ليوناردو دافينشي.. نجمٌ يأبى الأفول
في طرفة عين، التقت قرونٌ من الزمن الغابر بالزمن الحاضر.. كانت لحظة لم أعِش مثيلاً لها. فقد جئت إلى "قصر ويندسور" لرؤية المجموعة التي تمتلكها ملكة بريطانيا من رسومات "ليوناردو دافينشي".هنالك خارج أسوار القلعة الشامخة، كان السيّاح يلتقطون صور "سيلفي"...
في طرفة عين، التقت قرونٌ من الزمن الغابر بالزمن الحاضر.. كانت لحظة لم أعِش مثيلاً لها. فقد جئت إلى "قصر ويندسور" لرؤية المجموعة التي تمتلكها ملكة بريطانيا من رسومات "ليوناردو دافينشي".
هنالك خارج أسوار القلعة الشامخة، كان السيّاح يلتقطون صور "سيلفي" لأنفسهم ويفتّشون عمّا يعجبهم في مجموعة من مناشف الصحون التذكارية. أما في الداخل، وبعد مدخل تعلوه قوسٌ مزيّنة بتماثيل "الجرغول" الزخرفية، وجدتُ ليوناردو دافينشي في استقبالي ليصطحبني في رحلة تعود بنا إلى عصر النهضة.
كنتُ أكاد أسمع همسَ ذلك الرجل المبدع وأنا أتأمل ألبومًا مكسوًّا بالجلد تم تجليده في أواخر القرن السادس عشر، في غرفة الطباعة الفخمة بالقصر. يبلغ سُمك هذا السِّـفْر 6.5 سنتيمتر ويزدانُ بنقوش ذهبية. وعلى غلافه الملطّخ والمهترئ بفعل البصمات الخفية التي خلّفتها أجيال من الناس، يظهر العنوان: "ديسيني دي ليوناردو دافينشي ريستاوراتي دا بومبيو ليوني" (رسومات رسمها ليوناردو دافينشي وتولَّى حِفظها بومبيو ليوني).
لا أحد يعلم بالضبط كيف وصل هذا الألبوم إلى إنجلترا، لكن أصله واضح: إذ كان ليوني -وهو نحّات إيطالي- قد حصل على رسومات ليوناردو من "فرنتشيسكو ميلتسي" -ابن تلميذ ليوناردو الشغوف- وثبّتها على صفحات ألبومين اثنين على أقل تقدير. وبحلول عام 1690، وصل مجلّد ليوني -وهو الاسم الذي يُعرف به الكتاب- إلى "المجموعة الملكية"، وقد ضم بين دفّتيه 234 صفحة تحمل في طياتها الرحلات التي خاضها عقل ليوناردو المتعطّش للمعرفة.
راحَ "مارتن كليتون"، رئيس قسم المطبوعات والرسومات لدى "مؤسسة المجموعة الملكية"، ينشر مجموعة من الصفحات (والتي غدت الآن مفرَزة في 60 علبة)، فتجلّى مدى تنوّع الموضوعات التي اهتم بها ليوناردو: من علم النبات والجيولوجيا وعلم حركة السوائل، فالعَمارة والهندسة العسكرية وتصميم الأزياء، إلى الهندسة الرياضية ورسم الخرائط وعلم البصريّات وعلم التشريح. كان يرسم رسوماته التخطيطيّة ليجد تفسيرًا للمجاهيل، سابرًا ألغاز الكون بالحِبر والطبشورة وأقلام النقاط الفضية.
تحبس رسوماتُه تلك الأنفاسَ بوضوحها وجلائها. ويُظهر أدقّها حجماً -أصغر من الإبهام- جذعَ امرأة تم تصويره ببضع جرّات قلمٍ بارعة تكاد لا تُلحَظ. أما أكثر رسوماته رمزية فقد رُسمت بلطف ورقّة، باستعمال الطبشورة الحمراء وعلامات تظليل بخطوط مائلة، وتُصوّر جنينًا متكوّرًا على نفسه داخل الرحم.
