معضلة زيت النخيل

عناقيد من ثمار نخيل الزيت جُنيت باليد لتُشحن إلى طاحونة في البر الرئيس لماليزيا. تفوق غلة نخيل الزيت في الهكتار الواحد المحاصيلَ الأخرى. لكن ارتفاع الطلب العالمي على هذا الزيت النباتي الأكثر شعبية في العالم، أفضى إلى اجتثاث الغابات وفقدان الحيوانات...
تمتد الغابات القديمة مئات الكيلومترات في الجنوب الغربي للغابون. في صبيحة يوم من شهر يناير، نزلتُ من قارب ضيق على ضفة نهر "نغونيي" رفقة بعض موظفي شركة "أولام" الزراعية التي تتخذ من سنغافورة مقرا لها. توغلنا في الغابة على خطى الفيلة، ومررنا بأشجار قديمة...
تمتد الغابات القديمة مئات الكيلومترات في الجنوب الغربي للغابون. في صبيحة يوم من شهر يناير، نزلتُ من قارب ضيق على ضفة نهر "نغونيي" رفقة بعض موظفي شركة "أولام" الزراعية التي تتخذ من سنغافورة مقرا لها. توغلنا في الغابة على خطى الفيلة، ومررنا بأشجار قديمة سامقة وأوكار قردة شمبانزي وأكوام من روث غوريلات لم يمض على طرحها سوى يوم واحد. في الأعلى تقافزت القردة هاربة. نزع أحد حراس "أولام" حذاءه وتسلق جذع شجرة حافي القدمين، ثم عاد بحفنة من ثمار وردية تشبه البرقوق.
سِرنا أبعدَ فوجدنا ثمار مانجو برية وجوز الكولا ولحاء شجر برائحة الثوم؛ وفي فسحة ترقِّطها أشعة الشمس، تقافزت الأسماك في بركة أحاطت بها أشجار خدشتها الفيلة بأنيابها.
إن الوقوف في ضوء النهار المائل ههنا وتخيل زوال كل هذا.. لَيَحزُّ في النفس.
ليس المكان منتزها ولا محمية، بل هو جزء من مزرعة "مويلا" لزيت النخيل التي تُشرف عليها شركة "أولام". ولو كانت في إندونيسيا أو ماليزيا -وهما أكبر مُنتِجَين لزيت النخيل في العالم- لَجَاءَهَا قُطاع الأشجار والجرافاتُ لإزالة الغابة وزرع أرضها بصفوف متناسقة من نخيل الزيت.
يُعَدُّ نخيل الزيت، بعناقيد ثماره الحمراء التي تنمو تحت سعفات جامحة، محصولا أساسيا قديما؛ إذ دأب الناس منذ آلاف السنين على غلي ثماره وسحقها لاستخراج زيت الطهي، وإحراق غطاء نواه طلبا للدفء، ونسج سعفه لصنع أشياء كثيرة، من الأسقف إلى السلال. وقد شهدت العقود القليلة الماضية تزايد الإقبال على زيت النخيل لتعدد استعمالاته وملمسه الدسم من جهة، ولإنتاجية الشجرة من جهة ثانية؛ فهي لا تحتاج من الأرض سوى نصف ما تحتاج إليه محاصيل أخرى -مثل فول الصويا- لإنتاج كمية معينة من الزيت.
يُعَد زيت النخيل اليوم أكثر زيوت العالم النباتية شعبية، إذ يُشكل ثلث جميع الزيوت النباتية المستهلَكة عالمياً؛ وهو زيت طهي شائع في الهند وبلدان أخرى. وأضحى من الصعب تفاديه بوصفه مكَوِّناً من مكونات سلع كثيرة بالأسواق، من بسكويت وعجينة بيتزا وخبز وأحمر شفاه وغسول وصابون. بل إنه يدخل أيضا في وقود الديزل الحيوي الذي يُفترض أنه رفيق بالبيئة؛ ففي عام 2017 استُعمل 51 بالمئة من زيت النخيل في الاتحاد الأوروبي وقوداً للسيارات والشاحنات.
إن الطلب العالمي على زيت النخيل في ارتفاع؛ وتستهلك الهند جل ما يُنتَج منه على صعيد العالم، أي 17 بالمئة، متبوعةً بكل من إندونيسيا والاتحاد الأوروبي والصين، فيما تحتل الولايات المتحدة حاليا المرتبة الثامنة. ويُرتقب أن يبلغ الاستهلاك العالمي 65.5 مليون طن عام 2018، أي نحو 9 كيلوجرامات من زيت النخيل لكل فرد.

