المدينة.. في ميزان الكسب والخسارة
الحرية الفردية أم المصالح الجماعية؟ الروابط الاجتماعية أم الانزواء والانعزالية؟ هكذا تجبرنا الحياة الحضرية على التضحية بهذا مقابل ذاك.. أو ذاك مقابل هذا.عبر جل الستة ملايين عام التي أمضاها الإنسان وأسلافه البدائيون على درب التطور، عاش في كثافة سكانية...
الحرية الفردية أم المصالح الجماعية؟ الروابط الاجتماعية أم الانزواء والانعزالية؟ هكذا تجبرنا الحياة الحضرية على التضحية بهذا مقابل ذاك.. أو ذاك مقابل هذا.
عبر جل الستة ملايين عام التي أمضاها الإنسان وأسلافه البدائيون على درب التطور، عاش في كثافة سكانية منخفضة؛ إذ انتشر هنا وهناك فاستوطن المجال الطبيعي في شكل عوائل أو جماعات صغيرة. ولم يتجمع بعض أسلافنا داخل المدن إلا خلال الستة آلاف عام الماضية، والتي لا تمثل إلا نزرا يسيرا من التاريخ البشري. لكن اليوم يعيش أكثر من نصف سكان العالم في هذه البيئات الجديدة -أي المدن- التي يؤوي بعضها عشرات الملايين من السكان.
لكن نمط الحياة الحضرية يَحمل الناس على إجراء عمليات مفاضلة قد تجعلنا نكسب فوائد جمة، لكن مع التضحية بامتيازات أخرى مهمة. فلننظر إلى عنصرين اثنين من عناصر هذه المفاضلة: الحرية الفردية أم مصلحة المجتمع؟ الروابط الاجتماعية أم الانزواء والانعزالية؟
لفهم مسألة الحرية، دعونا نتأمل حالة مدينة سنغافورة التي تعد في الواقع إحدى أكثر دول العالم المصغرة اكتظاظا بالسكان؛ إذ يتكدس سكانها الذين يناهز عددهم ستة ملايين نسمة، داخل مساحة 720 كيلومترا مربعا، أي ما يفوق متوسط كثافة السكان في الولايات المتحدة بواقع 230 ضعفا. فهي مركز مالي آسيوي، وميناء رئيس في أحد أكثر مضايق العالم نشاطا من حيث حركة النقل البحري، ورقعة صغيرة من العقارات ذات القيمة العالية التي تربط بين جارين عملاقين وقويين، هما إندونيسيا وماليزيا. وكانت سنغافورة جزءا من ماليزيا حتى عام 1965، عندما دفعت أشكال التوتر الاقتصادي والعرقي في اتجاه انفصالها؛ ولكنها لا تزال تعتمد على ماليزيا في جل ما تتزود به من مياه وفي كثير من الأغذية، ولا تستطيع المجازفة بارتكاب أخطاء أو استفزاز جاريها.
لذلك، تراقب حكومة سنغافورة مواطنيها من كثب لضمان أن الأفراد لا يضرون بالمجتمع. فالمفتشون يتحققون من عدم وجود مياه راكدة داخل أوعية النباتات في كل بيت، مخافة أن يتسبب ذلك بتكاثر البعوض الناقل للأمراض. وتقيس (أو ستقيس) مستشعراتٌ فائقة التقنية حركةَ المرور في كل شارع، وتحركات كل سيارة، والحرارة المنبعثة من المباني وما تلقيه من ظلال. كما أنها سترصد استهلاك كل بيت للماء والكهرباء وستُسجل الوقت الذي يَكسَح فيه كل سيفون مراحيض المنازل. وقد ينظر الأميركيون إلى هذه الإجراءات بارتياع وكأنها تجسيد لأحداث رواية "1984" للكاتب البريطاني "جورج أورويل"؛ ولكن مواطني سنغافورة يرون بأن ذلك يدخل في إطار الصفقة التي أبرموها مع حكومتهم: حرية فردية أقل في مقابل أرقى المعايير الدولية من حيث مستوى العيش والصحة والأمن.
عبر جل الستة ملايين عام التي أمضاها الإنسان وأسلافه البدائيون على درب التطور، عاش في كثافة سكانية منخفضة؛ إذ انتشر هنا وهناك فاستوطن المجال الطبيعي في شكل عوائل أو جماعات صغيرة. ولم يتجمع بعض أسلافنا داخل المدن إلا خلال الستة آلاف عام الماضية، والتي لا تمثل إلا نزرا يسيرا من التاريخ البشري. لكن اليوم يعيش أكثر من نصف سكان العالم في هذه البيئات الجديدة -أي المدن- التي يؤوي بعضها عشرات الملايين من السكان.