وقد أخضع الرجل المبدع كل شيء للاختبار بدقة بصرية؛ إذ نجد من بين رسوماته: دراسة تمهيدية لطيّات القماش الذي كسا مريم العذراء في إحدى لوحاته، ومدافع هاون تقصف حِصنًا، والظل الكامل وهالة الظل، وجمجمة، وقلبًا، وقدمًا، وتنوّع الوجه البشري.. من نضارة وجه الملكة "ليدا" الأسطورية إلى القسمات المشوّهة لوجه رجل مسنّ.
يقول كليتون: "إن أكثر ما يميّزه المرءُ في رسومات ليوناردو عند النظر إلى بعض أوراقه، هو أسلوبه غير المقيّد على الإطلاق في الوثوب من موضوع إلى آخر. فالمرء يحظى بتشويق هائل من مشاهدة عقل يعمل بهذه الطريقة المذهلة في اتساعها".
كان ليوناردو -مدوّن الملاحظات والباحث عن الحقيقة الفضوليّ بالفطرة- نهمًا في طلب العلم. إذ شملت قائمة مهامّه كما دوّنها على عجل: "صنع نظّارات لرؤية القمر أكبر"، و"وصف سبب الضحك"؛ فضلا عن بحثه عن إجابات لوابلٍ من الأسئلة، مثل: ما المسافة التي تفصل الحاجب عن كلٍ من ملتقى الشفتين والذقن؟ لمَ النجوم مرئية ليلاً وليس نهارًا؟ ما العلاقة بين فروع الشجرة وسُمك جذعها؟ ما الذي يفصل الماء عن الهواء؟ أين تكمن الروح؟ ما هو العطاس والتثاؤب والجوع والعطش والشهوة؟
هنالك خارج أسوار القلعة الشامخة، كان السيّاح يلتقطون صور "سيلفي" لأنفسهم ويفتّشون عمّا يعجبهم في مجموعة من مناشف الصحون التذكارية. أما في الداخل، وبعد مدخل تعلوه قوسٌ مزيّنة بتماثيل "الجرغول" الزخرفية، وجدتُ ليوناردو دافينشي في استقبالي ليصطحبني في رحلة تعود بنا إلى عصر النهضة.
كنتُ أكاد أسمع همسَ ذلك الرجل المبدع وأنا أتأمل ألبومًا مكسوًّا بالجلد تم تجليده في أواخر القرن السادس عشر، في غرفة الطباعة الفخمة بالقصر. يبلغ سُمك هذا السِّـفْر 6.5 سنتيمتر ويزدانُ بنقوش ذهبية. وعلى غلافه الملطّخ والمهترئ بفعل البصمات الخفية التي خلّفتها أجيال من الناس، يظهر العنوان: "ديسيني دي ليوناردو دافينشي ريستاوراتي دا بومبيو ليوني" (رسومات رسمها ليوناردو دافينشي وتولَّى حِفظها بومبيو ليوني).
لا أحد يعلم بالضبط كيف وصل هذا الألبوم إلى إنجلترا، لكن أصله واضح: إذ كان ليوني -وهو نحّات إيطالي- قد حصل على رسومات ليوناردو من "فرنتشيسكو ميلتسي" -ابن تلميذ ليوناردو الشغوف- وثبّتها على صفحات ألبومين اثنين على أقل تقدير. وبحلول عام 1690، وصل مجلّد ليوني -وهو الاسم الذي يُعرف به الكتاب- إلى "المجموعة الملكية"، وقد ضم بين دفّتيه 234 صفحة تحمل في طياتها الرحلات التي خاضها عقل ليوناردو المتعطّش للمعرفة.
راحَ "مارتن كليتون"، رئيس قسم المطبوعات والرسومات لدى "مؤسسة المجموعة الملكية"، ينشر مجموعة من الصفحات (والتي غدت الآن مفرَزة في 60 علبة)، فتجلّى مدى تنوّع الموضوعات التي اهتم بها ليوناردو: من علم النبات والجيولوجيا وعلم حركة السوائل، فالعَمارة والهندسة العسكرية وتصميم الأزياء، إلى الهندسة الرياضية ورسم الخرائط وعلم البصريّات وعلم التشريح. كان يرسم رسوماته التخطيطيّة ليجد تفسيرًا للمجاهيل، سابرًا ألغاز الكون بالحِبر والطبشورة وأقلام النقاط الفضية.