معضلة زيت النخيل

عناقيد من ثمار نخيل الزيت جُنيت باليد لتُشحن إلى طاحونة في البر الرئيس لماليزيا. تفوق غلة نخيل الزيت في الهكتار الواحد المحاصيلَ الأخرى. لكن ارتفاع الطلب العالمي على هذا الزيت النباتي الأكثر شعبية في العالم، أفضى إلى اجتثاث الغابات وفقدان الحيوانات...
تمتد الغابات القديمة مئات الكيلومترات في الجنوب الغربي للغابون. في صبيحة يوم من شهر يناير، نزلتُ من قارب ضيق على ضفة نهر "نغونيي" رفقة بعض موظفي شركة "أولام" الزراعية التي تتخذ من سنغافورة مقرا لها. توغلنا في الغابة على خطى الفيلة، ومررنا بأشجار قديمة...
تمتد الغابات القديمة مئات الكيلومترات في الجنوب الغربي للغابون. في صبيحة يوم من شهر يناير، نزلتُ من قارب ضيق على ضفة نهر "نغونيي" رفقة بعض موظفي شركة "أولام" الزراعية التي تتخذ من سنغافورة مقرا لها. توغلنا في الغابة على خطى الفيلة، ومررنا بأشجار قديمة سامقة وأوكار قردة شمبانزي وأكوام من روث غوريلات لم يمض على طرحها سوى يوم واحد. في الأعلى تقافزت القردة هاربة. نزع أحد حراس "أولام" حذاءه وتسلق جذع شجرة حافي القدمين، ثم عاد بحفنة من ثمار وردية تشبه البرقوق.
سِرنا أبعدَ فوجدنا ثمار مانجو برية وجوز الكولا ولحاء شجر برائحة الثوم؛ وفي فسحة ترقِّطها أشعة الشمس، تقافزت الأسماك في بركة أحاطت بها أشجار خدشتها الفيلة بأنيابها.
إن الوقوف في ضوء النهار المائل ههنا وتخيل زوال كل هذا.. لَيَحزُّ في النفس.
ليس المكان منتزها ولا محمية، بل هو جزء من مزرعة "مويلا" لزيت النخيل التي تُشرف عليها شركة "أولام". ولو كانت في إندونيسيا أو ماليزيا -وهما أكبر مُنتِجَين لزيت النخيل في العالم- لَجَاءَهَا قُطاع الأشجار والجرافاتُ لإزالة الغابة وزرع أرضها بصفوف متناسقة من نخيل الزيت.
يُعَدُّ نخيل الزيت، بعناقيد ثماره الحمراء التي تنمو تحت سعفات جامحة، محصولا أساسيا قديما؛ إذ دأب الناس منذ آلاف السنين على غلي ثماره وسحقها لاستخراج زيت الطهي، وإحراق غطاء نواه طلبا للدفء، ونسج سعفه لصنع أشياء كثيرة، من الأسقف إلى السلال. وقد شهدت العقود القليلة الماضية تزايد الإقبال على زيت النخيل لتعدد استعمالاته وملمسه الدسم من جهة، ولإنتاجية الشجرة من جهة ثانية؛ فهي لا تحتاج من الأرض سوى نصف ما تحتاج إليه محاصيل أخرى -مثل فول الصويا- لإنتاج كمية معينة من الزيت.
يُعَد زيت النخيل اليوم أكثر زيوت العالم النباتية شعبية، إذ يُشكل ثلث جميع الزيوت النباتية المستهلَكة عالمياً؛ وهو زيت طهي شائع في الهند وبلدان أخرى. وأضحى من الصعب تفاديه بوصفه مكَوِّناً من مكونات سلع كثيرة بالأسواق، من بسكويت وعجينة بيتزا وخبز وأحمر شفاه وغسول وصابون. بل إنه يدخل أيضا في وقود الديزل الحيوي الذي يُفترض أنه رفيق بالبيئة؛ ففي عام 2017 استُعمل 51 بالمئة من زيت النخيل في الاتحاد الأوروبي وقوداً للسيارات والشاحنات.
إن الطلب العالمي على زيت النخيل في ارتفاع؛ وتستهلك الهند جل ما يُنتَج منه على صعيد العالم، أي 17 بالمئة، متبوعةً بكل من إندونيسيا والاتحاد الأوروبي والصين، فيما تحتل الولايات المتحدة حاليا المرتبة الثامنة. ويُرتقب أن يبلغ الاستهلاك العالمي 65.5 مليون طن عام 2018، أي نحو 9 كيلوجرامات من زيت النخيل لكل فرد.