لكن نمط الحياة الحضرية يَحمل الناس على إجراء عمليات مفاضلة قد تجعلنا نكسب فوائد جمة، لكن مع التضحية بامتيازات أخرى مهمة. فلننظر إلى عنصرين اثنين من عناصر هذه المفاضلة: الحرية الفردية أم مصلحة المجتمع؟ الروابط الاجتماعية أم الانزواء والانعزالية؟
لفهم مسألة الحرية، دعونا نتأمل حالة مدينة سنغافورة التي تعد في الواقع إحدى أكثر دول العالم المصغرة اكتظاظا بالسكان؛ إذ يتكدس سكانها الذين يناهز عددهم ستة ملايين نسمة، داخل مساحة 720 كيلومترا مربعا، أي ما يفوق متوسط كثافة السكان في الولايات المتحدة بواقع 230 ضعفا. فهي مركز مالي آسيوي، وميناء رئيس في أحد أكثر مضايق العالم نشاطا من حيث حركة النقل البحري، ورقعة صغيرة من العقارات ذات القيمة العالية التي تربط بين جارين عملاقين وقويين، هما إندونيسيا وماليزيا. وكانت سنغافورة جزءا من ماليزيا حتى عام 1965، عندما دفعت أشكال التوتر الاقتصادي والعرقي في اتجاه انفصالها؛ ولكنها لا تزال تعتمد على ماليزيا في جل ما تتزود به من مياه وفي كثير من الأغذية، ولا تستطيع المجازفة بارتكاب أخطاء أو استفزاز جاريها.
لذلك، تراقب حكومة سنغافورة مواطنيها من كثب لضمان أن الأفراد لا يضرون بالمجتمع. فالمفتشون يتحققون من عدم وجود مياه راكدة داخل أوعية النباتات في كل بيت، مخافة أن يتسبب ذلك بتكاثر البعوض الناقل للأمراض. وتقيس (أو ستقيس) مستشعراتٌ فائقة التقنية حركةَ المرور في كل شارع، وتحركات كل سيارة، والحرارة المنبعثة من المباني وما تلقيه من ظلال. كما أنها سترصد استهلاك كل بيت للماء والكهرباء وستُسجل الوقت الذي يَكسَح فيه كل سيفون مراحيض المنازل. وقد ينظر الأميركيون إلى هذه الإجراءات بارتياع وكأنها تجسيد لأحداث رواية "1984" للكاتب البريطاني "جورج أورويل"؛ ولكن مواطني سنغافورة يرون بأن ذلك يدخل في إطار الصفقة التي أبرموها مع حكومتهم: حرية فردية أقل في مقابل أرقى المعايير الدولية من حيث مستوى العيش والصحة والأمن.
المدينة.. في ميزان الكسب والخسارة
- جاريد دايموند
الحرية الفردية أم المصالح الجماعية؟ الروابط الاجتماعية أم الانزواء والانعزالية؟ هكذا تجبرنا الحياة الحضرية على التضحية بهذا مقابل ذاك.. أو ذاك مقابل هذا.عبر جل الستة ملايين عام التي أمضاها الإنسان وأسلافه البدائيون على درب التطور، عاش في كثافة سكانية...
الحرية الفردية أم المصالح الجماعية؟ الروابط الاجتماعية أم الانزواء والانعزالية؟ هكذا تجبرنا الحياة الحضرية على التضحية بهذا مقابل ذاك.. أو ذاك مقابل هذا.
عبر جل الستة ملايين عام التي أمضاها الإنسان وأسلافه البدائيون على درب التطور، عاش في كثافة سكانية منخفضة؛ إذ انتشر هنا وهناك فاستوطن المجال الطبيعي في شكل عوائل أو جماعات صغيرة. ولم يتجمع بعض أسلافنا داخل المدن إلا خلال الستة آلاف عام الماضية، والتي لا تمثل إلا نزرا يسيرا من التاريخ البشري. لكن اليوم يعيش أكثر من نصف سكان العالم في هذه البيئات الجديدة -أي المدن- التي يؤوي بعضها عشرات الملايين من السكان.
لكن نمط الحياة الحضرية يَحمل الناس على إجراء عمليات مفاضلة قد تجعلنا نكسب فوائد جمة، لكن مع التضحية بامتيازات أخرى مهمة. فلننظر إلى عنصرين اثنين من عناصر هذه المفاضلة: الحرية الفردية أم مصلحة المجتمع؟ الروابط الاجتماعية أم الانزواء والانعزالية؟
لفهم مسألة الحرية، دعونا نتأمل حالة مدينة سنغافورة التي تعد في الواقع إحدى أكثر دول العالم المصغرة اكتظاظا بالسكان؛ إذ يتكدس سكانها الذين يناهز عددهم ستة ملايين نسمة، داخل مساحة 720 كيلومترا مربعا، أي ما يفوق متوسط كثافة السكان في الولايات المتحدة بواقع 230 ضعفا. فهي مركز مالي آسيوي، وميناء رئيس في أحد أكثر مضايق العالم نشاطا من حيث حركة النقل البحري، ورقعة صغيرة من العقارات ذات القيمة العالية التي تربط بين جارين عملاقين وقويين، هما إندونيسيا وماليزيا. وكانت سنغافورة جزءا من ماليزيا حتى عام 1965، عندما دفعت أشكال التوتر الاقتصادي والعرقي في اتجاه انفصالها؛ ولكنها لا تزال تعتمد على ماليزيا في جل ما تتزود به من مياه وفي كثير من الأغذية، ولا تستطيع المجازفة بارتكاب أخطاء أو استفزاز جاريها.