تحبس رسوماتُه تلك الأنفاسَ بوضوحها وجلائها. ويُظهر أدقّها حجماً -أصغر من الإبهام- جذعَ امرأة تم تصويره ببضع جرّات قلمٍ بارعة تكاد لا تُلحَظ. أما أكثر رسوماته رمزية فقد رُسمت بلطف ورقّة، باستعمال الطبشورة الحمراء وعلامات تظليل بخطوط مائلة، وتُصوّر جنينًا متكوّرًا على نفسه داخل الرحم.
وقد أخضع الرجل المبدع كل شيء للاختبار بدقة بصرية؛ إذ نجد من بين رسوماته: دراسة تمهيدية لطيّات القماش الذي كسا مريم العذراء في إحدى لوحاته، ومدافع هاون تقصف حِصنًا، والظل الكامل وهالة الظل، وجمجمة، وقلبًا، وقدمًا، وتنوّع الوجه البشري.. من نضارة وجه الملكة "ليدا" الأسطورية إلى القسمات المشوّهة لوجه رجل مسنّ.
يقول كليتون: "إن أكثر ما يميّزه المرءُ في رسومات ليوناردو عند النظر إلى بعض أوراقه، هو أسلوبه غير المقيّد على الإطلاق في الوثوب من موضوع إلى آخر. فالمرء يحظى بتشويق هائل من مشاهدة عقل يعمل بهذه الطريقة المذهلة في اتساعها".
كان ليوناردو -مدوّن الملاحظات والباحث عن الحقيقة الفضوليّ بالفطرة- نهمًا في طلب العلم. إذ شملت قائمة مهامّه كما دوّنها على عجل: "صنع نظّارات لرؤية القمر أكبر"، و"وصف سبب الضحك"؛ فضلا عن بحثه عن إجابات لوابلٍ من الأسئلة، مثل: ما المسافة التي تفصل الحاجب عن كلٍ من ملتقى الشفتين والذقن؟ لمَ النجوم مرئية ليلاً وليس نهارًا؟ ما العلاقة بين فروع الشجرة وسُمك جذعها؟ ما الذي يفصل الماء عن الهواء؟ أين تكمن الروح؟ ما هو العطاس والتثاؤب والجوع والعطش والشهوة؟
ليوناردو دافينشي.. نجمٌ يأبى الأفول
- باولو وودز و غابرييل غاليمبيرتي
في طرفة عين، التقت قرونٌ من الزمن الغابر بالزمن الحاضر.. كانت لحظة لم أعِش مثيلاً لها. فقد جئت إلى "قصر ويندسور" لرؤية المجموعة التي تمتلكها ملكة بريطانيا من رسومات "ليوناردو دافينشي".هنالك خارج أسوار القلعة الشامخة، كان السيّاح يلتقطون صور "سيلفي"...
في طرفة عين، التقت قرونٌ من الزمن الغابر بالزمن الحاضر.. كانت لحظة لم أعِش مثيلاً لها. فقد جئت إلى "قصر ويندسور" لرؤية المجموعة التي تمتلكها ملكة بريطانيا من رسومات "ليوناردو دافينشي".
هنالك خارج أسوار القلعة الشامخة، كان السيّاح يلتقطون صور "سيلفي" لأنفسهم ويفتّشون عمّا يعجبهم في مجموعة من مناشف الصحون التذكارية. أما في الداخل، وبعد مدخل تعلوه قوسٌ مزيّنة بتماثيل "الجرغول" الزخرفية، وجدتُ ليوناردو دافينشي في استقبالي ليصطحبني في رحلة تعود بنا إلى عصر النهضة.
كنتُ أكاد أسمع همسَ ذلك الرجل المبدع وأنا أتأمل ألبومًا مكسوًّا بالجلد تم تجليده في أواخر القرن السادس عشر، في غرفة الطباعة الفخمة بالقصر. يبلغ سُمك هذا السِّـفْر 6.5 سنتيمتر ويزدانُ بنقوش ذهبية. وعلى غلافه الملطّخ والمهترئ بفعل البصمات الخفية التي خلّفتها أجيال من الناس، يظهر العنوان: "ديسيني دي ليوناردو دافينشي ريستاوراتي دا بومبيو ليوني" (رسومات رسمها ليوناردو دافينشي وتولَّى حِفظها بومبيو ليوني).
