تجارياً ويتّصف بانعدام الضمير وبشيء من الخنوع والذِّلة.
أما بالنسبة إلى صاحبنا كوندابولو، فقد كانت تلك الكلمات -التي ألقيت على مسمعه خلال ذلك العرض الهزلي في شهر أكتوبر من عام -2015 مألوفة أكثر مما ينبغي. فكما هو حال كثير من مواطني الولايات المتحدة ذوي الأصول الآسيوية الجنوبية، كانت مقولة "شكراً، عُدْ مرة أخرى!" الساخرة هذه قد وُجّهت إليه عدداً لا يحصى من المرّات منذ مراهقته. لكنه اليوم استطاع أن يترجم ذلك الاستفزاز إلى مواقف هزلية ساخرة. قال لمُقاطِعه الفظّ وهو يشير إليه: "أعرفك من أيام المدرسة الثانوية، حتى وإن لم أكن أعرفك شخصياً؛ فأنت يا سيدي سبب ممارستي لفن الكوميديا".
يبلغ كوندابولو من العمر 35 عاماً ويتمتع بمظهر صبياني، بشعره الداكن المائج فوق وجهه المكتنز الذي يحمل مُسحةً دائمة من اللهو والاستمتاع. لكن مظهره اللطيف يخفي طبيعة دعاباته اللاذعة. قال لي كوندابولو عندما حاورتُه ووالدَيه "رافي" و"أوما"، لدى منطقة كوينز في نيويورك، تعليقاً على أيام صباه: "لمّا علمت بأنّ لكنتنا تُوظَّف للسخرية منا، صرتُ أتوجّس كثيراً من أن يقابل أحد ما والديَّ المهاجرين [من الهند]". وما كان منه إلا أن تصدّى لذلك الوضع بإيجاد صوت هزلي خاص به ليرد به على تلك الصور النمطية أحاديّة الجانب -التي كثيراً ما تكون كاريكاتورية- عن الجالية الآسيوية الجنوبية في وسائل الإعلام وفي الثقافة الشعبية الأميركية.
وتناولتْ إحدى أبكر طُرَفه، تعليقاً كان قد قرأه على صورة لجوهرة "كوهينور" الماسية، والتي هي جزء من جواهر التاج البريطاني. وردَ في التعليق أن هذه الماسة النفيسة وُجدت بالهند في أواسط القرن التاسع عشر. وتعليقاً على التعليق، يقول كوندابولو ساخراً: "حسناً.. فقد عُثر على الماسة في الهند، ولم تُؤخَذ من الهند؛ عُثر عليها هناك ببساطة". فالهنود لم يكونوا على دراية بأهمية الماسات، إذ كانوا "يطحنونها ويضيفون مسحوقها إلى طبق الكاري" ويحضّرون "أطباق برياني الماس".. إلى أن "ظهر البريطانيّون على الساحة، لحسن الحظ". ويروي طُرفة أخرى مفادها أن أمه كانت تتظاهر بأنها تتصل بخدمات تبنّي الأطفال كلما تصرّف هو وأخوه بشقاوة لمّا كانا صغيرين؛ إذ يقول: "في أحد الأيام، اكتشفنا أنه ليس هناك شخص على الجانب الآخر من المكالمة المزعومة؛ وفي المرة التالية التي تظاهرت فيها بذلك، أخبرتها بأنني سأشكوها إلى سلطة الهجرة، وبذلك توقّفت عن تهديدنا".
كان كوندابولو يجد ضالته في الإشارة إلى العبارات العنصرية نفسها التي كانت تؤرّقه، ليتحدّى بها الصور النمطية. يقول: "عندما يتسنّى للمرء الحصول على منبر يروي منه قصصه، فذلك أمر عظيم.. يعني أنه يسيطر على الوضع".
فلقد عاد كوندابولو برحلته المهنية -بصفته فنّاناً هزلياً ساخراً- إلى نقطة الانطلاق من خلال فيلمه الوثائقي، "مشكلة آبـو"، والذي يبدأ بمشهدِ ردِّه على الشخص الفظّ الذي قاطعه خلال ذلك العرض. ويسعى الفيلم إلى تبيان حقيقة أن شخصية "آبـو" إنما هي رسالة عنصرية. ويرى كوندابولو أن من السخافة أن تكون إحدى أكثر الشخصيات الممثِّلة للأميركيين من أصل هندي حضوراً على شاشات التلفزيون، شخصية كاريكاتورية يؤدّي صوتَها "رجل أبيض يحاكي رجلاً أبيض آخر يسخر من والدي".
وما كوندابولو إلا واحد من بين العديد من المنتمين إلى الجيل الثاني من الأميركيين من أصل جنوب آسيوي -وجلهم هنود- الذين حققوا نجاحاً بارزاً في مجال الكوميديا الأميركية السائدة منذ الأعوام القليلة الماضية.
ويمثّل نجاحهم محطّة مهمة في اندماج ذوي الأصول الآسيوية الجنوبية في المجتمع الأميركي. وباستثمار كوندابولو وأمثاله تجربتَهم -بصفتهم أبناء مهاجرين- في إثارة الضحك، فإنهم يعبّرون عن ثقة بالنفس كان يفتقد إليها كثيرون في الجيل الأول من المهاجرين.