لذلك، تراقب حكومة سنغافورة مواطنيها من كثب لضمان أن الأفراد لا يضرون بالمجتمع. فالمفتشون يتحققون من عدم وجود مياه راكدة داخل أوعية النباتات في كل بيت، مخافة أن يتسبب ذلك بتكاثر البعوض الناقل للأمراض. وتقيس (أو ستقيس) مستشعراتٌ فائقة التقنية حركةَ المرور في كل شارع، وتحركات كل سيارة، والحرارة المنبعثة من المباني وما تلقيه من ظلال. كما أنها سترصد استهلاك كل بيت للماء والكهرباء وستُسجل الوقت الذي يَكسَح فيه كل سيفون مراحيض المنازل. وقد ينظر الأميركيون إلى هذه الإجراءات بارتياع وكأنها تجسيد لأحداث رواية "1984" للكاتب البريطاني "جورج أورويل"؛ ولكن مواطني سنغافورة يرون بأن ذلك يدخل في إطار الصفقة التي أبرموها مع حكومتهم: حرية فردية أقل في مقابل أرقى المعايير الدولية من حيث مستوى العيش والصحة والأمن.
عبر جل الستة ملايين عام التي أمضاها الإنسان وأسلافه البدائيون على درب التطور، عاش في كثافة سكانية منخفضة؛ إذ انتشر هنا وهناك فاستوطن المجال الطبيعي في شكل عوائل أو جماعات صغيرة. ولم يتجمع بعض أسلافنا داخل المدن إلا خلال الستة آلاف عام الماضية، والتي لا تمثل إلا نزرا يسيرا من التاريخ البشري. لكن اليوم يعيش أكثر من نصف سكان العالم في هذه البيئات الجديدة -أي المدن- التي يؤوي بعضها عشرات الملايين من السكان.
لكن نمط الحياة الحضرية يَحمل الناس على إجراء عمليات مفاضلة قد تجعلنا نكسب فوائد جمة، لكن مع التضحية بامتيازات أخرى مهمة. فلننظر إلى عنصرين اثنين من عناصر هذه المفاضلة: الحرية الفردية أم مصلحة المجتمع؟ الروابط الاجتماعية أم الانزواء والانعزالية؟
لفهم مسألة الحرية، دعونا نتأمل حالة مدينة سنغافورة التي تعد في الواقع إحدى أكثر دول العالم المصغرة اكتظاظا بالسكان؛ إذ يتكدس سكانها الذين يناهز عددهم ستة ملايين نسمة، داخل مساحة 720 كيلومترا مربعا، أي ما يفوق متوسط كثافة السكان في الولايات المتحدة بواقع 230 ضعفا. فهي مركز مالي آسيوي، وميناء رئيس في أحد أكثر مضايق العالم نشاطا من حيث حركة النقل البحري، ورقعة صغيرة من العقارات ذات القيمة العالية التي تربط بين جارين عملاقين وقويين، هما إندونيسيا وماليزيا. وكانت سنغافورة جزءا من ماليزيا حتى عام 1965، عندما دفعت أشكال التوتر الاقتصادي والعرقي في اتجاه انفصالها؛ ولكنها لا تزال تعتمد على ماليزيا في جل ما تتزود به من مياه وفي كثير من الأغذية، ولا تستطيع المجازفة بارتكاب أخطاء أو استفزاز جاريها.
لذلك، تراقب حكومة سنغافورة مواطنيها من كثب لضمان أن الأفراد لا يضرون بالمجتمع. فالمفتشون يتحققون من عدم وجود مياه راكدة داخل أوعية النباتات في كل بيت، مخافة أن يتسبب ذلك بتكاثر البعوض الناقل للأمراض. وتقيس (أو ستقيس) مستشعراتٌ فائقة التقنية حركةَ المرور في كل شارع، وتحركات كل سيارة، والحرارة المنبعثة من المباني وما تلقيه من ظلال. كما أنها سترصد استهلاك كل بيت للماء والكهرباء وستُسجل الوقت الذي يَكسَح فيه كل سيفون مراحيض المنازل. وقد ينظر الأميركيون إلى هذه الإجراءات بارتياع وكأنها تجسيد لأحداث رواية "1984" للكاتب البريطاني "جورج أورويل"؛ ولكن مواطني سنغافورة يرون بأن ذلك يدخل في إطار الصفقة التي أبرموها مع حكومتهم: حرية فردية أقل في مقابل أرقى المعايير الدولية من حيث مستوى العيش والصحة والأمن.