لا أحد يعلم بالضبط كيف وصل هذا الألبوم إلى إنجلترا، لكن أصله واضح: إذ كان ليوني -وهو نحّات إيطالي- قد حصل على رسومات ليوناردو من "فرنتشيسكو ميلتسي" -ابن تلميذ ليوناردو الشغوف- وثبّتها على صفحات ألبومين اثنين على أقل تقدير. وبحلول عام 1690، وصل مجلّد ليوني -وهو الاسم الذي يُعرف به الكتاب- إلى "المجموعة الملكية"، وقد ضم بين دفّتيه 234 صفحة تحمل في طياتها الرحلات التي خاضها عقل ليوناردو المتعطّش للمعرفة.
راحَ "مارتن كليتون"، رئيس قسم المطبوعات والرسومات لدى "مؤسسة المجموعة الملكية"، ينشر مجموعة من الصفحات (والتي غدت الآن مفرَزة في 60 علبة)، فتجلّى مدى تنوّع الموضوعات التي اهتم بها ليوناردو: من علم النبات والجيولوجيا وعلم حركة السوائل، فالعَمارة والهندسة العسكرية وتصميم الأزياء، إلى الهندسة الرياضية ورسم الخرائط وعلم البصريّات وعلم التشريح. كان يرسم رسوماته التخطيطيّة ليجد تفسيرًا للمجاهيل، سابرًا ألغاز الكون بالحِبر والطبشورة وأقلام النقاط الفضية.
تحبس رسوماتُه تلك الأنفاسَ بوضوحها وجلائها. ويُظهر أدقّها حجماً -أصغر من الإبهام- جذعَ امرأة تم تصويره ببضع جرّات قلمٍ بارعة تكاد لا تُلحَظ. أما أكثر رسوماته رمزية فقد رُسمت بلطف ورقّة، باستعمال الطبشورة الحمراء وعلامات تظليل بخطوط مائلة، وتُصوّر جنينًا متكوّرًا على نفسه داخل الرحم.
وقد أخضع الرجل المبدع كل شيء للاختبار بدقة بصرية؛ إذ نجد من بين رسوماته: دراسة تمهيدية لطيّات القماش الذي كسا مريم العذراء في إحدى لوحاته، ومدافع هاون تقصف حِصنًا، والظل الكامل وهالة الظل، وجمجمة، وقلبًا، وقدمًا، وتنوّع الوجه البشري.. من نضارة وجه الملكة "ليدا" الأسطورية إلى القسمات المشوّهة لوجه رجل مسنّ.
يقول كليتون: "إن أكثر ما يميّزه المرءُ في رسومات ليوناردو عند النظر إلى بعض أوراقه، هو أسلوبه غير المقيّد على الإطلاق في الوثوب من موضوع إلى آخر. فالمرء يحظى بتشويق هائل من مشاهدة عقل يعمل بهذه الطريقة المذهلة في اتساعها".
كان ليوناردو -مدوّن الملاحظات والباحث عن الحقيقة الفضوليّ بالفطرة- نهمًا في طلب العلم. إذ شملت قائمة مهامّه كما دوّنها على عجل: "صنع نظّارات لرؤية القمر أكبر"، و"وصف سبب الضحك"؛ فضلا عن بحثه عن إجابات لوابلٍ من الأسئلة، مثل: ما المسافة التي تفصل الحاجب عن كلٍ من ملتقى الشفتين والذقن؟ لمَ النجوم مرئية ليلاً وليس نهارًا؟ ما العلاقة بين فروع الشجرة وسُمك جذعها؟ ما الذي يفصل الماء عن الهواء؟ أين تكمن الروح؟ ما هو العطاس والتثاؤب والجوع والعطش والشهوة؟
هنالك خارج أسوار القلعة الشامخة، كان السيّاح يلتقطون صور "سيلفي" لأنفسهم ويفتّشون عمّا يعجبهم في مجموعة من مناشف الصحون التذكارية. أما في الداخل، وبعد مدخل تعلوه قوسٌ مزيّنة بتماثيل "الجرغول" الزخرفية، وجدتُ ليوناردو دافينشي في استقبالي ليصطحبني في رحلة تعود بنا إلى عصر النهضة.
كنتُ أكاد أسمع همسَ ذلك الرجل المبدع وأنا أتأمل ألبومًا مكسوًّا بالجلد تم تجليده في أواخر القرن السادس عشر، في غرفة الطباعة الفخمة بالقصر. يبلغ سُمك هذا السِّـفْر 6.5 سنتيمتر ويزدانُ بنقوش ذهبية. وعلى غلافه الملطّخ والمهترئ بفعل البصمات الخفية التي خلّفتها أجيال من الناس، يظهر العنوان: "ديسيني دي ليوناردو دافينشي ريستاوراتي دا بومبيو ليوني" (رسومات رسمها ليوناردو دافينشي وتولَّى حِفظها بومبيو ليوني).
لا أحد يعلم بالضبط كيف وصل هذا الألبوم إلى إنجلترا، لكن أصله واضح: إذ كان ليوني -وهو نحّات إيطالي- قد حصل على رسومات ليوناردو من "فرنتشيسكو ميلتسي" -ابن تلميذ ليوناردو الشغوف- وثبّتها على صفحات ألبومين اثنين على أقل تقدير. وبحلول عام 1690، وصل مجلّد ليوني -وهو الاسم الذي يُعرف به الكتاب- إلى "المجموعة الملكية"، وقد ضم بين دفّتيه 234 صفحة تحمل في طياتها الرحلات التي خاضها عقل ليوناردو المتعطّش للمعرفة.
راحَ "مارتن كليتون"، رئيس قسم المطبوعات والرسومات لدى "مؤسسة المجموعة الملكية"، ينشر مجموعة من الصفحات (والتي غدت الآن مفرَزة في 60 علبة)، فتجلّى مدى تنوّع الموضوعات التي اهتم بها ليوناردو: من علم النبات والجيولوجيا وعلم حركة السوائل، فالعَمارة والهندسة العسكرية وتصميم الأزياء، إلى الهندسة الرياضية ورسم الخرائط وعلم البصريّات وعلم التشريح. كان يرسم رسوماته التخطيطيّة ليجد تفسيرًا للمجاهيل، سابرًا ألغاز الكون بالحِبر والطبشورة وأقلام النقاط الفضية.
تحبس رسوماتُه تلك الأنفاسَ بوضوحها وجلائها. ويُظهر أدقّها حجماً -أصغر من الإبهام- جذعَ امرأة تم تصويره ببضع جرّات قلمٍ بارعة تكاد لا تُلحَظ. أما أكثر رسوماته رمزية فقد رُسمت بلطف ورقّة، باستعمال الطبشورة الحمراء وعلامات تظليل بخطوط مائلة، وتُصوّر جنينًا متكوّرًا على نفسه داخل الرحم.
وقد أخضع الرجل المبدع كل شيء للاختبار بدقة بصرية؛ إذ نجد من بين رسوماته: دراسة تمهيدية لطيّات القماش الذي كسا مريم العذراء في إحدى لوحاته، ومدافع هاون تقصف حِصنًا، والظل الكامل وهالة الظل، وجمجمة، وقلبًا، وقدمًا، وتنوّع الوجه البشري.. من نضارة وجه الملكة "ليدا" الأسطورية إلى القسمات المشوّهة لوجه رجل مسنّ.
يقول كليتون: "إن أكثر ما يميّزه المرءُ في رسومات ليوناردو عند النظر إلى بعض أوراقه، هو أسلوبه غير المقيّد على الإطلاق في الوثوب من موضوع إلى آخر. فالمرء يحظى بتشويق هائل من مشاهدة عقل يعمل بهذه الطريقة المذهلة في اتساعها".
كان ليوناردو -مدوّن الملاحظات والباحث عن الحقيقة الفضوليّ بالفطرة- نهمًا في طلب العلم. إذ شملت قائمة مهامّه كما دوّنها على عجل: "صنع نظّارات لرؤية القمر أكبر"، و"وصف سبب الضحك"؛ فضلا عن بحثه عن إجابات لوابلٍ من الأسئلة، مثل: ما المسافة التي تفصل الحاجب عن كلٍ من ملتقى الشفتين والذقن؟ لمَ النجوم مرئية ليلاً وليس نهارًا؟ ما العلاقة بين فروع الشجرة وسُمك جذعها؟ ما الذي يفصل الماء عن الهواء؟ أين تكمن الروح؟ ما هو العطاس والتثاؤب والجوع والعطش والشهوة؟